الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أي طريق ستسلك مصر؟

نادر فرجاني

2011 / 9 / 3
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


بعد سبعة شهور من الانتصار الأولي لثورة الفل بتخلي الطاغية المخلوع عن الحكم لصالح المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وبعد أطول من نصف عام من التمتع بنسيم الحرية الذي جلبته الثورة الشعبية العظيمة، وإن قلل من التنعم به أحيانا مكابدة آلام عثرات الفترة الانتقالية تحت حكم المجلس وحكومته، تقف مصر عند مفترق طرق تاريخي بحق، يتعين على جميع القوى الوطنية أن تتمعن في تبعات اختياراتها بشأنها، متوخية صالح مصر وشعبها، في المقام الأول.

وسنحاول في هذا المقال بيان المعالم الرئيسية لكل من الطرق الرئيسية التي ينفتح عليها هذا المفترق وتبعات كل منها.

ليس إلا من طريقيين رئيسيين، نسميهما حسب الحكاية الشعبية: سكة السلامة وسكة الندامة. غير أن الطريق الثاني له روافد عديدة.

كان طريق السلامة، بعد سقوط الطاغية مباشرة، يتمثل في وضع البنى القانونية، وتاجها الدستور والقوانين المشتقة منه خاصة تلك المنظمة لمباشرة الحقوق السياسية، قبل إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، من خلال أوسع مشاركة شعبية ممكنة، بما يضمن الاحترام البات للحقوق المدنية والسياسية لجميع المواطنين على أرض مصر، سبيلا لنيل غايات الثورة العظيمة في الحرية والعدل و الكرامة الإنسانية للجميع على أرض الكنانة. ثم توظيف هذه البنية في تشكيل مؤسسات الحكم الديمقراطي الصالح التي تعمل على نيل تلك الغايات بأفضل السبل وأكفأها، عبر آليات الانتخاب الحر والنزيه، حين تتوفر تلك المؤسسات، بدأب وتحت رقابة الشعب، على إنجاز العديد من أوجه الإصلاح المجتمعي اللازم لنيل غايات الثورة. وهذا هو السبيل الذي انتهجته ثورة الياسمين في تونس، الأنضج سياسيا، ومن ثمن الأوفر حظا في نجاح عملية الانتقال إلى الحكم الديمقراطي الصالح.

ولا مناص من أن نكرر هنا أن الدستور هو، في الأساس، تعاقد بين المواطنين ينظم شئون الاجتماع البشري في البلد، ومن بينها العلاقة بين المواطنين والحكم باعتباره تكليفا من الشعب لبعضه، أفرادا وعلى صورة مؤسسات، بالسهر على المصلحة العامة والخضوع للمراقبة والمساءلة إبان تولي المنصب العام وبعده. ومن ثم، فإن الدستور يتعين أن ينظم، على وجه الخصوص، شئونا تتعلق بالمجلس التشريعي، بما في ذلك تكوينه من غرفة واحدة أو غرفتين، وبانتخاب أعضاء المجلس النيابي ورئيس الدولة وباقي المناصب العامة، ومراقبتهم ومساءلتهم. وقد قفزت لجنة المستشار البشري والمجلس العسكري على هذا الترتيب المنطقي، في تعديلات الدستور وفي المراسيم بقوانين الأحزاب ومباشرة الحقوق السياسية، بما يحقق مزايا غير عادلة لتيار الإسلام السياسي المتشدد، المتمثل أساسا في جماعة الإخوان المسلمين والتيارات السلفية، ولأصحاب المال الكبير، ليس فقط في المجلس التشريعي القادم ولكن في مستقبل البنية القانونية والمؤسسية للحكم في مصر بوجه عام التي سيقوم مجلس الشعب القادم على صياغتها.

وجدير بالذكر أن التيار الإسلامي المتشدد والفصيل العسكري ظلا من أشد الرافضين للمبدأ الأصولي بوضع الدستور قبل الانتخابات. كما زعم كل من الفريقين، بتعسف واضح، أن موافقة الغالبية الشعبية في الاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية التي اقترحتها لجنة البشري- المجلس، كانت في الواقع تأييدا لشرعية المجلس العسكري أو لتطبيق الشريعة الإسلامية، وليس أبعد عن الحقيقة!

