الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


( الشباب ينتفضون على الرجل المريض ونخبه السياسية والثقافية)

عمار عكاش

2011 / 9 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


( الشباب ينتفضون على الرجل المريض ونخبه السياسية والثقافية)
( رأي في الثورة السورية)
منذ الاستقلال وصعود المد القومي العروبي، نظّرت الإيديولوجية القومية لمفهوم الأمة العربية ذات التوجه العلماني أو المدني، الذي يجمع جميع مكونات نسيج الأمة العربية من إثـنيات وطوائف تحت يافطة الاندماج، واعتبرَت الأمة العربية أمة موجودة منذ الأزل وإلى الأبد.
وشكّل الحضور الكاريزماتي لعبد الناصر علامة فارقة في المد القومي، جعل شعوب المنطقة في حالة تشبه التنويم المغناطيسي، وصدّق الجميع أن مسألة الوحدة والتحرر من الاستعمار مسألة وقت، وتغافل معظم المنظرين عن قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، بل وجدنا مفكّراً مهماً من وزن الأستاذ ياسين الحافظ - الذي كان محور نقده للإيديولوجيات القومية مرتكزاً على ثلاثة قضايا: غياب الديمقراطية، والبنية المعرفية الغيبية، والتخلف الحضاري- يخصص مقالاتٍ مطولة في التبرير للثورة الناصرية في نوع من الخيانة الفكرية لنظريته ذاتها، فالانقلاب العسكري لديه أصبح ببساطة ثورة شعبية لمجرد محبّة الجماهير لعبد الناصر ووجود فساد اجتماعي وسياسي في مصر قبيل تموز، والشعبوية الديماغوجية التي روّج لها عبد الناصر لم تثر حفيظته النقدية القائمة على تحليل الواقع العربي المأزوم نتيجة الفوات الحضاري، بل يمضي ياسين الحافظ ( وأخذته مثالاً لإعجابي بنظريته النقدية للواقع السياسي العربي ) أبعد من ذلك إلى تسويغ منظومة سياسية بوليسية قامت صراحة على إلغاء جميع الأحزاب واختزالها في حزب واحد هو حزب الزعيم الأوحد، بما تحمله هذه المنظومة من انزلاقاتٍ نحو الفاشية، وما يزال البطريرك عبد الناصر أباً منزهاً عن النقد، عليك أن تقر به أباً ثم لك أن تنتقده نقداً خجولاً لا يقترب من الجذرية.
ولم تحقق هزيمة حزيران 1967 إلا صحوةً جزئية، وأقول صحوة جزئية لأن النخب السياسية والأحزاب والحس الشعبي العام common sense، لم تتخطَ جميعها العقلية السابقة؛ عقلية الالتفاف حول الزعيم والانطلاق من الدوافع الفردية لمعالجة عيوب بنية سياسية - اجتماعية ما تزال تحتفظ بعقلية القرون الوسطى مع بعض نتوءات حداثية ناشزة في الوعي، وباعتقادي أن هزيمة حزيران لولا هذا التخلف الثقافي- السياسي كانت كفيلة بإطلاق ثورة شاملة بسبب مشاعر الذل القومي الذي ولدته الهزيمة، لكن من مهازل التاريخ أن ذلك لم يحدث، بل ناشدتْ الجماهير زعيمها البقاءَ قي قمة الهرم ( هرم الاستبداد ).
وهكذا أصبحت العروبة شعاراً لترويج حالة قطرية ملكية، وتصدَّر الانتماء إلى الطائفة والقبيلة والعشيرة المشهد الاجتماعي، وفقد الدين أي مضمون تحريري وأصبح تعبيراً عن توزيع للمكاسب الاجتماعية والنفوذ وتقاسم كعكة القوة، وحصناً للحماية من الآخر في مجتمع يشبه مملكة الغاب لا يرحم، بنيته التشريعية لا تعدو أن تكون لغواً لفظياً أجوفاً، وحتى مشاريع التنمية التي أسهمت في بداياتها في تحقيق تحسن نسبي في اقتصادات الأرياف، سرعان ما قادت إلى تدمير الاقتصاد الوطني، وديمومة نمط الإنتاج الخراجي، ومنعت أي فرز طبقي حديث، ولعل أخطر ما في الأمر كان تدمير الطبقة الوسطى؛ صمام الأمان لأي مجتمع يريد التقدم، وكل ما تبقى من كل شعارات التنمية شعار واحد حي في الوجدان الشعبي هو ( الفساد والإفساد)، أما الحديث المستمر عن حرية المرأة فبات أشبه بالنكتة السمجة أمام تنامي المد الأصولي وأمام أرقام جرائم الشرف وجرائم العنف التي جعلتنا نحقق ترتيباً عالمياً متقدماً.
باختصار دخلت الشعوب العربية حالة موت سريري بطيء، تشبه أعراضها أعراض الرجل المريض العثماني؛ جثة متعفنة من الداخل تحتفظ بهيكلها الخارجي.
