الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرب والتقدم

عبدالكريم صالح المحسن

2011 / 9 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


كتب البروفيسور"هيو نريفور روبرProfessor Trevor Robert " في جريدة الصانداي تايمز اللندنية في عام 1951م قائلاَ "الحرب هي أداة للرقي أم لا ،أهي وسيلة للتعجيل في تطوير التجارة والصناعة بغض النظر عما يكلفه القتال من أموال طائلة ومغانم كثيرة عند النصر، في العام 1931م قال "فيرنرسومبارت Werner Sombart"وهو مفكر اقتصادي ألماني ان الحرب هي حقاَ كذلك فالمركزية والتوحيد اللذان نجما عنها وما استحدثته من متطلبات ومخترعات كل هذا أفضى الى تقدم الاقتصاد ، وتصدى لهذا الرأي باحث أغزر علماَ من "سومبارت" انه "جون نيفJohn Neff " الذي بين لنا ان الثورات الصناعية التي حدثت في العصرين "الإليزابيثي" و"النابليوني " لم تظهر في أوربا المتحاربة وانما ظهرت في انكلترا الآمنه وان اختراع البارود وأسلحة الدمار الأخرى لم يأتي ليلبي حاجة حربية ملحة وانما ليسهم في إقامة صناعة سلمية وان العلوم بنوعيها الصرف والتطبيقي لم تزدهر في وقت الحرب بقدر ما ازدهرت في وقت السلم وخلاصة القول ان "جون نيف " فند أراء "سومبارت" تفنيداَ قائماَ على العلم والمنطق على انه لم يتخذ هذا الامر غاية بذاتها.

في عام 1660م ذكر العالم الكيميائي الشهير "روبرت بويل Robert Boyle"ان اختراع البارود غير أحوال الحرب على وجه المعمورة في البر والبحر ومنذ ذلك الوقت وحتى تطلع القرن العشرين لم تتوصل عبقرية الإنسان الى أنتاج مادة كالبارود لتحدث كل هذا التأثير في المعارك والحروب.

وان هذا التغيير الذي أثار انتباه " روبرت بويل Robert Boyle " لم يقع الا قبل مائة وخمسين عاماَ من ذلك التاريخ اي منذ الغزو الفرنسي لإيطاليا في عام 1494م وان الفترة التي أعقبت رحلات "كولومبس" في نظر أوربا الغربية ذات أهمية كبيرة في تكوين في تكوين الحضارة الصناعية الحديثة .

ماهي العلاقة القائمة بين الحرب الحديثة وتسخير مواهب الإنسان وطاقاته بحيث مهدت السبيل الى نشوء مفهوم الصناعية "وهو اتجاه يهدف الى تنظيم المجتمع تنظيماَ اقتصادياَ وهو لايعتمد على ألزراعه او التجارة او الحرف اليدوية وانما على الصناعة الآلية أساساَ "الذي مايزال مهيمناَ على حياة الكثير من البشر على كوكب الأرض.

أصبح من المألوف ان ترى في هذه القارة على مدى الأجيال الثلاثة التي تلت حرب المائة عام والتي انتهت في عام 1453م بوادر النمو الصناعي والوفرة الهائلة في محصول الأرض والريادة الكبيرة في الرخاء التجاري لقد عم هذا الخير الجديد القارة بأسرها من بولندا ودول البلقان الى المنخفضات الايطالية والسواحل البرتغالية لشبه جزيرة اسبانيا التي انطلقت منها رحلات الاستكشافات البحرية .

كانت موائد الأمراء والنبلاء ورجال الدين الأثرياء تمتلئ بأنواع اللحوم والأسماك والفواكه وأصناف الطعام الأخرى التي لم تألفها أوربا الغربية بهذه الكثرة من قبل ولاحتى في القرن الثاني من هذا العصر عندما اخضع الانطوانيون الإمبراطورية الرومانية المترامية الأطراف لنفوذهم دون منازع.

