الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليسار والمال.. من يقهر الآخر ؟!

مصطفى مجدي الجمال

2011 / 9 / 2
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية


اليسار والمال..
من يقهر الآخر؟!

في البلدان الفقيرة، وفي بعض البلدان الغنية أيضًا، لا تنفتح الآفاق أمام اليسار إلا عندما يتمكن من القضاء على سيطرة المال على السياسة.. فحتى في الظروف الثورية، وظروف ما بعد الثورة، يجد اليسار نفسه أمام معضلة بحجم جبل.. فاليسار يريد أن ينهي سيطرة رأس المال على الحكم، وبالأحرى أن يقلب حكم رأس المال.. ولكن هذه العملية الطويلة تتطلب موارد فكرية وتنظيمية/ إدارية وبشرية ومالية كبيرة بحجم المهمة..
قد ينجح اليسار في صياغة خط سليم وأن يتوصل للصيغة التنظيمية الملائمة لواقعه أو لسياقاته المختلفة.. وقد ينجح في حل مشكلة الكادر من خلال النشاط "الانتحاري" لكوادره للتغلب على النقص الذي قد يكون مزمنًا في العدد والمهارات.. لكن تظل مسألة المال جاثمة فوق الصدور.. ويظل الجميع حريصين على تكتم أو تجاهل النقاش في هذه المشكلة الحساسة.. حتى لأظن أنني أول من أتحدث فيها..
جاءنا في الحزب الاشتراكي المصري- وهو حزب حديث النشأة جدًا كما تعلمون- عدد من الزملاء ذوي المكانة الجماهيرية الكبيرة واقترحوا على الحزب الترشح لهذه الانتخابات أو تلك التي يتوقع أن تشهدها مصر في الشهور القليلة المقبلة.. وبالطبع رحب الحزب لكنه اكتشف أنه لن يستطيع مساعدتهم بما يكفي لمواجهة طوفان المال الانتخابي الذي يغزو الساحة السياسية المصرية من الخارج والداخل معًا..
طبعًا.. اعتاد البعض على الحديث "الرومانسي" عن أن اليسار يجب ألا يعتمد على المال، وإنما على السمعة والنضال وتعبئة الجمهور.. وهي إجابة تتجاهل أن بناء السمعة وتراكم النضال والحركة وسط الجماهير تحتاج إلى المال كشرط مسبق أو ملازم. بينما الطابع الغالب على كوادر الحزب والمتعاطفين معه والجمهور الذي يخاطبه هو الافتقار إلى المال، وربما أيضًا الفقر المدقع..
وحتى يدرك القارئ حجم المشكلة.. نؤكد أن الموارد المالية التي يتمتع بها الليبراليون والإسلاميون وفلول الحزب الوطني المنحل مهولة بحق.. هناك مثلاً ملياردير مصري ينفق على خمسة أحزاب ليبرالية أو أكثر.. وقد تباهى في اجتماع ذي طبيعة جبهوية بأنه قد رصد أكثر من أربعين مليون دولار للانتخابات النيابية القادمة.. وهناك تكنوقراطي وطني آخر ينفق بكرم على الأنشطة الجماهيرية، وهو جهد مشكور بالطبع.. لكن قرار الإنفاق يظل بيده هو.. كما تتواتر معلومات متناثرة وشحيحة عن تمويل غربي مباشر أو غير مباشر لبعض الأحزاب والائتلافات الشبابية الليبرالية..
وإذا وسعنا زاوية الرؤية لتشمل الإسلاميين فحدث ولا حرج عن إمبراطورية تجارية كبيرة للإخوان المسلمين، وبداخلها أيضًا شبكة معقدة من المشروعات التجارية والخدمية الصغيرة التي تدر الأرباح على الجماعة بقدر ما تعمل على توسيع شبكات الولاء لها..
غير أن المفاجأة التي تفجرت أخيرًا تمثلت في دخول السلفيين بقوة على خط النشاط السياسي والحزبي، والمفاجأة الأكبر هي ما تكشف عن امتلاكهم لإمكانيات مالية ضخمة من أموال التبرعات التي تنهال عليهم من الخارج والداخل.. ولعل المظاهرة التي قام بها السلفيون في ميدان التحرير وحشدوا لها عشرات الألوف من خارج القاهرة لا يمكن أن تكون قد تكلفت أقل من أربعة ملايين دولار (بحسبة بسيطة: اضرب 20 دولار في 200 ألف شخص جئ بهم بحافلات إلى العاصمة)..
أما فلول الحزب المنحل فهم يستندون إلى جماعات مصالح قوية في المدن والأرياف، إلى جانب التماسك العشائري الذي يوفر الكثير من الإنفاق..
