الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الشتاء والمسؤولين وحب المطر

احمد ثامر جهاد

2004 / 12 / 3
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


يوما ما كان نفر من العراقيين ، أسوة بغيرهم من البشر ، يحبون فصل الشتاء ويتمنون بفارق الصبر حلول هبات من برده الجميل وأمطاره الغزيرة . ليس فقط لأنهم ضحية صيفهم الطويل اللاهب وسوء كهربائهم ( الوطنية ) ، إنما لدعة شموس هذا الفصل الشتوي وصورته المشرقة في مخيلتهم الشعبية . فهو – يوما ما - فصل حيوي يحيي الزرع بهطول أمطاره ، وتتسع لياليه لحكايات الجدات وألفة البقاء بالبيوت ولذة مدافئها الزيتية ومتعة الاستحمام مساءا ورائحة حساء الفاصوليا الساخن ولطقوس يومية وحسية آسرة .
شتاء معتدل تزدهر أسواقه بخضرة وفاكهة وبشر متراصين يعني أيضا خشية من صعوبة لازمة في بعض نواحي الوضع الحياتي في فصل تشح سبل العيش ومصادر الطاقة فيه تحت جور التجار والمستغلين . وكسائر شؤون الحياة العراقية لم تبق الأزمات المتلاحقة أي شئ على حاله الطبيعي ، ولم تسلم حتى قوانين الطبيعة نفسها . فقد زحف الصيف العراقي ملتهما بضعة أسابيع وحتى شهور من فصل الشتاء المنتظر ، فاتسع الضجر وضاقت الأنفس بحياة قاسية لا تستجيب لأمنية أو دعاء ، وربما تغير أيضا الوجدان الرومانسي للنخبة المثقفة حينما تناست مرغمة نكهة الروايات الروسية القارصة ، لاعنة أبطالها المقرفصين أمام مواقد النار وشهوة نسائهم البيضاوات ، لتسير الحياة العراقية في اتجاه عكسي يفكر المواطن فيه بشتاء رهيب قاس حمل معه كل حروب السنوات الدامية بوجعها ومآسيها وفقداناتها الحزينة .
يتذكر العراقيون كيف كان شتاء عقد التسعينيات – بشكل خاص - لوعة بحث دائم عن وسائل للدفء والنور والسكينة . واليوم بعد تغير الحال والأحوال ، ما زال شتاء العراقيين يبدد هنا وهناك ، تارة بالسعي المرهق لتامين قدر من مخزون النفط والغاز (كعادتهم ) وأخرى بالدعاء المتواصل لعودة التيار الكهربائي بعد انقطاع مسرف يؤجل كل أعمال المرء إلى غد يسلمها إلى غد آخر مماثل . هكذا ما زالت بهجة الناس بعيدة المنال واشراقة الصباح الشتائي غائبة عن مدن وأحياء مليونية تغرق شوارعها في بحيرات كريهة ملوثة ، تداف أرصفتها بالطين والقذارة والأوجاع وهي تعلن للقاصي والداني عن عجز الدوائر المعنية وسلبية مسؤوليها وجهلهم بقدسية فصل الشتاء .
وهاهو الشتاء ذاته يسلمنا كل عام من طين إلى طين ومن بحيرة إلى أخرى . لتبقى حياتنا العراقية أسيرة الأحلام والظلام والشتائم .
هل سيكون لنا يوما ما صباح شتائي ابيض ؟
هل تلوثت يا ترى أحذية المسؤولين الأنيقة بطين خبيث اسود ؟
أيعرف هؤلاء السادة معنى أن يشرب المرء قهوة الصباح في شرفة صغيرة تطل على شارع نظيف تتطاير بين جنباته أوراق الشجر ؟ أم أنني سأبقى مواطنا ( بطرانا ) متهما بكثرة قراءاتي للروايات الروسية العميلة ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -غادرنا القطاع بالدموع-.. طبيب أمريكي يروي لشبكتنا تجربته في


.. مكتب نتنياهو: الحرب لن تنتهي إلا بعد القضاء على قدرات حماس ع




.. وزير الخارجية السعودي يتلقى اتصالًا هاتفيًا من نظيره الأميرك


.. حرب غزة: بنود الخطة الإسرائيلية




.. الجيش الأميركي: الحوثيون أطلقوا صاروخين ومسيّرات من اليمن |