الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسلّمات والحقيقة المجردة

مجدي مهني أمين

2011 / 9 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


كنت أبحث بشغف وإلحاح عن الثورة،
- أين الثورة؟

سؤال يقلب موازين أفكاري، ويلح علي، لا أدعي ان ما قام به شبابنا كان هينا، أو بسيطا، بل كان عظيما بكل المقاييس.. عظمته لا تكمن فقط في إنجازه الهائل برحيل الرئيس وتقديمه للمحاكمة، بل في هذا الدم السخي الذي بذله شبابنا بكرم منقطع النظير.. مؤكد أن أم كل شاب قد أمسكت بتلابيب إبنها أو بنتها كي تمنعهم من النزول للميدان،
- فكيف تترك أم أولادها أو بناتها ينزلون الميدان ، دون ان تمنع فلذات كبدها من الهبوط إلى هذا الميدان العبثي المتوحش، كيف تسلمهم حملان لذئاب دون أن تستصرخهم ألا يرحلوا، أو حتى أن يبقى بضع دقائق كي تتملى فيهم وتشبع منهم قبل ان يذبحوا؟

وكان الشباب على عكس إرادة أمهاتهم ، كانوا في الميدان أسخياء يجودون بدمائهم عن طيب خاطر، يواجهون الموت والرصاص والعربات الطائشة بصدورهم ، أو تلتقطهم رصاصات النظام من مكان مجهول ويسقطون في صمت.
كلنا ينحني حتى السجود أمام هذا الشباب المؤمن ببلاده، أقصد الذي يحب بلاده حتى العبادة، أمام هذا الشباب الذي مارس بتقوى أيمانه، مارسه على نفسه، لم يبشر به في عظة بليغة ، بل مارسه في فعل فداء بليغ، ماتوا كي نحن نعيش.. ما أجمل هذه البشارات الصامتة مدفوعة الثمن ، التي تفتح آفاقنا وتنير قلوبنا ، التي تهزنا وتبكينا.. ما أجمل بشارات هؤلاء الشباب، من نصغر أمامهم وتتضائل كلماتنا.
كل هذا فعله الشباب وأكثر، ولكنه لم يوقف إلحاح السؤال:

