الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق والربيع العربي : مخاوف وتشكيك

عبد الرحمن دارا سليمان

2011 / 8 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


ينطوي الخطاب الرسمي العراقي على مفارقات كثيرة وكبيرة، حين يتناول الموقف من أحداث الربيع العربي وموجة التفجرات والإنتفاضات الشعبية التي إجتاحت وتجتاح المنطقة عموما . ويحلو للبعض من كبار المسؤولين في الدولة العراقية الجديدة، التبجح تارة، بالريادة في ميادين الإصلاح والتغيير والتحولات الديمقراطية، وتدشين مبادئ وأسس التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة الصادرة عن الإرادة الشعبية، التي تأسست في البلاد على أنقاض النظام الديكتاتوري السابق عام 2003، متناسين جملة من الحقائق التي لم يطويها النسيان بعد، وأخرى لا تزال قائمة على الأرض . وتقف في مقدمتها حقيقة ملموسة وهي أنّ التظاهرات والإنتفاضات الشعبية ضدّ رموز الإستبداد والطغيان، حصلت وتحصل بفعل الإرادة والتضحيات الجماهيرية الكبرى وإصرارها على إستعادة دورها وثقتها بإمكانياتها وقدراتها المخزونة على تطهير مجتمعاتها من أدران الإستبداد والفساد ونهب المال العام كمقدمة للتحرر الإجتماعي الحقيقي وإسترجاع الكرامة المهدورة التي راهنت النخب الحاكمة على سحقها عقودا طوال . وتارة أخرى، يتباين الموقف العراقي من هذه الأحداث حسب الضغوط والإملاءات الخارجية ودرجة تحكمها ونفوذها في بلورة المواقف وصياغة التصريحات وصناعة القرار المحلي وفقا للمصالح الإقليمية والدولية، لا وفقا لقراءة داخلية حقيقية وعميقة تعبر عن موقف الشعب العراقي المتضامن تماما مع حقوق هذه الشعوب والمجتمعات في الحرية والكرامة والإنعتاق من نير الطغاة .

والمفارقة الأخرى، حين نتجاوز التبجح والتباين معا، الى التصريح العجيب الذي أدلى به مؤخرا رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي محذرا من مخططات الصهيونية ومن "سايكس ـ بيكو" جديد يتهددان بلدان وشعوب المنطقة نتيجة الربيع العربي دون أن يكلف نفسه عناء التفسير ويخبرنا كيف؟. ولا أن نعرف أنّ عبقريته السياسية التي لا يضاهيها إلاّ النظريات العالمية للعقيد القذافي، هي صادرة عن مجرّب في هذا المضمار أم عن حكيم ؟ . وإذا تجاوزنا أيضا، لعبة الكلمات المتقاطعة التي بات لها اليوم، خبراء ومستشارين وبهلوانات ومهرجين إعلاميين وناطقين رسميين في العراق الجديد، يمكن لهم أن يتخلوا عن مواقفهم وتصريحاتهم بذات السهولة التي يتبنوها ويدلون بها وبعكسها بعد حين، فإنّ دماء الشباب التي سالت في تونس ومصر وليبيا واليمن والمدن السورية وهي تخطّ أروع ملاحم البطولة والتضحية والفداء وتتصدى لطغاتها بصدور عارية ، ليست بلعبة تدار كغيرها من مكتب المالكي المنشغل بصراعات الأحباب والأبناء والمقربين حول العمولات والصفقات المشبوهة وتقاسم السلطة والمال والتغطية على الفاسدين وحمايتهم سياسيا، وليست كذلك بحاجة الى تحذيرات ونصائح "دولته" المستوردة، عندما تحين ساعة الحساب في قيامة الشعوب التي عانت وصبرت أكثر مما ينبغي على معاناتها وصولا الى يوم لا ينفع مال ولا بنون .

أمأ المفارقة الأكبر من إستيراد الإشارات والمواقف والتحذيرات والنصائح من شرق البلاد وشحنها تحت اليافطة العتيقة "مخططات الصهيونية" ومن ثم تصديرها الى غرب البلاد بعد أن طفحت الأسواق الداخلية بالبضائع والشعارات والوجوه والوعود والألسنة المغشوشة، فهي تصوير الوضع العراقي الحالي وكأنه نموذج متقدم وينبغي الإقتداء به في الوقت الذي تشير فيه الوقائع والأرقام والتقارير الدولية الى العكس من ذلك تماما .

إنّ المنطقة العربية التي تأخرت دون غيرها من مناطق العالم في اللحاق بموجات الديمقراطية التي إجتاحت بلدان أوربا الشرقية وأمريكا اللاتينية في عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن المنصرم، تكتشف اليوم ذاتها وإمكانياتها بعد كسر حواجز الخوف التي فرضت عليها، ويتعمق فيها الشعور الوطني العام بالإنتماء والمصير المشترك كأساس متين للإجتماع المدني السياسي يقوم عليه المعنى العميق لإستقلال القرار والسيادة الوطنية الحقيقية، وتشهد ولادة عهد جديد تمتلك فيه الشعوب والمجتمعات مصائرها وتعيد تشكيل الأسس التي قامت عليها نظم القهر والإستبداد في سياق ثورة شاملة على جميع الأصعدة والميادين الإجتماعية والسياسية والثقافية لا مكان فيها لمصادرة الرأي العام والتصرف بالبلدان كإمارات وإقطاعيات عائلية مغلقة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مساعدات بملياري دولار للسودان خلال مؤتمر باريس.. ودعوات لوقف


.. العثور على حقيبة أحد التلاميذ الذين حاصرتهم السيول الجارفة ب




.. كيربي: إيران هُزمت ولم تحقق أهدافها وإسرائيل والتحالف دمروا


.. الاحتلال يستهدف 3 بينهم طفلان بمُسيرة بالنصيرات في غزة




.. تفاصيل محاولة اغتيال سلمان رشدي