وجليّ أن تفضيل المجلس الأعلى للقوات المسلحة وتحالف التيارات الإسلامية المتشددة الذي يصمم على انتخاب مجلس الشعب والشورى أولا وقيامهما تحت إشراف المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الحاكم خلال الفترة الانتقالية، بوضع الدستور الجديد، قد فرض على شعب مصر تحويلة طريق قد تفضي، باتخاذ المجلس لمزيد من القرارات التسلطية، بشعب مصر إلى سكة الندامة. إن الحرص على ازدهار مستقبل مصر، متمثلا في نيل غايات الثورة، يقتضي الترفع عن المكابرة على اتباع هذا الطريق إلى نهايته المحتومة.

وحتى لا نبكي على اللبن المسكوب، نشير إلى الاتفاق على مبادئ دستورية يتفق عليها، ويقبلها الشعب، كي تهدي وضع الدستور كان سبيلا وسطا يضمن الرجوع عن هذه التحويلة الشر إلى بدايات طريق السلامة، ومثّل فكرة سديدة كحل سياسي وسط. ولكن الفصائل الإسلامية المتشددة والمجلس العسكري رفضاها بعناد مكابر. وألا ينبغي أن يكون في هذا الموقف المتغطرس نذير جدير بالحذر من مغبة هذا الطريق؟

وفوق ذلك يمهد لدخول مصر سكة الندامة عدد من العوامل الأخرى ترجع كلها لأخطاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة وحكومته، في حكم المرحلة الانتقالية ووضع القوانين المنظمة لها من دون استشارة شعبية واسعة. يأتي على رأس هذه الأخطاء تقاعس السلطة الانتقالية عن تطهير الحلبة السياسية من بقايا نظام الحكم التسلطي الساقط، حتى صارت تعيد تنظيم نفسها في كيانات حزبية جديدة بالاستفادة من الأسلوب المعوّج لتنظيم إنشاء الأحزاب الذي فرضه المجلس. ويندرج في الإطار نفسه، تمكين السلطة الانتقالية للتيارات الإسلامية المتشددة من تصدر الساحة السياسية، والموافقة على تنظيم نفسها في أحزاب، على الرغم من النص في القوانين المعنية على عدم جواز قيام الأحزاب على أساس ديني. وينطبق التيسير ذاته على أصحاب المال الكبير، وبالمناسبة لم تضع قوانين المجلس أي حد على الإنفاق الانتخابي. ولم تتحرج السلطة الانتقالية عن تشكيل أحزاب تقف وراءها من خلف ستار رقيق. بينما عاقبت قوانين المجلس وتصرفاته القمعية، في الفعل، القوي الوطنية الشابة التي لعبت الدور الأهم في اندلاع ثورة الفل.

ولا يحتاج الأمر كثير تفكير لتصور قوام مجلسي الشعب والشورى الذي ينتظر أن ينتج عن هذه الظروف الابتدائية المختلة، واللذان سيعهد إليهما، بوضع الدستور الجديد تحت إشراف المجلس الأعلى للقوات المسلحة.

ويتعين أن يكون واضحا أيضا وجه العوار المنطقي والأصولي الكامن في أن تشرف مؤسسة ما على صوغ القانون الأسمي، الذي ينظم، بين ما ينظم، هذه المؤسسة ومساءلة أعضائها، سواء كانت تلك المؤسسة هي المجلس التشريعي المنتخب لدورة واحدة أو القوات المسلحة، درع الشعب وحامي الديار.

ولا يقل خطرا أن تتغلغل في الدستور الجديد توجهات الإسلام المتشدد بالانتقاص من الحقوق المدنية والسياسية للنساء وغير المسلمين افتئاتا على بعض المبادئ الحقوقية المستقرة في منظومة حقوق الإنسان من عدم جواز التمييز بين البشر، خاصة في الحقوق المدنية والسياسية للمواطنين. بينما تنصب “المرجعية الإسلامية” للدولة في عرف التيار الإسلامي المتشدد، في المقام الأول، على تطبيق الشريعة بالمفهوم الشكلي المتمثل في تطبيق الحدود، ولو من دون توافر شروطها، وفي حماية العفة الظاهرية (التحجب والحشمة في اللباس ومنع الخمور ومنع القبلات والمشاهد الحميمة في الأعمال الفنية وحجب التماثيل). ولا يقل خطورة أيضا أن تشوب الدستور الجديد توجهات نظام الحكم المتسلط والفاسد الذي أسقطته الثورة في التمسك بالتنظيم الاقتصادي المحابي للرأسماية الاحتكارية المنفلتة، والتي أنتجت شرور البطالة والفقر والقهر والاستقطاب الاجتماعي الحاد، تحت النظام الساقط. ولعل أشد الأخطار المحتملة هو إضفاء قدسية على القوات المسلحة تعفيها من المساءلة من قبل الشعب، مالكها الحقيقي، وتقنن لضيق التقاليد العسكرية بالديموقراطية، وتؤسس لأرستقراطية عسكرية، على قمتها رئيس عسكري ولو بسترة مدنية، وتهدر أسس الكفاءة سبيلا لتبوء المناصب التميزة ورقي المجتمع، ما ينتهي بتحويل جميع المصريين غير العسكريين إلى مواطنين من الدرجة الثانية.