أضف إلى كل ما سبق أن التيارات الثلاثة سابقة الذكر يملك كل منها قنوات فضائية وصحفًا تعطيها ميزة إعلامية ساحقة في تعبئة الرأي العام وتلميع كوادرها وسياساتها.. فضلاً عن أن بعضها يدر أرباحًا يمكن أن يذهب جزء منها بالطبع إلى التمويل السياسي.
يرى البعض أن المشكلة تكمن في التاريخ.. فقد اعتاد اليسار، وربما أدمنت بعض فصائله الدعم الأممي.. ومن ثم لم يتراكم لديه تراث في الإبداع في مجال تعبئة الموارد المالية. وبالتالي أصبحت عضوية الأحزاب تميل إلى إلقاء هذه المسئولية الجسيمة على "المركز" كي يحلها بنفسه.. حتى لو لم يخطرهم بآلياتها أو نتائج أعمالها..
في الماضي حاولت بعض الأحزاب اليسارية في مصر- السرية منها والعلنية- إقامة مشروعات ذات طابع تجاري.. ولكن للأسف- وبسبب حظر القانون لأن تمارس الأحزاب هذا النوع من الأنشطة- أدى الالتباس بين طبيعتها القانونية (الرسمية) والعملية إلى اختلاط الأوراق بين الملكية الحزبية والملكيات الشخصية.. كما أصبح لمن يديرون هذه المشروعات نفوذ على القرار الحزبي أكبر ممن حجمهم السياسي.. ولا أستطيع التفصيل أكثر من هذا..
واليوم تحاول الأحزاب اليسارية الجديدة في مصر حل المعضلة المالية من خلال أكثر من "نموذج" ولا يزال معظمها في طور التشكل.. فهناك نموذج الحزب الذي يعتمد فعليًا في موارده على عدد محدود من رجال الأعمال الأثرياء والمخلصين بالقطع للأفكار اليسارية.. غير أنني لا أرى في هذا نموذجًا مضمونًا أو قابلاً للاستدامة..
هناك نموذج آخر يعتمد على تمويل جمعية أهلية أو أكثر.. وهي بالطبع ممولة من برامج لمنظمات غير حكومية شمالية أو غربية.. ولا شك أن لهذا النموذج مخاطره السياسية والقانونية.. فضلاً عن مشكلة عدم الاستدامة أيضًا..
وإذا كان لي أن أضع بعض الأفكار الأولية فإنني أذكر التالي:-
- أهمية إعمال قواعد الشفافية قدر الإمكان، مع استطلاع آراء الأعضاء والمتعاطفين في الحلول المقترحة للمشكلة..
- يجب أن يتعلم اليساريون كيفية إنجاز الأعمال الكبيرة بأقل تكلفة ممكنة.. أي دراسة مواضع الهدر، والإمكانيات البشرية المتوفرة داخل الحزب..
- يجب أن يضع الحزب اليساري الناشئ (الفقير فرضًا) أولويات متفقًا عليها للإنفاق، وهي في اعتقادي: المقرات فالمطبوعات فالأنشطة والانتقالات.. والسبب في إعطاء الأولوية للمقرات في الحالة المصرية أنه قد ثبت أنها تلعب دورًا كبيرًا في إحكام التنظيم واللقاء الإنساني المباشر..
- إمكانية التنسيق بين الأحزاب اليسارية ومع الأحزاب الوطنية الأخرى للقيام بأنشطة مشتركة تموَّل تمويلاً جماعيًا وبما يضمن منع التكرار..
- إمكانية جمع التبرعات في صورة قمصان وتذكارات وكتب تباع بأعلى من قيمتها السوقية.
- إمكانية القيام ببعض الأنشطة المهنية (مثل الدروس الخصوصية والاستشارات القانونية والفحوصات الطبية..) مقابل أجر من المواطنين مع تبرع القائمين بها بأجورهم..
- أهمية التنسيق بين الأحزاب والجماعات اليسارية العربية للقيام بأنشطة إعلامية مشتركة تصلح لكل البلدان العربية.. مثل إنشاء فضائية يسارية عربية، ومجلة نظرية مشتركة..الخ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مواجهات بين الشرطة والمتظاهرين في تل أبيب وسط مطالبات بإسقاط


.. نقاش | كيف تنظر الفصائل الفلسطينية للمقترح الذي عرضه بايدن؟




.. نبيل بنعبد الله: انتخابات 2026 ستكون كارثية إذا لم يتم إصلاح


.. بالركل والسحل.. الشرطة تلاحق متظاهرين مع فلسطين في ألمانيا




.. بنعبد الله يدعو لمواجهة الازدواجية والانفصام في المجتمع المغ