الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تدب الحياة في أوصال الديمقراطية الفلسطينية ؟

جورج كتن

2004 / 12 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


الأكثر أهمية بعد غياب الرئيس عرفات ليس تدبيج المدائح للرئيس الرمز، بل التحليل النقدي للمسيرة الفلسطينية والحوار حول أفضل الوسائل لتحقيق أهدافها. الأمر التالي في الأهمية أن تكون الوسائل بأقل الأثمان بشرياً ومادياً، فليس من المفترض أن يدفع الشعب الفلسطيني المزيد من ضريبة الدم ومن التدهور في أحواله المعيشية حتى يقتنع أصحاب الرؤوس الحامية بأنه آن الأوان للتوقف عن تضييع الفرص لإنقاذ ما تبقى من فلسطين التاريخية. ومن المهم أيضاً ألا تنزعج القيادات من النقد الموجه لسياساتها طالما يصب في مصلحة القضية.
مسيرة الرئيس عرفات حافلة بالانتصارات والهزائم، فقد أخطأ الرجل وأصاب. أصاب في أوائل التسعينيات عندما قبل اتفاق أوسلو الذي أقام سلطة وطنية وإدارات ومؤسسات ووضع القضية على طريق الحل النهائي وأعاد من الشتات عشرات الآلاف، ليعاد توطين القضية في الداخل، فقد تحمل مسؤولية القيام بانعطاف حاد لم يكن غيره ليستطيع اتخاذه، من التحرير الشامل والكفاح المسلح إلى الاعتراف بإسرائيل وقبول دولة في الضفة والقطاع مع نبذ العنف واعتماد الحلول السلمية، أي أنه رفع غصن الزيتون عالياً مع "شريكه" رابين، وتخلى عن البندقية المقاتلة ليستبدلها بالسلاح الشرعي للسلطة.
توقف نجاحه هذا في نهاية التسعينيات بعد رفض ما عرضه كلينتون وباراك كحل نهائي، ليهجر طاولة المفاوضات إلى انتفاضة كانت ستحسن شروط التفاوض لو اقتصرت على النشاطات السلمية كما في بداياتها، إلا أن تصاعد العمليات العسكرية وخاصة الانتحارية أساء دولياً للنضال الفلسطيني وساعد بعد 11 أيلول على اتهامه بالإرهاب. عرفات ليس المسؤول الوحيد عن تدهور الأوضاع فقد أدى المتشددون الإسرائيليون والفلسطينيون دورهم كل من جهته، في تصعيد العنف ومحاولة نسف اتفاقية أوسلو والعودة إلى المربع الأول العدمي عندما كانت السياسة تنبع من فوهة البندقية. فعرفات يتحمل نصيبه من المسؤولية في ارتفاع صوت البنادق على حساب الحلول السلمية، فقد أفشل فرصة العودة لطاولة المفاوضات بإسقاط حكومة محمود عباس، ورفض اتخاذ إجراءات جدية لإصلاح السلطة ومكافحة الفساد والتخلي عن الصلاحيات، وتبني سياسة الموازنة بين الاستعداد للتفاوض واستنكار العمليات، وبين دعم العمل المسلح في الخفاء، فرغم أن عرفات اقرب للحلول السلمية لكنه لم يجرؤ على ضبط السلاح غير الشرعي أو الأصح أنه لم يرغب في ذلك. فالحاصل الإجمالي لمرحلة عرفات بعد أوسلو، نجاح جزئي وفشل جزئي.
ستظهر الأيام بعد غياب عرفات إن كان ورثته، سيتحررون من ظل تركته السياسية في شخصنة السلطة والعلاقات الأبوية والهيمنة مركزياً على جميع الخيوط وشراء الموافقات بالمناصب والشيكات، وديمقراطية: "دعهم يقولون ما يشاؤون، وأنا الرمز والشرعية الثورية أفعل ما أشاء".. هل سيستبدل الورثة عرفات برئيس يسير على خطاه؟ أم أن رحيله ورفع قبضته عن عنق فتح والسلطة سينعش النخبة السياسية فتدب الحياة في أوصالها، إذ أنها تتمتع بمؤهلات وإمكانيات كبيرة كان "الختيار" بعد أن شاخ وتدهورت قدراته الجسدية، يعطلها أو يبقيها غير قادرة على مناقشة قراراته أو منافسة زعامته.
