الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخريف العربي والفينيق السوري

محمد أبو هزاع هواش

2011 / 9 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


أتى الخريف ولم تثمر في الصيف لبعض البلدان العربية بعد ربيع مزهر وعد بمحصول أكبر. لانعرف نوعية هذا المحصول حتى الآن في البلدان التي حصدت التغيير، فحتى الان لانعرف ماسيحدث في تونس، مصر، وليبيا؟ أو لانعرف مايحصل في البحرين، أو ماسيحصل في اليمن، أو هل سيثور أهل الخليج في حياتهم أبدأ ضد الملكية؟ لكن حول سوريا يتفق الجميع على أن "الجمهورية العربية السورية" لن تعود كما كانت قبل الخامس عشر من آذار في هذا العام، الذي هو كما نعرف نحن السوريون، أسبوع قبل بداية الربيع رسمياً. أتى الربيع مبكراً في سوريا ولكننا الان في الخريف ولم نرى ثماراً، بل دمار وفوضى في كل مكان وتفكك لدولة سقطت هيبتها في نظر قطاع واسع من مواطنيها لسبب أو لآخر. فماهي نوعية مازرعناه في الربيع لنحصد هذه الثمار حتى الان؟ أم، هل لدينا هنا نوع جديد من الثمار علينا العمل بعقلانية لنحصد مابذرناه من بشر وسقته دماء سورية؟

تمر سوريا حاليا، وبعد حوالي نصف سنة من الأحداث العصيبة الدموية، بأصعب أمتحان تعرضت له منذ آخر إستقلال لها عن فرنسا في عام ١٩٤٦. ترك هذا الإستقلال حدوداً لدولة صمدت منذ ذلك الوقت حتى الآن أمام العديد من العواصف، لكن هل ستبقى هذه الحدود كما هي على ضوء مايحدث الان؟ للألف سنة الاخيرة ضمت هذه الدولة ضمن مدنها وقراها عناصراً من أديان وعرقيات مختلفة نجحت حتى الان كما يبدو بتركيب هوية لمواطنة سورية ربطت المواطن بذلك المكان وتاريخيته. شوشت على هذه الهوية أفكار البعث القومية، الأديان المختلفة التي تدعو إلي تحالفات عبر الحدود، والاحزاب الاخرى الموجودة التي بالطبع دعت إلي هوية أممية مثلاً. بقيت الهوية السورية عاملا قويا لتوحد هذه الجمهورية التي تنازعها العسكر منذ ولادتها القسرية الاخيرة حتى الآن. هل سيكون على هذا المواطن السوري حالياً البحث عن هوية جديدة؟ أو إلى متى سيبقى العسكر يحكمون سوريا؟

نرى في المظاهرات التي يواجهها العسكر وأجهزة الأمن علم جديد. أبدلو الاحمر بالاخضر. هل يعني هذا تحولاً جديداً في الهوية السورية نحو هوية إسلامية؟ ماهو دور الاسلام في كل هذا؟ المراقب المحايد يقول أن للإسلام دور كبير في تحريك المتظاهرين فكون الكثير من العسكر وقادتهم من العلويون، المعتبرون رسمياً من الكفار، دور كبير لتحريك جمهور صار ينادي من اليوم الاول أنه يريد رئيساً يخاف الله! بالطبع أفرغ العسكر من أي أيدلوجية تقدمية بالطبع، وبالطبع حاول العسكر، كما هو تاريخهم في سوريا، بناء أكبر عدد من المساجد للتقرب من الشعب الذي أصبح متديناً أكثر بسبب إنتشار الفكر الديني في المنطقة ككل وعدم وجود بدائل أخرى.

