الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ازمة المجتمعات العربية

حسين عوض

2011 / 9 / 8
مواضيع وابحاث سياسية



تعيش المجتمعات العربية على مدار عقود طويلة أزمات متنوعة وعديدة, وقد شكلت هذه الأزمات تكلس وتراجع في المجتمعات العربية على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية, ومن أبرزها سياسة التطرف الإسلامي, وأزمة البطالة, والأمية والفساد, بالإضافة إلى ضعف دور وسائل الإعلام, وكذلك أزمة النظام السياسي, وغياب الحريات الديمقراطية (حرية الرأي والتعبير والفكر والاعتقاد) وغياب سيادة القانون في الدولة واستقلال القضاء, بالإضافة إلى تخلف التخطيط والتنمية, وهجرة العقول العربية, وتدهور التعليم والثقافة والمناهج الدراسية.
عاش العالم العربي قبل ربيع الثورات العربية في حالة تراجع مستمر على كافة المستويات, فالقيادات السياسية في المنطقة العربية هي خارج قانون التطور منذ الاحتلال الصهيوني لفلسطين عام 1948 بالإضافة إلى ضعف دور الأحزاب العربية بتنوع إيديولوجياتها (الدينية والقومية واليسارية) وهذه من أبرز الأسباب التي تشكلت على أرضيتها كافة الأزمات المذكورة أعلاه, وما جري من حروب داخلية وإقليمية في الثلاثة عقود الأخيرة من القرن العشرين في المنطقة العربية كان مؤشر إنذار بتفتيت وتقسيم هذه الدول, التي تعيش على أمجاد الماضي.
يقول الجابري:- إن العرب يعيشون ماضيهم قبل حاضرهم, ويعيشون في ذاكرة الماضي أكثر من غرسهم لتطلعات بناء مستقبلهم وتقدم أجيالهم ...الخ.
إن تسلط الأنظمة العربية وغياب الديمقراطية تتحمل مسؤوليتها الأحزاب القومية التي فشلت في استقطاب الجماهير كونها لا تستطيع التمييز بين التكتيك والإستراتيجية أو بين الرئيسي والثانوي, ونتيجة ذلك أصيبت المجتمعات العربية بحالة الاغتراب التي تتميز في عدم قدرتها بالسيطرة على مواردها ومؤسساتها, والسبب في ذلك الأنظمة السياسية التي احتكرت لنفسها اقتصاد البلاد.
إن الديمقراطية ليست شعارا, وإنما هي مرتبطة بعلاقات بمفهوم الحرية (حرية الفرد والمجتمع, والتعدية الحزبية والسياسية, والانتخابات النزيهة ...) وتستهدف الديمقراطية التوازن العادل بين الفرد والمجتمع بحيث تنفي إمكانية طغيان مصلحة فرد أو مجموعة أفراد على المجتمع, فالديمقراطية تستهدف أوسع مشاركة شعبية ممكنة في العمل السياسي, وأفضل تمثيل لإدارة الجماهير, وباعتبار الديمقراطية قضية اجتماعية فهي ليست فقط تعبير عن القوى الاجتماعية الأوسع بل هي تعبير عن اتجاه التطور التاريخي والقوى الاجتماعية الصاعدة, فشرعية أي نظام تأتي من خلال انسجام هذا النظام مع اتجاه التطور التاريخي للمجتمع, وتمثيله للقوى الاجتماعية الأوسع, وكل هذا تفتقده المجتمعات العربية بسبب مصادرة الأنظمة الدكتاتورية للحريات, ولا يمكن إغفال معطيات العصر الذي نعيش فيه (ثورة الاتصالات الحديثة, والمعلومات الرقمية) وعدم الاستفادة منها بسبب سياسات الأنظمة العربية.
تفتقد الخريطة الاجتماعية في المنطقة العربية إلى حد ما (الطبقة الوسطى) التي تعتبر صمام الأمان بين الاستقرار والاضطراب, وهي ضمانة الاستقرار والتطور في المجتمع , فأغلبية المجتمعات العربية هم من العمال والفلاحين, ودورهم محدود في العملية السياسية, كما أن الأمية والبطالة والفقر نجدها بشكل كبير في هذه القطاعات بسبب استبعادها من دائرة القرار, وإهمالها وتجهيلها, فهذه الأزمات كانت سببا في احتلال العراق, وسببا في الانقسام والتفتت وفي الحروب الداخلية والتخلف, وإطالة عمر أنظمة التوريث العربية, وليس من السهل تجاوز هذه الأزمات التي تعتبر جزءا رئيسيا من بنية النظام الرسمي العربي, فهي بحاجة إلى تأسيس أنظمة سياسية ترتبط مصالحها بمصالح كل طبقات المجتمع, ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بتوفير المناخ الديمقراطي, والحريات المسؤولة, وبما أن الديمقراطية (نظام سياسي) يمكن من خلالها أن يتم التوصل إلى انتخابات نزيهة تمكن من تطوير العملية السياسية, والسماح بالتعددية الحزبية, وتداول السلطة, وإلغاء كل القوانين التي شرعت لمصلحة سياسة الحزب الواحد, وهذه العملية تفتح الآفاق أمام التطور والتخلص من مظاهر التخلف, وينتج عن ذلك إعادة الاعتبار للإنسان العربي, واحترام قيمه الإنسانية, وحقه في الحياة, وعدم أخذه بجريرة غيره, وضمان حقه بالدفاع عن نفسه أمام قضاء نزيه ومستقل, والتخلص من التبعية واختيار التنمية الشاملة, ويستدعي ذلك مسؤولية المثقفين ودورهم الاجتماعي والسياسي المفقود على مدار المرحلة الماضية.
لقد جربت المجتمعات العربية الكثير من اجل التخلص من التخلف, وعلى امتداد عقود جربت الانقلابات العسكرية ولم تجن من ذلك سوى العجز والتخلف والهزائم.
تتطلب المرحلة القادمة إنهاء حالة التبعية لاعتبار أن التخلف هو وليد التبعية, ويتم من خلال السيطرة الكاملة على الموارد الاقتصادية, وخروج المثقف العربي من قمقمه وإقراره أنه جزء من حركة المجتمع , وإنهاء حالة الأمية, والقضاء على الفقر من خلال البرامج التنموية الموجهة التي تتيح فرص العمل للجميع, ومحاربة التجزئة والتفرقة, وتجري عملية التغيير اليوم من خلال تغيير النظام السياسي بكافة مؤسساته السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية...الخ, ولا يمكن أن يستمر التطور إلا من خلال ثورة شعبية تبنى مجتمعها على مقولة الوطن للجميع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إعلام: شبان مغاربة محتجزون لدى ميليشيا مسلحة في تايلاند تستغ


.. مفاوضات التهدئة.. أجواء إيجابية ومخاوف من انعطافة إسرائيل أو




.. يديعوت أحرنوت: إجماع من قادة الأجهزة على فقد إسرائيل ميزتين


.. صحيفة يديعوت أحرنوت: الجيش الإسرائيلي يستدعي مروحيات إلى موق




.. حرب غزة.. ماذا يحدث عند معبر كرم أبو سالم؟