ان التاريخ العسكري اثر في التاريخ الدستوري فالحروب التي خاضتها الدول الاوربية في القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر فرضت اعباء مالية كبيرة ،وكان هذا العبء اشد وطأه على الدول التي اشتركت في تلك الحروب فعلاَ ،وكانت كلفة ادامة الجنود غير مجديه اقتصادياَ بقدر كلفة اعالة القسيسين والرهبان والراهبات فالجنود يحاربون وبنهبون ويدمرون ولايضيفون شيئاَ الى مردود السلع الاستهلاكية مثلما يضيف المصممون والفنانون والحرفيون والعمال غير المهرة الذين يعملون في تشييد الكنائس والكاتدرائيات وترميمها وتزويقها.

ان هدر الطاقات في القتال والتهيوء للحرب لدوافع دينية قد شجع الحكومات المستبدة على المضي في هذا السبيل بسبب ان الحرب تؤدي بشكل او بأخر الى تدخل الحكومة في الثروات وفي مبادرات رجال الصناعة والتجارة ولم يمنع حكومة التاج الفرنسية مقارنة بالحكومة الانكليزية من فرض الضرائب المباشرة ومن تنظيم المشاريع الاقتصادية والمساهمة فيها الا انشغال في الحروب فعلى امتداد التاريخ الغربي نجد ان الحرب الزمت الحكومات الداخلة فيها بأن تتحكم بموارد التجارة والانتاج او ان تستولي عليها بدرجات متفاوته من الشدة واصبح من قبيل التهرب التاريخي . ان نقول ان الحروب الدينية الفرنسية قد ساعدت في توطيد حكم ملوك "بوربونBourbon " الذين كان اولهم "هنري الناقاريHenry Navarre " والذي عرف فيما بعد ب "هنري الرابع Henry IV"بعد ارتقائة العرش في 1589م.

ليس من الطبيعي ان نعد التاريخ العسكري كيانا مستقلاَ بذاته اسوة بالتاريخ الديني او الدستوري او الصناعي وينطبق الامر نفسه على تاريخ الاكتشافات والعلوم والفنون ولهذا السبب لايمكن فهم التقسيم الثلاثي للتاريخ الصناعي في اوربا من 1540م الى 1640م الا بعد قراءة تاريخ العصر كله ولابد لنا من تأكيد هذه النقطة لأن الخطوط العريضة للتاريخ العسكري من 1494م الى 1640م قد تكفي وحدها لبيان الاختلاف الكبير في المقدرات الاقتصادية لمختلف البلدات الاوربية.
الحروب تمثل تعبيرا عنيفا عن تناقض القوى المحركة للإفراد والمجتمعات المؤطرة ماديا أو عقليا والحروب في العادة تبدأ عند تناقض المصالح المادية أو القومية ولكنها قابلة للحدوث أيضا بسبب تناقض المفاهيم الشمولية والأخلاقية أو تعارض الفهم العام لأسس المجتمع.

والحروب تحتاج إلى تجمعات بشرية تشترك ببعض المفاهيم والمصالح- ضد مجتمعات أخرى تختلف معها. ويمكن لأساس واحد تفجير الحرب مثل الصراعات الطبقية والاستعمارية أو الصراعات القومية والقبلية أو الفكرية الأيدلوجية.

وبشكل عام تصبح الحرب أمرا واقعا إذا توفرت الإمكانيات لها من سلاح وإرادة قتال. ويمكن للحرب أن تكون عادلة في حالة هدم أو مقاومة مفاهيم خاطئة فعلا أو لرد عدوان على حقوق خالصة للمجموعات المعرضة للاعتداء. وأوضح الأمثلة حروب الاستقلال أو رد الاستعمار. وهناك حروب أقل وضوحا في عدلها مثل الحروب الدينية حيث يعتقد كل طرف انه المحق في موقفه.

والحروب سوف تستمر طالما لم تستطع البشرية إيجاد التوصيف الصحيح للقوى الفاعلة. وطالما لم تتمكن من وضع السياسات التي تميز الصحيح من الخطأ. ولم تتمكن من إشباع القوتين الأوليين(الطبقي والقومي) بأساليب تحقق المنفعة للجميع. وطالما بقي الفهم قاصراَ عن تنظيم المجتمع لضمان تحييد سلبيات تلك القوى.