هل تنتج فتح أصولية جديدة "عرفاتية" كالناصرية مثلاً، بالسير على نهج عرفات كما تروج النخبة الفتحاوية الآن؟ أم أن ذلك مراعاة مؤقتة لأجواء الحزن على رحيل الرمز؟ يبقى السؤال الأهم أي نهج سيسلك الورثة؟ فلعرفات مناهج متعددة في السلام والحرب. إن ترشيح محمود عباس من قبل اللجنة المركزية والمجلس الثوري لفتح بالإجماع، يعني أن الخيار السياسي التفاوضي هو الأرجح، إلا إذا كان ترشيحه قد تم بعد تقييده بتعهدات سياسية تعرقل تغيير النهج الذي أوصل القضية لمأزق انسداد الآفاق. فمن المعروف عن أبو مازن أنه مهندس أوسلو، فإذا صار رئيساً فربما يصبح مهندس الحل النهائي أيضاً. للوصول إلى ذلك لا بد من خوض الصراع بين فتح الحلول الواقعية وفتح قعقعة السلاح، عندها لن يكون عباس الذي "كتفه" عرفات، كذلك حال قيادات السلطة وفتح إذا تحررت من الظل، وعندها لن تستطيع الكتائب المسلحة عرقلة التوجه للحلول السلمية إلا إذا تأمنت لها مصادر تمويل أخرى.
لكن فتح ليست كل الساحة الفلسطينية، فالفصائل المسلحة المشاركة في منظمة التحرير لم تقتنع باستحالة الوصول لشيء عن طريق الكفاح المسلح، وبان لا دعم سيأتي من الجوار العربي والإسلامي، وأن طريق الوصول إلى شيء هو النضال السلمي والتفاوض والدعم الدولي إلى جانب دعم التيارات السياسية المعتدلة في المجتمع الإسرائيلي للمطالب الفلسطينية الواقعية.
بعض الفصائل الرافضة تحضر نفسها للمشاركة في الانتخابات القادمة بعد أن قاطعتها في التسعينيات بحجة عدم إعطاء شرعية لأوسلو، بينما السبب الحقيقي للمقاطعة أن صندوق الاقتراع سيسلط الأضواء على مدى هامشيتها إذ لا تتجاوز عضويتها أعضاء مكاتبها السياسية ولجانها المركزية وسائقي سياراتها. لكنها رغم قبول صندوق الاقتراع فإن أقصى طموحاتها تظل معلقة في "الكوتا" أي المحاصصة، التي تعطيها تمثيلاً شبه متساوي مع الآخرين، فهي تستمر في المطالبة "بقيادة وطنية موحدة" على أساس "الكوتا"، رغم اضطرارها لخوض الانتخابات التي لا تحبذها.
من جهتها تقف الفصائل الإسلامية المسلحة غير المنضوية في منظمة التحرير بين استمرار المقاطعة للانتخابات الرئاسية وإمكانية المشاركة في التشريعية وقبول المشاركة في البلدية، أي تقسيط الديمقراطية، بينما تصر على "القيادة الموحدة" التي تعطيها حجمها المتميز كما تراه لنفسها وليس بناء على صندوق الاقتراع، وربما تفكر قياداتها أنه من المبكر أخذ السلطة لنفسها إلى أن تتحرر الأرض، الوقف الإسلامي، وعندها تسقط السلطة كالثمرة الناضجة في سلة "شرعيتها الثورية" كبديل لشرعية أنصار الحلول الواقعية"الأوسلوية".
