الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموقف الايراني..والتعاطي العربي المطلوب

جمال الهنداوي

2011 / 9 / 2
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


لن يكون من الصعب على العديد من المراقبين –وان كان ببعض التكلف-ايجاد علاقة ما بين التصريحات الايطالية التي تتحدث عن الامل في أن يحترم المجلس الانتقالي الليبي العقود السخية التي ابرمها العقيد باسلوب اقرب الى الهبات مع الشركات الايطالية..وما بين المطالبات الايرانية الواردة على لسان وزير الخارجية علي أكبر صالحي بان على الحكومة السورية أن تلبي «المطالب المشروعة لشعبها»..وسيكون الامر اكثر تيسرا لو تناولنا الموضوع من خلال الرغبة الطبيعية للدول تجاه تأمين الاستمرارية اللازمة لسنوات من العلاقات الاستراتيجية المتميزة ومحاولة تجنيبها الهزات الفجائية في ظل المتغيرات السياسية التي تعصف بالانظمة الحليفة..
ولكن هذه المقاربات تتهاوى بسرعة لو كانت زاوية النظر من خلال مدى التأثير الذي من الممكن ان تحدثه مثل هذه الاقوال في البنية السياسية والامنية للانظمة التي تعاني من لحظات تحول تاريخية مثل تلك التي تنغرس فيها اقدام وممارسات النظام السوري ..فمن غير الممكن مقارنة الانزعاج الذي يولده القبول المتبرم لبعض العقود السياسية المجحفة مع كل هذه الخلخلة والارتباك التي تنشأ من الشعور البارد الذي يولده الانكشاف الكامل لما كان يعد العمق الاستراتيجي للنظام في مواجهة تصاعد الاستياء الدولي من تفلتات الحكم السوري وامعانه في تبني الخيارات الامنية والعسكرية تجاه تطلعات شعبه الاعزل ومطالباتهم بالحرية والكرامة والمساواة وحقوق الانسان..
فلن يكون صعبا لو ناقشنا انه من بين كل التصريحات التي تقاطرت على ادانة النظام السوري والمتمددة على قائمة طويلة من العناوين والحكومات والمنظمات التي تفترش القارات الخمس وتحتل حيزا مؤثرا من حجم الضمير الانساني ..يبقى اكثر ما يؤلم القلب هو الموقف الايراني الذي يمثل انتكاسة هائلة لجهود الرئيس الوريث في تدوير ما تبقى له من وقت تجاه تحقيق السبق في الصراع المدمي والمثخن بالدم والدموع ما بين القمع والاصلاح..
فعلى الرغم من ان الموقف الايراني ما زال يتحدث عن افق ما للنظام للقيام بما وعد –او توعد- به من اصلاح ..الا ان مجرد التخلي عن مصطلحات المؤامرات الخارجية والعمالة والاندساس الاثيرة على قلب النظام ..والنطق بعبارات محرمة في قواميس الصمود والممانعة مثل "مطالب المواطنين المشروعة" قد يعد تحولا من قبل الحليف الاقرب والاهم والاكثر التصاقا ومؤشرا الى دقة وحراجة الموقف الذي وضع الرئيس السوري نفسه -وحلفاءه – فيه وفي منزلقاته غير القابلة للتوقع..ومما يعد نقطة جلية لتحول المجتمع الدولي الى مناقشة الرؤى المتعلقة بمرحلة ما بعد بشار..
وهذا الموقف مضافا لما يمكن ان يستدل عليه من خلال التقارير التي تتحدث عن حوارات ايرانية مع بعض اقطاب المعارضة السورية..قد يكون مما يحسب للسياسة الايرانية كاستقراء جيد للسقوط المرتقب للنظام السوري وهو الامر الذي اصبح يتخذ صفة الحتم يوما بعد آخر بسبب الخلل البنيوي العميق في هيكلية النظام وافتقاره للخلفية الاخلاقية اللازمة لتمكينه من قيادة مسارات الاصلاح المرتقبة رغم الفرص الكثيرة التي سفحها الشعب والمجتمع الدولي للنظام العائلي الامني المستبد..
