الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلى أين يتجه المليون؟

يعقوب بن افرات

2011 / 9 / 4
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


سيكون السبت القادم دون أدنى شكّ، سبت المواطن. تأمل الحركة الاحتجاجية بأن تُحدِث المظاهرة المليونية نظامًا سياسيًا اجتماعيًا جديدًا في إسرائيل. لا توجد حكومة في العالم يمكنها تجاهل ملايين مواطنين يخرجون إلى الشارع ويقولون بأعلى صوتهم: "الشعب يطالب بالعدالة الاجتماعية!". فيما يلي السيناريو المأمول: يجتمع المؤتمر التأسيسي الشعبي في الميدان ليعلن عن إقامة دولة جديدة، دولة الرفاه. ويُطالَب رئيس الحكومة بعد المظاهرة بالاستجابة للشعب- صاحب السيادة- الذي يتظاهر في الشارع، والدعوة لاجتماع الكنيست، التي تُطالَب بتشريع الميثاق الاجتماعي الجديد، الذي سيغيّر جذريًا النهج الحالي، وبذلك تحقّق الحركة الاحتجاجية غايتها.


ما الذي تقوله دفني ليف؟

دفني ليف، القائدة الطبيعية لاحتجاج الخيام، تعرّف الحركة بأنّها "سياسية وليست حزبية". على حدّ تعريفها، الجهاز السياسي، بما فيه الأحزاب والانتخابات للكنيست، فشل في إدراك رغبات الجماهير، وبالتالي ينبغي عليه "الخروج من الشرفة" وإدراك أنّ الدولة في طور الانهيار.

كلمة "حزب" تخيف قادة الحركة الاحتجاجية فعلاً. يوجب الحزب وجود تصوّر وتعريف أيديولوجي واضح، يستدعي بالضرورة انتقادات وتحفّظات من جانب قسم من الجماهير. لنأخذ مثالاً نائبة البرلمان (عن حزب العمل) شيلي يحيموڤيتش، "البطلة" الاجتماعية التي واجهت بلا هوادة الرأسماليين الكبار، وتمتّعت بإجماع جماهيري واسع. في اللحظة التي كشفت فيها يحيموڤيتش تصوّرها السياسي وأعلنت أنّها لا ترى في المستوطنين مشكلة، أثارت ضدّها تحفّظات كثيرة. من هنا، إذا رفضت الحركة الاحتجاجية الخوض في السياسة لتجنّب الانقسامات، فإنّها تتركها في نهاية الأمر في أيدي هؤلاء السياسيين الرافضين لمطالبها والمنصاعين للرأسماليين الكبار. بالفعل دائرة مغلقة.

إنّنا نتحدّث عن حركة سياسية لا تملك الوسائل السياسية لتحقيق غاياتها، وكلّما ازداد التأييد لها تعمّق التناقض الداخلي الذي تعاني منه. تكمن مشكلة الحركة الاحتجاجية في عدم قدرتها على ترجمة التأييد الشعبي الذي تحظى به إلى قوّة سياسية، أي إلى حزب يأخذ على عاتقه المسؤولية ويصل إلى الحكم ويحظى بأغلبية في الكنيست ويقوم بترسيخ الميثاق الاجتماعي في قوانين نافذة تتمتّع بإجماع عامّ وشامل. قرّرت الحركة الاحتجاجية أنّه من أجل تجنّب العداء من الآخرين، عليها رفع شعار "العدالة الاجتماعية"، الذي تحوّل إلى نشيد وطني للدولة، وتجاهل مقصود لقضايا أساسية كالاحتلال والمستوطنات والحرب والسلام. في تصوّر هذه الحركة الاحتجاجية، حقيقة كون نتنياهو ممثّلاً بارزًا لليمين لا يجب أن تشكّل عائقًا، لأنّه ليس مطالَبًا بإحداث تغيير "سياسي"، وإنّما "اجتماعي". بوسع نتنياهو الاستمرار في الاحتلال، وفي نفس الوقت إقامة العدالة الاجتماعية في المجتمع الإسرائيلي، وخاصّةً في الطبقة الوسطى التي تخدم الدولة بإخلاص وتتحمّل أعباء رجال الأعمال الرأسماليين الذين لا يبالون بشيء من أجل زيادة أرباحهم. هذا هو ما يعنيه الشعار: "وفّروا لنا أسباب العيش في هذه البلاد!"

