الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ديموقراطية دولة بابل ما قبل التأريخ وديموقراطية العراق الجديد

عربي الخميسي

2011 / 9 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


ديمقراطية دولة بابل ما قبل الميلاد وديمقراطية العراق الجديد

سيدي القارئ الكريم ليس المقصود هنا ، تقديم بحث عن مفردة الديموقراطيه تحديدا ، بل دعوه لقراءة سريعه للحالة الاجتماعيه والسياسيه والقانونيه التي كان عليها سكان وادي الرافدين ، من خلال عرض لمحه من ملامح تاريخ العراق القديم ، مستقطعا من بحث رائع للأستاذ الباحث القدير علي الشوك ، المنشور بهذا العنوان على صفحات مجلة الثقافه الجديده بالعدد 266 لسنة 1995 ، وبه يستعرض باختصار ماضي شعوب وادي الرافدين للحقبه الزمنيه تلك ، ونمط الحكم السائد آنذاك ، وعلاقة الجماهير بالحاكم ، وشرعية سلطة الدوله ، وكيف كان ملك بابل مسؤول وغير مصون ..! وبيّن كذلك طريقة ممارسته لسلطته ، ثم مصدر هذه السلطه ... ومن خلال هذه التصرفات وحيثيات ذلك الحكم ، اوجد التنظيم السياسي المتقدم باستحداث المجالس الشعبيه وتدرج سلطاتها التي تمثل ارادة الامه وتؤسس للحاله الديمقراطيه في البلد ..
كل ذلك واضح بهذه النصوص ، والتي سيخرج منها القارئ بانطباع اكيد ، على ان مبدأ الديموقراطيه هذا المبدأ ، كان قد عرفه الانسان العراقي ومارسه قبل غيره منذ القدم ، وكيف ان جماهير بابل كانت ترفض الخنوع لظلم الطغاة والمستبدين والظالمين من حكام وملوك ذلك الزمان ..! وكيف كان الشعب البابلي يروض الملك ويخضعه لأرادته الى حد الاذلال ...! والذي اريده هنا لفت النظر الى مبادئ الديمقراطية التي سادت مجتمع بابل في زمن يسبقنا بالاف السنين ، وإن اختلفت مواصفاتها بعض الشيئ مما نعرفه نحن الان .. ولا زال الشعب العراقي يطالب بها بعد كل هذه الحقبه الزمنيه البعيده ولو حتى الى الحد الادنى منها هذا هو اصل التساؤل وهذه هي المفارقات ..؟

واليكم ادناه النص المستقطع من البحث المشار اليه عن وصف لنمط نظام الحكم في مملكة بابل قبل حوالي 2500 عام مضت ..

