الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جولة مع الذكريات

أسماء الرومي

2011 / 9 / 2
الادب والفن


جذبني الصوتُ الجميل لأكون قريبة من جهاز التلفزيون ،رغم أن هذا الجهاز لايستهويني كثيراً إذ كنتُ دوماً
أفضل السماع للراديو .ولكن هذا الصوت جعلني أقترب لمشاهدة الحفل الغنائي بمناسبة عيد الفطر ،ومع صوته
الجميل نقلني المطرب محمد عبده لأماكن عديدة وبعيدة ،ولا أدري لمَ جعلني أعود للأيام التي كنا نتهيأ فيها للسفر
ففي بداية كل عطلة صيفية، وكان ذلك قبل الحرب مع إيران ،كنا ندور على مكاتب السياحة والتي كان العديد منها
في شارع السعدون وبسهولة كنا نحجز بطاقات سفر على الخطوط الجوية العراقية والتي كنا نفضلها على جميع
الخطوط الأخرى ،ومعها كنا نحجز شقق سياحية أو غرف في أوتيلات للسياحة . ويعيدني صوت محمد عبدة
في أغنيته الجميلة الذي بدأ بغنائها في الحفلة ليلة ..ليلة ،هذه الأغنية وحدها أعادتني لذكريات سفرة قد تختلف
عن باقي السفرات ،إذ كنا قد قررنا السفر بالسيارات السياحية وكان في منطقة الكرخ شركة كبيرة لهذه السيارات
وحجزنا إلى إسطنبول ،وبعدها إلى صوفيا وبدأت سفرتنا في المساء ،عن طريق الشمال ولم يكن صعباً الطريق
إلى الحدود العراقية إذ وصلنا عند الفجر ،وبعد ساعات من التفتيش عدنا للسيارة ليبدأ الطريق الصعب إذ أخذت
السيارة تسير في طريق جبلي يزداد صعوبة كلما إمتد داخل تركيا،واستمر المسير النهار بأكمله وأحياناً كنا ننزل
للراحة ،وبدأ الليل بالنزول وبدأ الظلام يشتد مع المسير والطريق يزداد بعداً وكأن لا أول له ولا آخر ،فرشتُ
لأبنتي التي كانت صغيرة وغطيتها لتنام ،ومع الظلام وهدهدة السيارة كان صوت محمد عبده بأغنيته الجميلة
ليلة ينساب من مسجل قرب السائق ،كنت أغمض عيني لأغفو قليلاً ولكن الصوت الجميل كان يعيدني لأسمع ،
ويعاود النعاس عيوني وأعود لأطبق جفني ولكن النغم العذب يرغمني على السماع ،وتستمر الأغنية معنا الليل
بأكمله إذ كان السائق كلما تنتهي يعيدها من جديد ،فأي نغم كان ذاك والذي لم نمله جميعاً ولساعات طويلة ،كانت
الأغنية جديدة ،وصوت المطرب في ذلك الوقت كان جميل جداً وكان ذلك في عام 1978 .حين لاح الصباح
بدأنا ندخل مناطق سكنية ،كنا ننزل للراحة ،وفي أحد المناطق وقفنا قرب بيت أحد السواق ،ونزل هو وزميله
ليرتاحوا ويستحموا ،ثم عادوا ليتناوبوا في السياقة ،ويستمر الطريق في امتداده ولساعات طويلة أخرى وتلوح
أنقرة من بعيد ،وبعدها وبساعات طويلة تلوح اسطنبول ،وكان ذلك عند نزول المساء .أوصلنا السائق إلى الأوتيل
الذي تعهد هو أن يوصلنا إليه بعد أن قضينا في الطريق حوالي خمسين ساعة .
بقينا عدة أيام ،عدنا لنفس السيارة لتأخذنا إلى صوفيا وتحركنا في الليل ،لم يكن الطريق صعباً ولا بنفس المسافة
إذ كان أقصر بكثير ولا زلتُ أذكر حين وقفنا في الطريق قرب أحد المطاعم الموجودة للراحة وبعد أن عدنا
لأماكننا في السيارة ،وكنا لا نزيد عن عشرة أشخاص ،صعد السائق أخذ مكانه ،دار برأسه ليرى الركاب ،كانت
السيارة تقريباً خالية ،إذ أنها تسع عدداً كبيراً ،ولكن السائق أخذ وضعه للأستعداد وبدأ بالتحرك وهو يقول كل شئ