إلا أنّ الاحتمال بأن يستجيب نتنياهو لمطالب الحركة الاحتجاجية ليس أكبر من الاحتمال بأن يستجيب لاحتجاجات الفلسطينيين الذين يطالبون "بعدالة التقسيم"، أي التقسيم إلى دولتين. أيّ مراهنة على نتنياهو ستضمن بأن يبقى الفلسطينيون بلا دولة، وبأن يبقى مواطنو إسرائيل بدون العدالة الاجتماعية التي يتوقون إليها.

ما الذي يقوله حزب "دعم" العمّالي؟

انضمّ حزب "دعم" إلى الحركة الاحتجاجية مباشرةً عند انطلاقها. بالنسبة لمن قام بمسيرات في جادة روتشيلد خلال خمس سنوات بمفرده وطالب بالتشغيل المنصف والمساواة للنساء وبحقّ التنظّم في الاتّحادات المهنية وبالمساواة بين اليهود والعرب وبالسلام- كان من الطبيعي أن ينضمّ لآلاف الشباب الذين استيقظوا من سباتهم، واكتشفوا أنّ النار قد وصلت بيوتهم بعد أن قضت على الأخضر واليابس في يروحام والخضيرة وكفر قرع والناصرة.

"دعم" ليس حزب الطبقة الوسطى؛ بل حزب العمّال، الذي يعيش ويتنفّس القضية "الاجتماعية" ويناضل بكلّ قوّته من أجل تغيير النهج الاقتصادي، بحيث يخدم العمّال (بما فيهم عمّال الطبقة الوسطى) وليس الرأسماليين. "دعم" ليس حزبًا كسائر الأحزاب؛ فهو حقًّا حزب ثوريّ! الثورة التي يرغب حزب "دعم" في تحقيقها هي ثورة وعيوية؛ التي هي أيضًا تبدأ بتغيير سلّم الأولويات الاجتماعي الداخلي، تغيير لا تقوم به الطبقة الوسطى، وإنّما طبقة العمّال. فاليهود والعرب يلتقون في قسائم الأجر وفي ظروف حياتهم الصعبة.

لا يمكن للتغيير في الوعي أن ينحصر في التخلّص من اللامبالاة. هذا هو شرط حتمي لكنّه ليس كافيًا. يجب على التغيير الوعيوي الحقيقي أن يتضمّن تعاملاً مع العمّال العرب في إسرائيل ومع العمّال الفلسطينيين الذين يعانون من الاحتلال الإسرائيلي، ومع كافّة العمّال في العالم العربي. "دعم" لا يؤمن بالإجماع المؤقّت، ولذلك هو حزب يعمل في صفوف العمّال بدون خوف أو مراءاة، لتحقيق إجماع عمّالي جديد أممي لا يخشى النظر إلى الواقع، حتّى وإن كان معقّدًا وصعبًا. الأمر الذي سيرجّح الكفّة لصالح النضال من أجل العدالة الاجتماعية، هو انضمام ملايين العمّال، هؤلاء الذين يشكّلون %50 من الأجيرين الذين لا يصلون إلى أدنى درجة لدفع الضريبة، ولم ينجحوا في تجميع قوّتهم للتخلّص من يأسهم. حتّى هذه اللحظة لا نجدهم بين المحتجّين، لكنّ حزب "دعم" لم ينسهم. سيأتي اليوم الذي سيتنظّمون فيه في لجان عمّال وسيضربون عن العمل. إنّنا نرى في الحرب ضدّ تنظيمات العمّال، التي تسمّيها الحكومة "مرونة سوق العمل"، حربًا هدّامة وعديمة الرحمة، انظروا ما حدث في مصنع الكيماويات بحيفا (حيفا خيميكاليم) وفي كسّارة سلعيت، وانظروا ما حدث للعاملين الاجتماعيين وللأطبّاء المتخصّصين.

