الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من انتصر في ليبيا؟ ومن المنتصر في الثورات في المنطقة؟

نادية محمود

2011 / 9 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


اعلنت الجماهير في ليبيا ثورتها مستلهمة من الروح الثورية الشجاعة للجماهير في المنطقة ضد الافقار و الارهاب السياسي والمسخ الانساني. و تمكنت من ازاحة ديكتاتور اخر جثم على قلوبها لاثنين و اربعين عاما، نزفت دماء و اعطت حيوات لشباب ثمنا لتحقيق هذا النصر.

ان تجربة ليبيا وان كانت تشترك بعدة عوامل مع معاناة الجماهير في عموم المنطقة و التي دفعت بشبابها وعمالها وشيوخها الى الشروع بثورتهم، الا انها تفردت في استدعاء قوات الناتو للتدخل لتحطيم القوة العسكرية لنظام القذافي. ان تدخل قوات الناتو اثار الكثير من الجدل في اوساط اليسار العالمي بين معارض للتدخل الاوربي- الاوربي الامريكي، منعا لتكرار تجربة العراق، و بين من لم يجد بأسا في التدخل العسكري الغربي للاطاحة بفاشي في المنطقة، في سبيل خلق اوضاع و ظروف افضل لنضال قادم.

الا انه في المطاف الاخير، و نتيجة اوضاع الثورة و الاستعداد العالي الذي اظهرته للجماهير للوقوف بوجه القذافي، و انقسام حكومة و جيش القذافي على نفسه، كان تدخل الناتو في اطار تقوية ذلك الجزء المنفصل عن النظام لتاسيس نظام اخر من اجل احتواء الثورة و لجمها وتوجيهها الوجهة التي يريدها ذلك القسم المنشق عن النظام و اجندة الدول المتدخلة.

و لكن اذا كان سؤال الامس هو اسقاط النظام، فان سؤال اليوم هو اي حكم سيحل محلة؟ اي نظام سيبنى بعده؟ و اية قوى ستسهم بصياغة معالم الحياة السياسية و الاقتصادية الجديدة؟ ان السؤال الذي ابحثه في هذه المقال القصيرهو من هو المنتصر في هذه الحرب؟

ان الجماهير التي خرجت منتفضة للخلاص من حكم القذافي، كانت تسعى للخلاص من الديكتاتورية و الافقار، كانت تسعى من اجل الاصلاحين السياسي والاقتصادي، توفير فرص عمل ، حل مشكلة البطالة، اطلاق الحريات السياسية و حرية التنظيم، انهاء الارهاب السياسي. و قدمت نموذجا بطوليا رائعا في الصمود على امتداد ستة اشهر امام بطش قوات القذافي وزمرته.

و كما يثبت التاريخ مرة اخرى بان انهيار الانظمة يبدأ بتفسخها من الداخل ايضا، انسلخ جزء من الحكومة و الجيش عن مؤسسة القذافي التي الت الى السقوط، لتجد لها مكانا في الاوضاع الايلة للتغيير و لا محالة. ان الجزء الذي خرج من السلطة لديه خبرة طويلة اكتسبها في فرض السلطة على الجماهير، سعى لاعادة ترتيب امورة و اقلمة نفسه مع الوضع الجديد، ليحافظ على مكانته السابقة و لكن باطار جديد، و مع افتقار الجماهير و خاصة في هذه المرحلة الى اطر لتنظيم نفسها و طرح نفسها على الساحة السياسية سواء باحزاب عمالية، اشتراكية، نقابات او اتحادات عمالية او اية اشكال اخرى فالغلبة معقودة للقوى الاكثر استعداد و الاكثر تنظيما لاكتساح الساحة .

الجماهير في ليبيا، و بسبب افتقادها للتنظيم الذاتي، لا تملك صوتا في المجلس الانتقالي و لا في الحكومة التي ستنتخب بعد شهور، ان لم تستقل بنفسها ومن اجل نفسها ، سيجري زجها لصالح هذا الطرف او ذاك، اما الحركات الاسلامية، القبائل، او معسكر المدافعين عن لبرلة و دمقرطة ليبيا، للسقوط في شراك البنك الدولي، دافعا المجتمع الى مزيدا من الافقار و التجهيل.

ما ستفعلة الحكومات الغربية التي " ازرت الثورة" هو تكرار ما شهده العراق، رسم سياسة جديدة للبلاد باخراج الاقتصاد من هيمنة الدولة، و خصخصته، انهاء تاميم النفط و خصخصته، و اعطاء القروض مقابل شروط اقتصادية، حيث امام البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الكثير من العمل لانجازه في ليبيا الغنية بالنفط.

