الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعضلة العراقية.. و-التنازلات المؤلمة-

جاسم العايف

2011 / 9 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


" جيمس بيكر" وزير الخارجية الأمريكية السابق، عندما انتدب رئيسا للجنة الخبراء في الشأن العراقي، والتي بموجب جولاته عبر العالم تم إطفاء قسم كبير من ديون العراق الدولية، باستثناء (العرب) الذين تمسكوا بديونهم والتي (بذخوها)،بكرم قل نظيره، لبطلهم (المغوار) رأس النظام السابق، ومعها أيضاً فوائدها المترتبة عليها. "بيكر" قال:" أن انسحاباً فورياً للقوات الأميركية من العراق سيقود إلى حرب أهلية غير مسبوقة فيه "، دون أن يتحدث عمن أوصل الأوضاع العراقية إلى هذا الحد، في عراق ما بعد 9 نيسان 2003 ، الذي أثرت فيه (الكاريزميات)الدينية والتوجهات الطائفية، و الأفعال التكفيرية الإجرامية ، والميلشيات العلنية والخفية . كما أكد "بيكر" إن الحرب الأهلية الطاحنة التي ستحدث عقب الانسحاب الأمريكي من العراق ، سيمتد لهيبها إلى المنطقة المجاورة. الوزير السابق ولجنته سَرَبتْ أيضاً حسب صحيفة "الفايننشل تايمز" استصوابها تجزئة العراق إلى ثلاثة أقاليم : "شيعي، سني، كردي" ، للخلاص من الأوضاع الراهنة في العراق، والتي توصف بأنها كانت "حرب أهلية قائمة فعلياً" أو هي " نذر لحرب أهلية" ، خاصة بعد الإعلان حسب جهات مدنية عراقية وأجنبية حيادية،لغاية نهاية عام2008 ، مصرع أو مجهول المصير، ما لا يقل عن ( 955 ألف ) مدني عراقي، وأكثر من مليون جريح، و ذات العدد ، مهجر خارج وداخل العراق منذ 20 /3 /2003 بداية حرب التحالف لإسقاط النظام البعثي البربري، كما إن في العراق ما يربو على نصف مليون أرملة وأكثر ، اغلبهن لم تتجاوز الخامسة و الثلاثين عاماً من عمرها، عدا أرامل حروب النظام السابق، وما لا يمكن عده من الأيتام والمشردين. أن ذلك ليس (أول مقترح) يُطرح عن تقسيم العراق بناءً على توجهات (اليمين الأمريكي المحافظ الجديد)، والغريب أن (صقور) قادة هذا الجناح أغلبهم قد قَدمَ من أقصى التيارات (اليسارية) ، و تعود أصول اغلب منظري المحافظين الجدد، إلى اليسار الثوري، وهم نتاج القطاع اليهودي الأمريكي المتنفذ في الحركة (التروتسكية) خلال سنوات الثلاثينات والأربعينيات والخمسينيات، والتي اتخذت شكل نزعة ليبرالية معادية جداً لما وصفوه بالـ"الشيوعية السوفيتية" بين عقود الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، ثم مالت أخيراً نحو اتجاه يميني متطرف ذي نزعة عسكرية امبريالية لا سابق لها في تاريخ السياسة والثقافة الأمريكيتين، حسب ما ذكره( مايكل ليند) / مجلة "الثقافة الجديدة" العدد 309 حزيران 2003/. هذا الجناح المتشدد بات ، و في زمن الإدارة الجمهورية السابقة، خلال فترة رئاسة الرئيس "جورج بوش الابن" ، هو المتحكم في قرارات الإدارة الأمريكية ، كما انه وفي زمن الرئيس (ريغان) استقطب كل السلفيات الأصولية الرجعية الشرقية في جبهة غير مقدسة وأمدها بالسلاح والخبرات والمساعدات والتسهيلات، مستغلاً المأزق المدمر للاتحاد السوفيتي /السابق/ عند