الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أندلسيات-1

محيي هادي

2004 / 11 / 30
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


حينما نتحدث عن الأندلس تخطر في أذهاننا كلمتان إثنتان: الفردوس المفقود. كلمتان يستعملهما بشكل خاص المسلمون و هم يحلمون إلى إعادة هذا الجزء الجميل من العالم إلى سيطرة حكام يقولون عنهم أنهم مسلمون، و بشكل أخص يستعملها أعراب الفكر الماضي و هم يحلمون باسترجاع هذه القطعة من الأرض لإعادتها إلى حظيرة أيام القرون الوسطى.
الأندلس هي حقا فردوسا، فقده الذين لم يُحسنوا الحفاظ عليه، فاسترجعه آخرون كانوا قد فقدوه في اليوم الأول من استعماره من قِبل العرب والبربر. هؤلاء "الآخرون" قد يمكن أنهم كانوا أصحاب الأندلس سابقا قبل وصول المسلمين، أو أنهم ربما لم يكونوا.
يمكننا أن نقسم الفترة التي حكم فيها المسلمون الأندلس إلى ثمان عهود، و هي:
أولا: عهد الفتح، الذي استمر حوالي أربع سنوات.( 92-95 هـ = 711-714م )، ابتدأ بدخول طارق بن زياد إليها و انتهى بخروجه منها مرافقا موسى بن نُصير و رجوعهما إلى دمشق.
ثانيا: عهد الولاة، (95-138هـ = 714-755م)، ابتدأ بخروج موسى بن نُصير و طارق بن زياد و عودتهما إلى دمشق، و يعتبر بعض المؤرخين أن عهد الفتح داخلا في هذا العهد. في هذه المدة حكمها عشرون واليا، تولى اثنين منهم الحكم مرتين، هما عبد الرحمن الغافقي، و عبد الملك بن قطن.
كان أول ولاة الأندلس بعد الفتح عبد العزيز بن موسى بن نُصير(ذو الحجة 95- رجب 97هـ). و قد تم زواجه من ((Egilona، أرملة لُذريق (Rodrigo) آخر ملوك القوط، و تكنيها المصادر الأندلسية بـ "أم عاصم" و كذلك بـ "أيلة". و قد قتل عبد العزيز غدرا و قيل: أنه كان يصلي في مسجد بجانب كنيسة رُفينة بأشبيلية، فذهب ضحية المؤامرات التي حيكت ضده و ضد أبيه موسى. و من هذا يظهر لنا أنه منذ الأيام الأولى من دخول المسلمين في أرض الأندلس بدأت المؤامرات و الإغتيالات. لقد أرسل رأس عبد العزيز إلى الخليفة الأموي آنئذ، هشام بن عبد الملك، و هذا الخليفة بدوره "قدمه" و و ضعه في أحضان الأب موسى بن نُصير. و لم تنفع صلاة عبد العزبز و لا صيامه فقتل و قطع رأسه باسم دين محمد.
إن السلف الطالح هشام بن عبد الملك، هو نموذج يحتذي به اليوم الإرهابيون الوهابيون الذين يفضعون في العراق و يقطعون رؤوس أبنائه، وبهذا فالعالم لا يرى في الدين الإسلامي إلاّ دين وحوش و همج، ليست فيه محبة و لا مشاعر إنسانية.
هذا و إن عبد العزيز بن موسى كان قد أمر ببناء باب منخفض قبالة مجلس حكمه، فعندما يدخل عليه الناس من خلاله يضطرون إلى الإنحاء للحاكم و تنكيس رؤوسهم. أن هذه البدعة الجديدة التي قام بها عبد العزيز، بإشارة من زوجته الجديدة، لم تكن موجودة في الثقافة العربية آنذاك. و هناك قصة طريفة حدثت لرسول أحد الملوك الأمويين المبعثين إلى قيصر الروم، إذ قبل أن يدخل عليه وجد بابا منخفضا يجبر الناس على الإنحاء للقيصر قبل الدخول لمقابلته. إن ما فعله الرسول هو الدخول منحنيا لكنه أدخل ظهره أولا، و بهذا فقد تخلص من تنكيس رأسه للقيصر. قد قيل: أن من عادة المسلمين أنهم لم ينكسوا رؤوسهم إلا لله تعالى، و لكننا رأينا، و كم!!، كثيرا منهم و هم ينكسون رؤوسهم لملوكهم و لطغاة آخرين.
في هذا العهد كانت الأندلس الإسلامية مستعمرة تابعة للحكام الأمويين في دمشق، يعيِّنون ولاتها مباشرة من هناك أو بواسطة الوالي المتواجد في القيروان في تونس.
و انتهى هذا العهد بانتهاء ولاية يوسف بن عبد الرحمن الفهري وقتله. و هكذا و كما نرى أن هذا العهد الإسلامي "الجديد" بدأ بالاغتيالات و خُتم به.
