الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


راهن اليسار التونسي بين انسداد الرؤية النظريّة و انفتاح الممكن الثوري

منصف البرايكي

2011 / 9 / 5
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


إن النظرية في منظور "غرامشي" تصبح ثورة مادية ليس حينما تكون وعيا بالذات مطاقة الرغبة التي تدفع إلى الفعل و لكن وسيلة تنظيم متكيفة مع الواقع أي ممارسة عقلانية ناجعة مغيرة لذاتها و موضوعها لتصبح وعيا بالذات منظمة لأفق جديد من الممارسة و الأداء...
ما يدفع لاستعراض هذه المقولة هو عجز القوى السياسية لاسّيما اليسارية منها أمام الواقع الحالي باعتبارها المرشح الأفضل لحمل المشروع الفكري التقدمي القادر على تحويل النظرية إلى قوة مادية تحقق الوحدة بين الفكرة و الجماهير لتثو ير الواقع المتفجر أصلا بعد هذه الهزة الشعبية التاريخية التي اصطلح على تسميتها بأكثر من انتفاضة و اقل من ثورة ذلك إن القوى الثورية العفوية لم تستكمل المهمة للسيطرة على الدولة القائمة بشكل نهائي و إقامة حكومة ثورية تأخذ السلطة و الدولة معا و تحاسب القتلة و الفاسدين و تطهر كل الأجهزة وزارات و إدارات مركزية و جهوية و محلية كان ذلك متاحا عندما كانت الجماهير الغفيرة تملأ الشوارع و الساحات في جميع المدن و القرى هادرة بأصوات قوية تهتف عاليا باجتثاث النظام نهائيا...لكن ذلك لم يحصل فكان المسار مختلفا و اتجهت كل القوى الى تشكيل ما اصطلح على تسميته المجلس الوطني لحماية أهداف الثورة و الإصلاح السياسي و الانتقال الديمقراطي : ضم قوى مختلفة و متنوعة غير متجانسة خضعت جميعها في البداية إلى مبدأ المحاصصة السياسية بشكل توافقي لم يدم طويلا مما ادخل البلبلة و اللبس و الإرباك في صفوف الجماهير الشعبية و القوى الشبابية و النضالية التي أفرزتها الانتفاضة فلف الغموض المشهد السياسي في ظل تحفز قوى الالتفاف و الردة بشكل منهجي.. فساد الشعور العام بالمحاصرة و التأمر قبل الوصول إلى الاستحقاق الانتخابي الذي يضمن الانتقال من حالة الشرعية الثورية إلى حالة الشرعية الدستورية ثم إلى شرعية الدولة الديمقراطية فيما بعد...
إن الأحزاب اليسارية وعلى الرغم من نشأتها القديمة تبدو مشتتة غير فاعلة بالحراك المطلوب رغم شرعية نضالها التاريخي و وعيها بحساسية اللحظة مما يدعو إلى راهنيه طرح خلاق يخرج عن إطار السحر و انتظار المعجزة للتساؤل عن مدى تأثير التغييرات الأخيرة و بعمق طبيعة العلاقة بين النخب و الجماهير و إن لم يكن بعمق الثورة ذاتها بما يمكّن الحد الأدنى و السقف المنخفض من التعديل و الإضافة إذ من البديهي إن تعيد هذه الأحزاب اليسارية صياغات رؤاها و ذلك بالتعامل مع المعطيات الجديدة التي فرضتها الثورة لما لها من مراكمة نضالية و ثراث نظري للاستجابة السريعة لانتظارات الراهن فهي المرشح لتطويع منهجها المفترض القابل نظريا للتطبيق الممكن بعد فهم معطيات اللحظة بصياغة البديل النظري و العملي الذي يوحد الأداء السياسي النضالي التقدمي لملء الفراغ في مرحلة أصبح فيها الشعب "مؤقتا" و الحكومة "شرعية" مما يجعل السؤال محرقا عن هذا العجز البنيوي في تنظيم الشرائح الثورية كالعمال و المزارعين و ضم الطبقة الوسطى المفقرة هي الأخرى و المتأرجحة سياسيا واديولوجيا فيصبح دورها متذبدبا هامشيا في قيادة الثورة في حين أن المفترض إن تكون دلك الرقم الصعب في المعادلة لو تخوض تجربة الجبهة الموحدة التي تسع اليساري والتقدمي والحداثي والديمقراطي المستقل أليس المطلب ديمقراطيا بامتياز اليس المطلوب الاني هو بناء الدولة الحديثة دولة الجميع على اختلافهم مادمنا على اتفاق ان الصراع لم ياخد بعد طابعه الطبقي الشامل وان المرحلة لم تعد تتحمل غير هدا التمشي نحو مجلس تأسيسي اتفقت حوله جميع الاطراف لتحقيق بعض النجاحات الممكنة في ظل جبهة موسعة في هدا الاستحقاق الانتخابي والدي شرع كل في تحضير قائماته على انفراد الا يعد دلك قصورا وفشلا الم تقدم المادية الجدلية و المادية التاريخية توصيفا دقيقا و متطورا للمجتمعات الإنسانية و حللت هزاتها و ثوراتها تحليلا عبقريا و ضافيا لكن مالذي يفسر قصور الخلف لإرث السلف باعتبارها وريثا وفيا للثورة على المنهج المطبّق وال نزعة النقدية التي هي اصلا اداة للعمل و مرشدا له ما يجعلها تراثا غنيا قابلا للتجدد ليظل السؤال ما العمل؟ا
