الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ينام الشوق على وسادة الشعر لدى الشاعرة مرح البقاعي

فايز صلاح أبو شمالة

2004 / 12 / 1
الادب والفن


ينام الشوق على وسادة القصائد عند الشاعرة
مرح البقاعي
بقلم: د. فايز صلاح أبو شمالة
كاتب وناقد من فلسطين
(عندما تكتب المرأة شعراً تصير القصيدة أنثى، وعندما تكتب عن الحب، تصير مفرداتها عاشقة).
لا يقتصر الحب على حالة انفلات حصان المشاعر على مرج الرغبات، وانحلال جدائل الشوق تمرغ في غدير الأمنية، الحب إيماءة الزهر للسحاب، ووشوشة الندى للتراب، إنه إعادة صقل الروح الإنسانية، وقلع شوكها، وتهذيب أغصانها، وتنسيق وردها، وتأنق الحياة بوشم ثوبها، الحب حالة من الوجد يذوب فيها المحب أو تتجمد أطرافه، غيبوبة واعية عن عالم الوجود، يتسامى فيها المحب عن كل مدرك بالعقل والحواس، ويعتلي سفن البصيرة فارداً شراع الروح تتلمس ما شف من هوى، فيصير العاشق نسمة يحلق في فضاء الشوق، ويصير فراشة تقتحم النار، أو صقراً تخترق عيناه المدى، ويمشط البحار.
مرح البقاعي، شاعرة عربية سورية مثقفة كقطرة مطر، لديها فائض وجد وجمال يمسح وجه الكلمات، ويعينها على امتطاء صهوة الفكرة، واختراق صحراء الواقع، تمتلك إمكانية الذوبان في المعاني كدمعة، شاعرة ينبت على جدران روحها الياسمين، ويتسلق على جيد اغترابها الليلك، ترق شخصيتها في الشعر إلى حد التماهي مع الموقف، فيوشوشها القمر، ويشف وجدانها عن إنسانية تتملك اللحظة في اللحظة التي تفر منها نجمة الحب، وليس لها في كل ذلك إلا قلب ينبض بشوق حقيقي تلجأ إلية في العتمة، تستند على كتفيه آخر الشقاء وتبكي، وهي معاتبة له في قصيدة ساجدة
عاتٍ أيها العاشق
حتَّام تلاحقني لعنةً مرتَّلة؟
حتام تتدحرج في حلقي لعاباً مسكَّر؟
ناهض صوتي من رشرشات قمحك
اجمعني بشقاء أيها المنجل
هي أنثى تومئ للذكر، تستثير فيه رجولته، نخوته، هي نجمة التودد، وهو العاشق بالنسبة لها، وكما تتمنى أن يكون، يلاحقها، ويلاحقها، ويتدحرج في حلقها رضاباً، فهو سيقان القمح التي ترشرش اهتزازات توترها، وهو المنجل الذي سيجمع الحصيد، ومع أن منجل حبيبها قد صدأ، وتثلمت شفرته، فهي ما زالت تنتظره، وتحن إليه، تناديه للقطاف: أن اقترب؛ وهي ما زالت مأسورة خلف قيوده التي ماانفكت تطوقها، وهي ما زالت تندف بياض روحها على أغصان الحب التي نفضت عنها ورقها، فالحب ما زال أمنية غائبة كما وصف ذلك الكاتب السوري حنا مينه، ولا تنطفئ هذه الأمنية كل العمر ما دامت غائبة، وهذا النوع من الحب الذي تعيشه الشاعرة غير محسوس، وغير محدود المعالم، إنه الوجد المتألق للحياة بشكل عام، وإنه التعبير عن اتساع الروح لكل جميل، واللهث خلف الكمال،


فإذا بالشعر عند مرح غيبوبة، وفي الغيبوبة يصحو العقل الباطن، يفيض مخزون الوجد الذي يغذي حياة الشاعرة، يسيطر على كيانها، ويطيب لها ذلك، تتمتع في الغيبوبة، وتسترخي كفرس بعد الطراد، فما لها والصحو الذي يعيدها إلى مرارة الحياة، لتقول:
أيها الشاهد الذي شرّدني ثم اجتهد
! باطل أنت