الذي يقترب من استلام شؤون الحكم في ليبيا الان هم جمع من الخارجين عن النظام السابق والذين تربوا في احضانه لاربعين عاما، و القوى الاسلامية الجهادية والقبائلية. ان كل من هذه الاطراف يمتلك اهدافه الخاصة، و التي لا تشكل الاجابة على مطلبي الجماهير الاقتصادي و السياسي، مطلبا لهما. مجئ القوى الاسلامية لا يشكل خطرا على الغرب، بل يشكل خطرا على العمال، حيث القوى الاسلامية تسير على نسق واحد مع السياسات الليبرالية الجديدة، والتي لن تسفر الا عن مزيد من الافقار للاغلبية المطلقة و الغني الجنوني للاقلية الحاكمة. خطرها سيكون موجها ضد النساء و الرجال و التحررين في المجتمع. كما اسفرت ثورة ايران و السيناريو الاسود في العراق عن نماذج مأساوية على دور الاسلام السياسي في قمع الجماهير في الدولتين.

سيقدم نموذج "الديمقراطية" بتنظيم انتخابات لاحزاب لم تشكل بعد لاستجلاب وجوها جديدة من طبقة سياسية يجري اعادة تاسيسها من الان توضع تحت تصرفها امكانيات هائلة للسلب و النهب، لتكون لها مصالح مادية هائلة تستدعي الدفاع عنها. طبقة ستديم حياتها بارتباطها و بقدرتها على تنفيذ اجندة الشركات و الحكومات الغربية و البنك الدولي و صندوق النقد الدولي. طبقة مدافعة عن الحكم و لا تتواني عن استخدام كل السبل لقمع اي صوت معترض، كما جرى في افغانستان و في العراق.

لقد خرجت الجماهير الى الشارع و نزفت دماء من اجل تحقيق اهدافها. لا المجلس الانتقالي و لا الانتخابات و الديمقراطية، و لا خصخصة الاقتصاد و تحريره سيجيب على امالها، ستبقى تلك الاهداف تبحث عن وسائل و سبل، تبحث عن اليات و قنوات من اجل الوصول اليها، هدف العيش في رفاه و تحقيق حياة افضل. الجماهير لم تضع ايديها بعد على ما هي هذه السبل. نعم لقد انجزت ثورة و انتفاضة بوجه حكم دموي، وقدمت نماذجا من البطولة، و لكن السؤال، كيف ستمضي قدما في سبيل تحقيق مطالبها؟

ان هدف الحكومات بقمع واسكات كل صوت معترض، ليس فقط لقمع الناس في اللحظة الراهنة فحسب، بل لسلب الناس القدرة على التفكير و التنظيم في المستقبل ايضا. لذلك لم يكن امرا مفاجئا بان نرى الجماهير التي انطلقت بزلزال في عموم المنطقة و تمكنت من اسقاط تلك الحكومات القمعية، والتي فرضت حتى على الغرب الاقرار و الخضوع لارادتهم، تمكنت من هز عرش السلطة السابقة، لكنها كانت اقل قدرة على حسم مصير السلطة القادمة او الاقتراب من السلطة. لقد نفذت جزء من المهمة، و لكنها تركت حسم انجاز الجزء الثاني لنفس الطبقة الاستغلالية اللصوصية، و ذلك ايضا امر مفهوم بسبب عدم وجود قوة سياسية معبرة عن ارادة الاغلبية المطلقة من العمال و الكادحين و العمال و الشباب و النساء، قوى منظمة و ذات افق واضح. و هذا مرة اخرى، امر مفهوم في ظل حكومات عملت بشكل منظم و بالغ القسوة على تحطيم اية قدرة للناس على تنظيم نفسها من جهة، و لكنه ايضا يعكس من جهة اخرى غياب قوة شيوعية او اشتراكية تضع افق تحرير المجتمع على اجندة عملها اليوم. و الان تحصد الثمار. الطبقة الرأسمالية قادرة على تنظيم نفسها، و اعادة هذا التنظيم في ذات الاوضاع التي خلقتها الجماهير بايديها و نزفت دما و اعطت ضحايا في سبيلة، الا ان المستفيد من هذه الاوضاع ليست هي الجماهير بعد.

ان عدم تنظيم الجماهير لنفسها لحد الان يشكل تحديا كبيرا يقتضي العمل عليه بجد ودأب كبيرين في ليبيا. في مصر تاسست اكثر المنظمات اليسارية و العمالية في ساحة التحرير بعد 25 يناير، و هي تواصل الثورة، و تمور بكثير من الحركة و العمل الدؤوب، ولازالت تبحث عن سبل ادامة الثورة صوب نزع مطاليب الجماهير الحقيقية و الجذرية، الا ان التنظيمات العمالية و الشيوعية في مراحلها الاولى من حيث التفكير في قضية انتزاع السلطة. و لكن اذا كانت الحركة العمالية في مصر ونضالاتها و بدرجة اقل في تونس معروفة بدرجات بمواقفها و لها حضورها السياسي، الا في ليبيا تحتاج الى ان تقف على اقدامها و تحضر الى ميدان الصراع السياسي بقيافة عالية.