بداية عهد جديد

تشكّل الحركة الاحتجاجية الحالية نقطة انطلاق لعهد جديد. رغم مواطن ضعفها، الا ان الحركة اسقطت القناع عن النظام الاجتماعي الذي تنتهجه الدولة، وأبرزت أمراضه الاجتماعية، كما وصاغت برنامجًا اجتماعيًا شاملاً أصبح أساسًا لائقًا لمواصلة النشاط. رغم غطرسة نتنياهو، انهار النهج الرأسمالي النيوليبيرالي الذي يلوّح به والذي أدّى إلى انهيار النموذج الأصلي المتبع في الولايات المتحدة. تخطو إسرائيل بثقة نحو مستقبل يخلو من الاقتصاد ومن السلام. الحركة الاحتجاجية المستقبلية لن تنجح في مواصلة الجلوس على الحياد وتعليق الآمال في خلاصنا على القادة الذين يقودوننا نحو الكارثة.

هناك من سيرى فينا متشائمين. نقول لهم إنّه يجب أن لا نكون ساذجين وعلينا النظر إلى الواقع. منذ سقوط الاتّحاد السوڤياتي، تحوّل العالم إلى عالم القطب الواحد، وأصبح اليمين الأمريكي يوجّه وحده ويطبّق الرأسمالية العالمية المجحفة. رغم هذا الواقع المرير، لم نتوانَ وواصلنا عملنا الشاقّ في إنشاء حزب عمّالي، بدافع إيماننا العميق بالحاجة للتغيير وبإمكانية حدوثه. من دواعي سرورنا، وبعد ثلاثة عقود، بدأ العالم العربي وبعض الدول الأوروبية في الاستيقاظ من سباته وتحدّي النظام القائم، مثلنا تمامًا.

لذلك نحن، عمّالاً من جميع القطاعات، يهودًا وعربًا، سنشارك يوم السبت في مسيرة الميدان رافعين شعارًا واضحًا: حان أوانك يا بيبي، ارحل! إنّنا نسير بتصوّر اشتراكي، وظيفة الاقتصاد حسبه هي خدمة المجتمع وليس الرأسماليين. من لا يتحرّر من غسيل الدماغ الرأسمالي، سيبقى عبدًا لرجال الأعمال الكبار ولمحقّقي رغباتهم في الكنيست.

الاشتراكية التي ننادي بها، تحوّلت في الوقت الراهن إلى ملحّة أكثر من أيّ وقت مضى، لأنّ دولة الرفاه هي دولة اشتراكية وديمقراطية. إنّها دولة تحقّق العدالة لمواطنيها دون تمييز في الدين والقومية، وبوسع هذه الدولة الاندماج في المنطقة، والمشاركة في التغيير الديمقراطي الذي يحدث في العالم العربي. الشرط لتحقيق ذلك هو إنهاء الاحتلال. من يناضل من أجل العدالة الاجتماعية، سيحقّق في نهاية الأمر عدالة عالمية. لن تكون دولة رفاه طالما بقي الاحتلال!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تدرس سحب قواتها من سوريا


.. أوضاع إنسانية صعبة في قطاع غزة وسط استمرار عمليات النزوح




.. انتقادات من الجمهوريين في الكونغرس لإدانة ترامب في قضية - أم


.. كتائب القسام تنشر صورة جندي إسرائيلي قتل في كمين جباليا




.. دريد محاسنة: قناة السويس تمثل الخط الرئيسي للامتداد والتزويد