الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التوتاليتارية – أيديولوجية الطريق المسدود

ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)

2011 / 9 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


تبرهن الأحداث التاريخية في ظل السيطرة التوتاليتارية على أن نتيجتها الحتمية هي الخراب الشامل للدولة والمجتمع والثقافة. وليس مصادفة أن تتعرض الطبقة الوسطى في ظل هذه الأنظمة إلى الخراب والتخريب "المنظم". وهي نتيجة يمكن اعتبارها ظاهرة حتمية ملازمة للنظام التوتاليتاري بغض النظر عن القومية والدين ومستوى التطور الاقتصادي والاجتماعي والعلمي والتكنولوجي للدولة والأمة.
وإذا كان من الصعب الحديث عن "توتاليتارية عربية" بسبب التباين الفعلي بين دول العالم العربي وأنظمتها السياسية، فإن مما لا شك فيه هو انتشارها فيه بأشكال مختلفة. بمعنى سيادة عدد من التوتاليتاريات التي شكل النموذج العراقي إحدى صيغها الكلاسيكية "المتطورة"، أي الأكثر تخريبا! الأمر الذي يعطي لتحليلها أهمية علمية وعملية بالنسبة لرؤية آفاق البدائل المتعلقة بالفكرة الليبرالية (النظام السياسي الديمقراطي والمجتمع المدني) والراديكالية السياسية، بوصفها مرتع الاحتمال التوتاليتاري. خصوصا إذا أخذنا بنظر الاعتبار الحقيقة العملية الجلية عن ترابط الفكرة الليبرالية بالطبقة الوسطى. وهي حقيقة لها جذور تاريخية وفكرية واجتماعية، بفعل التلازم العضوي بين وجود الطبقة الوسطى والفكرة الليبرالية. وهي حقيقة يبرهن عليها مجمل التطور العالمي في مجال بناء الديمقراطية والمجتمع المدني. مما يجعل من مهمة الصراع من اجل إعادة بناء الطبقة الوسطى الأسلوب الوحيد الواقعي والعقلاني لبناء النظام الديمقراطي الاجتماعي والسياسي في العالم العربي المعاصر.
فمن المعلوم إن الفكرة الديمقراطية، بوصفها بحثا عن الاعتدال، عادة ما تتجذر في الوعي السياسي للطبقات الوسطى. بل أن الفكرة الليبرالية تاريخيا واجتماعية ونفسيا هي من صنع الطبقة الوسطى. وليس اعتباطا أن تشترك مختلف التوتاليتاريات السياسية والعقائدية (من أقصى اليمين واليسار) بمحاربة الطبقة الوسطى وتصويرها على انها مرتع "القلق" و"انعدام الثبات" في المواقف! أما في الواقع فإن حقيقة "القلق" تعادل نفسية وذهنية البحث الدائم عن الجديد أو ما يمكن دعوته بالثبات الديناميكي. أما اتهامها "بانعدام الثبات" فهي مجرد صيغة أيديولوجية مقلوبة للرؤية التوتاليتارية التي عادة ما تجد في الثبات أسلوبا لوجودها، مع ما يترتب على ذلك من استبداد وقمع لكل اختلاف وتباين وحركة تؤمي بإمكانية خلخلة الوضع القائم. من هنا عدائها السافر والمستتر لكل"خروج" على "ثوابتها" الوطنية والقومية والاجتماعية والفكرية وما شابه ذلك.
أما في الواقع فإن الطبقة الوسطى هي الأكثر "ثباتا" بمعايير الديناميكية التاريخية والاجتماعية. وهو ثبات نابع من موقعها الاجتماعي التاريخي بوصفها الطبقة الأكثر ارتباطا بفكرة الحرية والنظام الاجتماعي الديمقراطي. فالطبقات جميعا عرضة للتغير والتبدل من حيث موقعها الاجتماعي وأيديولوجياتها وأفكارها المتعلقة بماهية الدولة والمجتمع المدني وفكرة الحق والحقوق، بينما تبقى الطبقة الوسطى من حيث الإمكانية والواقع الممثل الفعلي لتيار البحث الدائم عن نسب الاعتدال والعقلانية والحرية الفردية والاجتماعية، أي الممثل الأكثر نموذجية لفكرة الحرية والديمقراطية السياسية والاجتماعية.
