الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة الناجحة لا تترك لأعدائها أي نفوذ

أحمد حسنين الحسنية

2011 / 8 / 29
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


الثورة تغيير .
و كتوصيف أفضل : الثورة تغيير شامل يكتسح ما سبقه ، و لهذا نجد دائماً أن التغيرات الكبيرة الكاسحة ، توصف غالباً بالثورات ، و ذلك في شتى الميادين ، و ليس فقط في ميدان السياسة .
هناك ثورات تقنية - أي تكنولوجية - كالثورة الصناعية ، و الثورة الزراعية ، و ثورة الإتصالات ، و ثورة علم الأحياء - أو البيولوجي - و هلم جر .
و هناك ثورات إجتماعية ، و ثقافية ، و دينية ، تغير الأوضاع السائدة قبلها ، و يجب أن يُلاحظ هنا إنني لا أدخل في نطاق الثورات الثقافية الثورة الثقافية الصينية في عهد ماو تسي تونج ، التي تعد جريمة بكل المقاييس ، و المفاهيم .
و كل ثورة لها أعداء ، حتى الثورات التقنية لها في بعض الأحيان أعداء ، كالعداء الذي كنته ، و لازالت تكنه ، الأنظمة القمعية في أنحاء العالم لبعض أشكال ثورة الإتصالات ، مثل العداء للإنترنت في الصين الشعبية ، و في معظم الدول العربية و منها مصر بالطبع ، و الحرب التي شنتها السلطات القمعية في عهد مبارك على أجهزة إستقبال القنوات الفضائية في أواخر الثمانينيات ، و أوائل التسعينيات ، من القرن الماضي ، و هي حرب لازالت قائمة بشكل آخر ، بعد أن أصبح من المستحيل إستئصال أجهزة الإستقبال من فوق الأبنية ، و من شرفات المساكن ، و من المقاهي ، و المطاعم .
كل تغيير له أعداء إذاً ، خاصة التغيير السياسي ، أو الثورات السياسية ، لأن الثورات السياسية من الممكن أن نعدها قاطرة تقطر ورائها الكثير من الثورات الأخرى ، لأن الحكم هو أداة تغيير عظيمة المفعول ، واسعة الطيف ، و قد تعاملت مع مبدأ إرتباط الثورة السياسية بالحكم في مقال : بدون الحكم ليست ثورة ، و نشر في السابع عشر من أغسطس 2011 .
المناخ السياسي عندما يتغير للأفضل يفجر الكثير من الطاقات ، فتحدث الكثير من الثورات الأخرى في نفس المجتمع ، و يكفي أن نعود للقرن العشرين ، لنشاهد كيف أدت ثورة 1919 الشعبية إلى تغيرات كبيرة إيجابية في المجتمع المصري ، سواء علمية ، أو ثقافية .
كم نابغة لمع ، و كم عبقري سطع ، في الفترة المحصورة بين 1919 و يوليو 1952 ؟
لا أستطيع في فقرة من مقال أن أحصر كافة نوابغ تلك الفترة ، في شتى ميادين الحياة ، من علم الفزياء ، إلى الأدب و الفنون .
الآن ، لنحصر الحديث في الثورات السياسية فقط ، لأهميتها ، و لإنها ما تهمنا في هذه المرحلة التاريخية الهامة من عمر مصر .
أعداء التغيير - و حديثي الآن عن التغيير السياسي - هم العقبة التي تقف في وجه التغيير ، و تحاول إحباط ذلك التغيير ، أو إحباط الثورات السياسية .
لهذا فلا يوجد تغير سياسي نجح ، و رسخ ، و كان أعدائه يتمتعون بسلطة ، أو نفوذ ، لأنهم لا يخلصون للنظام السياسي الجديد ، لأسباب كثيرة ، منها شعورهم بالخسارة ، و الهزيمة .
لقد منحت ثورة 1919 الشعبية سلطة كبيرة للعرش ، فكان ذلك سبباً في إنهيار النظام الذي أسسته ، بسبب حالة عدم الإستقرار السياسي التي تسبب فيها العرش بسوء إستخدامه لتلك السلطة .
و في جمهورية وايمر ، و أعني الجمهورية التي تأسست في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى ، تركت تلك الجمهورية لأعداء الجمهورية ، من أنصار النظام القيصري السابق ، باب المشاركة في السلطة مفتوحاً ، فكان أن تقوضت تلك الجمهورية على يد أعدائها هؤلاء ، الذين أسهموا في قيام العهد النازي .