يعرف التقدم البشري بمقدار نمو المفاهيم وترجمة ذلك بإشباع الحاجات والقوى الأساسية بأقل الحروب ويتم أيضا بمقدار اكتشاف الوسائل المادية التي تسهل الوصول للإشباع لأكبر عدد ممكن من الناس وبمقدار توفر مفاهيم شاملة توحد المقياس للجنس البشري وللبيئة وتضع أسسا للتغيير لا تتطلب الحرب محركا أو موجها.

ومثل هذا الفهم للتقدم البشري يجعل الكثير من المجتمعات المتقدمة ماديا غير متقدمة بالمفهوم الشامل والعكس صحيح أحيانا. ومع أن التقدم في الفهم المتوسط للناس يرتبط في العادة بتقدم الوسائط المادية لأنها تستطيع فرض التغيير وتحقيق إرادة أصحاب القوة. لكن هذا الفهم قاصر ويؤدي عادة للتأخر البشري العام حيث هناك كثير من المجتمعات تميزت بتقدم وسائل القتال واستطاعت هزيمة حضارات متقدمة أخلاقيا وفكريا والنتيجة لانتصارها كانت نكسات للبشرية، ومع أن الحرب تعتبر عادة قوة سلبية، مع أن تعريف الحروب العادلة وقوى التدمير صعب المنال في اغلب الأحيان.

فقد قامت الحرب العالمية الثانية وهي تفوق الحرب العالمية الاولى في الوحشية المطلقة حيث قتل في الحرب العالمية الاولى عشرة ملايين شخص وشوه عشرون مليون شخص واصيبوا بجراح خطيره وبلغ عدد الارامل خمسة ملايين وعدد الايتام تسعة ملايين وعدد اللاجئين عشرة ملايين لقد امتازت الحرب العالمية الثانية بوحشية كبيرة ومن الصعب تقدير خسائرها ربما بلغ عدد القتلى في اوربا واسيا مالايقل عن ثلاثين مليون شخص ناهيك عن ذروة تلك الحرب حين اسقطت القنبلتين النوويتين على "هيروشيما" و"ناجاساكي" في اليابان بالأضافة الى الغارات التقليدية التي احدثت اضراراَ بالغة في الارواح والانشاءات ولنا خير مثال على ذلك قيام بريطانيا بتدمير مدينة "هامبورغHamburg "الالمانية في العام 1943م وكذلك تدمير مدينة "درسدنDresden "في العام 1945م.

كتب السير"ونستون تشرشلWinston Churchill" رئيس وزراء بريطانيا في اخر كتابه "الأزمة العالميةThe World Crisis "ان قصة الجنس البشري هي الحرب ومن المؤكد انه يصعب على اي شخص اليوم تأييد الاعتقاد الحر القديم الذي يعود الى القرن التاسع عشر بأن الحروب مقاطعة مؤسفة لتطور الحضارة الانسانية السلمي المألوف ولأن نمو الديمقراطية رافقته ايضاَ على مايبدوا حروب اكبر واكثر دموية يصعب التمسك بالرأي القائل ان الحروب لاتسببها سوى شرور الاثرياء او سوء تقدير السياسيين.

الحروب تمثل تعبيرا عنيفا عن تناقض القوى المحركة للإفراد والمجتمعات المؤطرة ماديا أو عقليا والحروب في العادة تبدأ عند تناقض المصالح المادية أو القومية ولكنها قابلة للحدوث أيضا بسبب تناقض المفاهيم الشمولية والأخلاقية أو تعارض الفهم العام لأسس المجتمع، والحروب تحتاج إلى تجمعات بشرية تشترك ببعض المفاهيم والمصالح- ضد مجتمعات أخرى تختلف معها. ويمكن لأساس واحد تفجير الحرب مثل الصراعات الطبقية والاستعمارية أو الصراعات القومية والقبلية أو الفكرية الأيدلوجية.

وبشكل عام تصبح الحرب أمرا واقعا إذا توفرت الإمكانيات لها من سلاح وإرادة قتال. ويمكن للحرب أن تكون عادلة في حالة هدم أو مقاومة مفاهيم خاطئة فعلا أو لرد عدوان على حقوق خالصة للمجموعات المعرضة للاعتداء. وأوضح الأمثلة حروب الاستقلال أو رد الاستعمار. وهناك حروب أقل وضوحا في عدلها مثل الحروب الدينية حيث يعتقد كل طرف انه المحق في موقفه.

