الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطوطمية وصينية التحرير

مدحت صفوت محفوظ

2011 / 9 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


من جملة المشكلات التي تواجه مسيرة الثورة المصرية: مشكلة استحالة رموز الثورة وأركانها إلى "أيقونات"، أو "طواطم"، ونعني بها اعتبار جماعة ما لفكرة ما أصلا وحقيقة، ودون هذه الفكرة، أو الرمز، تتوقف عجلة الزمن، وربما تقوم قيامة الكون. وتكتسب الفكرة/ الأصل بعدًا مثيولوجيًا وسحريًا، مع انتقال جزء من الطوطمية عن الفكرة إلى كل ما ينتج عنها من أفكار فرعية أو رموز هامشية.
الملاحظ، منذ سقوط مبارك، وتعالت الأصوات في تمجيد ميدان التحرير تحديدًا، وكأن الثورة المصرية قد اختزلت في هذا الميدان الكائن بوسط العاصمة، وظل الإطراء في تزايد حتى بلغ حد التقنيم. وشيئًا فشيئًا يكتسب الميدان بعدًا قدسيًا، تجاوز فكرة الرمزية.
ومثلما يرى د.محمود إسماعيل أن الميثيولوجيا تنطوي على بعد ديني، خصوصًا ما تعلق بالكرامة، التي تتمحور حول بطل ذي قدرات خارقة تتجاوز منطق الواقع وقوانين الزمان والمكان؛ ليحقق الحلم الجمعي وفق إرادته المطلقة. وفي حالة ميدان التحرير، انتقل مفهوم الكرامة من الدين إلى السياسة، ومن الشخوص إلى الأماكن. فغدى الميدان وليًا خارقًا للعادة، ومن غير المقبول الاختلاف معه أو مع الأصوات التي تخرج منه، وقد حاول البعض، في بداية تعيين حكومة د.عصام شرف، نقل هذه "الكرامة" إلى حكومة شرف باعتبارها حكومة "منبع التقديس"، أي حكومة ميدان التحرير. وفي واقع الأمر، الحياة السياسية عبر التاريخ لم تخلو من المثيولوجيا، إذ غالبًا ما اختلط نصف الحقيقة بنصف الخيال على نحو متفرد، لتكتسب الأفكار بعدًا أسطوريًا، والذي يعرفه أرنست كاسيرر بالمزج بين السحر والواقع والذي يحمل منطقًا خاصًا، لا مجرد عفوية خاضعة للمصادفة.
أظن أن هذه الطوطمية، والمكانة السحرية للميدان، هي التي دعت نحو 30 متظاهرًا، في صباح الخميس الموافق الأول من أيلول/ سبتمبر الجاري، إلى التسلل إلى "صينية" ميدان التحرير، وظلوا يرددون "يا مشير قول لعنان.. 9/9 في الميدان" في إشارة إلى المظاهرة المليونية التي دعت إليها جماعة ثورة الغضب الثانية، وائتلافات وقوى سياسية متعددة. ويرى البعض أن هذا التصرف بمثابة رد فعل على قيام جنود وعساكر الشرطة العسكرية "باحتلال" الصينية منذ فض الاعتصام الأخير في الأول من آب/ أغسطس الماضي.
بلا شك، عملية العسكرة داخل قلب ميدان التحرير مسألة مرفوظة ومستفزة؛ إذ تشير بشكل مباشر إلى تجريم التظاهر والإضراب والاعتصام، وهي الحقوق التي دافع عنها المصريون، وناضلوا من أجل الحصول عليها، منذ صباح الثلاثاء/ الخامس والعشرين من كانون الثاني/ يناير. لكني، وعلى المستوى الشخصي، لا أستطيع تفهم اقتحام الصينية من قبل الـ30 متظاهرًا المشار إليهم. ويزيد من عدم تفهمنا للفعل، بخاصة وأنه يأتي قبيل مليونية تم الاتفاق عليها من قبل عدة ائتلافات وقوى سياسية. وبافتراض حسن النية، نؤكد أن مثل هذه التصرفات "الصبيانية" تعيق تحقيق مليونية التاسع من أيلول، التي تهدف إلى تحقيق بقية مطالب الثورة، وعلى رأسها إلغاء قانون تجريم التظاهر، ومنع المحاكمات العسكرية للمدنيين، ووضع حدين أقصى وأدنى للأجور.. إلى آخره من مطالب الثورة المصرية.
وبالنظر في تصرفات المتظاهرين، نلاحظ إعادة إنتاج للأزمة بين المجلس العسكري والمواطنين، والتي توترت العلاقة بين الطرفين فترة ليست بالقصيرة، وأظن أن الأيام السابقة قد تم فيها احتواء الأزمة بعدة تحركات وخطوات، ليست كافية، لكنها ملاءمة على أية حال. واعترف أنني لا اتفهم أن يتبادل عدد من المواطنين الموجودين بالميدان التراشق بالحجارة وزجاجات المياه وهم يهتفون: سلمية سلمية.
فليحتل جنود الشرطة العسكرية الصينية كما شاءوا حتى جمعة التاسع من أيلول، ولنحشد نحن الناس للتكاتف حول تحقيق مطالب الثورة المصرية، واستكمال المسير ة الثورية، بعيدًا عن طوطمية الأماكن والشخصيات، والاستعاضة عن ذلك بنشر الوعي، ورفع درجة ثقافة الجماهير، مركزين على أهم مطلب من مطالب الثورة؛ ألا وهو بتر علاقة التبعية للغرب والقوى الاستعمارية، ومناهضة ذلك على كافة المستويات: السياسية، الاقتصادية، الثقافية، والعسكرية، ...الخ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الطوطمية والعسكرة
قباري البدري السيد ( 2011 / 9 / 3 - 13:07 )
تزداد ( طوطمية ) الميدان طرديا مع المحاولات المضادة لتفريغه من الذاكرة الثورية التي احتفى بها . فكلما أوغلت الثورة المضادة في قمع الميدان ، كما يسلك بدأب ( المجلس الأعلى ) ازداد تعلق الثوريين برمزية الميدان ـ لأنها تذكرهم بالثورة التي لما تنجز مهامها بعد . إذن الطرف الآخر ( السلطة غير الثورية ) هي التي جعلت الميدان أيقونة للثورة التي تكرهها وتحاول استبعادها من الواقع ومن الذاكرة . لأن الثورة المضادة تسعى جاهدة لإجهاض الثورة شكلا ومضمونا وتحويل ميدان التحرير إلى مجرد مكان شهد يوما ما ( أحداث مؤسفة ) . فليس الأمر متعلقا بميثولوجية الثوريين ومشاعر ميتافيزيقية . بل متصلة أكثر بفوبيا الثورة والتحرير لدى رجالات ( مبارك ) ونظامه القائم .

اخر الافلام

.. هل تسير مجريات محاكمة ترامب نحو التبرئة أم الإدانة؟ | #أميرك


.. هل أصبح بايدن عبئا على الحزب الديمقراطي؟ | #أميركا_اليوم




.. مسؤولون أمريكيون: نشعر باليأس من نتنياهو والحوار معه تكتيكي


.. لماذا تعد المروحيات أكثر خطورة وعرضة للسقوط؟ ولماذا يفضلها ا




.. سرايا القدس تبث صورا لتفجير مقاوميها بكتيبة طوباس سيارة مفخخ