الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ديموقراطية الحكماء وديموقراطية الدهماء

محمد عمامي

2011 / 9 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


من منا لا يعيش هذا البون الشاسع بين مسارين متظادين في الثورة الجارية في كل بلدان المنطقة العربية؟ والأمر يصبح أكثر جلاء وسفورا في كل من تونس ومصر أين تقدّم هذا المسار نحو انجاز مرحلة أوّلية من مراحله، ألا وهي إسقاط الدكتاتور وفرض بعض الإصلاحات الديمقراطية على النظام القائم دون النجاح، مع ذلك، في إسقاطه وإرساء نظام اجتماعي وسياسي جديد.

إن الوضع في البلدين لا يزال يتسم بتباين شديد ومخاض سياسي معقّد ومتعدد الأبعاد والتجاذبات. إنّ جذرية الشباب الثائر وتخلّص المواطنات والمواطنين في الجهات الداخلية وفي الأحياء الفقيرة للمدن الكبرى وكل الفئات الخارجة عن دائرة تأطير أحزاب ونقابات الالتفاف، من عقدة الخوف والجمود واستعدادها المتجدد للتّحرك واحتلال الشارع، يقابله دولة لم تفقد بعد تماسك قواها وهياكلها المسلحة بأعتى وسائل القمع والاحتواء، معزّزة بأجهزة جل منظمات وأحزاب العالم القديم التي نصّبت نفسها شريكا للسلطة القائمة "لإنجاز مهام الثورة" على طريقتها الحكيمة، بعيدا عن غوغاء الدهماء التي يكفيها موتا كي تفتح لهؤلاء طريق السلطة والجاه والمال.

وكما اتّحدت، بعفوية، جميع فئات الشعب المسحوقة من نساء وشباب ومواطنات ومواطني الجهات والطبقات المحرومة من اجل استكمال مسارها الثوري بطرد المسؤولين الفاسدين والضالعين في القمع والاستغلال والنهب، اتّحدت قوى الالتفاف على الثورة من أجل إيقاف مسارها عند طرد الدكتاتور وبعض عائلته ومعاونيه، مقابل حماية مجمل النظام القائم وتوسيع قاعدته وتطعيمه بقوى كانت بالأمس القريب ضمن المعارضة بشقيها الموالية و المهمّشة.

جنين ازدواجية سلطة، لم يتجاوز المستويات المحلية والجهوية وبعض المؤسسات، يبرز، من حين لآخر، إلى السطح، فينبري الجيش لوأده بأكثر مرونة ممكنة، وإن استعصى عليه ذلك، فبالقمع المفتوح. وتسفّه، بذلك، المؤسسة العسكرية أوهام الإصلاحيين الذين يكيلون لها المدائح ويخلعون عنها حلّة الحياد والوطنية والوفاء للجمهورية وللشعب. ورغم عناد المتزلفين، تكشف البيروقراطية العسكرية، يوما بعد يوم، عن طبيعتها كسند حاسم للبوليس الذي لا يزال، بأمر من "حكومة هيبة الدّولة"، ينكّل بالثوريين والثوار باسم حماية الثورة.

إنّ "المسار الديمقراطي" الذي فصّله الامبرياليون وزبائنهم المحلّيون على القياس، وانخرط فيه الإصلاحيون بكل أطيافهم، يهدف إلى قطع الطريق أمام عملية الهدم الجذري لأسس النظام الرأسمالي السائد وتفكيك هياكل دولته. وهو يقدّم على أنه النتيجة المنطقية لثورة تجنّدوا لوأدها، في هالة من دخان التهليل والتكبير والتعظيم والمباركة.

وفي ما كان المواطنون يشكلون لجانهم الشعبية، ويتظاهرون ويعتصمون من أجل طرد ممثلي السلطة المركزية الدكتاتورية، ويطالبون بمحاسبة المجرمين في حق الشعب، كان الائتلاف الملتف على الثورة يؤسس لديمقراطية نيابية شكلية استوردت جاهزة من البلدان الامبريالية ويضع ضوابطها وأصولها التي تحصر الحق في المشاركة في الحكم، في الأحزاب والجمعيات والمنظمات التي يتماشى برنامجها مع مصالح الطبقة البرجوازية المسيطرة ورعاتها الامبرياليين، ويقصي إرادة الشعب في إرساء سلطته واستعادة أملاكه وثرواته المنهوبة.

وتكتمل المسرحية بالانتخابات الفوقية المدبّرة بإحكام من قبل خبراء التنويم الديمقراطي، المسلحين بوصفة معدّة سلفا في مصانع تفريخ الديمقراطية، المنتصبة في مراكز القرار الدولي. وهو منتوج مصبّر بدون مدّة قصوى للصلوحية، ومعدّ للاستهلاك القسري. وتتلخّص تلك الديمقراطية في سرك انتخابي تتبارى فيه أحصنة سياسية تحركها قوى عالمية بما لها من قدرة على المزج بين التطويق والإرهاب الفكري والمادي والتوظيف والإرشاء والتشويش الإعلامي.

لأجل ذلك ترصد أموال طائلة، وترسم سيناريوهات وتنتدب أحصنة ومهرّجين من كلّ الألوان والكفاءات. عندئذ، تكرّم الثورة الفاسدة المباركة وتكلّل، فعلا وعن جدارة، بلقب "ثورة الياسمين" ويخلع على الشعب الوديع المطيع لقب "شعب النعام". و"يعود الدّرّ إلى معدنه" بهدوء.. بهدوء.. بهدوء...

هو ذا حلمهم. فهل سنسمح لكرنفالهم بالتحقّق؟ وأين نحن من حلمنا؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجامعات الأميركية... تظاهرات طلابية دعما لغزة | #غرفة_الأخب


.. الجنوب اللبناني... مخاوف من الانزلاق إلى حرب مفتوحة بين حزب 




.. حرب المسيرات تستعر بين موسكو وكييف | #غرفة_الأخبار


.. جماعة الحوثي تهدد... الولايات المتحدة لن تجد طريقا واحدا آمن




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - كتائب القسام تنشر فيديو لمحتجزين ي