والحروب سوف تستمر طالما لم تستطع البشرية إيجاد التوصيف الصحيح للقوى الفاعلة. وطالما لم تتمكن من وضع السياسات التي تميز الصحيح من الخطأ. ولم تتمكن من إشباع القوتين الأوليين(الطبقي والقومي) بأساليب تحقق المنفعة للجميع. وطالما بقي الفهم قاصرا عن تنظيم المجتمع لضمان تحييد سلبيات تلك القوى.

يعرف التقدم البشري بمقدار نمو المفاهيم وترجمة ذلك بإشباع الحاجات والقوى الأساسية بأقل الحروب ويتم أيضا بمقدار اكتشاف الوسائل المادية التي تسهل الوصول للإشباع لأكبر عدد ممكن من الناس وبمقدار توفر مفاهيم شاملة توحد المقياس للجنس البشري وللبيئة وتضع أسسا للتغيير لا تتطلب الحرب محركا أو موجها.

ومثل هذا الفهم للتقدم البشري يجعل الكثير من المجتمعات المتقدمة ماديا غير متقدمة بالمفهوم الشامل والعكس صحيح أحيانا. ومع أن التقدم في الفهم المتوسط للناس يرتبط في العادة بتقدم الوسائط المادية لأنها تستطيع فرض التغيير وتحقيق إرادة أصحاب القوة. لكن هذا الفهم قاصر ويؤدي عادة للتأخر البشري العام حيث هناك كثير من المجتمعات تميزت بتقدم وسائل القتال واستطاعت هزيمة حضارات متقدمة أخلاقيا وفكريا والنتيجة لانتصارها كانت نكسات للبشرية.

ومع أن الحرب تعتبر عادة قوة سلبية إلا أن لها مردودات ايجابية أحيانا حين خوض الحروب العادلة أو هزيمة قوى التدمير. مع أن تعريف الحروب العادلة وقوى التدمير صعب المنال في اغلب الأحيان.ولعل أهم النتائج الايجابية للحروب تتمثل في إعادة تعريف المفاهيم التي تكون أحيانا متحجرة مع أن هناك إمكانية مبدأية للوصول لإعادة التعريف دون ضرورة خوض الحروب،هل هي غرائز الانسان العدوانية حيث يرى" كونراد لورينزKonrad Lorenz" ان مصطلح العدوان ليس بالضرورة ان يحمل معان شريرة اذ يعتقد ان العدوان جزء ضروري من التكوين البشري الذي يقود الى قهر العقبات البدنية ومن دونه لم يكن الجنس البشري ليحقق التقدم البشري الذي انجزه .