- أين الثورة؟
تغيير النظام لا يمثل الثورة ، حتى لو ذهب كل قادة النظام القديم، بأحزابهم ومجلسهم ومحلياتهم، "الثورة هي تغيير في الرؤية والمفاهيم"، "هي نقد المسلّمات واختيار مسلّمات جديدة"، "هي نقد (ونقض) مفاهيم قديمة لبناء مفاهيم جديدة تقودنا لغد أفضل"؛ ولم أجد هذه الأفكار الجديدة، كنت أتعطش أن أراها تسير تشق طريقها بين الناس ولم أجد.
وجاءتني اليوم قطرة، أرى فيها الأمل في ميلاد مفاهيم جديدة ، في ميلاد الثورة، كتبت إحدى الصديقات على صفحتها في الفيس بوك:
- " كم أكره بيت الشعر القائل، بلادي وإن جارت عليّ عزيزة، وأهلي وإن ضنّوا علي كرام..!!كم من العبودية يحمل هذا البيت الذي يردده بعضنا مترنما دون أن يفطن كم من العبودية يحمل.فما الذي يدعو بلادي للجور عليّ ؟ ولماذ تبقى عزيزة إذا ما جارت؟ولما يضنّ علي أهلي ، ويبوقوا رغم صفاقتهم تلك ،كرام، كم هي ظالمة وبائسة بلادنا التي تجور علينا.. وكم هم لئام أهلنا عندما يضنّوا علينا..!بلادي وإن جارت علي سقيمة ، وأهلي وإن ضنوا علي لئام.هيك أزبط!! "
هنا رقصت فرحا لأن الصديقة نقدت مسلّمة، كنا نرددها بفخر وكأنها تعبر عن وطنيتنا، والصديقة أوضحت أنها تعبر عن عبوديتنا.
هنا بداية الثورة الحقيقية : أن ننقد المسلّمات، لقد كان حكم مبارك مسلّمة ، والتوريث مسلّمة ، حتى تعذيب المواطن في أقسام الشرطة كان مسلّمة، والدليل أنها موجودة في كل الأفلام كأمر واقع، ولم يعترض عليها جهاز الرقابة أبدا بل تركها (كمسلّمة) تنخز في عظام المواطن ، باستثناء بعض الأعمال كفيلمي "الكرنك"، و"هي فوضى"، التي قدمت التعذيب والإهانه كعمل شائن يلزم مواجتهه والتخلص منه.
وهناك طابور طويل من المسلّمات اللازم نقدها وإعادة النظر فيها "كاحترام الكبير" ، وهي في الواقع اقرار لحق الكبير على الصغير، أو لتغاضي الصغير عن حقه في التعبير عن رأيه، أو اعتبار ان الكبير على صواب إلى أن يثبت العكس، وأن الصغير مخطئ إلى أن يثبت العكس، هذه مسلّمة في حاجة إلى نقد وإعادة نظر للبحت عن مفهوم أكثر تجديدا وهو "احترام الإنسان".
الأمر ذانه ينطبق على "احترام المسئول" على حساب المواطن ، أو احترام ذوي الحيثية (وظيفة، منصب، مال، جاه،... ) على حساب المواطن البسيط، وقد منحت ثقاقة التمييز (هذا المسئول) العديد من الألقاب مثل:باشا،ومعالي، وغيرها التي تسقط الدور الأساسي للمسئول - أن لديه صلاحيات يلزمه توظيفها في خدمة المواطن- وتجعل المواطن هو اللي في خدمة رِفعة (هذا المسئول).. كنت مدعو للقاء في "مدينة مبارك التعليمية" يفتتحه أحد الوزراء الذي كان قد تسلم لتوه وزارة التربية والتعليم بعد د. حسين بهاء الدين، وقبل أن يحضر الوزير كان الإداريون يترقبون وصول الوزير كان يفرشوا أمامه السجاة الحمراء... هذه سياسة ركل إلى أعلى تنطلق من مسلّمة احترام المسئول يلزم أن تستبدل بقيمة "احترام المواطن"، الكل مختلفون في الأدوار متفقون في درجة الاحترام.
لقد تراكم لدينا وعي قادنا ان نتحرر من مسلّمة النظام الحاكم، ويلزمنا وعي جديد يولد كي نعيد النظر في كافة مسلّماتنا كي نبنى نظاما جديدا يحررنا من المسلّمات التي تمنعنا من النمو ، أو بالحري تمنعا من لمس الحقيقة المجردة،










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الصديقة التي كتبت -كم أكره بيت الشعر القائل
مجدي مهني أمين ( 2011 / 9 / 1 - 21:57 )
الصديقة التي كتبت -كم أكره بيت الشعر القائل...- كانت نادية عليوني، ووجدت ما كتبته على صفحة أحد أصدقائي، ولم استطع أن اتبين اسمها الأخير -عليوني- لأنه كان مكتوبا على الفيسبوك بالحروف اللاتينية، وتعرفت على اسمها عندما وجدته يزيل احدى مقالاتها على موقع الحوار المتمدن، فشكرا للكاتبة التي أوحت إلى بموضوع المقال الراهن.

اخر الافلام

.. سرايا القدس: خضنا اشتباكات ضارية مع جنود الاحتلال في محور ال


.. تحليل اللواء الدويري على استخدام القسام عبوة رعدية في المعار




.. تطورات ميدانية.. اشتباكات بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحت


.. ماذا سيحدث لك إذا اقتربت من ثقب أسود؟




.. مشاهد تظهر فرار سيدات وأطفال ومرضى من مركز للإيواء في مخيم ج