احتلاله أفغانستان. تقسيم العراق بدأت ملامحه الأولية فعلياً على يد الحاكم المدني للعراق "بول بريمر"، عندما أرسى الأسس الأولى للعملية السياسية في العراق عقب إسقاط النظام. حيث تركت قوات التحالف، العراق، عن قصد واضح، فريسة سهلة يسيل لها لعاب وأطماع القوى الإقليمية والنوازع الإرهابية للتدخل في شئونه. كما تم تهاوي مؤسسات الدولة العراقية ، بقرارات مدمرة ، وارتهان الأفق العراقي لصعود الطائفية في الواقع السياسي ،عبر تشكيل مجلس الحكم المنحل ، وتجذير الطائفية بدلا من الخارطة الاجتماعية-السياسية ، و صعود المؤسسة الدينية ، بكل تلاوينها وتوجهاتها الفقهية، للواجهة الأولى في المشهد الاجتماعي- السياسي في بلد متعدد الطوائف والقوميات والأديان والمذاهب ، وأقصيت بتعمدٍ الهوية الوطنية العراقية، باعتبارها القاسم المشترك الذي يربط العراقيين عبر تاريخهم ، وتم إدماج القوى التي تعتمدها في هيكلية مجلس الحكم من خلال القسمة الطائفية، وليس عبر تيارها السياسي وتوجهها الاجتماعي التنويري المعروف تاريخيا. لجنة (بيكر) قامت بتسريب تلك الوصفة لغرض انتخابي ولمساعدة الحزب الجمهوري في الانتخابات بصعود نجم "المعتَدلينَ" فيه بعد احباطات " غلاة المحافظين الجدد" وأيدلوجيتهم التدميرية ، وأيضاً تلك التسريبات يمكن اعتبارها بمثابة بالونات اختبار لقياس استجابة الرأي العام الأمريكي، الذي بدأ يعي جيدا الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها الإدارة الامريكية في العراق، وإلقاء الكرة في مرمى الساسة العراقيين الجدد ، والذين لم يهدفوا لبناء عراق ديمقراطي، بل اندفعوا لتصفية حساباتهم ، و شراهتهم للسيطرة على الأموال العراقية الكثيرة والوفيرة، والتحكم بأجهزة السلطة التنفيذية. كان التقسيم الذي سربته اللجنة يروج إليه بصفته "فدرالية عراقية واقعية" لخلاص الإدارة الأمريكية من ورطة و" معضلة العراق" بينما ذلك ليس سوى "تقسيم للعراق" على أسس عرقية-دينية - طائفية، وسيخرج هذا الشكل المقترح العراق،تميز نسيجه المتعدد والمتآلف اجتماعياً من مجاله ومحيطه الحيوي، ويصب في مطامع دول الجوار العراقي، الأجنبي والعربي ، التي ستفترس هذه الكيانات الهشة ، وستعمد للتمدد على حساب العراق السابق، والأمثلة كثيرة هنا: و منها، التدخل المسلح وغير المسلح التركي والإيراني في الشأن العراقي الداخلي ، وأخيراً الكويت وميناء (مباركها) بالذات، وقبله زحفها المتواصل على الحدود العراقية، وفي الواقع إن الجوار العراقي الإقليمي والعربي ، يقلقه ويربكه جداً ، انبعاث عراق ديمقراطي تنموي وقوي اجتماعيا واقتصادياً وسياسياً على حدوده. كما أن ذلك التقسيم يأتي تكريسا لوجهة النظر الصهيونية، في "تفتيت الكيانات الكبرى" في العالم العربي ومنطقة (الشرق الأوسط القديم) لأجل خلق(شرق أوسط جديد). شهد المشروع الأمريكي في "دمقرطة العراق" انحساراً في أهميته بالنسبة للرأي العام الأمريكي وكذلك بالنسبة لقادة القوات الامركية في العراق لان الأمن بات "مركز الاهتمام " ويشترك ، معهم، في ذلك غالبية العراقيين إن لم يكن جميعهم. وبعد أن شعر البيت