على الجانب الأخر من التاريخ نجد أمثلة لثورات ، أو تغيرات سياسية ، ناحجة ، و السبب الأساسي في نجاحها هو إنها لم تترك لأعدائها أي سلطة ، و ضيقت عليهم فرص التآمر عليها .
في الثورة الفرنسية رأى الثوار كيف ظل الملك يتآمر على الثورة ، فكان أن حاكمته ، و أعدمته ، و لاقى نفس المصير الكثير من أعداء الثورة ، فرسخت الثورة ، و تعمقت جذورها في التربة السياسية الفرنسية ، و لم تستطع الأسرة المالكة العودة إلا بمساعدة الجيوش الملكية الأوروبية ، و حتى تلك العودة لم تعمر للأبد ، فبعد حكم ثلاثة ملوك سقطت تلك الأسرة .
و الديمقراطية رسخت في ألمانيا ، متمثلة في الجمهورية الإتحادية القائمة الآن ، بعد أن تعلم الشعب الألماني من درس جمهورية ويمار ، فلم يترك لعناصر النظام النازي أي سلطة ، فحوكم المجرمين منهم ، و مُنع من العمل السياسي كل من إنتمى لذلك العهد الدموي .
و في مصر ، و بعد ثورة 1805 ، حاول محمد علي الكبير أن يتعاون مع أحد أركان النظام القديم ، و أعني المماليك ، حيث حاول إدماجهم في نظام الحكم الجديد الذي كان نتاج ثورة 1805 ، لكنهم ظلوا على عدم إخلاصهم للنظام الجديد ، فكان أن رأى ضرورة التخلص منهم ، و قد كان في 1811 ، لتدخل مصر ، بعد خروج المماليك من مسرح التاريخ ، عصر جديد ، العصر الحديث .
لكن يجب أن يوضع في الإعتبار الإختلاف بين 1811 ، و 2011 .
الخلاص من أعداء الثورة في 2011 يجب أن يكون بالقانون المدني العادل ، و من خلال قضاء مدني نزيه ، فما كان ربما مقبول في 1811 ، ليس مقبول أبداً في 2011 ، و تعامل ألمانيا الإتحادية مع عناصر العهد النازي هو النهج الأفضل في رأيي .
لا يصح قبول فكرة ، أو نصيحة ، دمج عناصر النظم القديمة الإستبدادية الدموية الفاسدة في النظم الجديدة التي يجب أن تكون ديمقراطية و نظيفة ، و هي النصيحة السيئة التي دأب على تقديمها للعرب بعض الغربيين منذ بزغ ربيع العرب في يناير 2011 .
عناصر الأنظمة الساقطة سيعملون في الأنظمة الجديدة مثل عمل السوس الذي ينخر في جذوع الأشجار فيسقطها ، أو مثل الجراثيم الخطيرة الكامنة في الجسم التي تنتظر الفرصة لتضرب ضربتها القاضية .
بالطبع فكرة رفض دمج عناصر النظم المنهارة الإستبدادية في السلطة تنطبق على الدول التي نجحت شعوبها في إسقاط الأنظمة الإستبدادية ، و هذا لا ينطبق بأي حال على مصر حتى اليوم ، التاسع و العشرين من أغسطس 2011 .
ما حدث في مصر في 2011 ، و حتى اليوم ، و بالتصنيف المنصف ، هو هبة شعبية ، و ليس ثورة شعبية .
هبة شعبية أسقطت رأس النظام ، و لكنها لم تسقط النظام ، لأن الثورات تسقط الأنظمة .
عندما تتحول هبة الخامس و العشرين من يناير 2011 إلى ثورة الخامس و العشرين من يناير 2011 ، علينا أن نبعد أعداء الثورة عن أي سلطة سياسية ، و نحول بينهم و بين شغل أي منصب سياسي ، أو عسكري ، أو أمني ، أو تعليمي ، لأن الثورة لكي تنجح عليها ألا تترك لأعدائها أي نفوذ ، و ألا تسمح لهم بأي فرصة للتآمر عليها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما محاور الخلاف داخل مجلس الحرب الإسرائيلي؟


.. اشتعال النيران قرب جدار الفصل العنصري بمدينة قلقيلية بالضفة




.. بدء دخول المساعدات عبر الرصيف الأمريكي العائم قبالة سواحل غز


.. غانتس لنتنياهو: إما الموافقة على خطة الحرب أو الاستقالة




.. شركة أميركية تسحب منتجاتها من -رقائق البطاطا الحارة- بعد وفا