الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدستور العراقي ... أتعديل ام كتابته من جديد ؟

لؤي الخليفة

2011 / 8 / 31
دراسات وابحاث قانونية


الدستور الدائم لا يكتب لعام او اثنين ولا حتى لعشر من السنين , فهو كما يتضح من صفته ( دائما ) , ما يقضي اختيار كتابه بعناية ودقة متناهية ومن ذوي الاختصاص ممن يتصفون بالحكمة والخبرة والامكانيات اللغوية العالية بغية اقتناء مفردات الفقرات المناسبة وصياغة مواده بشكل رصين وسبكها بحيث لا تدع مجالا للبعض من استغلال الثغرات فيها ضد المصلحة العامة .
غير ان هذه المواصفات ومع شديد الاسف لم تتوفر في غالبية اولئك الذين وضعوا وكتبوا الدستور العراقي , فجاء هزيلا هجينا ناهيك عن النوايا التي لا اريد وصفها بغير الحسنة ... لذلك بدأت ومنذ بداية كتابته الانتقادات له والدعوات التي تصاعدت في الفترات الاخيرة لتعديله قبل ان يغرق البلاد في فوضى التقسيم والتمزيق بعد ان اغرقها في فوصى الطائفية والمحاصصة ... وحسبي ان اشير هنا الى الى واحد من اهم واخطر ما قيل بحق هذا الدستور , وهوما قاله رئيس الوزراء (( ان الدستور بني على اساس قومي طائفي وقد كتبناه وكل منا اراد ان يثبت انتمائه وقوميته ومذهبه باشياء يضعها في الدستور ... لكننا اكتشفنا اخيرا ان لم يكن منذ البداية اننا زرعنا فيه الغاما وليس حقوقا وان هذه الالغام بدات الان تتفجر ... ليس عيبا ان نقول كتبناه بأيدينا ثم ينبغي ان نستفيد من التجربة وان نعدل بما يحقق دولة المواطنة واعتماد الاساس الوطني والانتماء للوطن وان نغادر بشكل نهائي دولة الطوائف والقوميات )) .
ثمة اسباب عدة دعتني ان اصف تصريح المالكي بالخطير , اتطرق هنا فقط الى اثنتين منها , الاول هو ان الرجل رئيسا للوزراء والمسؤل المباشر عن السلطة التنفيذية والتي يفترض ان تتخذ من الدستور مرشدا لها , والثاني ان المالكي كان واحدا ممن كتبوه فهو عاش وعاصر تلك المرحلة بكل تفاصيلها واطلع على الكيفية التي كان البعض يفكر بها سواء اكان هو او غيره من المكلفين باعداده وماذا كانت نوايا البعض منهم ؟ .
وها هي اليوم وبعد هذه الاعوام التي مرت على اقراره, تتجسد تلك المخاوف التي طالما حذرت من الالغام الكثيرة التي حواها الدستور وتكريسه المصالح الفردية والابتعاد عن المصالح الوطنية والتفريط بسيادة ارض العراق ووحدة شعبه, ناهيك عن الغموض الذي يكتنف بعضا من مواده اضافة الى عدم اعارة اي اعتبار للديقراطية والكفاءات بدعوته الى التوافق في اختيار المناصب الحكومية وقد كانت حقا بعض النوايا سيئة حينما ثبتوا احدى المواد التي تجعل تعديله غاية في الصعوبة حيث تذكر ان رفض ثلثي ثلاث محافطات اجراء التعديل يبطله ...
