الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مَن يوقف .. الفساد ؟

تاج موسى آل غدير

2011 / 9 / 4
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


قبل عام 1991 كان الفساد المالي والاداري في العراق يمثل ظاهرة صغيرة محصورة في دائرة ضيقة لا تخرج عن إطار النخبة المحيطة برجالات السلطة الحاكمة , و لكن بعد دخول العراق في نفق العقوبات الدولية الملزمة و فرض الحصار الإقتصادي عليه ( بعد هزيمة الكويت ) تحول الفساد الى أداة حكومية للإدارة السياسية والإقتصادية , الا أن السلطة كانت تسيطر على توجيه آلياته وضبطه , ووضعته دوما تحت سيطرتها . و بعد 2003 برزت على السطح أسوأ أنواع السلوك الإجتماعي ومع الوقت إنتشر الفساد في جميع مستويات النظام السياسي والإقتصادي , وأصبح يشكل خطرا كبيرا على بنية النظام السياسي الجديد و عائقا حقيقيا في وجه النمو الإقتصادي وأداة مؤثرة لتقويض مصداقية السلطة التنفيذية و التشكيك الدائم في دوافعها وفي كل المجالات .

لقد إستفادت بنية الفساد من ثغرات عديدة في النظام الجديد كان من اهمها , الآليات التوافقية بين القوى و الأحزاب وممثلي المكونات , بأعتبارها الأداة لتقاسم السلطة و الثروة , الأمر الذي أدى الى هشاشة النظام السياسي والإقتصادي بشكل عام و الذي فتح الابواب بوجه الفساد ليتغلغل الى داخل مصالح الفئات السياسية الحاكمة , وقد تمكن الفساد من ترسيخ آلياته الخاصة بإختراق المؤسسات المالية و الإدارية و إنتزاع أكبر قدر ممكن من الثروة .

إن كل ما نسمعه من نزاعات بين السياسيين المتشاركين في الحكم و ما نسمعه كذلك من دعوات لإنشاء الأقاليم في أكثر من محافظة , هو في جوهره صراع من أجل الحصول على حصة أكبر من الثروة او الريع النفطي , الذي تتضمنه موازنة الدولة , وذلك من خلال توسيع صلاحيات هؤلاء بما يخص الإنفاق , و مع الإقرار دستوريا بنمط معين لتوزيع الثروة بين الحكومة المركزية و اطرافها – مجالس المحافظات – يبدو لنا إن ثمة عراقيل كثيرة تقف حائلا دون تمكين الحكومة المركزية من السيطرة على الأطراف , بل يمكننا القول كذلك إن رئيس الحكومة غير قادر تماما على محاسبة وزراءه أو إعفائهم من مهام عملهم , كذلك مجلس النواب فهو غير قادر من الناحية الواقعية على ممارسة صلاحياته الرقابية على السلطة التنفيذية , ونفس المشكلة تواجهها مجالس المحافظات إذْ إنها لا تستطيع فرض رقابتها على المجالس البلدية , لان الولاءات المناطقية لا تسمع بذلك .

كل ذلك يحصل بسبب تبنّي الديمقراطية التوافقية أو ( المحاصصة المذهبية والإثنية ) فالمشتركون بالعملية السياسية ينتمون الى كتل سياسية متوافقة مع بعضها في تقاسم السلطة و الثروة على أساس إرضاء الجميع , ووفق هذه المنهجية العجيبة يدفع الشعب العراقي ثمنا باهضا من قوته و أمنه , الآن وفي المستقبل المنظور , على إن هذه المنهجية قد فتحت أبوابا جديدة لنمو الفساد الأداري و المالي و منحته أبعادا متكاملة و قابلة للإستمرار و سببت إنتكاسات قاسية في المسيرة التنموية في العراق فتفاقمت ظواهر الفقر و البطالة و الإرهاب و إزدادت الإنقسامات بين القوى السياسية الرئيسية , و تعثرت عمليات الإصلاح السياسي – الإقتصادي و الإجتماعي في أصعب مرحلة إنتقالية يمر بها البلد .

وهنا لا نستطيع أن ننكر الإدراك الحكومي المتزايد بحجم هذه المشكله و خطورتها وتداعياتها غير إن هذا الإدراك لا يكفي لتفتيت كيان الفساد الذي إمتد في عموم النسيج الإجتماعي , ثم إن الحكومة في العراق محاصرة دوما بالضغوطات و التسويات و التوافقات السياسية , و هي دائما في موقع الدفاع و لا يبدو لنا إنها قادرة على الإفلات من هذه الضغوطات و الإنطلاق نحو الإصلاح وموجهة الفساد , إذْ إنها لازالت أسيرة لمسلمات لم تُجرب بعد كالفيدرالية , الاقاليمية , اللامركزية , التوافقية السياسية , وإقتصاد السوق و الخصخصة وغيرها من الأمور التي نسمع بها كثيرا , إننا في المرحلة الإنتقالية يحق لنا أن نرفض أية فكرة يثبت فشلها .

إننا بحاجة الى مراجعة دائمة للوصول الى أفضل صيغ و أساليب الحكم , وإن هذه العناوين ليست حقائق مطلقة و نهائية , لقد إتضح للجميع فشل نظام التوافقية السياسية أو المحاصصة في حل مشكلات البلاد , بل إن هذا النظام أضعف الى حد بعيد إمكانية وقف الفساد أو تحجيمه و محاسبة رموزه و وفر للمفسدين ظروفا أفضل لنشر فسادهم و تبديد الثروة و ضياع فرص التنمية و الإفلات من المحاسبة . إن على الحكومة أن تصارح الشعب بحجم و نوع المشكلات التي تعيق أدائها و تعرقل سيرها نحو الإصلاح و النمو بإعتبار الشعب هو الطرف المستفيد من برامج الحكومة في مجال الإصلاح والتنمية , فلا أمل أمام هذه الحكومة واية حكومة بتحقيق ما تصبو اليه الا بمشاركة الشعب و فئاته المتضررة من غول الفساد و الإرهاب , إن المصارحة هي أكثر ما نحتاجه و ندعو إليه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تهاجم أردوغان.. أنقرة توقف التبادلات التجارية مع تل


.. ما دلالات استمرار فصائل المقاومة باستهداف محور نتساريم في غز




.. مواجهات بين مقاومين وجيش الاحتلال عقب محاصرة قوات إسرائيلية


.. قوات الأمن الأمريكية تمنع تغطية مؤتمر صحفي لطلاب معتصمين ضد




.. شاهد| قوات الاحتلال تستهدف منزلا بصاروخ في قرية دير الغصون ش