الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموقع الجديد للطبقة الوسطى

باسم عبدو

2011 / 9 / 3
الارشيف الماركسي


أشارت عديد من الدراسات والمباحث للمتخصصين في تحليل ودراسة البناء الاجتماعي للطبقات والشرائح الاجتماعية في السنوات الأخيرة إلى البدء بزوال الطبقة الوسطى، التي تضمّ فئات اجتماعية متنوعة، كالمحامين والمثقفين والمهندسين والأطباء والكتاب، وأصحاب الصناعات الصغيرة. ولهذه الطبقة دور اقتصادي واجتماعي مركزي في تحقيق التوازن بين الطبقات، وعدم إحداث خلل يؤدي إلى فتح ثغرة في بنية المجتمع.
لقد أدت التوجهات الاقتصادية الجديدة في المنطقة العربية، في ظلّ الثورة الثالثة (ثورة الاتصالات) إلى زيادة دور الليبرالية في الحياة الاقتصادية، والتراجع عن دور القطاع العام وإنجازاته التي انعكست إيجاباً على حياة العمال والكادحين بشكل عام، وبروز دور القطاع الخاص من جهة، ونشاط الكمبرادور والبرجوازية الطفيلية والفساد واتساع دائرة الفاسدين من جهة ثانية، وتشابك مصالحها مع البيروقراطية، مما أدى إلى إضعاف القوى الإنتاجية الحقيقية الفاعلة، وتدهور أوضاعها وعدم قدرة الطبقة الوسطى على مواكبة التحولات الاقتصادية تجاه اقتصاد السوق الحُرّ.
إن خصخصة الاقتصاد أدى إلى فرز طبقة وسطى جديدة أكثر فاعلية من الطبقة الوسطى التقليدية. وترافقت هذه التطورات المتصاعدة مع التضييق على الحريات، واستخدام القوانين والإجراءات الكابحة، والأساليب الرَّادعة لأي احتجاج أو تحرّك سلميّ، واستخدام النظام السياسي العربي للقوانين الاستثنائية.
ومن الأسباب العميقة لإعادة تكوين هذه الطبقة وبلورة نشاطها، ازدياد دور منظمات المجتمع المدني، وهي الحليف الرئيس لها، والامتداد الاجتماعي في الوسط الثقافي خصوصاً من خريجي المعاهد والجامعات، أي انتشار التعليم الواسع في الأرياف وعمل هؤلاء في المؤسسات الحكومية، وتقلّدهم مراكز وظيفية هامة في إدارات الدولة. وتردّت الأوضاع المادية لهذه الفئات، ولم تستطع مواكبة البرجوازية ، وأن تتسلق السلّم درجة واحدة، سوى القليل منها، بينما معظم شرائحها انضمت بغير إرادتها إلى مكوّنات المجتمع من الطبقات الكادحة. وأصبحت المطالب الأساسية لها- إضافة إلى تحسين أوضاعها المعاشية- الحريات السياسية والديمقراطية الاجتماعية وحق الإضراب والتظاهر السلمي واجتثاث الفساد، وتطبيق المواد المنصوص عليها في الدساتير العربية، وإصدار القوانين الديمقراطية الناظمة للحياة، والالتفات إلى حقوق المواطنة.
ولم يكن بالإمكان تجنّب تأثير إفرازات الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية، وانتقالها إلى المنطقة، منذ عام 2008. فقد أثرت تأثيراً كبيراً، خاصة بعد إصدار الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي القوانين الصارمة التي تحدّ من الهجرة إليها، وعودة ملايين التقنيين والعمال بفعل العوامل الطاردة من الدول الخليجية النفطية إلى بلدانهم فشكلوا عبئاً جديداً ضاغطاً على الحكومات العربية، وازداد جيش العاطلين من العمل خاصة لمئات ألوف الخريجين الجامعيين، إذ أغلقت أبواب فرص العمل وازدادت متطلباتهم اليومية وتلبية حاجات أسرهم، وارتفاع الأسعار وعدم وفاء معظم الحكومات لتطبيق الرعاية الاجتماعية التي ظلّت مسجَّلة في دفاترها ونائمة في أدراجها.
وبدأت الهزَّات الاجتماعية حسب المقاييس السياسية تؤشر على ما يجري في البلدان الأوربية من بطالة، وفقدان فرص عمل وفرض سياسة (شدّ الأحزمة والترشيد وازدياد الضرائب)، ونشاط صندوق النقد والمصرف الدوليين وشروطهما المجحفة بحق البلدان النامية. كل هذه العوامل ساعدت بشكل مباشر على تأطير عمل الطبقة الوسطى والتركيز على مسألة الديمقراطية والحريات والعمل وفصل السلطات ومناهضة الأنظمة الشمولية ومأسسة المجتمع. وكانت صاحبة المبادرة في تحريك الشارع السياسي الجماهيري المطلبي العربي. وانطلقت الشرارة الأولى من بلدان المغرب العربي وتوقفت الآن في محطّتيها (مصر والأردن). ولم يكن للأحزاب السياسية الماركسية والديمقراطية والاشتراكية الدور الطليعي، وعدم نكران أن القوى الديمقراطية والتقدمية بكل تلويناتها قد أسست الأرضية النضالية خلال العقود المنصرمة لهذه التحركات في مرحلة النضال الوطني التحرري ضد الاستعمار والإقطاع والأنظمة الديكتاتورية، ومرحلة ما بعد الاستقلال وتعرضت للاضطهاد والمطاردة والسجون والمحاربة بلقمة الخبز.