تمام ،عجبنا من هذا التمام الذي يقصده ،وضحكنا ونحن نقول تمهل يا أخي فالجميع لازالوا في الخارج .
حين وصلنا صوفيا كان الوقت نهاراً ،وقفنا في الشارع لنرى مكاناً قريباً للتصريف إذ كنا نحتاج إلى
تاكسي ليوصلنا إلى الشقة التي حجزناها من أحد المناطق السياحية .في هذه الأثناء اقترب من مكان
وقوفنا أحد الشباب كان يبدو طالباًجامعياً ،تساءل تريدون تصريف ،قلنا هذا سيسهل علينا الأمر ،عرض
علينا مبلغاً مقابل ورقة من فئة المئة دولار ولم يكن أكثر بكثير من التصريف الرسمي ورضينا لأننا كنا
متعبين ومعنا طفلة ،وبدأ يعد النقود ،وأعطانا قليلاً من المبلغ ،أخرجنا ورقة المئة دولار وكانت بيدي ،
وبلحظة وبخفة عجيبة ،ووسط كل الناس خطفها وبخفة أسرع ركض في شارع جانبي، نظرنا مشدوهين
لبعضنا ونظرتُ للنقود القليلة التي أعطاها لنا قلتُ هذا اللص المثقف كان منصفاً إذ ترك لنا أجرة
التاكسي .
كانت صوفيا جميلةوهادئة ،وكم كان جميلاً ذاك المطعم الواسع في وسط المدينة والذي دفعنا لتناول وجبات
الطعام فيه من المركز السياحي الذي له إتصال بالمراكز السياحية في بغداد ،كنا نرى في ذلك المطعم
حفلات زواج باستمرار ،وكان فيه مكان خاص للدعوات الرسمية لضيوف الدولة .
كل الأسعار في ذلك الوقت كانت تبدو مناسبة لنا ،والأسعار في الأسواق كانت تبدو زهيدة ،فالعملة العراقية
كانت مميزة وقوية في تلك الفترة ،وكم كنا نرى من العراقيين بين السواح في صوفيا وفي إسطنبول،حتى
إننا أثناء عودتنا إلى اسطنبول قضينا أياماً في سفرات سياحية على البحر وفي مناطق أخرى بإتجاه الشمال.
واسطنبول كانت مدينة جميلة محافظة على كل آثارها وآثار خلفائها ،وأسواقها كانت مميزة بسعتها وشدة
زحامها والعربات الصغيرة للباعة الجوالة كانت تملأ الأرصفة ،وذات مرة حين كنا نتجول بين تلك الأرصفة
كان الزحام يشتد ،كنت أحمل إبنتي على كتفي ،أسرعنا في السير لنخرج من الزحام ،وحين بعدنا نظرتُ ليد
ابنتي كانت تحمل مشطاً صغيراًفي يدها ،سألتها متعجبة ،من أين خطفتِ هذا المشط نظرتْ في وجهي وهي
تفتح عينيها الشقيتين على آخرها ،إذ تعجبتْ من هذه الكلمة الغريبة التي نطقتها ،أخذتُ المشط الذي لا أدري
من أين لأعيده وضعته في حقيبتي ،ولا أدري لمَ بقي هذا المشط معي وكل تلك السنين الطويلة ينتقل من حقيبة
لأخرى ،ربما لأنه يعيد تلك العينين الشقيتين واللتين تجعلاني أبتسم كلما أراه .رفعتُ رأسي أعادتني حقيبة
ممتلئة تتكئ على جدارٍ أمام فراشي الصغير ،ُإتكأتُ بيدي على الأرض لأنهض ،ذهبتُ إلى المطبخ لأعد كوب
من القهوة ليبعدني عن التفكير في أي شئ .
1ــ9 ــ 2011
ستوكهولم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهدوا الإطلالة الأولى للمطرب پيو على المسرح ??


.. أون سيت - فيلم -إكس مراتي- تم الانتهاء من تصوير آخر مشاهده




.. أون سيت - فيلم عصابة الماكس يحقق 18 مليون جنيه | لقاء مع نجو


.. أون سيت - أول عرض | فيلم النمر والأنثى مع إنجي يحيى




.. أون سيت - محمد ثروت بيحكي عن الجزء الثاني من فيلم بنك الحظ