في مقدمته يشير الدستور الى ان ((الالتزام بهذا الدستور يحفظ للعراق اتحاده الحر شعبا وارضا وسيادة )) ولا اريد هنا الاشارة الى اؤلئك الذين لا يلتزمون به !! , غير ان بعض ما ورد فيه من مواد لا تشير الى تلك السيادة والاتحاد , فلو اخذنا , على سبيل المثال لا الحصر , موضوع الفيدرالية لوجدنا ان النظام الذي اعتمده لم يكن له مثيلا ولا حتى مشابها لاي فيدرالية اخرى من الفيدراليات المعتمدة لدى البلدان الاخرى بدءا من الولايات المتحدة وانتهاء بالهند وما بينهما العشرات من الدول , فالفيدرالية في معناها اللغوي تعني _ الثقة _ وهي نظام سياسي يقوم به مستويان حكوميان بحكم ذات المنطقة الجغرافية ونفس السكان , اي دولة واحدة تمتلك كل مقومات السيادة , جيش واحد , علم , نشيد , عملة , وسياسة خارجية موحدة ... وليس ثمة مفهوم في الفيدرالية اسمه تقاسم السلطة او الاستحواذ على الثروات الوطنية او الاحتفاظ بجيش مستقل ... اضافة الى مسألة اخرى في غاية الاهمية , تلك هي انه لا يحق للفيدراليات الانفصال ... ولو اسلمنا ان في كردستان العراق ثمة مبرر قومي _ ديموغرافي للفيدرالية , واوكد هنا على الفيدرالية , ولكن ما هو المبرر لاقامة فيدراليات في الجنوب او الوسط او الغرب ؟ , أهو هوس الاستحواذ واستلام مفاتيح السلطة والثروة ؟ , ام ماذا ؟ ...
كثيرا ما تم التحذير من خطورة الاحتلال الامريكي للبلد والخطوات التي لجأ اليها مع بدء عملية الغزو , كنهب محتويات المتحف العراقي وجعل البلاد ساحة تصفية للحسابات مع تنطيم القاعدة واخيرا وليس اخرا حل الجيش الذي اعتبره البعض خطأ تكتيكيا , الا ان هذه الاخطاء وغيرها كانت بداية المشوار لتدمير الدولة ومكوناتها واعادة تشكيلها بشكل مقلوب , وكان واحدا من اهم الوسائل لهذا التدمير هو الدستور الذي ساهم في تعميق الانقسامات السياسية _ الطائفية والعودة بالبلاد الى العصور الوسطى كما ارادوا وهددوا به قبل عملية الاحتلال وصولا الى المشاهد الاكثر خطورة على سيادة الوطن من خلال الدعوات غير القليلة المنادية بعضها الى تشكيل الاقاليم او البعض الاخر المطالب بالانفصال .
ان الدستور ما هو الا تعبير عن تطلعات الشعب في دولة ما باعتباره القانون الاساسي الذي من خلاله تسن القوانين التفصيلية الاخرى كونه هو مرجعيتها , كما انه العقد المنظم للدولة ومؤسساتها ... لذا فأنه بات من الضروري اما اجراء تعديلات جوهرية على دستورنا الحالي , والمادة 136 اعطت الحق لرئيس الجمهورية ولرئيس الوزراء او لخمس اعضاء البرمان اقتراح التعديل , او كتابته من جديد , وهو الافضل , بشكل يضمن وحدة وسيادة العراق لا تفتيته وتقسيمه الى دويلات ... ذلك ان الدستور الحالي , وحسبما اعتقد وربما الكثيرين غيري , صار اشبه ما يكون بمريض مات موتا سريريا , ولم يعد ينفع معه اي علاج وحري باعضاء البرلمان ان يذهبوا به الى الدفن وتكليف لجنة مختصة وليس عيبا ان تتم الاستعانة بخبراء اجانب للشروع بكتابة اخر جديد شبيه بدساتير البلدان الاخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمة المهاجرين في تونس.. بين مخاوف التوطين واحترام حقوق الإن


.. استمرار الاحتجاجات في جامعات أميركية عدة رغم اعتقال المئات م




.. آلاف النازحين يناشدون العالم للتدخل قبل اجتياح إسرائيل مدينة


.. رفح الفلسطينية.. جيش الاحتلال يدعو النازحين إلى إخلائها مرة




.. تعرف على صلاحيات المحكمة الجنائية الدولية وآليات إصدار مذكرا