الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التخلف و الثقافة النرجسية.

أحمد عليان

2011 / 9 / 5
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


عندما يطغى تصور عام لواحدية الفكر كامتداد لواحدية المعتقد ضمن منظومة
قيم تحاصر منطلق التصورات لدى الأفراد في مجتمع ما فان ثقافة هذا المجتمع
واقعة في أحبولة "النرجسية" ( مرض نفسي يجعل المبتلى به مفرط الاعجاب بنفسه
بتوهم انفرادها بالكمال) . و رواج ادعاء الكمال يؤدي الى رفض الفكر المخالف ..
و من هنا تنشأ آفات الفكر المنغلق التي لا تتوقف عند نبذ الآخر ذي الثقافة المغايرة ،
بل تمتد الى آفة النبذ و الصراع الظاهر أو المستتر بين أبناء الثقافة الواحدة .
و يتحول الابداع من الاجتهاد في الاكتشاف و التجديد الى الاجتهاد في تأويل و توظيف
الموروث في مدح توجه معين و ذم ما يخالفه ..
و مع الاقرار بوجود مثقفين مستنيرين و أدباء مبدعين الا أن الطابع العام للثقافة
عندنا من حيث هي منظومة قيم عملية متحكمة في انماط التفكير و التعبير
و التوجيه ما زالت تعاني من مرض "النرجسية".
فلو أعدنا النظر في كل المفاهيم و المسلمات التي يتخذها الناس كمبررات لتأكيد
هذه القناعة أو تلك. و لو قدر لنا فحص منطلقات ثقافة التخلف و بحثنا دوافع التخوف
من عرض القناعات على بساط النقد و التمحيص كلما حصل تعارض مع قناعات الغير
لوجدنا الكثير من القرائن التي تؤكد أو على الأقل ترجح وجود دوافع أنانية نرجسية
تكمن وراء ادعاء الصواب من أجل تبرير أو تأكيد نوع من الامتياز بالتفوق و الغلبة
لتحقيق مكاسب تلبي حاجات الشراهة و الطمع المتنكرة بقناع من العزة و الأنفة لدى
الشريحة المؤثرة في أدبيات المجتمع فينخدع بها الأتباع و الموالون رهبة أو رغبة
كامنة في النفوس بحكم الأعراف و التقاليد.
و تبقى الشريحة المستفيدة ساهرة على حماية هذه الأعراف و التقاليد بشتى الأساليب ،
و تدافع على استمرارها بشتى الحجج حتى تضفي عليها هالة من التقدير و التبجيل الذي
يصل الى حد التقديس بصورة من الصور ، فتجعل منها ميراثا مرجعيا للثقافة الشعبية ،
و الركيزة المحورية للهيكل الفكري في بناء المجال المعرفي الذي يقف سدا منيعا أمام
محاولات النقد و التمحيص خصوصا فيما يتعلق بالنقد الذاتي الكاشف للنقائص و العيوب
بحكم طغيان الاستعلاء المنتج لنوع من الفكر النرجسي.
و شيوع الفكر النرجسي تحوطه جملة محرمات لضمان بقاء الأحوال على ما هي عليه
حتى تبقى مبررات التمايز المصطنع فارضة نفسها خارج الاستحقاق الموضوعي .
وهذا ما يفسر خلو الثقافة النرجسية من مفاهيم و قيم حقوق الانسان بل هي متعارضة
معها في كثير من الأحيان.لأن مفاهيم حقوق الانسان تؤكد مساواة بني الانسان في الحقوق
و الواجبات ، كما تؤكد احترام كرامة الانسان ممثلة في شخص الفرد بغض النظر عن كل
انتماء أو ولاء .
و بالتالي تعزز القيم المشتركة التي تعمل على تضييق مجالات التنافر و العداء بين الناس .
بينما تسعى الثقافة النرجسية الاستعلائية الى تعميق الفوارق بين الناس ؛ من أوسع
دوائر الانسانية الى أضيقها ( من الفوارق بين الأمم الى الفوارق بين العشائر) ..
و تتخذ الفوارق شكل تصنيف تفاضلي ترتيبي ، يستمد مقوماته من رواسب مقومات
التصنيف البائد الذي يصنف الناس من حيث هم سادة أو عبيد مع التحايل على معنى
العبودية حتى تنسجم مع العقائد السائدة . فمن الجانب النظري هناك رفض صريح لمبدا
تصنيف الناس الى سادة و عبيد ..فالناس كلهم عباد الله و كلهم مواطنون متساوون ..الخ..
لكن عمليا لا تعترف الثقافة النرجسية الا بالتمايز بين فئات المجتمع بغرض تسويغ تميز
الطبقة المحظوظة على حساب الطبقة التعيسة ، و حتى يتسنى لها دوام التميز.
فهي لا تتوقفعن تكريس قيم التأصيل العرقي أو القومي أو العقائدي أو القبلي ،
و كل ما يدعم مكاسب التفوق المادي و المعنوي التي تسمح باحتكار السلطة السياسية
و المالية و الدينية و الأدبية التي ينشطها أتباع انتهازيون لينحصر التحكم و التسلط في
عائلات و عشائر تجمعهم منافع و مكاسب مشتركة مغلفة بأمجاد الشرف و البطولة ،
وغيرها من مسوغات التميز التي تحظى بتقبل معظم المنخرطين في الثقافة النرجسية ..
لكن هذا التقبل لا يستند على قناعة ذاتية لدى الأفراد بقدر ما هو نتيجة اتباعية
متولدة من مفعول الولاء الشديد الذي يكنه الفرد للجماعة وفق قيم الموروث الاجتماعي
التي لا تسمح بحرية التفكير خارج المفاهيم الجاهزة في ثقافة تخشى التجديد و التغيير ..
فيبقى المجتمع متخلفا مع المتخلفين عن ركب الحضارة ..لأن التقدم يستلزم الابداع
و الابداع يستلزم الحرية الفكرية و هذا لا يتوفر في ثقافة نرجسية تتغنى بامتلاك
الحقيقة و مقومات الكمال ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين في باريس خلال عيد العمال.. وفلس


.. على خلفية احتجاجات داعمة لفلسطين.. مواجهات بين الشرطة وطلاب




.. الاحتجاجات ضد -القانون الروسي-.. بوريل ينتقد عنف الشرطة ضد ا


.. قصة مبنى هاميلتون التاريخي الذي سيطر عليه الطلبة المحتجون في




.. الشرطة تمنع متظاهرين من الوصول إلى تقسيم في تركيا.. ما القصة