الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عودة العيد

عدنان الاسمر

2011 / 8 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


كان المعتقلون جميعا يجهزون أنفسهم لاستقبال الأهل و الأصدقاء في يوم الزيارة التالي, وإذا بسماعة السجن تمزق الصمت و ينادي الشرطيّ:- على كل من يسمع اسمه لابس جاهز على الباب. فكنت احدهم, كان ذلك حوالي الساعة التاسعة ليلا قبل اثنان وثلاثون عاما في ليلة 24/8/1979 حيث أطلق سراحي من السجن المركزي / سجن المحطة بصحبة حسين أبو غربية.
وخلال اختراق سيارتنا شوارع عمان , وبحكم إنني لم أتمكن من رؤية ما حولي , أرسلت السمع بعيدا في كل الاتجاهات لاكتشاف أحداث تلك الليلة, فقد لاحظت أن الناس منقسمين ؛ الأول يستمع لأغنية أم كلثوم (الليلة عيد عالدنيا سعيد), والآخر يستمع لأغنية أم كلثوم (يا ليلة العيد آنستينا),أما أنا فلم أكن فرحا مطلقا فقد كنت منشغلا بتحديات المرحلة الجديدة من العمر والبحث عن حلول للمشكلات المتوقعة. فهمس في إذني حسين قائلا:- غدا عيد الفطر فهل تريد في هذه الساعة المتأخرة من الليل الذهاب إلى البقعة أم تنام عندي؟ فأجبته:- أنام عندك. علما بأن زوجته وابنته رفيف ذهبتا لقضاء عطلة العيد في القدس. فالمناضل حسين أبو غربية هو احد المبعدين والمناضلين الذين كتبت عنهم فيليتسيا لانغر في كتابها المعروف (أولئك إخواني).
وعند دخولنا منزله في جبل النظيف, سارع أبو رفيف لفتح الشبابيك و إغلاقها و فتح أبواب الخزائن و إغلاقها, ثم شم رائحة ملابس زوجته و ابنته و حرك المقاعد و تفقد المطبخ و المكتبة وأثاث البيت. و بعد انتهائه ابلغني انه يوجد في الثلاجة قليل من الكفتة وسوف يصنع لنا طعاما. و بعد ذلك طلبت منه أن يحضر رواية يوليوس فوتشيك ( تحت أعواد المشانق) ليقرأ على مسامعي بعضا من فصولها .و في تلك الليلة لم ننام مطلقا, و قررنا الذهاب صباحا إلى سجن المحطة لتقديم التهاني بعيد الفطر لكافة رفاق السجن نزلاء شبك (1). و بالفعل زرنا السجن في أول أيام عيد الفطر حيث تغيرت المشاعر والانفعالات خلال عشر ساعات فاصلة بين الاعتقال والحرية, فاستقبلنا الجميع بالفرحة لإطلاق سراحنا, ونحن قابلناهم بالحزن لبقائهم في السجن. وهنا تغيـّر النشيد من (يا ظلام السجن خيّم --- إنّنا نهوى الظلاما) إلى نشيد (السجن ليس لنا نحن الأباة --- السجن للمجرمين الطغاة). و عندما أعلن الشرطيّ انتهاء وقت الزيارة غادرنا السجن وما زالت ذكريات الاعتقال فيه والإقامة في غرفة 14 حية في النفوس.
أما اليوم فها هو عيد الفطر يعود من جديد, محمّلا بطموحات ثقال بالتحولات الديمقراطية وتوسيع المشاركة الشعبية وصيانة الحريات العامة و احترام حقوق الإنسان. واستجابة الحكم لمتطلبات التغيير في زمن الثورات العربية وأهمها تعديلات دستورية تكفل تشكيل حكومات نيابية و إقرار قوانين انتخابات نيابية و أحزاب و بلدية وحريات صحفية تحقق أوسع أشكال المشاركة الشعبية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اجتهاد الألمان في العمل.. حقيقة أم صورة نمطية؟ | يوروماكس


.. كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير




.. ما معنى الانتقال الطاقي العادل وكيف تختلف فرص الدول العربية


.. إسرائيل .. استمرار سياسة الاغتيالات في لبنان




.. تفاؤل أميركي بـ-زخم جديد- في مفاوضات غزة.. و-حماس- تدرس رد ت