الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوطنية والمواطنة

رابطة الشباب الكويتي

2011 / 9 / 3
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


مقدمة
إن المجتمعات الإنسانية نشأت في بدايتها كمجاميع صغيرة متنقلة ، ثم استقرت على ضفاف الأنهار لتكون القرى والمدن فمن خلال هذا الاستقرار ظهر مفهوم الوطن أي في اللغة الاستقرار في أرض معينة والإرتباط بها عاطفيا حيث يتشكل هذا الإرتباط من سلسلة طويلة من العلاقات المعقدة بين الأفراد فرسخت بينهم صلات اجتماعية من زيجات وارتباطات اجتماعية أخرى ، كما استقر لهم نظام اجتماعي قائم على الأعراف والعادات والتقاليد التي وجدت طريقها للثبات لتنظم العلاقات بينهم فيما تكون إرث من البطولات والقصص الشعبية والحكايات.
إن كل ما سبق ذكره شكل من خلال انصهاره مع بعضه البعض هوية مميزة للمجتمع البدائي سواء كان قرية أو مدينة فتكون ما يعرف بالوطن ، وفي هذه المرحلة لم يكن الوطن سوى إرتباط عاطفي ونفسي بين أفراد المجتمع والأرض التي يحيون عليها ، ولم تتكون لا في العصور القديمة ولا في العصور الوسطى مفاهيم واضحة ودقيقة تتعلق بالمواطنة والوطنية بل كانت مجرد رد الإنسان الى مسقط رأسه أو المكان الذي عاش فيه.
وقد احتاج ظهور مفهوم الوطنية والمواطنة إلى تطور يحدث على المستويين الثقافي والإنساني ، حيث ظهر ما يعرف بـالدولة القومية Nation State)) التي تمثل مجموعة من الناس ينتمون لثقافة معينة ولغة معينة فيما ظهرت في تلك المرحلة الدولة الفرنسية والدولة الايطالية والدولة الانجليزية في أوروبا التي كانت تغلي بالثورات السياسية والاجتماعية فيها ، وكانت أهم الثورات التي عصفت في أوروبا هي الثورة في العقول لأنها أعادت تشكيل العالم من حولها وأعطت مفهوماً جديداً لعلاقة الفرد والمجتمع بالدولة والعلاقات الاجتماعية بصورة عامة. ففي القرن الثامن عشر الذي عرف بـعصر الأنوار (Age of Enlightenment)قامت أهم الثورات الاجتماعية والسياسي التي تعرف بالثورة الفرنسية التي قامت بإعادة تنظيم علاقة الفرد بالدولة ونادوا الثوار بالمساواة والعدالة والحرية لكل أبناء الشعب ، كما اسقطوا الحكم الملكي الفرنسي ووضعت السلطة في يد الشعب ، وقد احتاجت الثورة لمُنَظِر سياسي يضع لها قيمها السياسية ويقنن تلك القيم فكان هو جان جاك روسو في كتابه العقد الاجتماعي الذي رسخ فيه قيم الديمقراطية والعلمانية السياسية من خلال انتزاع الحق من الملوك الذين يحكمون الناس بـ"الحق الالهي" وأنزله للمجتمع والأفراد ، فأصبح من حق الأفراد المشاركة السياسية في الحكم وفي إختيار من يحكمهم ، وقد أكد في كتابه على مفهوم السيادة والطاعة للنفس أولا ، ودعا للتحرر من دور الرعية وضرورة تمتع الأفراد بالحكم الذاتي.
ويعتبر مفهوم التحرر من مفهوم الرعية خطوة مهمة في تكوين المواطنة فالفرد فيها لم يعد تابعاً للحاكم الذي يرعى مصالحه بالنيابة عنه ، بل أصبح المواطن هو الذي يهتم بمصالحه الذاتية من خلال القانون الذي يحتوي الواجبات والحقوق التي يجب اتباعها بناءً على من سيتم تسميتهم بـالمواطنين. ومنذ تلك الفترة جرى الحديث عن ضرورة وجود دستور (العقد الاجتماعي) الذي ينظم العلاقة بين الدولة والمواطنين ، كما ينظم العلاقة بين المواطنين وبعضهم البعض.