ولكن هذه النقاط قد لا يمكن حسابها للاطراف الاقليمية المناوئة للجهد الايراني والتي يبدو انها بنيت جميع حساباتها على حالة استمرار التحالف ما بين النظامين ..خصوصا وان المبالغة في ابراز التطير من هذا الموقف قد يحيلنا الى ان المواقف الاعلامية الاخيرة المؤيدة لحق الشعب السوري البطل في التعبير عن خياراته الحرة لا تمثل موقفا مبدئيا قدر كونها جزء من متطلبات ادامة الصراع الاقليمي واستثمار لمعاناة الشعب السوري في تقوية المواقف التقاطعية مع الجانب الايراني..
والخسارة ستكون اشد –عربيا -في حالة تجاهل التسريبات التي تتحدث عن مفاوضات تجريها طهران مع الولايات المتحدة الأميركية بشأن عدد من الملفات الساخنة في المنطقة، ومن حيث امكانية ان الموقف الايراني الاخير قد يكون استجابة لبعض اشتراطاتها..وهذا ما قد يثير السؤال الصعب عن موقع الدول الخليجية في اي اتفاق او تسوية من الممكن ترتيبها بين الطرفين في غياب الوجود والتأثير العربي المتقادم..
ما يهمنا الان ان هذا التغيير في المواقف يجب العمل على تنميته تجاه مصلحة وامن وسلامة ومستقبل الشعب السوري الشقيق..والبناء عليه تجاه الضغط على الدول التي ما زالت تقدم الدعم للنظام السوري لتعديل بوصلتها تجاه حرية وكرامة السوريين..وعزل المواقف المتشنجة بين العرب وايران عن الساحة السورية تجنيبا لنضالات شعبها الباسل ان تثقل بما لم تفلح في حله القرون الطوال..كما ان استمرار التنظير الطائفي للحراكات الشعبية والاستثمار المتعجل لمساراتها تجاه اعادة انتاج الازمة ضمن مسارات اخرى لن يؤدي الا الى المزيد من التعقيد للمشهد السياسي الاقليمي الذي عادة ما يكون الطرف العربي هو الخاسر فيه تقليديا بسبب هذا الخطل العضال في ادارة مفردات الازمة..
التغيير في الموقف فعلي..ومن الاكيد انه كان مستندا على قراءة متأنية للتطورات وهو جزء من جهود تخليق معطيات وارضيات ملائمة تسعى إيران من ورائها الى تأمين مصالحها ودورها، وهو نفس ما تقوم به تركيا ..ومن المؤكد بان مثل هذه المواقف هي استجابة لدراسات معمقة من نخبة من كبار المخططين الستراتيجيين في البلدين..وان الهدف البعيد منها هو حفظ مصالح شعوبهم وعلاقاتهم المستقبلية في خضم التغيرات المتسارعة في المنطقة..والاستفادة من الدروس التي افرزتها الحوادث الجسام التي عصفت بالمنطقة..خصوصا بعد الرسائل الحازمة التي اطلقها المجتمع الدولي من خلال تعاطيه مع الملف الليبي..وهذه القراءات وهذه القناعة..هي اول ما يجب ان تلتفت اليه الدول العربية الخليجية في تعاطيها مع هذا الملف الشائك..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حلم الدولة الكردية.. بين واقعٍ معقّد ووعود لم تتحقق


.. ا?لعاب ا?ولمبية باريس 2024: سباح فلسطيني يمثل ب?ده ويأمل في




.. منيرة الصلح تمثل لبنان في بينالي البندقية مع -رقصة من حكايته


.. البحث عن الجذور بأي ثمن.. برازيليون يبحثون عن أصولهم الأفريق




.. إجلاء اثنين من الحيتان البيضاء من منطقة حرب في أوكرانيا إلى