الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جهاز الشرطة هو الأخطر ، لكن الإستيلاء على الحكم أولاً

أحمد حسنين الحسنية

2011 / 9 / 7
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


محاكمة محمد حسني مبارك - و التي إنتظرها الشعب - ليست هي نهاية المطاف لمبارك كما تعتقد السلطة ، فليس مثول محمد حسني مبارك بين يدي القضاء ، في قفص الإتهام ، هو غاية ما ينتظره الشعب المصري .
إعدام محمد حسني مبارك هو ما ينتظره الشعب المصري في هذا الشأن .
لكن يظل تنفيذ حكم الإعدام في محمد حسني مبارك - عندما يُنفذ - جزء من إغلاق حساب الماضي ، أي قصاص من جرائم حدثت في الماضي ، و عظة ، و عبرة ، للحكام في المستقبل .
محاكمة ، و إعدام ، محمد حسني مبارك ، على أهميتهما القصوى لنا كشعب تجرع المر خلال عهده الذي طال إلى ثلاثة عقود تقريباً ، لا يجب أن يلهيانا عن محاسبة الأدوات التي إستخدمها محمد حسني مبارك لتجريعنا ذلك المر ، لأن محاسبة تلك الأدوات ليس فقط لإغلاق حساب الماضي ، أو القصاص من جرائم الماضي ، بل من أجل الحاضر ، و إنقاذ المستقبل .
النظام الذي أسسه مبارك - و كما ذكرت مراراً - لم يسقط بسقوط مبارك ، و قد إتضحت نيته في البقاء ، تحت مسميات أخرى ، و أتضح لنا أيضاً نيته في الإستمرار في نهج نفس الأساليب القديمة ، و على رأسها إنتهاك حقوق الإنسان .
النظام لن يستطيع للأبد إستخدام القضاء العسكري ، و الشرطة العسكرية ، لأنه يعرف خطورة الزج بالجيش ، أو بعض قطاعات الجيش الهامشية ، في قمع الشعب ، و أرى أنه سيعود لتبني أساليب عهد مبارك ، و أدواته ، لقمع الشعب ، بعد الإنتخابات الرئاسية ، و على رأس تلك الأدوات جهاز الشرطة ، و بخاصة فروعه الشهيرة في ذلك الميدان ، مثل الأمن المركزي ، و مباحث أمن الدولة التي حلت بالإسم ، و لكنها بقيت لليوم تؤدي دورها التخريبي في المجتمع المصري ، و هي و بلا شك لن تستمر في البقاء في الظلام ، فستعود للنور تحت مسمى جديد .
لهذا نرى السلطة الحالية تحافظ على جهاز الشرطة الذي بناه محمد حسني مبارك ، و لم تقم بأي محاولة لمحاسبة أفراد ذلك الجهاز ، حتى من أصغر الرتب ، بل و حتى لم تحاسب أي بلطجي من البلطجية الذين يعملون لحساب جهاز الشرطة في المواسم و عند الضرورة .
لم تحاول السلطة أن تكسب محبة الشعب على حساب ولاء جهاز شرطة مبارك .
بل إنها تمادت فرفضت فكرة إختيار وزيراً مدني للداخلية ، حتى لو كان ذلك المدني من عملائهما كما أن عصام شرف من عملائها ، و إختارت بدلاً من ذلك شخص مطعون في سمعته ، و له تاريخ طويل في القمع ، وزيراً للداخلية ، و بالمناسبة هو من نفس المحافظة التي ينتمي لها عمر سليمان ، رجل مصر القوي الآن ، و من قبل .
إننا نخطئ عندما نصب جام غضبنا ، و حصيلة إحباطاتنا ، على الجيش ، أو تحديداً بعض الفروع الهامشية في الجيش ، و أعني على وجه الخصوص القضاء العسكري ، و الشرطة العسكرية ، و بالطبع أعضاء المجلس العسكري الحاكم ، و نترك جهاز الشرطة .
لا أدعو إلى تجاهل خطأ إستعمال القضاء العسكري لمحاكمة المدنيين ، و لكن أرى أن ذلك الشكل من القمع ، على خطورته ، مرحلة مؤقتة لها هدف معين ، ربما أتعامل معه في مقال قادم - إن شاء الله - أما المستقبل في القمع فسيكون لنفس الأجهزة القديمة التي بناها مبارك و أستخدمها .
إذاً من الضروري أن يكون حل جهاز الشرطة الحالي برمته ، هو أحد أولوياتنا من أجل حماية مستقبل مصر ، لأن المشكلة ليست فقط في بعض فروع ذلك الجهاز ، بل في كل الجهاز .
إنه جهاز لقن أفراده الإستهتار بكل القيم ، و المبادئ الإنسانية ، لهذا نرى أن الإنتهاكات التي حدثت في عهد مبارك على يد ذلك الجهاز لم تكن وقفاً على تلك الفروع التي تتعامل مع المعارضين السياسيين ، بل كانت على يد كل فروع ذلك الجهاز .
