الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مظهر من الانحطاط والهمجية والعداء للثقافة والافلاس السياسي

عادل حبه

2011 / 8 / 31
مواضيع وابحاث سياسية



علي فرزات على سرير ضحايا الهمجية بريشة أحد أصدقاء الفنان

أثار الاعتداء الهمجي الذي نفذته دوائر المخابرات السورية والشبيحة على الفنان السوري المبدع علي فرزات موجة من الغضب الشعبي والادانة العارمة ضد هذه الممارسات التي تعبر بكل المقاييس عن نزعة الانحطاط والافلاس السياسي والعجز في إدارة الدولة السورية. إن مثل هذه الممارسات جربها العديد من جبابرة العالم ولكنها لم تنقذهم من المصير المحتوم، بل وشددت من عزلتهم وقرّبت من نهايتهم. جربها القياصرة الروس، وجربها التكفيريون في عهود الظلام الأوربية ضد العلماء والمبدعين. كما سار على نفس الدرب هتلر بحرقه الكتب ونتاجات المثقفين الألمان وملاحقة المثقفين والمبدعين، كما مارسها موسليني في إيطاليا وستالين في روسيا. ولكن هذه الممارسات لم تنقذ هؤلاء الجبابرة من ننهايتهم مأساوية ولعنة التاريخ الأبدية. وأبدع جبابرتنا العرب في ممارسة هذا الأسلوب عندما حرم المئات من المثقفين والمبدعين المصريين في عهد عبد الناصر من ممارسة حريتهم في الابداع وزج بهم في سجون الديكتاتورية وأذاب أجسادهم آخرون في حمامات الأسيد. كما مارسها بتفنن حكام البعث في العراق والطاغية صدام حسين عندما وجه كل شروره ضد المبدعيين وقتل منهم من قتل وزج بهم في السجون، وفرض على الكثيريين منهم الهجرة، وقام بحملته المشينة في وشم الجباه وقطع الألسن والآذان. ومايزال أتباعه يمارسون في العراق نفس الجرائم ضد المبدعين. كما تفنن في ممارسة هذا النمط من الهمجية معمر القذافي الذي لم تقتصر ممارسته على أبناء وبنات الشعب الليبي الشقيق، بل تجاوز هذا البطش والشرور إلى العرب والعالم أيضاً. ولكن لكل طغيان نهاية ولكل شر مصير كما نرى اليوم مصير هؤلاء الطغاة.
ويبدو أن حكام سوريا لا يريدون الانعاض من كل هذا الركام لجيابرة العالم. فلا يتردد حكم البعث في سوريا عن ممارسة نفس الأساليب لفرض سطوتهم على الشعب السوري الشقيق. فقد تحولت الدولة السورية في عهد البعث إلى دولة بوليسية ومخابراتية من أسوء طراز. فالدولة بدأت في عهدهم بدولة للبعث لتتحول تدريجياً إلى دولة الطائفة ثم العائلة وأخيراً الفرد، تماماً كما حدث عندنا في عهد البعث العراقي. ولم يتردد هذا النظام في نقل ممارساته خارج الحدود السورية ليجهز على كمال جنبلاط وشخصيات لبنانية كسليم اللوزي وشقيقه وجبران تويني "لتأديبهم" على مقالات انتقادية حرروها بحق ممارسات الحكم في لبنان. واستخدم الحكم أدوات لبنانية للقضاء على من يخالفهم في لبنان، حيث جنّدوا حزب الله وبلطجيته لاغتيال المفكر حسين مروة ومهدي العامل ولاحقاً رفيق الحريري والقصير وجورج حاوي والقائمة تطول لو عددنا جميع هذه "المآثر". كما احتضن هذا النظام شبكات الارهاب والتخريب والقتل ضد العراقيين بعد الاطاحة بعدوهم القديم وبحليفهم الجديد صدام حسين .
وكان آخر "إبداعات" النظام هو ما ما مارسه النظام ضد شعبه ومبدعيه خلال الثورة الشعبية العارمة للشعب السوري الشجاع منذ شباط الماضي. فقد تم قطع حنجرة المغني السوري " إيراهيم خشوش" على خلفية أغنيته "إرحل يا بشار"، وأخيراً ما تعرض له الفنان السوري المبدع علي فرزات من تعذيب وضرب على خلفية الرسوم الكاريكاتورية التي تحمل نقداً لا ذعاً للنظام.