ومهما كانت الصيغة الدقيقة فمن الواضح ان للحرب جذوراَ عميقة في الشخصية البشرية سواء اكانت طبيعية ام مكتسبة ان الاسباب السياسية والاقتصادية والدبلوماسية التي تعود المؤرخون ان يتجادلوا فيها لاتروي القصة الكاملة ،لقد كانت التقارير "المحافظة"الاولى عن الحرب في القرن العشرين في الحقيقة جزءاَ من الدعاية الوطنية التي انتجتها الحرب العالمية الاولى نفسها ففي صيف عام 1916م نشرت صحيفة التايمز الصادره في لندن سلسلة مقالات في فرص اعادة البناء الاجتماعي والسياسي التي تتيحها الحرب والتي اعيد نشرها فيما بعد مع مقدمة كتبها الاستعماري الاجتماعي البارز"ميلنر" تحت عنوان "عناصر اعادة البناء"عام 1916م وفي الشهور الاخيرة من الحرب نشر "بازل ورسفولد" وهو كاتب في موضوعات الاستعمار كان الاقبال واسعاَ على قراءة كتابه مقالة طويلة بعنوان "الحرب والاصلاح الاجتماعي"في العام 1919م ورغم ان عنوان المقال الفرعي وهو "محاولة في تتبع تأثير الحرب بوصفها اداة اصلاح مع اهتمام خاص بالمسائل المؤثرة خصوصاَ في الطبقات الأجيرة"يتسم بالطموح تناول "ورسفولد"فعلاَ موضوعين مهمين اضطر المؤرخون "الاجتماعيون"الى تناولها وهما الحرب بوصفها امتحاناَ شديداَ للمؤسسات القائمة بفرض اعادة التنظيم لتحقيق كفاءة اعظم والحرب بوصفها كشفاَ عن اهمية العامل اليدوي للدولة،ومن المؤكد ان كتاب "الديمقراطية الامريكية والحرب العالمية" الذي كتبه"فريدريك باكسن"في الاعوام1936م-1948م في ثلاثة اجزاء هو ضمن الفئة المحافظة حيث انه أساَ انشودة تطري اعادة التنظيم الواسع الذي نفذته الحكومة الامريكية لكي تخوض الحرب بكفاءه ولايتضمن مناقشة اثار الحرب في الايدي العاملة او النساء او الاقليات العرقية ،لقد اصبحت النظره المحافظة في الحقيقة من العبارات اليومية المستخدمة وقد عبر عنها افضل تعبير في الكلام الذي اضافه "اوريسون ويلز"الى نص الفيلم السينمائي البريطاني الذي انتج في العام 1949م اسمه "الرجل الثالثThe Third Man "على لسان "هاري لايمHarry Lime" واستشهد به كثيراَ:"انت لاتدري ماقاله هذا الشخص...لقد كانت ايطاليا في اثناء حكم"آل بورجياAl Borgia "حروب وارهاب واغتيال وسفك دماء طول الثلاثين عاماَ الا انهم انتجوا مايكل انجلوا وليوناردو دافنشي وعصر النهضة وفي سويسراَ ساد الحب الاخوي وخمسمائة عام من الديمقراطية والسلام ولكن ماذا انتجوا ...؟ساعة الوقواق"كان "هاري لايم" شخصية شريرة والحرب هي ابشع الانشطة البشرية واكثرها تدميراَ لكن تناسى ان الموهبة والابداع لاتقف امام حالة الحرب او السلام وربما تتأثر وتطفوا الى السطح المواهب الابداعية سواءاَ في حالة الحرب او السلم ولايمكن اعتبار ان حروب ايطاليا والارهاب الذي مرت به هو الذي ادى الى بروز عظماء مثل" دافينشي "او "انجلو" وفي الوقت ذاته نجد ان حركة التقدم في ظل ظروف الحرب هي متوقفه وخصوصاَ على المستوى الحضاري والمستوى العلمي .

ان اضخم دليل الى الرأي الحر هو المجلدات المئة والاربعة والاربعون المنشوره بعنوان"التاريخ الاقتصادي والاجتماعي للحرب العظمى"والتي نشرت برعاية صندوق كارنيجي للسلام الدولي وعلى الرغم من ان الكتاب قد انجزوا مهمتهم بطرق مختلفة التزم الكثيرون منهم بالخطط الأصلية التي وضعت منذ تشرين الثاني عام 1914م وكانت الفكرة الجوهرية استناداَ الى المقدمة التي كتبها "ج.ت.شوتويل"لكل مجلد هي " يجب دراسة الازاحة التي سببتها الحرب في عمليات التحضر لكي يفهم العالم الدرس فهماَ تاماَ ولابد ان يقدر العالم السلام تقديراَ اعظم بسبب طبيعة الحرب المفجعة"

في توصيف الفيلسوف الانكليزي"توماس هوبزThomas Hobbes " الى حالة تتسم بالاضطرابات والمخاوف و"حرب الجميع ضد الجميعAwar of All Against " ب"الوحشLeviathan " هو توصيف ينطبق على حالة النزاعات التي لاتتسم بالانسانية وانتهى هوبز من هذه النقطة أن الوضع الطبيعي للمجتمع هو " الإنسان ذئب لأخيه الإنسان " و " الإنسان عدو الإنسان في كل شيء " ويرى أن الحل الوحيد لفرض نظام على هذه النفوس الوحشية هو " الاستبدادية المطلقة "، وتلك هى النظريات الرئيسة لمؤلفه "الوحشLeviathan " في عام 1645م، حيث يقول "هوبز" : " حينما يقوم الإنسان برحلة ، يقوم بتسليح نفسه ويطلب حسن المصاحبة ، وحينما يذهب إلى النوم يوصد الأبواب ، وحينما يكون في بيته يغلق صندوق ثيابه . انظر كيف يكون رأيه في الإنسان الآخر حينما يوصد أبوابه ، وانظر كيف يكون رأيه في أبنائه وخدمه حينما يغلق صندوق ثيابه ألا يشهد هذا على اتهام البشرية بالأفعال ، تماماً كما اتهمتها أنا بالكلمات".