لقد حققت الجماهير انتصارا عظيما بازاحتها ثلاثة ديكتاتوريين عتاة من مواقعهم في اقل من عام واحد. و لكن يتوجب دفع هذه الثورة نحو افاقا اكثر واعدة، و ليس من هنالك افق واعد غير ان تنظم الجماهير نفسها بنفسها، وان تدخل الطبقة العاملة الميدان بقوة مستقلة، لتعبر عن مطلب الاغلبية المسحوقة الحالمة بالحرية و الرفاه و المساواة بين البشر. ان هذه المطاليب، مطالب مشروعة تمتلك الجماهير كامل الحق في الحصول عليها، و ليس من مبرر للقبول باقل منها. ان فرض ما هو اقل من ذلك، متاتي فقط من ضعف الجماهير و ليست من قوة الطبقات الحاكمة.

ليس من مبالغة القول، ان الرأسمالية ضعيفة، لقد اوضحت تجارب دول المنطقة منذ نهاية العام المنصرم، اية قوة تمتلك الجماهير لقد اسقطت الجماهير ثلاث ديكتاتوريات دون ان تطلق رصاصة واحدة. ديكتاتوريات مارست كل ما يتخيله و لا يتخيله المرء من قمع لتديم سلطتها. الجماهير قامت باسقاطها. و الجماهير ارغمت كما ذكرت سابقا، حتى الدول الكبرى، على التنصل من عملائها.

كل سيسعى في هذه الحرب في الشرق الاوسط بشكل عام و في ليبيا – موضوع المقالة- الى ان يحقق كسبا على الخصم. الحكومات الغربية من اجل نزع ارباحها و تثبيت مصالحها في المنطقة، والحكومات المحلية المتربطة سترهن وجودها بمدى قدرتها و اخلاصها على تسهيل مشاريع الشركات و الحكومات الغربية، وامام الجماهير ان تصارع هذين الخصمين، العالمي و المحلي في ان واحد.

خرج زين العابدين و مبارك و القذافي لتتنفس الجماهير الصعداء، و لكن الحرب لم تنتهي، بل انها بدأت الان، بدأت باعلان الجماهير عن عدم قدرتها على التحمل اكثر، اعلنت فقدان صبرها، و انها لن تقبل المزيد، و انها ستقف لتدافع عن نفسها وعن حقوقها. و لكن السؤال هو باي اتجاه ستسير الثورة، وماذا بنية الجماهير ان تفعل؟ ما هي خطواتها القادمة؟ كيف يمكن تحويل اجواء ومعنويات الثورة التي انطلقت في المنطقة الى اجواء و ارضية افضل لنضال الجماهير القادم و لنيل شروط حياتية مناسبة. كيف يمكن ان تديم الجماهير ممارسة ضغطها، الذي اظهرته بروعة في ايام الثورة ان يستمر لتضع الطبقات الحاكمة تحت مطرقة مطاليبها و ضغط اعتراضنا, كيف تدام الثورات بوجه اولئك التي يريدون ايقافها عند حدود تغيير الوجوه فقط.

اذا كان هنالك امر اظهرته هذه الثورات فهو ان الجماهير قادرة على احداث تغيير، و لكن السؤال هو التغيير في اي تجاه؟ و كيف يمكن للجماهير التي اعلنت هذه الثورات ان تحصد هي ثمارها. ان الجماهير قامت بالثورات من اجل تنتصر ومن اجل ان تحقق مطاليبها هي ، لا من اجل ان يحصد ثمارها بقايا السلطة السابقة، وبقايا الجيش السابق، و بقايا الاسلاميين او الليبراليين.

الثورات في المنطقة و في ليبيا تمر بهذه المرحلة. المهمة المطروحة هي: من اجل ان تنتصر الجماهير يجب اولا ان تعرف الى اين تريد الوصول؟ وان تنظم قواها للوصول الى ذلك الهدف.هذين برأيي هما البؤرتين التي يجب التركيز عليهما من اجل ان يعقد لواء النصر للجماهير في هذه الثورات، و ليس لخصومها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الحذر الحذر
عماد الدين الحيدري ( 2011 / 9 / 3 - 19:15 )
أخذ الخدر فتضيع كل الآمال بعد أن يكون البلد قد ضاع!!