لقد استقى هذا السؤال في مجتمعنا ولدى نخبهاا مضامينه على مر عقود من خطاب مهزوز في جوهره ظل يراوح المكان و يحتمي بالماضي و يتمسك بالهوية كواحدة من الميكانيزمات الدفاع عن الذات ففي اوروبا عندما نمت الصناعة انهزم الاقطاع و انهار الريف ليترك المجال للمدينة الصناعية الناشئة اما في تونس و بعض من شقيقاتها العربية تراجع الريف و اهملت الزراعة و لم تنمو الصناعة فاذا كانت طبقة العمال و الفلاحين هي القوة الاجتماعية الثورية فان دورها سيضل محدودا جدا مما وفر تعقيدا اضافيا و اصبح المجتمع بعتمد بشكل اساسي على القروض و الخدمات السياحية و احال جل الشرائح الاجتماعة الى الهشاشة و البؤس فتشوه الصراع في صوره الكلاسيكية و استحال التحول الى بنية العصر الحديث لتتحول الدولة الى جهاز بوليسي كوكيل امني بالضرورة تحرص مصالح الفئات الطفيلية و سماسرة جدد غير قادرين على تنمية راس المال الوطني باقتصاد هش و تابع فلم ياخذ الصراع طابعه الشامل مما ادى الى اختلاط و تشوش اجتماعي انعكس على الفكر تمزقا و حيرة و باتت الاحزاب اليسارية والنخب المناضلة عموما غيز قادرة على تاطير الجماهير في نقمتها العفوية لهيمنةحكم فردي و خيارات اقتصادية اليمة و اداء سياسي سمته الفساد و نهب المال العام و الولاء المفضوح و تردي الكفاءة و الاداء المكتبي و انتهاك لكرامة الانسان و حقوقه الاساسية و العزل المقصود للنخب و الالتفاف على مؤسسات الدولة بجهاز امن متغول و قضاء جائر وظل الفكر نفسه ومند صدمة الحداثة الاولى لا عقلانيا في مجمله وان اقتبس بعض المظاهر ا لحداثية المشوهة والمركبة وهكدا فحتى الثورة نفسها لم تكن ثورة كلاسيكية بل كانت اقرب الى الثورات الملونة التي عرفتها اوروبا الشرقيةمع اعتبار عدة فوارق نوعية دلك ان الارث الحضاري في الغرب هو عنوان اختفاء الاب وحلول الابن محله مازال في وعينا العربي الجماعي حضورا للاب في الابن اي حضور السلف في الخلف والماضي في الحاضر عبر مخيال سلفي مازوم لا يعيد سوى انتاج الرداءة والنكوص بصورة بطيئة مشوهة وتعبير ظلامي مختزل لعقل كسول مسترخي مطمئن لكل تاويل غيبي جاهز فانزاح عن اللحظة التاريخية المعاصرة ورهاناتها الامر الدي ادركته النخب الماركسية والتي تحاول في ردهات كثيرة نزع هدا الوشاح الماضوي عبر طريق طويل ومعقد شهدت فيه نزولا وصعودا ومدا وجزرا داخل بيئة قطريه ومناخ خارجي وفي واقع متشابك باداء نضالي محكوم بظروف صعبه و شديدة التعقيد.........
منصف البرايكي سبتمبر 2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الفشل على مسرح الواقع
سيدة عشتار بن علي ( 2011 / 11 / 8 - 00:09 )
مشكلة الاحزاب اليسارية حسب رايي يا استاذ منصف هو فقدانهالايمانها بفعاليتها وقدرتها على الاداء على مسرح الفعل,ذلك ان انهيار الاتحاد السوفياتي وما شهده كل العالم من تحطيم مهين لرموزه,جعل الاحزاب اليسارية والحاملين لايديولوجيته يقعون تحت وطاة ما يسمى بالعنف الرمزي الذي انتهى بها الى احباط شبه تام ماعدا بعض المقاومة الضعيفة من اجل البقاء والاستمرار,ولعل هذا ما جعلها تقف حائرة اما الانفجار الشعبي او ما يسمى بالثورة,فرغم تجسد نظريتهم اي نظرية الاحزاب اليسارية امام اعينهم وعلى ارض الواقع الا انهم وقفوا عاجزين عن مسك لجامها وتاطيرها كما يجب ان يكون,خاصة وان الفئات الشعبية جاهلة تماما بثقافة الايديوليجيات بسبب سياسة التجهيل التي اعتمدها نظام بن علي في تونس وغيره من الحكام في الاقطار الاخرى,فكان البديل هو الوقوع في احضان التيارالديني الذي لا تعرف القاعدة الشعبية غيره عبر ثقافة النشاة والمساجد
مقال جميل ومحبوك مبنى ومعنى
ارجو ان نقرا لك المزيد