وفي ظل الفوضى يضطر الإنسان إلى استخدام القوة والغش ليحصل على ما يريد أو ليحتفظ بما عنده وهو يعيش خوفاً دائماً من تعرضه للقتل أو اغتصاب ما لديه . وللقضاء على هذا الاضطراب الذي يعيق الحياة المدنية المنظمة ، لابد من التخلص من حياة العصر الطبيعي عن طريق اهتداء الناس بعقولهم ومشاعرهم إلى حتمية الاتفاق فيما بينهم عن طريق إبرام عقد اجتماعي يضع من خلاله نهاية للعصر الطبيعي وإنشاء مجتمع سياسي " فالعقد الاجتماعي هنا الذي ينادي به هوبز هو من اجل العيش بسلام والتخلص من حالة الخوف والعدوانية اي ان السلام هو الارضية المنشودة من اجل ان تتقدم الامم ، ان ربط موضوع الحرب بقضية التقدم هو افتراض غير واقعي فالتقدم تصنعه الامم والشعوب وهي تخوض غمار تطوير الحضارة والمدنية في ظل السلام وماجهود العلماء في التقدم العلمي الذي شهده العالم والذي هو رديف لتقدم البشرية فالحرب تعني الدمار وليس البناء والتقدم ومايصنع التقدم الا السلام فهو الفضاء الكبير للتطوير والابداع والترقي.

الحرب ليست معنية بموضوع التقدم ومانجده اليوم فيما يطلق عليه "الحرب على الارهاب" قد ادى في اغلب نواحيه الى حرب عالمية ضد التقدم البشري فالانفاق الذي انفقته وتنفقه دول العالم اصبح عبء كبير يواجه اقتصاد العالم حتى اصبح ماينفق على تأمين العالم من مايسمى الارهاب يفوق بكثير ماينفق على العلوم والبحوث والتطوير والتقدم البشري ، لقد انجب تاريخ البشرية أحداثا متتالية في مختلف انحاء الكرة الارضية. وقد ترك تعاقب حضارات مختلف الشعوب والامم بصماته على مختلف اوجه حياة ابن آدم في سعيه الحثيث من اجل تحقيق تطوير الجنس البشري والارتقاء به. ولم يكن الطريق دائما مليئا بالانتصارات. بل في مناسبات عديدة كان معبدا بالتضحيات والآلام والانتكاسات. فسيرورة الحياة والتاريخ البشري ليست خطا مستقيما على الرغم من اتباعها متّجها تصاعديا وإلى الأمام.

خلال العقود الماضية، ولا سيما على امتداد القرنين الاخيرين، اضطرت البشرية لدفع اثمان باهظة. فمع نشوء وتطور الراسمالية الاوروبية، ومرورا بغزو واستعمار ما يسمى بـ "العالم الجديد" ونشوء الولايات المتحدة الامريكية، لم يجد العالم مفرا من مكابدة جرائم بحق البشرية: الحروب الاوروبية البينيّة؛ حرب استعادة الاندلس ومحاكم التفتيش؛ جرائم ابادة السكان الاصليين وتدمير حضاراتهم وثقافاتهم؛ والجريمة التي لا تغتفر المتمثلة في احياء العبودية وسلخ ملايين الافارقة عن اراضيهم وثقافاتهم.

كما ان حربين عالميتين واستعمال السلاح الذري لم يكن كافيا للامبريالية، التي تلجا الآن بهمجية منقطعة النظير الى عسكرة العولمة الليبيرالية الجديدة، من خلال رهانها على مقايضة مخزية ووضيعة: الدم والموت مقابل المال والنفط.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-