ملامح من تأريخ العراق القديم
دولة بابل قبل الميلاد
عام 331 ق. م توجه الاسكندر المقدوني الى بابل ، فلقيّ استقبالا حارا من البابليين الذين كوفئوا باعادة بناء معبد ايساجيلا ، وفي اليوم الثاني من حزيران سنة 323 ق . م ، وقبل ان يبدأ بحملته الحربيه ، اصيب الاسكندر بمرض الملاريا على ما يَعتقد . وفي 13 حزيران توفي عن 32 عاما ، ويعتقد ان جنرالات الاسكندر تقربوا الى الاله البابلي مردوخ في معبد ايسجيلا ليشفي سيدهم ..
قبل ايام كورش شهدت بابل كثيرا من السلالات الاجنبيه تفرض وجودها ثم تزول ، لكن الجميع كانوا يذوبون في بابل او انها تهضمهم ، وعلى أية حال ،اخذت تظهر عوامل جديده في الشرق الاوسط ، واخذت تحلّ اديان ومعتقدات جديده بالتدريج محل تلك القديمه في وادي الرافدين ، حتى المؤسسات الاجتماعيه تعرضت للتغيير ، وحتى نظام الكتابه حلت محله الابجديه الآراميه الأكثر عملية ، لأنها تتألف من 22 حرفا فقط ، لكن الكتابه المسماريه إستمر إستعمالها في الامور الدينيه والعلوم الفلكيه ، فقد دام إستعمالها في الفلك حتى القرن الاول الميلادي ، كما بقيّ استعمال الكتابه المسماريه ساريا في بعض الوثائق الماليه ، ووصلت الينا نصوص عديده من هذه الكتابه لتجار اثرياء ، وبيوت مصرفيه ، في بابل ونيبور ..
أما عن طبيعة الحياة السياسيه في مجتمعات وادي الرافدين ، فهناك دلائل تشير الى ان الجماعات السكانيه في سومر في مرحله ما قبل التأريخ ، كانت ديموقراطية في تركيبتها .طبعا ليس بالمعنى الحديث للكلمه ديمقراطيه ، وقد أشار ( جاكوبسن ) الى ان اقدم صيغه للحكومه المدنيه – الدوله ، كانت ذات مجلسين تشريعيين تتألفان من المواطنين الاحرار ، هما مجلس ( الشيوخ ) وهو المجلس الاعلى ، ومجلس (الرجال ) وهو ادنى منه ، كان هذا المجلس الثاني يُدعى للأجتماع عند الطوارئ ، وتتخذ قراراته بالأجماع ، ليختار قائدا مؤقتآ لينفذ ارادات المجلس .. وبتطور المجتمع اصبح مركز هذا القائد اقوى وأكثر رسوخا ، ويرى البعض في هذه الشخصيه القياديه الملك (الرجل الكبير ) ويدعى المجلس بالسومريه ---- ويعني بالحرف الواحد (دائرة الناس ) وقد وردت الاشاره اليه في اقدم النصوص السومريه ( أورك ) ويسمى المجلس بالبابليه ( --- ) ومجلس الشيوخ ( --- ) ( ومجلس الشيبه ) وفي المرحله البابليه القديمه .. – اي في زمن حمورابي – كانت كلمتا --- (مدينه ) و( مجلس ) مترادفتين ...
وعندما كانت بابل تحت النفوذ الآشوري في زمن آشوربنيبال ، ثُبت في محضر مباحثات الملك آشور بانيبال مع موطني مدينة بابل الخاضعه له ،أن بابل قلب المعموره ، وكل من يدخل اليها يحصل على امتيازات معينه حتى الكلب الداخل الى بابل يُمنع قتله ،وكانت المدن الآشوريه بدافع الحفاظ على ادارتها الذاتيه القديمه واستقلالها عن دائرة اختصاص الملك ، تسبب لملوك آشور عموما اكثر من البلدان التابعه ..
واستمر نظام المجلس الشعبي في جميع انحاء العراق الى ايام الفرس والاسكندر المقدوني ثم زال فيما بعد بحلول القرون الوسطى ..
وكانت بابل مديينة كوزموبوليتيه وتشكيلة سكانها فسيفسائيه ، والى جانب سكانها الاصليين توافدت اليها القبائل الكلدانيه وألأراميه ، وكان فيها جاليات مصريه وايرانيه وعيلاميه وليديه وارمنيه وعربيه وهنديه ويونانيه ،وكان الجميع يعاملون سواسيه ويمارسون حقوقهم الدينيه بحريه ،ومن ايجابيات الماضي ان الناس في تلك الايام لم يعرفوا شهادة الجنسيه ولا جوازات السفر ولا الخلافات القائمه على اساس أثني او عرقي وتنبغي الاشاره الى ان القانون في بابل تجاوز الكثير من بنود شريعة حمورابي وبلغ اوج تطوره في المرحله الأخمينيه واثر ايضا على صياغة القانون الروماني .. كما يقول ( محمد داندناماييف ) ( ولوكونين )
وكانت هناك اعياد كثيره في بابل بما في ذلك عيد الشكر وعيد جز الصوف . لكن اهم الاعياد كان عيد رأس السنه الجديده ، في العهد البابلي الجيد ( ايام نبوختنصر ) كان هذا العيد يُحتفل به في الآحد عشر يوما الأولى من نيسان البابلي ( وفي حسابنا يقع بين آذار ونيسان ) حيث يقع فيه الاعتدال الربيعي ، وفي اليوم الرابع من ايام هذا العيد تُمثل ملحمة الخليقه على غرار التمثيليات الأوربيه الدينيه في القرون الوسطى ، وفي اليوم الخامس يظهر الملك ، ولا يسمح له بالدخول إلا بعد ان ينزع شارة السلطان وينبغي ان يتعرض للأذلال ، منحنيا لكاهن الششكالّو ليضربه بكف قوي على خده ، وبعد ذلك يسحبه الكاهن من إذنه ويجبره على الركوع الى الارض ، ويتعين على الملك ان ينطق بالكلمات الأتيه امام الأله مردوخ ، (لم ارتكب خطيئه يا إله البلدان ، ولم اشكك في الوهيتك ، لم ادمر بابل ، لم اتسبب في سقوطها .. معبد ايساجيلا لم اهمل طقوسه .. لم أمطر خدود المواطنين بالصفعات ..لم اذلّهم ..كنت شديد الغيره على بابل .. لم ادمر اسوارها ) ...
بعد ذلك يطمن الكاهن على الملك بقوله ..-
لا تخف ..الأله بعل سيصغي لصلاتك ، سيباركك الى الابد ، سيقضي على عدوك ، وعلى خصمك ..
ثم تعاد شارة السلطان الى الملك ، ويصفع مرة اخرى يصفعه الكاهن صفعه قويه على خده ، فاذا إنهالت الدموع من عيني الملك فمعنى ذلك ان بعل استجاب أما إذا لم تنهمر الدموع من عيني الملك فان بعلا غاضب وسيظهر العدو ليقضي على ملكه .
إن اذلال الملك في عيد رأس السنه البابلي بتلقيه صفعتين قويتين على الخد ، وبجر اذنه ، يعني انه لم يكن مصونا وغير مسؤول ، او اذا كان كذلك في ايام السنه فان رنين الصفعه يبقى له وجعه البعيد في ذاكرته .. اذا استعرنا كلمات فؤاد التكرلي – وسيبقى يتوقع هذه الصفعه وجر الأذن كل عام وهذا في رأيننا يعكس شكلا من اشكال الرقابه على الملك في بابل يوم لم تكن الأسس الماديه للممارسه الديمقراطيه متوفره .
لكن عيد الاكيتو او راس السنه الجديده في بابل استمر حتى ايامنا ،بعد ان طرأت عليه تغيرات كثيره كنا نحتفل به كل عام في بيوتنا ،نحن عربا واكرادا ..عند العرب هوعيد دورة السنه وعند الاكراد هو النوروز ..وفي واقع الحال ان الفرس والاكراد اخذوه من بابل واعتبروه عيد رأس السنه الجديده ،وفي ايام العباسيين كان اهل بغداد وسامراء وغيرهما من مدن العراق يحتفلون بأيام الاعياد الاسلاميه ..وغير الاسلاميه كعيد النوروز ..كما كانوا يسمونه ونّوه بذكره الشعراء قال البختري ..
لا تخّلُ من عيش يكرّ سروره --- ابدأ ونيروز عليك معاد