المواطنة
إن التعريف اللفظي لمواطن (citizen) مشتقة من كلمة يونانية civic وهي تعني المواطن ، ومنها أشتقت المدن اليونانية أهمية تربية المواطن من الناحية القانونية. وهي ليست مشتقة من كلمة nation التي تعني أمة أو قومية أو جنسية.
ويمكن تعريف المواطنة بشكل بسيط أنها الإنتماء الى بقعة معينة من الأرض والاستقرار فيها بشكل دائم بحيث تكون هذه الأرض دولة تمنح جنسيتها لمن يعيش عليها. ويكون هذا الانتماء مرتبطا باستيعاب الفرد للهوية الثقافية للأرض التي يعيش عليها كما يكون معتزاً بتلك الهوية ، ويكون الفرد مراعيا للصالح العام ومحافظاً عليه ، ويُجبر هذا الإنتماء كل الإنتماءات الجزئية (القبيلة-الطائفة-القومية) لصالح الوطن والمصلحة العامة دون إلغاء تلك الانتماءات الجزئية.
ويمكن أن نعرف المواطنة أيضا أنها تمتع الشخص بحقوق وواجبات ، وممارستها في بقعة معينة من الأرض وتتضمن إلتزام الأفراد بالثقافة المتعلقة بهذه الأرض.
بالإضافة إلى وجود تعريف قانوني للمواطنة أنها مرتبطة بالجنسية وما يترتب عليها من التزامات تجاه الدولة والمجتمع ، وعليه يكون المواطن في علاقته مع الدولة قائم على أمرين أساسيين هما:
1 المساواة بين جميع أفراد المجتمع
2 المشاركة الفعالة في السياسة
ويجب التأكيد على أن مفهوم المواطنة مرتبط بالدولة الدستورية والقانونية والديمقراطية ، حيث يتاح للأفراد المساهمة في إدارة المجتمع والدولة ، والمشاركة في صنع القرار ، لذلك فالدولة الدكتاتورية والعنصرية ينعدم فيها مفهوم المواطنة ويصبح الفرد أحد رعايا الحاكم ، وهذا ينطبق على الدولة التي يكون فيها حكم القانون ضعيفاً أو منعدماً حيث يشعر الأفراد بعدم قدرتهم على الحصول على حقوقهم ، كذلك شعورهم بالعجز عن أداء واجباتهم تجاه الدولة والمجتمع وحينها ينعدم مفهوم المواطنة.
حقوق المواطن
إن حقوق المواطن تنقسم إلى نوعين من الحقوق هي:
الحقوق المدنية
1 الحق في الجنسية تعطيه الصفة القانونية التي ينظم من خلالها علاقاته بالمواطنين والدولة.
2 الحق في الحياة وعدم مساسها بالقتل والتعذيب والعقوبات لا الانسانية.
3 الحق في المساواة والحصول على فرصة متساوية مع الاخرين أمام القانون اثناء المنافسة مع الاخرين.
4 الحق في الرفاهية الاجتماعية لكل مواطن يؤدي واجباته تجاه الدولة فمن حقه الحصول على بعض الرفاهية وتطوير جودة حياته من ناحية الخدمات وشبكة الأمان الاجتماعي.
5 الحق في التعليم كي يستطيع أن يكون عنصراً فاعلاً في المجتمع ومساهماً بمسئولية تجاه المجتمع شركائه في المواطنة.
6 الحق في الملكية الخاصة لكل مواطن الحق في أن يكون له شيء يمتلكه سواء أرض أو أيا من خيرات الصناعة والزراعة.
7 الحق في الحرية حيث يجب على الدولة والمجتمع كفالة حرية الاعتقاد وحرية الوجدان او الضمير وحرية التعبير.
الحقوق السياسية
1 مجتمع المؤسسات: إن المواطنة قائمة على المؤسسات السياسية وغيرها التي يضبطها القانون ، فمن حق الأفراد الحصول على نظام مؤسسي قوي يسير وفقاً للقانون بحيث يحمي مصالح المواطنين ويدافع عنهم ، فبدون دولة المؤسسات لا وجود للمواطن.