2 - رب ضارة نافعة
منصف العثيمني ( 2011 / 11 / 9 - 20:43 )
من وجهة نظري فان مقال السيد منصف البرايكي جدير بالاهتمام لما تضمنه من قدرة على تحديد موطن الخلل في عمل اليسار التونسي الذي لم يفهم تقريبا ما المطلوب منه في هذه المرحلة الحرجة وهو بذلك لم يستوعب الواقع التونسي الحالي فقدم لليمين فرصة للانقضاض عليه ولكن اقول رب ضارة نافعة,فتجربة الحكم الديني يمكن القول انها مرحلة ضرورية لشعب لا يفقه تقريبا من الثقافات الا ثقافة المساجد والحديث التي تلقاها منذ مرحلة الطفولة في اطار ما يسمى بايمان العجائز,لكن هذه التجربة ستجعل الشعب التونسي يحسن ختيار مصيره مستقبلا,

اخر الافلام

.. محمكة الجنائية الدولية : ما مصير مذكرات التوقيف ؟ • فرانس 24


.. ما خطط جنازة رئيسي ومن قد يتولى السلطة في إيران؟.. مراسل CNN




.. قتلى وجرحى بحادث سقوط حافلة في نهر النيل بمصر | #مراسلو_سكاي


.. قبل الحادث بأشهر.. ليلى عبد اللطيف تثير الجدل بسبب تنبؤ عن س




.. نتنياهو وكريم خان.. تصعيد وتهديد! | #التاسعة