الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو تقليص قاعدة الاستثناءات في قانون العفو العام

تيلي امين علي
كاتب ومحام

(Tely Ameen Ali)

2011 / 9 / 3
حقوق الانسان



ليس خافيا ان العراق عانى في العقود الاخيرة ماساة مظلمة وسنوات سوداء قاسية ، فمن حكم دكتاتوري استباح دم مواطني العراق وزج بهم في حروب انتحارية وعبسية ،الى احتلال عسكري اجنبي ، لم يراع فيه المحتل مصلحة شعب العراق وقيمه وطموحاته قيد انملة ، لم يحقق له الاهداف التي كان يامل بها عند سقوط النظام السابق ، ازدادت الحالة سوءا بانقسام المجتمع العراقي وتناحره في حرب طائفية وعنصرية غير معلنة سالت فيها الكثير من الدماء وانعدمت الثقة او كادت ان تنعدم بين مكونات شعب العراق ، من جانب اخر لم تستطع الحكومات لهذا السبب او ذلك من معالجة بؤس الشعب وشقائه اليومي ، ولم توفر له حاجاته الضرورية والانسانية وذهبت الوعود والتعهدات سدى .
التناحر الحزبي والمنافسة غير الحضارية بين القوى السياسية العراقية ومحاولة كل جهة الاستحواذ على اكبر قدر من المكاسب والسلطة والثروة والنفوذ دون مراعاة حقوق المواطنين ومصلحة العراق العليا ، قضى على الكثير من المبادئ الخلقية والانسانية واساء الى قيم المجتمع واعرافه .
في مجتمع كهذا ، يرزح تحت الاحتلال الاجنبي ، ويعاني فيه المواطن من انكار مواطنته وانسانيته وتصبح الهوية الطائفية او العنصرية معيارا للمواطنة الصالحة ونيل الحقوق ، وفي مجتمع تهدر ثرواته وتلقي اللاعدالة في توزيعها رواجا مقبولا على الصعيد الرسمي ، من الطبيعي ان تتعدى ظاهرة الاجرام حدودها الطبيعية لتتسع وتاخذ طابعا يقربها من الشمولية . ومن الطبيعي ان يزداد عدد الجانحين حتى ان التقديرات تشير الى اعداد مخيفة من المحكومين والموقفين واعداد اكثر رعبا من المتهمين والهاربين . بل ان المنظمات الدولية المهتمة بحقوق الانسان تشير الى سجون ومعتقلات سرية يجري فيها تعذيب البشر .
الحالة في العراق لم تؤد الى تزايد اعداد الجانحين الحقيقيين فحسب ، انما ساهمت بعض الاجهزة ، الامنية منها خاصة ، في خلق جانحين ابرياء من خلال الاستحواذ على الاموال والممتلكات لحسابها ومن ثم اتهام اناس ابرياء بسرقتها او اخفائها او اختلاسها ، وقد سمعنا قصصا عن اتهام هذه الجهات لبعض خصومها بجرائم اخلاقية ، كاجبار المتهم على الاعتراف بالاغتصاب او اللواط او الزنا بالمحارم .
بلغت الحالة حتى لم يعد هناك من القوى السياسية او المنظمات المدنية او من رجال القانون ، من لم يقتنع ان الامر يستدعي العمل بمقولة ( عفا الله عما سلف ) كما قال بها رئيس الوزراء السيد المالكي بنفسه قبل حين . وذلك ليس لان هناك مجموعات كبيرة من الابرياء في السجون ومجموعات اكبر تواجه الاتهامات ، انما لان الجانحين الحقيقيين يستحقون الرأفة والرحمة والعفو للانخراط مجددا في المجتمع بعد ان ادت احواله بهم الى سلوك طريق الجنوح ومخالفة القانون والاعراف .
هناك اليوم مشروع قانون للعفو العام امام مجلس النواب العراقي وجرى الموافقة عليه مبدئيا بعد ان اقر من قبل مجلس الوزراء ، وهو مشروع ليس ضروري وحسب ، انما انساني وحيوي لاعادة الاعتبار للكثير الكثير من العراقيين ، وهو مهم كذلك لعملية المصالحة الحقيقية بين المواطن ودولته , وهو مشروع حاسم لتقبل الانتقادات الدولية ونيل ثقة منظمات حقوق الانسان مجددا .
ما نود ان نقوله بشأن هذا المشروع:
اولا- هو شموله على العديد من الاستثناءات مما يجعله ناقصا ، اذ يمكن معالجة عدد من هذه الاستثناءات بالتعهدات والكفالات او الغرامات المالية ، وحتى جريمة الرشوة يمكن العفو عن المحكوم والمتهم بعد اعادة مبلغ الرشوة او العمولة او المكافئة واتخاذ اجراءات كحرمان المرتشي من التوظيف ، اذ ان اقدس ما في الوطن هو المواطن نفسه ، تفوق قدسيته واحترام حريته قدسية التراب والثروة .
في الحقيقة لا يمكن الاعتراض على استثناء جرائم الارهاب الخطيرة وحدها ومنها جرائم قتل العراقيين واستهداف دور العبادة والمنشاءات بالمفرقعات واستخدام الاسلحة الكاتمة للصوت في عمليات ارهابية منظمة ، فهؤلاء سفكوا الكثير من دماء العراقيين وعليهم تحمل الحساب . كما ان استثناء الجرائم الواردة في قانون المحكمة الجنائية العليا يبدو مفهوما في الوقت الحاضر .
وبشأن الاستثناءات ايضا ، يذهب بعض السادة النواب الى استثناء المشمولين بقانون العفو العام السابق لعام 2008 والذين ارتكبوا الجرائم بعد اطلاق سراحهم ، ومع ان وجهة النظر هذه تبدو منطقية الا ان توسيع قاعدة الاستثناءات غير محبذة خاصة وان مشروع القانون قد تم نشره وغرس الامل في نفوس هذه الفئة واستثنائها تولد احباطا ويأسا كبيرين .
ثانيا- ان تصريحات بعض السادة النواب بان مشروع القانون يخدم جهة معينة يجعلنا ان نأمل الا تتصرف الكتل النيابية على طريقة ( كل يبكي على ليلاه ) وان لا تؤدي السجالات الى تأخير في اقرار المشروع الذي نشره اللجنة القانونية ووافق عليه مجلس النواب مبدئيا وعزز من امال المحكومين القاطنين في السجون وذويهم ، يجب ان تكون الحالة الانسانية وحدها حاضرة في اذهان جميع السادة النواب وان يجعلوا من العفو شاملا وعاما .
ثالثا – اطلاق سراح المحكومين المشمولين فورا من قبل السلطات المختصة وفق المواد القانونية التي حكموا عنها وعدم اشغال القضاء العراقي بالنظر في عشرات الالاف من القضايا ، وان تختص اللجنة التي تتشكل من القضاة في المحاكم الاستئنافية بالنظر في الطعونات التي يبديها المتضرر المحكوم جراء عدم شموله بالعفوالعام ، ويمكن للادعاء العام الطعن لديها اذا تبين له ان المحكوم المطلق سراحه غير مشمول بالقانون .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب العلوم السياسية بفرنسا يتظاهرون دعمًا لغزة


.. علي بركة: في الاتفاق الذي وافقنا عليه لا يوجد أي شرط أو قيود




.. خليل الحية: حققنا في هذا الاتفاق أهداف وقف إطلاق النار وعودة


.. البنتاجون كأنه بيقول لإسرائيل اقتـ.لوهم بس بالراحة..لميس: مو




.. مستشار الرئيس الفلسطيني: المخطط الإسرائيلي يتجاوز مسألة استع