القصة هنا عويصة، فالدين يتدخل في هذه المعمعة ليزيد الطين بلة وينادي بحلول تخيف الكثير. دخول الدين يعني خوف الأقليات وإبتعادها عن الحراك نحو التغيير. عندما ينادي الشعب أنه مستعد للمواجهة ويستمد الشجاعة من نصوص دينية تنعكس بشعارات تقول أنهم عالجنة رايحين شهداء بالملايين يضع كل هذا الهوية السورية على المحك. من المعروف ان الجميع معجب بشجاعة نص كهذا ولكن هل من المهم أن يقدم الشعب السوري المزيد من الضحايا لتحقيق التغيير؟

لماذا لاتشكل الاحزاب فوراً ونذهب بالملايين إلى صناديق الإقتراح بدلاً من الجنة التي لانعرفها والتي بالطبع لاتحتوي كل عناصر الشعب السوري. سوريا بحاجة إلى تغيير حقيقي وليس على الورق ودماء تسال على الرصيف. سوريا بحاجة إلى صندوق إقتراع وقانون عصري وإلا فإنها ستتحول إلى جمهوريات فلافل وليس موز.
في جمهورية الفلافل الحالية الدمار والفوضى هما سيدا الموقف. تحولت سوريا قسرا إلى جمهورية فلافل تتدخل في شؤونها بالطبع جمهوريات موز مجاورة زائد أيديولوجيات ثيوقراطية لاتقدم شعباً لديه مقومات التقدم كالشعب السوري. صندوق إقتراع وقانون يساوي الكل مع شرطي وقاضي محايد هو كل ماتحتاجه سوريا لتبقى الهوية موجودة.

ماذا سيفعل العسكر في مواجهة المواطن؟ هل سيكون هناك قانون وتغيير؟ ماذا سيحدث للحكومة الحالية وللمعارضة؟ هل ستتشكل أحزاب؟ ماهو دور الدول المحيطة والغير محيطة بسوريا وهل سينتقل التغيير إلى تلك الدول؟ من هو المستفيد وهل ستبقى سوريا كما هي أم ستتكسر وتنقلب إلى عدة كيانات صغيرة تتكلم عن هوية إسمها سورية كانت موجودة.

التحليل العقلاني للأمور يضع اللوم دوماً على الحاكم وهذا سهل في حالة سوريا. فمن جنرالات معسكر قطنا والمعسكرات المحيطة بدمشق إلى عبد الناصر العسكري الذي جلب عسكر مصر ليحكموا سوريا، إلى جنرالات البعث من آذار ١٩٦٦ وحتى الآن، لم يعرف المواطن السوري سوى القوة من قبل الدولة مرفقة بجرعة من الكلام الفاضي عن العدو الصهيوني والامبريالية والاعداء المعروفون بينما كانت هذه الفئة من العسكر تنهب خيرات هذا البلد الفقير تاركة إياه من غير تقدم حقيقي. لم تكن هذه الفئة من العسكر على مستوى من العقل لتعرف أنه إذا علمت أهل البلد وقدمتهم ووفرت لهم خدمات، أمن، وفرص عمل فربما كان من الاحسن. لم تعرف العقلية العسكرية في سوريا سوى تهميش المواطن ووضعه في خانة لايتقدم منها. لم تعرف هذه العقلية العسكرية سوى ان تحارب أصحاب العقول وتنفيهم وتغلق أي مكان كان من الإمكان تنمية بديل حقيقي يضع بالحسبان مواطني سوريا ككل غير عابئ بهويتهم الطائفية والعرقية.

عرفت سوريا الطائفية والعرقية منذ زمن بعيد، لكن سحر كلمة سوريا ضمن للكل هوية مشتركة. كان بالإمكان خلق قانون ودستور يساوي الكل ولا يعمل مشاكل، لكن هذا بالطبع بعيد فالمواطن السوري خليق التناقضات والتاريخ الغير صحيح والايديولوجيات المتصارعة على هويته، وفوق كل هذا لديه حاكم عسكري لايوفر فرصة ولايبعث بجلاديه ودباباته ويستخدم مدافع صممت ضد الطائرات لإرجاع أبناء البلد إلى بيوتهم أو إلى الارض مقبورين بأرض رويت بدمائهم ودماء اجدادهم من قبلهم لسبب أو لآخر.