إن هذا الكابوس الدستوري، وما ينتظر أن يسفر عنه من مؤسسات وممارسات تبتعد عن جوهر الإصلاح السياسي والمجتمعي اللازم لقيام نهضة إنسانية في مصر، تشع منها إلى باقي الوطن العربي، هو المدخل الأوسع إلى سكة الندامة.

فمثل هذا التنظيم المجتمعي يجهض ثورة الفل، بل ويعاقب شعب مصر كله، بفرض تنظيم مجتعي يحمل أسوأ صفات الحكم التسلطي الذي قامت الثورة لإسقاطه، ويضيف إليه أوزارا أخرى كان نظام الفساد والاستبداد لا يحملها صراحة. وليس غريبا في هذه الحالة أن يكون مصير شعب مصر أسوأ حتى مما كان يمكن أن ينتهي إليه حال استمرار نظام الطاغية المخلوع.

وسيحكم التاريخ على كل من له شأن في تقرير مصير البلد الطيب وأهله بمدى مساهمته في سلوك سكة السلامة والابتعاد عن سكة الندامة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هكذا تستقيم المعادلة
رشا احمد ( 2011 / 9 / 3 - 08:22 )
سيدى الفاضل
لو رجعنا الى اللحظة التى تنحى فيها الرئيس السابق عن الحكم وتسليمه لمقاليد الحكم للمجلس العسكرى ومباركة الشعب المصرى لهذا التسليم بمنتهى السذاجة
اذن من حق المجلس الموقر اخذ كافة الصلاحيات والتصرف فيها كيفما يشاء وليس للشعب بعد ذلك اى حق فى ممارسة ضغوط مصطنعة او املاء اى شروط على المجلس العسكرى لانه جاء بمباركته بل واعطاه كل الشرعية بالاشتراك فى مسرحية التعديلات الدستورية
وكما توجد قاعدة قانونية تقول ان القانون لا يحمى المغفلين . من هنا تستقيم المعادلة ولا يصح لنا الان ان نلوم المجلس العسكرى على قراراته اى كانت هذه القرارات الا اذا افترضنا ان الشعب المصرى اصبح محنك سياسيا للدرجة التى تؤهله للقيام بثورة حقيقية وحماية هذه الثورة والمضى فيها وبالتالى جنى ثمارها وللاسف هذا لم يحدث ولا اعتقد انه سيحدث فى المستقبل القريب فهنيئا للمجلس العسكرى بمصر يتصرف فيها كيفما يرى لانه فى الحقيقة و ببساطة حتى هذه اللحظة هو الوحيد القادر على الامساك بذمام البلد
تقبل مرورى


2 - مقال وتحليل رائع
احمد العبد ( 2011 / 9 / 3 - 09:25 )
شكرا استاذ


3 - انها للأسف سكة الندامة
عمرو اسماعيل ( 2011 / 9 / 3 - 19:16 )
هذا هو ما تسير فيه مصر الأن .. شكرا لثقافة الخنوع التي تسيطر علي مصر

اخر الافلام

.. تحت غطاءِ نيرانٍ كثيفةٍ من الجو والبر الجيش الإسرائيلي يدخل


.. عبد اللهيان: إيران عازمة على تعميق التفاهم بين دول المنطقة




.. ما الذي يُخطط له حسن نصر الله؟ ولماذا لم يعد الورقة الرابحة


.. تشكيل حكومي جديد في الكويت يعقب حل مجلس الأمة وتعليق عدد من




.. النجمان فابريغاس وهنري يقودان فريق كومو الإيطالي للصعود إلى