أمام هذا التدمير الشامل، اغتيلت أحلام جيلٍ كامل، ودخلت نخبه الثقافة والسياسية في وضعية الاجترار بالمعنى النفسي الوجودي لهذه الكلمة، تحوّل بعض من بقايا هذه النخبة إلى نجوم إعلاميين ونجوم للتلفزيونات نحبّ أن نستمع إليهم مثل ما نحب أن نتفرج أحياناً على أفلام الأبيض والأسود ربما لأنهم يذكروننا بزمنٍ كان الحلم فيه ما يزال حياً، وتوزعت الأكثرية على المقاهي لتجتر ماضياً كانت هذه الفضاءات العامة فيه تحتفظ بدلالتها الرمزية كساحات حوار لمجتمع ينبض بالحياة ورؤى التغيير، وتشرد آخرون في المنافي، ودخلوا بدورهم في وضعية اجترار الحنين، قلةٌ قليلةٌ منهم فقط نجحت في امتصاص الصدمة والتنظير للمرحلة الجديدة.
فجأةً دون سابق إنذار ملأ هدير الشباب الشوارع، يهتفون هذه المرة لشعار واحد: الديمقراطية والحرية، لا للزعيم عبد الناصر، ولا لسواه من نسخ مقلدة، وأمام أزيز الرصاص وهدير المدافع، هتفوا " الله أكبر "، برمزية مكثفة، إن فككنا بعض شيفراتها وجدناهم يقولون :
• أحلامنا بمجتمع ديمقراطي أكبر من عصابات المافيا التي تقاسمت أوطاننا.
• لم تعد أكاذيبكم عن الممانعة وحماية الأقليات من الأصولية تنطلي علينا، وعينا أكبر من أكاذيبكم.
• الشعب إن أراد الحياة أكبر من معتقلاتكم وقناصتكم أيها الجزارون.
ولا يفوتني أن أشدد على أن الدين يشغل حيزاً كبيراً من الثقافة السائدة لغوياً وفكرياً.
أمام هذه اللوحة التعبيرية الواقعية الحية، انضم قسم كبير من منظري الجيل السابق إلى الشباب، غير أن قلة منهم فهمتْ أن هذا العصر الجديد عصر الشباب، لا وبل برهن قسم كبير منهم على أنهم لا يقلون عفناً عن الرجل المريض الذي انتفض عليه الشباب، فرأينا لفيفاً من العلمانيين والتقدميين الذي لم ينجحوا طيلة عقود بقيادة مظاهرة واحدة لا من مسجد ولا من ساحة عامة ولا من مقهى ( باعتبار هذا الأخير مجالهم الحيوي)، يقولون بصراحة أقرب إلى الوقاحة وبغرور المثقف الغارق في أوهامه ( إذا ما استعملنا لغة أستاذنا علي حرب) لا يمكننا أن نتغافل عن شعار الله أكبر إنه شعار ديني، ويبدو لي أن هتافات الشباب وجرأتهم الأسطورية قد حطمت حالة الأمان الوجودي المزيف الذي عاشه هذا اللفيف باجترار الماضي مما أفرز فيهم نوعاً من الفوبيا كان عرضه الثقافي مثل هذا التصريح البائس، وكأنهم تألموا لانقطاع لعبتهم اليومية المسليّة في تفصيل المجتمع العربي على مقاس نظرياتهم، وربما هم حزانى لأن الشباب لم يسألوهم النصح والمشورة قبل أن يفجروا ثورتهم، ولم يستفيدوا من خبراتهم، ففي كل يوم يرفع الشباب شعاراتٍ جديدة حسب ما يستجد من وقائع لكنهم لا يكترثون بما يمتلكه عجائز المقاهي من مخزون لفظي بلاغي ( الملفت أن هؤلاء العلمانيين نفسهم يشتمون بأقذع الألفاظ كل رجل دين لا يعلن صراحة انضمامه للثورة، وينسون أن رموزاً علمانية كأدونيس وزياد الرحباني ما تزال على أقل تقدير ملتبسة الموقف من هذه الثورة، ويبدو لي أن هذه الرموز لديهم منزّهة عن النقد، فهي تمثل شيوخ الطريقة العلمانية أو التقدمية).
أشدّ ما يؤلمني أن أناساً بسطاء شعبيين ذوي توجهات سلفية، حين أبصروا من بعيد طيف الحرية في مصر وتونس، رموا التعصب وراءهم، و قالوا صراحةً لا نريد دولة دينية، لا نريد الاستبداد بعد اليوم جميعنا مواطنون، فيما يخيف شعار الله أكبر تلك الزمرة العلمانية التي شكلتها السلطات العربية على صورتها ومثالها، وتثير المساجد هلعها، هذه المساجد التي تحولت لأول مرة من مراكز لنشر الخرافة وإيديولوجيات السلطة إلى نقاط تظاهر لثورة مدنية عمادها الشباب، أخيراً لا أجد للأسف أبلغ من كلمات الطاغية علي عبد الله صالح لمخاطبة هذه الزمرة العلمانية مع تقديري لأحلامها الميتة وإيديولوجياتها البائدة : " فاتكم القطار، فاتكم القطار".
عمار عكاش – كاتب كردي من سوريا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل جنديين إسرائيليين بهجوم نفذته مسيرة لحزب الله | #غرفة_ا


.. صاعد المواجهات بين الجيش السوداني والدعم السريع | #غرفة_الأخ




.. نتنياهو: دخولنا إلى رفح خطوة مهمة جدا وجيشنا في طريقه للقضاء


.. أسامة حمدان: الكرة الآن في ملعب الإدارة الأمريكية التي عليها




.. مياه الفيضانات تغمر طائرات ومدرجات في مطار بجنوب البرازيل