ثالثا: عهد الإمارة، (138-316هـ = 755-929م) يبدأ هذا العهد بوصول عبد الرحمن الداخل إلى الحكم، الذي نجى باعجوبة من مذابح العباسيين ضد الأمويين. لقد أسس الداخل دولة مستقلة عن الخلافة العباسية استمرت مائة و ثمان و سبعين سنة. و يذكر ابن الأثير أن عبد الرحمن الداخل كان يخطب للمنصور، إلاّ أن ابن عمه ألزمه قطع خطبة المنصور، و قال له: اقطعها و إلاّ قطعت نفسي، وكان قد خطب له عشرة أشهر، فقطعها. و قد ذكر المقّري أن الخطبة أصبحت لأبناء الخلفاء.
و هكذا فقد استقلت لتصبح دولة تدير نفسها بنفسها، بعد أن أعلن فيها الأموي عبد الرحمن الأول، الداخل، إمارته، و أصبح الأمويين من نسل عبد الرحمن الداخل يتوارثون حكم الإمارة، واحد بعد آخر. ثُم تحولت دولة الإمارة الأندلسية لتصبح دولة خلافة. لقد انتهى هذا العهد بإعلان الخلافة من قبل عبد الرحمن الناصر (الثالث) سنة 316هـ = 929 م.
رابعا: عهد الخلافة (316-400 هـ = 929 -1009م)، في الحقيقة أن الخلافة تنتهي بوفاة الحكم المستنصر سنة (366هـ = 976م) إلا أن المؤرخين ينهون هذا العهد بنهاية الدولة العامرية في نهاية القرن الرابع الهجري، بداية القرن الحادي عشر الميلادي.
خامسا: عهد الطوائف: (400-484هـ = 1009-1091م) ، و هو عهد دول أو ملوك الطوائف التي سبقته أعوام من الفوضى، و قد استمر هذا العهد حوالي ثلاثة أرباع القرن، حتى دخول الأندلس سلطان المرابطين. لقد انقسمت دولة الخلافة على نفسها إلى دويلات طوائف صغيرة تؤكد لنا أن المسلمين بشكل عام و العرب بشكل خاص يحبون الإمارة حتى و لو كانت على الحجارة، و أنهم مستعدون على الإحتراب فيما بينهم.و أثبت التاريخ أن المسلمين يتقاتلون على ما يسمونه بفضلات الدنيا، فكيف لا يتحاربون على الفردوس الأندلسي.
لقد استمر هذا العهد حوالي ثلاثة أرباع القرن، حتى دخول الأندلس سلطان المرابطين. و تعتبر دول الطوائف، بالنسبة للمسلمين، من أسوأ ما مر بالأندلس، و أنها ربما قادتها إلى الأذى و الضياع. و لم يأخذ المسلمون سابقا و لا حاليا العبرة من ذلك العهد الطوائفي، و هذه الدول هي مثالا نراه الآن في الدول العربية الحاضرة.
كانت دول الطوائف عديدة و كثيرة إلاّ أن أشهرها هي:
( 1 ) مملكة سرقسطة (Zaragoza) في الثغر الأعلى، في الشمال، حكمها بنو هود.
( 2 ) إمارة قرطبة (Cordoba) في جنوب وسط الأندلس ، حكمها بنو جهور.
( 3 ) مملكة طليطلة (Toledo) في الثغر الأوسط، في مركز الأندلس، حكمها بنو ذي النون.
( 4 ) مملكة بطليوس (Badajoz) في الثغرالأدنى حكمها بنو الأفطس.
( 5 ) مملكة اشبيلية (Sevilla) في غربي جنوب الأندلس حكمها بنو عبّاد.
( 6 ) مملكة بلنسية (Valencia) شرقي الأندلس حكمها العامريون و من بعدهم بنو ذي النون.
(7) مملكة غرناطة (Granada) في جنوبي الأندلس حكمها بنو زيري.
سادسا: عهد دولة المرابطين، (484-520هـ=1091-1126م): أصبحت الأندلس تابعة للمرابطين الذبن يسمون أيضا بالملثَّـمين، و هم مسلمون بربر كانوا يسكنون عند حدود السنغال، فوصلوا إلى الأندلس بعد أن شيدوا دولتهم في المغرب سابقا، و بنوا فيها مدينة مراكش ليتخذوها عاصمة لدولتهم. كان رجال المرابطين هم الملثمون أما نساءهم فلم يكن كذلك.
سابعا: عهد دولة الموحدين، (520-620هـ = 1126-1223م). ثم اندحر الملثمون أمام الموحدين، بربر آخرون، أطلقوا على مؤسس دولتهم اسم المهدي، و أصبحت الأندلس تابعة إليهم. ثم اندحر الموحدون و لم ينفعهم أن مؤسس دولتهم قد اتخذ اسم المهدي كنية له و أنهم كانوا من أتباعه. كثيرون حملوا اسم المهدي المنقذ: مهدي في المغرب و آخر في السودان و ثالث في المشرق و رابع في مدينة الثورة البغداية، ولم ينفعهم مهديهم لإنقاذهم. و لا بد لي من الإشارة هنا إلى ظهور جيش آخر باسم جيش المهدي في العراق ، تقوده عناصر دموية بعثية أدت إلى جلب الدمار و الويلات لأهل الوسط العراقي و جنوبه، و خاصة إلى المدن المقدسة الشيعية.