"الجنرال" ( صدام حسين بريشة علي فرزات وصدام بعد سقوطه ليعطي درساً للجبابرة العرب بريشة الفنان

إن الفنان علي فرزات قد بلور مواهبه " بغضل ممارسات المستبدين في عالمنا العربي" على حد قوله. وكان من بين الفنانين والمثقفين العرب القلائل الذين وقفوا إلى جانب العراقيين في محنتهم مع طاغيتهم صدام حسين، في وقت كان العديد من الفنانين العرب يتهافتون من المحيط إلى الخليج للتغزل بـ"نخلة" العراق المزعومة. وجازف الفنان علي فرزات بعرض كاريكاتير مؤثر ضد صدام حسين في معرض الصور الكاريكاتورية في باريس في العشرين من حزيران عام 1988، مما أثار حفيضة السفير العراقي في باريس عبد الرزاق الهاشمي والملحق "الثقافي" العراقي في السفارة، وأمطره بالتهديدات وبالويل والثبور، وضغطوا على منظمي المعرض من أجل رفع هذه اللوحة. ولكن هذه الممارسةالشاذة المعادية للأبداع استنفر كل المشاركين وهددوا بالانسحاب في حالة رفع الصورة. وهكذا فشل سفير صدام في تحقيق مآربه.
وسخر الفنان عبر لوحاته التي تتميز بالتعبير العميق والمهنية والتكنيك الرفيع من الجبابرة العرب حكاماً و "زعماء" ممن يتحايل على شعوبنا ويزور إرادتها بالعصا والجزرة. وهذا ما أثار نقمتهم عليه والكيد له ومحاربته . لقد كان الفنان في لوحاته يعالج بعمق ثقافة بالية أريد ترسيخها في مجتمعاتنا ليبقى مواطنوها أذلاء وطيعيين وجهلة لكي يبقى الحاكم ورئيس الحزب والطائفة ولياً ومتمسكاً يكرسيه إلى الأبد، ومستعداً للأمساك بـ"لحية" الآخرين من أجل تحقيق ذلك.

لوحة الصراع على الكراسي بين الزعماء للفنان علي فرزات، تذكرنا بما يجري في العراق من صراعات عبثية

لوحة مآل الأحزاب الدينية في بلداننا بريشة الفنان علي فرزات
بالطبع لابد وأن تحتل محنة الشعب السوري والمس بكرامته من قبل "الحزب القائد"، وما تتعرض له سوريا الشقيقة من انتهاكات في كل جوانب الحياة حيزاً كبيراً في هموم الفنان علي فرزات الإبداعية. فتراه يعيش حالة فقدان ثقة الشعب بالحكم تارة، وتارة أخرى يلقي الضوء على نهب وهدر ثرواته، ثم على هشاشة نظامه السياسي، ثم يعرض على فضح شلة المثقفين من وعاظ السلاطين الذين تحدث عنهم مفكرنا الكبير علي الوردي.