هل النزاع السياسي في الساحة الفلسطينية، المرفوض تحويله إلى صراع مسلح، بين شرعية ثورية واقعية تسووية، وشرعية ثورية فصائلية مسلحة إسلامية في غالبيتها ويسارية في بعضها، أم أنه نزاع بين الشرعيات الثورية بكافة أشكالها، وشرعية المؤسسات الديمقراطية المنتخبة؟ لقد تآكلت الشرعيات الثورية منذ تطبيق أوسلو وقيام السلطة الوطنية، لكن السلطة تآكلت أيضاً منذ تحول الانتفاضة للعسكرة، إلا أن المؤسسات الفلسطينية لا زالت موجودة رغم تهميشها، ويمكن أن تنهض من جديد بانتخابات رئاسية وتشريعية وبلدية، لتكون بديلاً للقائد التاريخي، وبديلاً لما تطرحه الفصائل من دعوة لمرجعية قيادية فوق الجميع وغير منتخبة.
إن إحياء المؤسسات المنتخبة وإنشاء آلية مضمونة لتداول السلطة بعد رحيل عرفات، سيساهم في إنهاء الشرعيات الثورية مبكراً قبل اكتمال الاستقلال، بعكس الشرعيات الثورية العربية (الجزائر- مصر- ليبيا- السودان- العراق- سوريا- اليمن)، التي احتكرت السلطة والثروات بناء على دورها في التحرير أو في الانقلابات العسكرية التي سميت ثورات. إن إحياء المؤسسات سيمكن من إصلاح الإدارات ومكافحة الفساد وضمان استقلال القضاء ومراقبة ومحاسبة السلطة التنفيذية. والمؤسسات يمكن أيضاً أن تحسم الخلاف بين خياري الحل السلمي والحل المسلح، إذ أنه لا "إجماع على قواسم مشتركة وثوابت"، فالتعدد سمة للمجتمع الفلسطيني مثل غيره وليس كما يتوهم البعض. وعندها فأن أي اتفاق جديد ستتم الموافقة عليه من الغالبية في الأروقة المفتوحة للمؤسسات المنتخبة، ذات القرارات الواجبة التنفيذ والتي لا يستطيع أي قائد عرقلتها، وليس في الغرف المعزولة للشرعية الثورية كما حصل لاتفاق أوسلو.
إلا أنه حتى لو اختارت المؤسسات الأسلوب السلمي، فلا يمكن الوصول لحل نهائي للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي قبل أن يقتنع غالبية الإسرائيليين بعدم جدوى الحل العسكري، فتتفادى الحكومة الإسرائيلية الوقوع في نفس الأخطاء السابقة عندما ساهمت في إفشال رئيس الوزراء عباس.، فتوقف العدوان على الشعب الفلسطيني وتبدأ بإجراءات على الأرض تعزز الأمل بقيام الدولة الفلسطينية، لا تقف عند مجرد تسهيل الانتخابات الرئاسية القادمة وقبول مشاركة سكان القدس الشرقية، وما يتردد عن الانسحاب من غزة بالتوافق مع السلطة الفلسطينية الجديدة، أو إمكانية العودة لمواقع انتشار الجيش الإسرائيلي قبل أيلول 2000.
لقد بدأت الأزهار تتفتح في الساحة الفلسطينية: الدعوة لمؤتمر ديمقراطي لفتح يجدد الكوادر القيادية، تحديد موعد لانتخابات تشريعية... فهل تتفتح مائة زهرة ويعود الربيع والسلام للشعب الفلسطيني وينتهي الصراع الذي هدر دماء وطاقات المنطقة خلال قرن كامل؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طائرة إيرانية تفشل في الهبوط في مطار بيروت بعد مقتل نصر الله


.. كيف يتلقى أطفال غزة التعليم في مصر؟




.. مقتل زعيم حزب الله حسن نصر الله : بطولات و انتكاسات و مصير م


.. من هو حسن نصر الله ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. اغتيال نصر الله: نحو مشهد إقليمي جديد؟ • فرانس 24 / FRANCE 2