إذ يبرهن التطور التاريخي للدولة العصرية والأمة (القومية) والمجتمع المدني على أن الطبقات جميعا من عمال وفلاحين وبرجوازية كبيرة وأرستقراطية، عرضة للتبدل الكبير أو الانقراض، بينما تبقى الطبقة الوسطى القوة الاجتماعية الوحيدة الأكثر ثباتا، بمعنى القوة الاجتماعية الوحيدة القادرة على تمثل مبادئ الثبات الديناميكي بالنسبة لقيم الحرية والديمقراطية. إذ أن التحولات الممكنة فيها تصب في اتجاه التكامل الاجتماعي والسياسي والثقافي للفكرة الديمقراطية والليبرالية. وفي هذا تتكامل إمكانية تمثيلها للحركة العقلانية والواقعية في بناء الدولة والمجتمع والثقافة الإنسانية. والقضية هنا ليست فقط في أنها الممثل التاريخي والاجتماعي والثقافي للحرية والإبداع، بل ولكونها الحلقة الضرورية لصنع الاعتدال الدائم في المجتمع والفكر على السواء. من هنا ثبات الحرية فيها ونزوعها صوب القانون. وفي هذا يمكن سر الخلاف التاريخي بينها وبين التوتاليتارية والراديكاليات السياسية. وفي هذا أيضا كان القضاء على الطبقة الوسطى أو إضعافها الأسلوب "الضروري" للأنظمة الدكتاتورية والتوتاليتارية من اجل ترسيخ وجودها وثبات ديمومتها السياسية.
وهو تعارض وتضاد يمس كل مكونات وجودهما الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي، أي كينونتهما التاريخية. فالتوتاليتارية تجد في تخريب وتهميش وسحق الطبقة الوسطى أسلوب وجودها السياسي والعقائدي، أي أسلوب تجسيد كينونتها التاريخية. وهو أسلوب يستحيل تنفيذه دون سحق أو تهميش الطبقة الوسطى، بوصفها حاملة الفكرة الليبرالية والديمقراطية. بعبارة أخرى إن التعارض والتضاد بينهما هو تعارض شامل ولا يمكن حله دون نفي الآخر. إذ لا يمكن للتوتاليتارية الوجود والعيش دون القضاء على الطبقة الوسطى. فهو أسلوبها الوحيد لتجفيف ينابيع الإبداع الاجتماعي والثقافي والسياسي الحر، أي أسلوب عيشها "الحر" في "قيادة" الدولة والمجتمع والإنسان والعقل والضمير! وهو أسلوب ينبع من الإحساس الغريزي للتوتاليتارية بقوة الثبات الديناميكي للطبقة الوسطى بوصفها مصدر الإبداع الدائم للحرية وقوام الحراك الاجتماعي والسياسي للفكرة الديمقراطية والمجتمع المدني. من هنا لا تؤدي ممارسة الأنظمة التوتاليتارية تجاه الطبقة الوسطى في نهاية المطاف إلا إلى تفريغ المجتمع من مقومات الاعتدال الاجتماعي، ومن ثم خلخلة الوجود الاجتماعي للدولة والأمة، مع ما يترتب على ذلك من اغتراب تام للسلطة عن المجتمع وفساد وإفساد شامل لهما. أما النتيجة المنطقية لذلك فتقوم في تخريب الكلّ وصنع الرخويات وتهييج مختلف أنواع الراديكاليات المتخلفة. ولعل تجربة العراق الحديثة هي خير دليل على ذلك، والتي يمكن وصفها فيما يتعلق بالطبقة الوسطى، بأنها خليط غريب لديناميكية الاستبداد والتهميش. الأمر الذي طبع التوتاليتارية العراقية (البعثية الصدامية) بطابع متميز هو عين الخراب والانحطاط.
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حسن نصر الله يلتقي وفدا من حماس لبحث أوضاع غزة ومحادثات وقف


.. الإيرانيون يصوتون لحسم السباق الرئاسي بين جليلي وبزكشيان | #




.. وفد قيادي من حماس يستعرض خلال لقاء الأمين العام لحزب الله ال


.. مغاربة يجسدون مشاهد تمثيلية تحاكي معاناة الجوع في غزة




.. فوق السلطة 396 - سارة نتنياهو تقرأ الفنجان