الى هنا ينتهي الجزء المستقطع من البحث المشار اليه وبقدر ما يخدم مداخلتنا حوله ، يبقى للعراقين ان يعيدوا شيئا من ذاكرة الماضي السحيق لكي يتطلعوا للمستقبل المشرق الموعود ، والموصوف حتما بالديمقراطيه وكلمة حتما لن أأتي بها من فراغ كما اتصورها ..! ولسبب بسيط ، وهو اني مؤمن بحركة التاريخ ، ومؤمن ايضا ان سير العالم قائم بهذا التوجه نحو التغيير ، وهو بتقديري كالسيل الهادر سيغطي بقاع الكره الارضيه عاجلا ام اجلا .. وشعب العراق هو جزء من هذا العالم ، ولا يقل شأنا عن باقي شعوبه ، اذا لم يكن هو المحرك الفاعل لها طالما يملك رصيد ثر من الوعي الثقافي والقانوني والتاريخي ، وحضاراته واطلالها ، تظل شاخصة حيه امام انظار اهل العراق وحافزا لهم ، فلا بد من الجديد لتحقيق الديمقراطيه والعداله الاجتماعيه ...
عربي الخميسي
آب / 2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جلجامش ومجاس الشيوخ
وليد يوسف عطو ( 2011 / 9 / 7 - 13:32 )
السيد عربي الخميسي المحترم تاكيدا لكلامك فان جلجامش عندما اراد الذهاب الى غابات الارز في لبنان لقتال الوحش خمبابا اخذ الاذن من مجلس الشيوخ في اوروك تحياتي

اخر الافلام

.. ماذا بعد موافقة حماس على -مقترح الهدنة-؟| المسائية


.. دبابات الجيش الإسرائيلي تحتشد على حدود رفح بانتظار أمر اقتحا




.. مقتل جنديين إسرائيليين بهجوم نفذه حزب الله بطائرة مسيرة


.. -ولادة بدون حمل-.. إعلان لطبيب نسائي يثير الجدل في مصر! • فر




.. استعدادات أمنية مشددة في مرسيليا -برا وجوا وبحرا- لاستقبال ا