الأبيض وقيادته الديمقراطية الحالية بتزايد تأثير التقييمات المختلفة راح الناطق باسمه يعلن بأن "السياسة الأميركية بشأن العراق يجري تعديلها باستمرار"، وإن هناك خيارات أخرى غير "المضي في الشوط إلى نهايته أو الهرب من العراق" ، لذلك لا يمكن الاعتقاد أن لدى قادة الإدارة الأمريكية الحالية ، ما يكفي من الوضوح و الشجاعة للاعتراف بأخطائهم الفادحة،التي حولت العراق إلى بؤر لتفريخ الإرهاب و القتل على الهويات، خاصة، قبل خطة فرض القانون، والتي لم تكمل مهمتها إلى النهاية،إذ لم يتم الكشف العلني عن كل تلك الجرائم المروعة والسنوات المُرة والمرعبة، التي استبيحت فيها في بعض مدن العراق والرئيسية منها بالذات، ولا أحد يعلم شيئاً، رسمياً، عن مرتكبيها أو مصيرهم، ومَنْ هم!؟، ومَنْ مولهم وخطط لهم ودوافعه في ذلك؟، شيئاً ماً، إذ تم التكتم، رسمياً، على كل تلك الجرائم والأسرار الكثيرة، المتوفرة لديها!؟.أمام كل تلك الإخفاقات المريعة والمآسي المروّعة التي أحاطت بالعراقيين فأن غالبيتهم و بكل مكوناتهم ، وتوجهاتهم ،لا الساسة الجدد، يأملون في مجتمع متحضر مدني يحكمه العقل وشرعة القانون والعدالة الاجتماعية الإنسانية دون تمييز، وحل مشاكل الخدمات والبطالة والكهرباء ،وملاحقة لصوص المال العام، مهما كان مركزه و من أي طرف كان، وفي أي مكانٍ حل أو ترحل، في وطن معروف بالثراء الهائل، ولابد أن يسوده السلم الاجتماعي ، بدلاً عن صعود المد التكفيري والتخندق الطائفي، وتحكم الميليشيات المتربصة، للعودة ثانية، فهي لن تتنازل بسهولة عن النفوذ،والتحكم، والجاه، والمال الحرام . العراقيون، لا الساسة الجدد، يرون فيما إذا لم يحدث ذلك كله، فانه سيقضي على دولتهم الوطنية ، ويقصي آمالهم وأحلامهم، في مديات التغيير الذي حدث بعد 9 نيسان 2003 ، بكل ما رافقه من مروعات، ويدمر حياتهم ويمزق نسيجهم الاجتماعي ويخرب وطنهم إلى الأبد.إن وضع العراق الحالي مؤثر على كل الأطراف العاملة في العراق، ودول الجوار الإقليمي المحيطة به، وعلى منطقة الشرق الأوسط عموماً ، وسيكون حجم الدمار كبيراً، وربما عالمياً بسبب الأهمية الإستراتيجية للمنطقة. ومع ذلك فأن الوضع العراقي قابل للإصلاح إذا تم تفعيل مشروع ما يمكن تسميته بــ "الـعـرقــنـة " ، أي عراقية الحلول ، واخذ هذا المشروع مداه الواقعي السياسي- الاجتماعي،القانوني، وتم تفعيله عبر تفاهمات واقعية متبادلة بين الأطراف العراقية السياسية المتعددة ، المتربصة الواحدة بالأخرى حالياً. و يترافق ذلك مع ما يمكن أن يوصف بـ "الـتنـازلات المؤلمة" المتبادلة ، بين الكتل و الإطراف المؤثرة في الساحة السياسية العراقية الراهنة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغم تحذيرات الحكومة من تلوث مياهها... شواطئ مغربية تعج بالمص


.. كأس أمم أوروبا: فرنسا تسعى لتأكيد تفوقها أمام بلجيكا في ثمن




.. بوليتيكو: ماكرون قد يدفع ثمن رهاناته على الانتخابات التشريعي


.. ردود الفعل على قرار الإفراج عن مدير مجمع الشفاء الدكتور محمد




.. موقع ناشونال إنترست: السيناريوهات المطروحة بين حزب الله وإسر