نهب لثروات البلاد ونظام بوليسي هش بريشة الفنان علي فرزات


وأنظمة عربية قائمة على جماجم مواطنيها ووعاظ السلاطين بريشة الفنان علي فرزات
إن الفنان المبدع والموهوب في لوحاته المعبرة يطلق صرخة موجعة تعبر عن هاجس كل مواطن في بلداننا العربية ضد الظلم والدوس على كل كرامة الأنسان العربي والذي تمارسه كل الأنظمة العربية تقريباً وحولت المواطن العربي إلى تابع وليس مواطن حر. وخير تعبير على ذلك ما عبر عنه أحد المواطنين العراقيين لمراسل جريدة الحياة في زمن "القائد التاريخي"، عندما قال متحدثاً عن حال العراقيين آنذاك:
"القائد التاريخي يحوّل المواطنين مزيجاً من العبيد والكلاب. يشعرك بأن الأرض ملكه وقَبِل باستضافتك عليها شرط أن تبيع حريتك وإنسانيتك. في المكتب تجلس تحت صورته. وفي الشارع تمر قرب تماثيله. يشعرك بأنه يملك بيتك وأطفالك. وأنك تعيش لأنه لم يقرر بعد أن يقتلك. ظلّه حاضر في غرفة الجلوس وغرفة الطعام ويكاد أن يحضر في غرفة النوم أيضا". و استرسل: القائد التاريخي يلتهم البشر والحجر. يلتهم النشيد الوطني ويسمم الكتب والأنهار ويزوّر مخيلات الأطفال. لن أنجب طفلاً في هذا البلد كي لا يحولوه كلباً. سأغتنم أول فرصة للهروب الى الخارج. الى بلد لا يرتكب إثماً من قماشة إنجاب وحش اسمه القائد التاريخي".
فالفنان علي فرزات يعيش هاجس المواطن في البلدان العربية عندما يبدع في لوحاته، ولهذا جذب الملايين من العرب المكتوين بنار "القادة التاريخيين"، تماماً كما أثار غضب وتكفير هؤلاء القادة التاريخيين وغلمانهم الذين أعتدوا عليه بالضرب عند ساحة الأمويين في قلب دمشق الفيحاء. هذا العمل المزري دليل إفلاس سياسي وقرب تمتع الشعب السوري بكرامته وحرياته الديمقراطية وانتقاله إلى درب التحرر من قيوده.
30/8/2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - من الضروري التضامن مع شعب سوريا ومثقفيها الح
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2011 / 8 / 31 - 16:07 )
شكرا جزيلا للاخ الاستاذ عادل حبه على مقالته الرائعة هذه خصوصا لانها تتضمن امرين هامين عدا اهميتها الاخرى
الاولى فضح نظام الفاشية البعثي المختطف لسوريا ارضا وشعبا واعلانه التضامن والتاءييد التام لانتفاضة اهلنا في سوريا العزيزه
الامر الثاني هي التضامن العارم مع الاستاذفرزات الفنان التشكيلي المبدع المنحاز لقضية الانسان وحقه في الحياة والحرية والكرامة
ان تضامننا مع اهلنا شعب سوريا هو موقف انساني مطلوب دائما ولكنه تضامن
مع شعب متكامل جغرافيا وتاريخيا مع شعب الرافدين الرائع الذي ليس غريبا عنه ان يولد فنانين كعلي فرزات وجواد سليم
ان الاخ والصديق الاستاذ ابو سلام بمقالته هذه يملاء فراغا كبيرا في مجال تضامن الراقيين مع شعب سوريا في انتفاضته الحاليه ومع المثقفين السوريين الحقيقيين
رغم قلتهم لان الافذاذ والمؤثرين حقا في التاريخ كانوا دائما قلة من بين المثقفين والمفكرين وحتى الشعر العربي القديم انتبه لهذه الظاهره فقال
تعيرنا انا قليل عديدنا فقلت لها ان الكرام قليل
ان البعض منا يربط خطاء مااصاب ويصيبنا من قتل على ايدي المتسللين من سوريا وبين شعبها الجميل الذكي لذالك ادعو لحملة عراقية سورية

اخر الافلام

.. سيلين ديون تكشف عن صراعها من أجل الحياة في وثائقي مؤثر


.. -هراء عبثي-.. شاهد رد فعل مؤرخ أمريكي على الديمقراطيين الذين




.. نيويورك تايمز: تجاهل البيت الأبيض لعمر الرئيس بايدن أثار الج


.. انتخابات الرئاسة الإيرانية.. مسعود بزشكيان




.. بزشكيان يحصل على 42 % من أصوات الناخبين بينما حصل جليلي على