لم تعرف سوريا سوى الدمار والفوضى منذ الازل، ولم يأتي إلى أرضها سوى الغزاة والطامعون، ولكن حتى هؤلاء يذوبهم الزمن ببوتق سوريا وسحر تلك الكلمة، فهل ستبقى سوريا قوية وتهزم مايحصل؟ هل ستبرهن سوريا أنها ارض الفينيق ومن رماد مايحصل على أرضها ستنطلق ماردة بين الامم مرة أخرى؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - thanks
ali isa ( 2011 / 9 / 3 - 14:29 )
excellent review,adds more the national feeling and especially the last statement I felt the cold feeling started to hit the old body and brings the euphoria and inject the real Syrian blood into it.


2 - رد للأخ على
محمد أبو هزاع هواش ( 2011 / 9 / 4 - 01:33 )
شكراً اخ على على شعورك السوري الحقيقي. الهوية السورية في خطر والاحداث والعنف الحالي سيضعوها على المحك.


3 - ربيعنا العربي ، الذي يأتي ولا ياتي
الحكيم البابلي ( 2011 / 9 / 4 - 03:55 )
شكراً أبو هزاع على المقال
هو حبك وحرصك ووطنيتك خلف هذا المقال ، وهو واضح جدا
كلنا نتأمل نوعاً من التغيير في من سيستلم مقاليد الحكم بعد بشار لا بَشرَهُ الخير ، ولكن الهتافات الدينية المتعالية من صوت المعركة لا تُبشر بالخير
بصراحة ... تبديل حاكم ظالم بحاكم ظالم آخر ليس إلا مضيعة دماء وحيوات ، وكما يقول المثل الأميركي : نفس الخرى والذي إختلف هو الذباب فقط
بعض متواضعي الفكر يتخيلون بأن الربيع قادم ما دمنا قد غيرنا الحاكم وثرنا عليه وأنهينا إسطورة تواجده ، وهناك مثل يقول : أن رؤية طيرٍ واحد لا تُبشر بقدوم الربيع
وانت تحلم بإنتخابات ديمقراطية يا محمد !! ، وسؤالي : ماذا حصلنا من إنتخابات العراق الديمقراطية ؟ . وصدقاً أقول أن شعباً غير مُهيأ فكرياً ومعرفياً قد تكون الديمقراطية نقمة له وليس نعمة ، وهل يختلف شعب سوريا عن العراق ؟
لا أريد أن أتنبأ بالجديد في سوريا ، ولكنه حتماً ليس بالربيع الذي رقص له الكل ، ولكن نأمل أن يكون أحسن مما كان في أزمان المخصيين ، ولو بدرجة أو درجتين
ومن يدري .. فقد تتحقق بعض الأحلام ، بعد أن يتم التوقيع عليها من قبل جيرانكم السداسي المخرج ، والعم سام
تحياتي


4 - الإسلاموفوبيا
نبيل السوري ( 2011 / 9 / 4 - 10:00 )
أخطأت يا صديقي إذ ذكرت أن تبديل الأحمر بالأخضر هو دلالة على أسلمة الثورة
هذا هو علم الاستقلال السوري الأصلي ولاعلاقة لذلك بأسلمة أو علمنة، والعلم الأحمر هو علم قطعان البعث الذين غيروا العلم حينذاك ليقطعوا مع عصر التخلف والإمبريالية!!، فأصبح السوريون على أيامهم يترحمون على الاستعمار
وأرجو ألا تصيب الجميع الإسلاموفوبيا لهذا الحد، فكوننا علمانيون وملحدون لا يجعلنا بالضرورة أوصياء على كل الشعب، والأمور بحاجة لأجيال لتقضي على التطرف الديني الذي شجعه المقبور حافظ ببناء المساجد ومعاهد تحفيظ القرآن وحملة إفقار وتجهيل الشعب، بعكس ما ادعاه من علمانية كاذبة كممانعته وصموده

أنت تقول: لم تعرف سوريا سوى الدمار والفوضى منذ الازل
وماذا تقول بالحقبة بعد الاستقلال حيث سادت فترة من الديمقراطية والأمان والحق حتى أتى قطعان البعث؟