كلنا نعرف حادثة الشهيد خالد سعيد ، و لكن هناك حادثة أخرى أتذكرها جيداً حدثت في عهد مبارك الأثيم على يد جهاز الشرطة في أحد أقسام الشرطة ، في إحدى محافظات الوجه البحري ، حيث تم ضرب صبي صغير بقطعة من كابل كهربائي حتى الموت ليعترف بجريمة .
إنه جهاز تضرب أحد فروعه ، و أعني شرطة المرور ، السائقين البسطاء ، و حول أقسام الشرطة إلى مراكز للتعذيب و غرف للإعدام بوسائل بشعة ، و يقتل صبية صغار تحت التعذيب الوحشي ، و يقوم رجاله بتحطيم جماجم الشباب في الجدران ، و الكل يعرف الوسائل التي كانت تتبناها مباحث أمن الدولة في أثناء تحقيقها مع المتهمين فقد شاهد الشعب بعضها بعد الإقتحام الشجاع لبعض المراكز التابعة لها ، و لا حاجة للتنويه بالوسائل التي تتبعها الشرطة للقبض على الهاربين ، و أبسطها - و أكثرها حفظاً للكرامة - إحتجاز نساء و أطفال أسر الهاربين لحين تسليم الهاربين أنفسهم لرحمة جهاز الشرطة الإجرامي ، فهي وسائل قد إعتاد الشعب رؤيتها .
إنه جهاز لا يتقيد بأي قيم متعارف عليها دولياً ، فلم يتورع عن إستخدام سيارات الإسعاف لنقل السلاح و الذخيرة الحية يوم جمعة الغضب - و هذا ثابت بإعتراف أحد قيادات جهاز الشرطة ، أثناء محاكمة محمد حسني مبارك ، أول أمس الإثنين ، الخامس من سبتمبر 2011 - بدلاً من تركها لتقوم بنقل مصابي ذلك اليوم الخالد ، الذين نزف بعضهم حتى نالوا الشهادة بدون أن يكون بمقدور رفاقهم في الكفاح فعل شيء لإنقاذهم .
هذا ناهيك عن إنغماسه في شتى صور الفساد من قمة رأسه ، لأخمص قدميه .
من شب على شيء ، شاب عليه ، كما تقول الحكمة القديمة ، و جهاز الشرطة في عهد مبارك شب ، و شاب ، على الإستهتار بحياة المواطنين ، و بأعراضهم ، و بكرامتهم ، و تعلم و لقن أن يدهس بأقدامه النجسة كل القيم الإنسانية النبيلة ، و لم يصلح نفسه خلال الشهور التي تلت سقوط الطاغية العنيد ، إذاً لا أمل في إصلاحه .
جهاز إعتاد التدخل في السياسة لإفساد الحياة السياسية ، لا يمكن أن ينفع في عهد الديمقراطية .
جهاز يحرق دور العبادة ، من مساجد و كنائس ، و يزرع المتفجرات في أماكن الإحتفالات الدينية ، فيزهق حياة أبرياء ، بما فيهم الأطفال ، لا يؤتمن على الوحدة الوطنية .
التعامل الوحيد معه هو البتر ، هو الحل ، هو الإستئصال من الحياة العامة المصرية بأساليب قانونية عادلة ، كما فعلت ألمانيا الإتحادية مع الأجهزة القمعية النازية ، و تأسيس جهاز جديد تماماً ، في أفراده ، و في مبادئه و قيمه ، و في أساليب أدائه لوظائفه و مهامه .
لكن هذا العلاج لا يعني إضافة مطلب أخر يتقدم به البعض للنظام بإسم الثورة ، فكما ذكرت في مقال : إما أن ننقذ الثورة الآن و إما أن ننعيها ، و الذي نشر في الرابع من سبتمبر 2011 : لم يعد أي شعار ، أو هتاف ، يبدأ بكلمة : نطالب ، إلا خيانة للثورة ، لأنه يعني إعتراف بسلطة مرفوضة الآن من الشعب بعد أن إستنفذت كل فرصها للقيام بإصلاح حقيقي .
الآن علينا الإستيلاء على الحكم .
أن نزحف بتصميم و عزيمة لا تلين للإستيلاء على الحكم ، لأن بدون الحكم ليست ثورة ، لأن الحكم هو الأداة الوحيدة الواقعية المتاحة لنا لتحقيق آمالنا .
فإلى الحكم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما محاور الخلاف داخل مجلس الحرب الإسرائيلي؟


.. اشتعال النيران قرب جدار الفصل العنصري بمدينة قلقيلية بالضفة




.. بدء دخول المساعدات عبر الرصيف الأمريكي العائم قبالة سواحل غز


.. غانتس لنتنياهو: إما الموافقة على خطة الحرب أو الاستقالة




.. شركة أميركية تسحب منتجاتها من -رقائق البطاطا الحارة- بعد وفا