2 الشفافية والديمقراطية: من حق المواطن الحصول على الشفافية أثناء استقاءه المعلومات من الدولة ، كذلك من حق المواطن المشاركة في إتخاذ القرار السياسي والاجتماعي ، من خلال المشاركة الفاعلة ويجب التأكيد على ضرورة أن تكون مشاركة المواطن ذات عائد نهائي ، أي إمتلاك المواطن القدرة على التشريع والرقابة على الدولة.
3 العضوية السياسية: يحق للمواطن الإنتماء وتكوين التنظيمات والأحزاب السياسية والنقابات دون ردع أو إعاقة من الدولة ، لأن ذلك يساهم في تعزيز الإنتماء للوطن من خلال المشاركة الفاعلة في النشاط السياسي.
4 الأمان: من حق المواطن أن تقوم الدولة بحمايته بالداخل والخارج.
ويجب التأكيد أن هذه الحقوق لا يمكن للدولة أن تنتزعها أو تقتطع جزءاً منها ، فهي خاصة بالمواطن ومن حقه الذي على أساسه قام الدستور والإخلال به يعني أن من حق الأفراد تقويم الدولة أو حتى تغيير الدستور لصالحهم.
واجبات المواطن
إن للمواطنين واجبات يجب أن يؤدونها تجاه الدولة وهي:
1 دفع الضرائب للمساهمة في الدخل القومي الذي ينصب بالنهاية لصالح الاستثمار في البنية التحتية للدولة والإنسان.
2 إطاعة القوانين كي يتم الحفاظ على كيان الدولة والمساهمة في تنظيمها وتنظيم العلاقات في المجتمع. ويمكن الإعتراض على القانون من خلال تعديله أو إلغاءه في القنوات الشرعية.
3 الدفاع عن الدولة في الحرب والسلم من خلال الإنضمام للقوات المسلحة إذا استدعت الحاجة أو من خلال المساهمة في تحسين صورة الدولة.
4 المحافظة على وحدة الدولة وتجاوز النزاعات القائمة على الإنتماءات الجزئية ومراعاة أن لا يؤدي أي اختلاف اجتماعي أو ديني في الدولة لتفكيك وحدة الدولة أو تهديد الأمن الاجتماعي فيها.
التيارات السياسية الدينية ومفهوم المواطنة
ترفع التيارات السياسية الدينية دائما شعارات تتوافق مع المزاج السياسي العام حيث تزعم أنها تنظيمات وطنية تدعوا للمواطنة كغيرها من التنظيمات المدنية ، وتستغل في ذلك إعادة تفسير وتأويل التاريخ والحقائق الدينية بحيث يتم اخراجها من سياقها ووضعها في سياق مخالف. حيث ترتكز مطالبات تلك التيارات على تطبيق الشريعة الدينية في الدولة بما يتضمنه من إشكالات تقع في مجتمع متعدد الأديان والمذاهب حيث تقترح التيارات تطبيق نظام قانوني على الأغلبية الدينية ونظام قانوني آخر على الأقليات الأخرى بينما من أهم عناصر المواطنة المساواة أمام القانون.
أما بالنسبة للمشاركة السياسية بين الأقليات الدينية في الدولة الدينية فتكاد تكون معدومة ويؤدي ذلك إلى ظهور شعور تلك الأقليات بالاضطهاد المذهبي وإضافة إلى ذلك فالدولة الدينية لا تعرف بمفهوم المواطنة بقدر ما تؤكد على مفهوم الرعية.


30 يوليو 2009








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا والصين.. تحالف لإقامة -عدالة عالمية- والتصدي لهيمنة ال


.. مجلس النواب الأمريكي يصوت بالأغلبية على مشروع قانون يمنع تجم




.. وصول جندي إسرائيلي مصاب إلى أحد مستشفيات حيفا شمال إسرائيل


.. ماذا تعرف عن صاروخ -إس 5- الروسي الذي أطلقه حزب الله تجاه مس




.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح