الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بَيْنَ بَيْنْ

علال البسيط

2011 / 8 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


إذا نظرنا إلى ما بين أيدينا من أحوال السياسة الدولية نجد اختلافا ظاهرا يشخَص لنا حول مواقف الدول الكبرى تلقاء الربيع العربي وثورات الشباب الشرقوسطي. يبدو لوهلة أن الربيع العربي قد أعلن نهاية زمن الواقعية السياسية، بسقوط الديكتاتوريات في تونس ومصر والآن ليبيا، وتبلور ميلاد جديد للحرية يفترض أن يقود الواقعية إلى مثواها الأخير.


لكن في المقابل نجد أن باراك أوباما ومن خلال مشاركته النسبية والمحدودة في العمليات العسكرية دون تزعمها وقيادتها لا يمكن قراءة ذلك منه، إلا في دائرة وسياق الواقعية التي درجت عليها الإدارات الأمريكية المتعاقبة.


إن الواقعية باعتبارها نظرية في العلاقات الدولية، تقرر بأن التراجيديا أو المأساة لا يعبر عنها انتصار وغلبة الشر على الخير، وإنما غلبة أحد (الخيرين) (باعتبار الخير هو محض المصلحة التي تعود على الدول المعنية) على الآخر الذي تسبب في مفاسد وأضرار .
لقد كانت هذه الرؤية الواقعية للرئيس أوباما المبنية على تلمح موقع المصلحة في الشؤون الخارجية، هي التي دعته إلى لعب دور ثانوي في العمليات العسكرية لحلف الناتو، ضد نظام القذافي دون التهيء والتوثب لقيادتها.


السياسة الواقعية كذلك جعلته لا يعارض أي تدخل عسكري للدول المتحالفة ضد نظام العقيد الذي يعد في أحسن أحواله وأتمها صحة، نظاما مهلهلا ومدخولا.


في حين الواقعية في السياسة الروسية دفعت الرئيس (مدفيديف) إلى اتخاذ موقف سلبي عموما تجاه الربيع العربي، والوقوف بوجه أي مشروع قرار لمجلس الأمن من شأنه الضغط على الديكتاتوريات، أو شن هجومات عسكرية ضدها، وخاصة موقفه تجاه سوريا حيث تتقاطع المصالح الروسية السورية على مستويات متنوعة .


إننا نرى (أوباما) في الأحداث الراهنة داعما للديموقراطية حيث (أمكن)، ومؤيدا للأنظمة الشمولية حيث (يجب). فهو يقدم دعما دبلوماسيا للثورة السورية، لكنه ينأى بنفسه عن أي تدخل عسكري. وهو يؤيد التمرد الديموقراطي في إيران، بينما يخشى أي حراك ذو نفس ثوري في السعودية.


لقد شهدت هذه السياسة القائمة في أساسها على اعتبار المصلحة الذاتية للدول تراجعا كبيرا بنهاية الحرب الباردة، إبان انتشار مبادئ المجتمعات الحرة على امتداد أوربا الغربية مقيمة صرحها على المثالية في ما يخص السياسة الخارجية. لكن هذا التدافع بين الواقعية باعتبارها سياسة المصلحة والأنانية، وبين المثالية باعتبارها سياسة القيم والمبادئ الغربية الديموقراطية، لا يلبث حتى يميل لصالح الواقعية مرة أخرى بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما تلاه من احتلال العراق، لنرى الواقعية تُبعث من جديد، لتفرض نفسها على الساحة الدولية.


لقد غنمت الولايات المتحدة من واقعيتها مكاسب لا حصر لها، فهي وإن خذلتها في توفير الدوافع العقلية والأخلاقية لتأييد الثورات العربية على الاستبداد والديكتاتورية، واتهمت بكونها (واقعية هجومية) توسعية ولا تمثل القيم الغربية، فهي بالمقابل في خدمة المصلحة الوطنية باستمرار تجعلها نصب أعينها، ومناط أعمالها، وغاية مرامها، مع اعتماد دائم للمقاربات الانسانية في النوازل السياسية، إذ أن الواقعية في جوهرها هي تجنب الحروب والصدامات العسكرية، من خلال التحكم في موازين القوة.

إن الذين يتفاءلون اليوم بموت الواقعية بسبب موقف غربي داعم للربيع العربي، يتجاهلون منازع شتى في السياسة الدولية من بينها المسألة الآسيوية. فدول شرق آسيا اليوم تموج بتيارات وطنية يشتد أزرها يوما بعد يوم، وتتزايد دولها في الرفع من إمكاناتها العسكرية، وتعاظم أساطيلها البحرية(الصين بدرجة أولى) يجعل القيم والمبادئ المثالية تتراجع أمام عالم تحكمه الحسابات والمنافسة التي تحفظ للدول الكبرى مواقعهم المتقدمة في ضبط موازين القوى لصالحهم.


إن سقوط بعض الأنظمة الشمولية في منطقة غنية بالموارد على اختلافها في الشرق الأوسط، يفقد بعض الدول المستفيدة، من امتيازات خولها الاستبداد، ويُكسب أخرى مواقع أشد قوة، وأمكن قدرة من ذي قبل، وفي هذا السياق ينبغي قراءة مواقف تلك الدول وهاته بالنسبة للثورات في العالم العربي، إقداما وإحجاما، فمدار المنافسة إنما على تملك مستقبل موازين القوى في القرن (21)، واحتكار الوسائل والأوضاع الكافلة لذلك، فهم حولها يتخالفون ولا يتفقون ، يتقاتلون ولا يتناصرون ، يتناهبون ولا يتناصفون ، كل يستعد للوثبة ، ولا ينتظر إلا مجيء النوبة .

أما الضعفة في شرقنا المتدين فبين فك يطحن، وسكين يحز، ودين يبث خدره في العروق، كان أبدا سببًا في الشقاق، ومضرمًا للضغينة، حتى جعل الشرق أضحوكة للغرب، وملعبا للعمائم والجبب، ومصنعا للتمائم والقبب، تعيث فيه خطبائها، وتتخرط فيه فقهائها، وتصدرت فيه كتب الأساطير كتب السياسة والعلوم، وأغلتْ فيه تعاليمُ الأنبياء المداركَ والفهوم، والعلم أمامنا طريقه مسلوك، فتنكبناه وأخذنا في المعابر الوعرة نطلب الوهم من السماء والنصرة من الهباء، فلا جرم نتردى إلى الهاوية، ونقع تحت رحمة المثالية تارة، والواقعية تارة أخرى، ولقد يقوم للمسلمين من العقل والحس ألف دليل على فساد الدين وتهافت الوحي، ثم يخالفون تلك الدلائل الظاهرة ، ويطلبون لحياتهم ما فيه موتهم وهلاكهم، وينكبون في مهاوي الشقاء، يعبون من نهر الجهل المقدس، ويغترفون منه ما يفسح لهم الأمل في مجد الآخرة، بعد أن أضاعوا دنياهم في مدارسة اللغو والشعوذة والتراتيل الباطلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن


.. تفاؤل في إسرائيل بـ-محادثات الفرصة الأخيرة- للوصول إلى هدنة




.. أكاديمي يمني يتحدث عن وجود السوريين في أوروبا.. إليك ما قاله