إنَّ العودة إلى المادية التاريخية من جديد، وقراءة التشكيلات الاجتماعية، وانتقال المجتمعات من طور إلى طور خلال التاريخ البشري له أهمية كبيرة، وذلك لرؤية التبدلات الحاصلة في علاقات الإنتاج الجديدة، ومعرفة الدور المنوط بالطبقة الوسطى في ظل ثورة الاتصالات، وتحول العالم الكبير بقاراته الخمس، إلى عالم صغير بحجم (قرية كونية)، ومعرفة التغيرات في الأفكار والمفاهيم، وعزل الأفكار القديمة التي دخلت في القاموس التراثي، ولم يعد لها أي دور أو تأثير في هذا الزمن المتسارع في معطياته وتطوراته.
إنَّ التجربة الاقتصادية (الخصخصة) في المنطقة العربية، أثبتت فشلها وأدت إلى زيادة عدد الفقراء وزيادة عدد الأغنياء، وإلى خلق هوّة اجتماعية حادة بين الطبقات الاجتماعية، وانحدار في بنية الطبقة الوسطى، إذ التحقت شريحة كبيرة وواسعة منها بالشرائح الاجتماعية الفقيرة، ولم يصعد درجة واحدة إلاَّ فئة محدودة في سلّم البرجوازية الكبيرة.
ويمكننا في هذا التحليل الأوّلي أن نأخذ (ثورة الياسمين) في تونس أنموذجاً للدور الجديد للطبقة الوسطى، التي قدمت برنامجاً للتغيير السياسي والاجتماعي والاقتصادي. علماً أن النتائج النهائية لا تزال غير محسومة، لكنَّ بوادر النهوض والفعل في الشارع على ما يزيد على شهر من الحراك اليومي، المناهض للظلم والاستبداد وعدم التراجع، يثبت للمراقبين الاستمرار حتى نهاية المطاف وتحقيق الحرية للشعب التونسي وقواه التقدمية والديمقراطية والماركسية، وهي نتاج تضحيات كبيرة قدّمها الشعب التونسي، ولقي مساندة ومواكبة له من كل القوى الديمقراطية والتقدمية، التي انخرطت مباشرة في العمل السياسي الجماهيري. وعبرت عن مصالح الأغلبية الساحقة للشعب التونسي.
وبرزت الطبقة الوسطى داعية إلى التغيير السياسي والاجتماعي. وكانت السبّاقة في حمل لواء الديمقراطية (البديل الأيديولوجي) وتقدَّمت على الأحزاب، لكنها تفاعلت معها بشكل كبير من جهة، وأنَّ الأحزاب متَّنت علاقاتها معها أيضاً، وهي في الأساس أن نسبة كبيرة من أعضائها قدمت من هذا الوسط الاجتماعي. وشكل هذا التحالف أرضية صلبة من أجل التغيير الجذري، وبقاء تونس الخضراء متوهجة وأنموذجاً يُحتذى به من جهة ثانية. وما يجري الآن في مصر يشبه إلى حدّ كبير، ما جرى ويجري في تونس. فالجماهير المليونية المصرية من عمال ومثقفين وأكاديميين وطلاب الجامعات والمهمّشين والفلاحين هبّوا دفعة واحدة في وجه الظلم والتعسف والاستبداد، وانضمَّت إليهم القوى السياسية الديمقراطية والماركسية والتقدمية والدينية ومنظمات المجتمع المدني والأهلي (النقابات العمالية والمهنية والأحزاب من مختلف الأيديولوجيات).وقدم المتظاهرون والمعتصمون (رجالاً ونساء وشباباً وفتيات) التضحيات الكبيرة، واستشهد وجرح المئات في القاهرة والإسكندرية والسويس وأسيوط وغيرها. وكان القمع على أشدّه، وتمَّ اعتقال عشرات المتظاهرين.
إنَّ عودة الطبقة الوسطى في المنطقة العربية، والبلدان المجاورة مؤشر إلى مرحلة جديدة من التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتكذيباً لاتهامات الأنظمة بأنَّ أصابع خارجية تعبث في الأوضاع الداخلية. فالحقيقة لا يمكن حجبها بهذه الأكاذيب.. والشعوب الصابرة المعذبة المسحوقة الباحثة عن العمل والخبز والأمان، هي صاحبة الحق في التغيير بما يحقق كرامتها ويحمي الأوطان من المخططات والأعداء، ويؤمن الحياة الحرة الكريمة لها وللأجيال القادمة!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عوام في بحر الكلام - الأغنية دي هي اللي وصلت الريس حفني لـ ج


.. اشتباكات بين الشرطة ومتظاهرين مؤيدين لفلسطين في أورلاندو




.. فيديو: ابنة كاسترو ترتدي الكوفية الفلسطينية وتتقدم مسيرة لمج


.. Vietnamese Liberation - To Your Left: Palestine | تحرر الفيت




.. آلاف المحتجين يخرجون في مدينة مالمو السويدية ضد مشاركة إسرائ