2 - لستُ يائساً ، لكننا لن نحظى بغير الأرنب
الحكيم البابلي ( 2011 / 9 / 4 - 03:13 )
شكراً للزميلة نادية محمود على المقال
برأيي أن الغرب دائماً هو المُنتصر ، وهي سنة الحياة للأسف .. أن ينتصر القوي الظالم المُهيمن
ونحنُ كشعوب شرقية ليس لنا كبير خيار على ما يظهر ، حيث يتم تخييرنا دائماً بين السيئ والأسوأ ، أو السيئ الأسود والسيئ الأبيض ، وتتعدد الوجوه والخيارات .. والسيئ واحدٌ
وكلنا يعرف بأن الغرب يُدير اللعبة بكل مهارة ، لا بل يمتلكها
ولطالما تسائلنا : هل هناك خيار ثالث بجانب أن نكون محكومين من قبل الجهل والدين والخرافة والعسكر أو نكون محكومين مباشرةً من قبل الأجنبي ؟
وهنا نجد أنفسنا - دائماً - واقعين بين حانة ومانة ، فنكفر لو أيدنا الدين والجهل والعمامة ، ونكفر لو أيدنا الغرب وأميركا ونحنُ نعلم بأن كل ما يلمع اليوم ليس ذهباً ، وأولاد الزفرة لم يتركوا لنا غير خيار الأرنب ، وتتعدد صور الأرنب في يومياتنا حتى أضحينا نرى صورته في وجوهنا عبر مرآة الحمام فجر كل يوم
سيناريو ليبيا سيكون نسخة من سيناريو العراق ، ورغم كوننا ندعي الوعي والمعرفة ، لِذا لن نترحم على صدام والقذافي ، لكننا لن نجد في الأرنب الجديد غزالاً حلمنا به منذ عصور ، شكراً للأديان والنفط والغرب
تحياتي


3 - المطلوب النزول الى الواقع وفهمه
حميد خنجي ( 2011 / 9 / 4 - 15:48 )
الزميلة والرفيقة القديرة -نادية محمود- المحترمة
شكرا على هذا المقال
نعم... من انتصر؟!؟... سؤال مهم؟
اكيد المنتصر، في الاحداث الثورية العربية الكبيرة، التي تترى منذ مطلع العقد الثاني من الألفية الثالثة، هم الشعوب قبل اي شئ آخر وقبل أية قوة أخرى/ محلية او اجنبية (غربية)، تحاول الاستفادة لمصالحها،انطلاقا من هيمنتها الموضوعية! اكيد هذا الحراك الكبير مجرد بداية النهوض لتداعيات قادمة، لاتكون بالطبع جنوحا وقفزة نحو:-الثورة الاشتراكية-!، حسب ما قد نأمل أو نتوهم!؟ الصراع القادم طويل طويل! يكفي أن الدرب قد انفتح والطغاة يتساقطون واحدا أثر آخر. قد ُيملأ الفراغ بطغاة جدد؟! هذا يعتمد على فهم القوى الديمقراطية (اليسار الوسط واليمين) سمة المرحلة، وليس اختزالها!.. لأن في ذلك مقتل النهوض كله، وتأخير للمصائر التاريخية برمتها
بودي هنا أن اطرح سؤالا ساذجا وبريئا: هل من الممكن أن تسقط انظمة على شاكلة المهوس القذافي وأمثاله (العراق البائد.. وعرين الأسد الحالي وغيرهما) بدون المساعدة الغربية، التي لولاها لمُحيت -بني غازي-عن الخارطة، بل وعن بكرة ابيها، في مجزة لا تكون في حسبان المخيّلة البشرية؟!؟


4 - الغرب
يزن أحمد ( 2011 / 9 / 5 - 12:51 )
الرفيقة العزيز

شكرا لك على المقالة المميزة والرائعة

من انتصر هو الغرب ومن سينتصر هو الغرب ان تحدثنا عن الحرية وحقوق الأنسان فهى لا تطبيق الى علينا
لماذا لا تخصع اسرائيل لحلف الناتوا !

والأمثلة تطول

ما يكتبة الكتاب الغربيون وما يتحدث به هو عملية استمعمار جديدة لكن للأسف هذة المرة بأيدي عربية لا غربية

اتمنى ان لا يتكرر عراق جديد

والحرية للشعوب وليسقط الطفاة

اخر الافلام

.. رغم تحذيرات الحكومة من تلوث مياهها... شواطئ مغربية تعج بالمص


.. كأس أمم أوروبا: فرنسا تسعى لتأكيد تفوقها أمام بلجيكا في ثمن




.. بوليتيكو: ماكرون قد يدفع ثمن رهاناته على الانتخابات التشريعي


.. ردود الفعل على قرار الإفراج عن مدير مجمع الشفاء الدكتور محمد




.. موقع ناشونال إنترست: السيناريوهات المطروحة بين حزب الله وإسر