وإلى الحكيم البابلي: كل الدمار الأميركي ما كان ليحصل لولا طغيان صدام، والآن ومهما كان الوضع أسوأ فهناك حد أدنى من أفق ولو بعد حين لكن أيامه كان الأفق مسدوداً تماماً

إن أي تغيير بالستاتيك القائم أفضل من الإمعان بحكم الاستبداد لأنه يزيد من تفاقم المشاكل ومن صعوبة الحل

تحياتي


5 - إلى الآخ الحكيم البابلي
محمد أبو هزاع هواش ( 2011 / 9 / 4 - 15:33 )
تحية أخي الحكيم:

مما لاشك فيه صعوبة الموقف في سوريا اليوم. لن يحل هذا إلا العقلانيون، المحبون والمخلصون لسوريا.

ليس هناك حل سوى بتشكيل الاحزاب بسرعة قصوى ليتعلم الشعب كيف ينظم نفسه وأفكاره.

نحن بحاجة إلى إعادة تأهيل وقبل كل شيئ نحن بحاجة إلى صندوق الإقتراع .

من سيأتي بعد هذا النظام مشكلة لأن مانراه من فوضى اليوم بين المعارضة لاتبشر بخير. الاخوان المسلمون هم الاكثر تنظيماً وليس من المستبعد إستيلائهم على دفة القيادة في مرحلة مابعد الأسد ولكن إلى أين سيؤدي هذا لاأحد يعلم، هل سيحصل هذا لاأحد يعلم أيضاً، هل ستبقى سوريا موحدة كما نعرفها اليوم، لاأحد يعرف أيضاً. فرغ الأسد سوريا من البدائل ولانرى سوى الإسلاميون بتنظيمات معقولة،لهذا إنعكاس حقيقي على التفكير حول بلد متعدد الأطياف والاعراق والطوائف مثل سوريا

مع التحية.


6 - إلى الاستاذ نبيل السوري
محمد أبو هزاع هواش ( 2011 / 9 / 4 - 15:43 )
تحية أستاذ نبيل:

تكلمي حول الاخضر بدل الأحمر تساؤل حول حقيقة أسلمة الثورة السورية أم لا! لايمكننا إخفاء الطابع الديني للأمور، وتدخل الدين ورجال الدين ومناقشة هذا لايعني أننا مصابين بالإسلاموفوبيا. نحن نتكلم عن بلد فيه من الطوائف الكثير التي تتحسس وتريد أن تطمئن من أسلمة الثورة أم لا. في حالة سوريا ،على أي من كان أخذ هذا في الحسبان.

كما قالت حضرتك، العلمانية هي الحل الوحيد لسوريا. لاشيئ ينقذ سوريا مثل العلمانية في هذه الأيام. بإستطاعتك الجزم بهذا لأن في العلمانية جذور القانون المساوي للجميع مع قساوة دولة تحمي الجميع: تساوييهم وتحاكمهم أمام قاض كأسنان المشط (أي بتساوي) . لم يقدم حزب البعث أي عدالة في تاريخه والعلمانية هي من الأيدلوجيات التي تقدم العدالة للجميع. الإسلام يقدم عدالة لمناصريه وأما عن الآخرين فالوضع مختلف، نريد تصحيح هذا والمطالبة بالعدالة والمساواة للجميع: فهل في هذا إسلاموفوبيا؟

على الإسلام والإسلاميون توخي الحذر في الموضوع السوري، هذا ماحاولت قوله، وذلك لتنوع أفراد المجتمع السوري.

مع التحية

اخر الافلام

.. اجتياح رفح.. هل هي عملية محدودة؟


.. اعتراض القبة الحديدية صواريخ فوق سديروت بغلاف غزة




.. الولايات المتحدة تعزز قواتها البحرية لمواجهة الأخطار المحدقة


.. قوات الاحتلال تدمر منشآت مدنية في عين أيوب قرب راس كركر غرب




.. جون كيربي: نعمل حاليا على مراجعة رد حماس على الصفقة ونناقشه