ثامنا: مملكة غرناطة، (620-897هـ = 1223-1492م)، حيث قامت دولة بني الأحمر و استمرت على ما يزيد على قرنين و نصف، و عرفت هذه الدولة الجديدة، بدولة بني الأحمر. و هي غير مملكة غرناطة الزيرية التي تأسست في عهد الطوائف. إن بني الأحمر هم من نسل سعد بن عبادة الذي قُتل في أيام أبي بكر الصديق بأيدي خالد بن الوليد، حسب رواية ذكرتها كتب تاريخ مشرقية. لقد قاومت غرناطة محاولات استيلاء المسيحيين القشتاليين عليها لأكثر من مائتين و خمسين سنة. و لكنها سقطت بأيدي المسيحيين، و ودَّع الحكم الإسلامي أرض الأندلس إلى الأبد، و بكى الحالمون باسترجاعها و انتشرت مراثيهم و كثرت و هي تعبِّر عن عويلهم لفقد الفردوس.
الأندلس هي حقا فردوسا، صفاتها كصفات تلك الجنة التي ذُكرت في القرآن الكريم، فهي أرض تجري من تحتها الأنهار، و بمياهها يسبحن الحور العين، الشقراوات اللواتي من أجلهن أضاع الحكام المسلمون عقولهم و فقدوها، و طغيان سحرهن جعل الابن المسلم يقاتل أباه، و الأخ يمزِّق لحم أخيه. سحر و جمال أفقد العقل و أفقد المُلك و الأملاك و جعل أمَّ عبد الله الصغير، آخر ملوك الأندلس، الأخير، تقول له كلماتها المشهورة: "إبكِ كالنساء مُلكاً لم تحافِظُ عليه كالرجال". أمٌّ ساهمت و شاركت مشاركة فعّالة من موقعها، أيام عِزِّها، على أن يفقد الأب الزوج كرسي عرشه، و على أن يبك الابن ضياع ذلك الكرسي.
كلمات مشكوكٌ في حقيقتها على الرغم من شُهرتها بين أوساط المطلعين على حوادث و تاريخ الأندلس، قيل أن الأم أطلقتها على بُعدِ عشرة أميالٍ من مدينة غرناطة، آخر معقل و مملكة للمسلمين الأندلسيين، و مدينة المؤرخ الشهير ابن الخطيب، لسان الدين و صاحب الوزارتين، الذي لم يُنقِذه تفوقه الأدبي و العلمي من بطش الحكام و لم تسلم جُثَّـته من نيران رعاع المسلمين.
لقد دام حكم المسلمين في الأندلس حوالي ثمانية قرون، من عام 711 إلى عام 1492، أنجبت الأندلس خلالها علماء انتشرت شهرتهم في أنحاء المعمورة، و كانوا ينافسون أقرانهم المشارقة في علومهم و معرفتهم. و كذلك أنجبت حكاما مجرمين فاقت جرائمهم جرائم أقرانهم في المشرق، و ابتدعوا على أرض الأندلس جوادث إجرام و إرهاب لو قام حجاج المشرق من قبره لندم على أنه لم يصل في إجرامه إلى إجرام أقرانه الأندلسيين. و تخلو أيضا من رجال دين متشددين و متطرفين و طائفيين.
حدثت في الأندلس أمور كثيرة، عجائب و غراب، منذ اليوم الأول لوصول المسلمين إليها و إلى أن خرجوا منها و سأحاول أن أكتب ما طالعته، وأطالعه، عن الأندلس في حلقات مستمرة، قد لا تنتهي، إذا ما سمح لي الوقت و فسح عملي لي مجالا للقيام بذلك. و في كتاباتي سوف لن أحافظ على التدريج التاريخي، فلربما أجد حدثا في السنة العاشرة أكتبه في الحلقة الثانية، ثم أجد حدثا آخرَ في السنة الثانية فأكتبه في الحلقة العاشرة. و ليس هذا ناشئ عن عدم رغبتي في الحفاظ على التدرج التاريخي بل أن الوقت و العمل لن يسمحا لي بأن أقوم بغير ما ذكرته.
و لن أذكر الحدث كتأريخٍ فقط، بل سأكتبه كقصة أو أسطورة أو غريبة، يصدق بها القارئ أو لا يصدق.
و هنا أنهي الحلقة الأولى.
محيي هادي-أسبانيا
22/تشرين الثاني/2004
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المدرجات تُمطر كؤوس بيرة في يورو ألمانيا.. مدرب النمسا يُحرج


.. لبنان يعيش واقعين.. الحرب في الجنوب وحياة طبيعية لا تخلو من




.. السهم الأحمر.. سلاح حماس الجديد لمواجهة دبابات إسرائيل #الق


.. تصريح روسي مقلق.. خطر وقوع صدام نووي أصبح مرتفعا! | #منصات




.. حلف شمال الأطلسي.. أمين عام جديد للناتو في مرحلة حرجة | #الت