* * *
وفي صحوٍ
أغلقت جمجمتي على طافح رميمك
وانكفأت.
أن صح ذلك الادعاء، وصَحَتْ الشاعرة من غيبوبتها، ثم انكفأت على نفسها، وطوت صفحات الحب، فمعنى ذلك أن غضبها قد تفجر، وأن الشاهد على حبها قد نكص على عقبيه، وجبن عن التواصل وتوصيل شريان قلبه لمن نبض قلبها، ولكنني أتشكك في ذلك!!
لأن الشاعرة تواصل عزفها على وتر الحنين، ويواصل الحب تحريك موج خيالها، فهي تجهل كتم المشاعر، وتجهل لصدق حبها تغليفها بالرمز، تكشف الكلمات عن غطائها الرقيق، وتفضح ما لم تجهد هي في ستره أصلاً، فهي تنادي حبيب يغض عنها الطرف، ويغيب وراء السحاب، وكأنه بخار ماء، أو فقاعة ظهرت وانفطرت، تقول عن نفسها في قصيدة أنثى السؤال:
كلٌّ غادرها إذ قبعت إلى قفص أنثاها، مظلمة كسمك الأعماق، مضيئة كصفعة
إذن للمغادرة شروط، فما دامت لم تستلم للرجل فهي طريدة، وهي تلمع على سطح الماء، وهي تدوي كالصفعة رغم الإضاءة، فإذا قبعت في القفص كانت مغادرة الكل لها، وكما وصفت ذلك جهلاً بها أو عن تحفز، وهذا ما يدفعها إلى البحث عن تجربة حسية مرفوضة من طرفها، وغير مقتنعة بها، وما يدفعها إلى التسرع وارتجال التصرف كما تقول عن نفسها:
لم ترتجل حبا إلا وضاعفت لظاها في التهوّر..
لم تعاقر قصيدة إلا واستباحها فيض العبارة.
مرهونة إلى انشطار اللحظة، محفوفة بسكين الإشارة.
هي المدار إذ تلكأ الضوء، هي الفاكهة إذ تعرت المائدة.
تقضي الجموع أن ترسل السرّ إلى قوامها الخمري لأنها المسرّة.
لقد وصفت الشاعرة نفسها بعدة أوصاف أنثوية، وهذا ما أعطى العنوان صدق الدلالة، فهي الشاعرة الأنثى الرقيقة التي مارست الأفعال التالية، ترتجل، بعد أن ضاعفت لظاها، وعاقرت، وهي الأنثى التي وقعت عليها الأفعال التالية، فهي المستباحة، وهي المرهونة، وهي المحفوفة، وهي المدار، وهي الفاكهة، وهي المسرة، ودلالة ما سبق تشير إلى شعور يعبئ صدر الشاعرة بالظلم الذي يلحق بها كأنثى ضاق عليها السلوك، فهي لم تفعل أكثر من أنها ارتجلت، وما للفظة من دلالة التسرع، وهي ضاعفت لظاها، وما للفظة من دلالة التحرق، وصدق المشاعر، وهي عاقرت، وما للفظة من دلالة المساواة وحب المشابهة، ولكنها مقابل ذلك، فإنها تسلم بالثمن الذي عليها أن تدفعه لهذه الجرأة.
إن كل ما سبق من أوصاف لا تنطبق إلا على أنثى شرقية، تقدم فاكهة روحها لمن تعشق، وتقدم لظاها في التهور، وتفتح أبواب جهنم على التقول، فماذا قالوا عنها:
وقالوا: مرموزة أو طائشة كثلم في بحر..
وقالوا: مجدولة بلفح السفر الأصفر..موشومة بغرائز الإطلاق والسخرية.. برجوازية الانهمار والسريرة..
وقالوا: أنثوية المراس، مهدورة الفرائض، جامحة الافتراض، مشرئبة كهدهد..
وقالوا: هي العصيّ إذ طاب اللغو وأفرط العنب..
هي المرتدّة إذ انكشفت عورة المستباح في الأصل..
هي القصيّ إذ تداعت الشخوص إلى شفير الذاكرة..
هي الطلق إذ أحكمت الزنزانة أسنانها في الملذّة..
رصدت في الفقرة السابقة عدة صفات ترفضها الشاعرة، ولرفضها أسباب ترجع إلى محاولة الشاعرة لفرض ذاتها ككيان مستقل بعيدٍ عن التبعية، وهذه الاستقلالية لا تعنى سوى الحرية في اتخاذ القرار، وتحمل المسئولية عن حالة الحب التي تسيطر على كيانها، وما عدا هذا الحب مجرد لغو، واتهام زائف؛ وإن كان حقيقة فعلى المرأة بشكل عام أن تنتبه، وتعمل جاهدة على التخلي عن هذه الصفات، لقد مزجت الشاعرة بين العام والخاص، وهي ترفض الصفة الأولى، الطيش، وثم كثرة الحركة الترحال فارغ المعنى، ثم أن تعيش المرأة بلا إحساس بالمسئولية، ثم أن تكون متسرعة ومتهورة، وغير كتومة، ثم مستسلمة، وغير منضبطة، متغطرسة، ولها تطلعات بعيدة، متحفظة، لا تجاري الحدث، منعزلة ووحيدة، سريعة الهرب عند الحاجة إليها.
تلك دلالة المعنى الذي أتت عليه الشاعرة في الفقرة السابقة، وجاء رفضها لأنها تخلو من المشاعر، وتقيد السلوك البشري بالأشياء بعيداً عن الروح، وهو ما يعيدنا إلى حالة الحب التي تتلبس الشاعرة وهي تكتب عن شوقها الذي سما عن المادة، لذلك نراها ترفض ما سبق، وتلصق بنفسها الصفات الأقرب إلى نفسها وهي تقول:
أقول: دعوها لمهمة الورد يُغدق جراره على العالمين..
دعوها لحليب الفجر يتهالك كالخطيئة إلى نبات النوم..
دعوها لفعلة الريح تشد نزقها إلى حرير المحيط من سقْط المحيط..
وهنا هل يمكنني الاجتهاد بأن الشاعرة مرح مشدودة الرحال إلى حب بعيد خلف المحيط!؟
وأن مرح يضيق عليها المكان الذي تتواجد فيه رغم سعته!؟
وهل يمكن القول: أن مرح في ضائقة وجدانية، وتعاني حالة من الاغتراب رغم تبسم ورد الصباح في عينيها؟
عندما تكتب المرأة شعراً تصير القصيدة أنثى، وعندما تكتب عن الحب، تصير مفرداتها عاشقة، فهي التي تقول عن نفسها: إنها أميرة العفة إذا طاب اللغو، وأخذت خمرة اللذة بالكؤوس، وإنها المصانة المحجبة إذا تكشفت عورة الرؤوس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فاكرين القصيدة دى من فيلم عسكر في المعسكر؟ سليمان عيد حكال


.. حديث السوشال | 1.6 مليون شخص.. مادونا تحيي أضخم حفل في مسيرت




.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص


.. صباح العربية | في مصر: إيرادات خيالية في السينما خلال يوم..




.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص