الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كم شكتنا تلك الابرة

عبله عبدالرحمن
كاتبة

(Abla Abed Alrahman)

2011 / 9 / 8
الادب والفن


ورشة في البيت تكاد أصواتها تتعالى لتصل الشارع، وصراخ أطفال، يدخلون لأول مرة المدرسة ودموع أمهات لا يستطعن تصور أن ذلك الشقي الصغير الذي ما زال يكنس البيت بملابسه قد كبر، التحضير لسنة دراسية لا يشبهه إلا التحضير للعيد. عندما يأذن الوقت بعام دراسي جديد أتخيل أن اغلبنا ومهما بلغ من العمر يحن لتلك المرحلة، ويكر معه شريط الذكريات لشقاوات كان للشيطان سبيل فيها، وللضحكات المتعالية النقية، ربما جميعنا يستذكر أول صف من كل مرحلة جديدة حين يدخل بها، ذات صيف قال لنا استأذنا بالجامعة، ونحن ندرس مساق بالتاريخ: علينا أن نحفظ أول ملك أو زعيم بمتوالية من تعاقب على كرسي الحكم لان التاريخ لا يذكر سوى بداية المرحلة ونهايتها لمعرفة إلى أين وصلت الفتوحات أو الانتكاسات وكيف كان حالها حين بدأت.دخلت الصف الأول بمريول من صناعة أمي وكم من المرات لبسته قبل أن يجهز، معلوم أن الخياطة تمر بمراحل، القياس الأول يكون والدبابيس تملئ القماش، تخيل كم الغنج والدلال كلما شكنا دبوس، وما زلت اذكر أمي وهي تعدل وقفتي من اجل أن يستقيم الطول والكتف على الكتف، المرحلة الثانية الاستعاضة عن الدبابيس بالخياطة اليدوية باستخدام إبرة الخياطة، وأخيرا وبعد مداولات وأراء من أطراف في البيت مابين تسلم يدك ومابين يحتاج لتعديل مرات كثيرة من اللبس والخلع. يخطرني في هذا المقام أكثر من زينة الصف أو حتى شكل المعلمة التي تريد التدريس لنا، في الصف الأول، بأن حاسة الشم كانت قوية لدي، أكثر من حاسة النظر، فلا أتذكر إلا رائحة الحقائب المدرسية الجلدية وهي تملأ المكان، مع أن الصيني لم يكن قد بلغ ذروته كما هو الحال الآن، وكيف كانت مفاتيح الحقائب بأيدينا ولا تغادرها وكأننا نحتكم على خزن وليس على حقائب تكاد تلق بما فيها من سندوتشات الزعتر، الآن أتساءل ماذا لو أن كل الحقائب كانت تفتح بمفتاح واحد، أحيانا يفوتنا أن نذكر كم من الأشياء لا نحتاجها لكنها لا تفارق أيدينا وعقولنا. قلبي وقلوبنا جميعا مع الأمهات اللواتي يفارقن أولادهن إلى المدرسة للمرة الأولى، وقلبي مع الأطفال الذين يغادرون أحضان أمهاتهن إلى رحلة الحياة بما فيها من خير وشر، والى رحلة الحفظ عن ظهر قلب لكتاب الدرس واستظهاره كما هو في ورقة الامتحان، ورحلة التدجين وإمكانية التأقلم مع الواقع، وقلبي مع طلاب الثانوية العامة، المرحلة الفاصلة بين المدرسة والجامعة مع ما تحمله من عبئ وحس مفاجئ بالمسؤولية، والالتفات المباشر لهم من غير سابق إنذار كما كان مع السنوات الدراسية السابقة من جانب الأهل وكأن هذا الابن خرج فجأة من عنق الحياة، ليجد كلمة سيحفظها هو ومن مرّ من قبله بهذه المرحلة، درست أو ادرس، كان الله في عون من يمر بهذه المرحلة.
وشريط الذكريات يكر بي، استذكر محطة مهمة في حياتي إبان كنت بسن المراهقة، وكيف خطت أناملي الصغيرة وهي بالكاد تتهجى حروف الإحساس بالأنثى التي سكنت طفولتي الخجولة، بعض من مشاعر الغربة التي جسدتها بغربتي عن إنسان لا أراه، وحتى أنني لا اعرفه، وكيف تفوهت بكلمات ربما لا أجرؤ الآن أن أقول بعضا منها، وكيف أنني تجاوزت كل الخطوط الحمراء وأرسلت بها إلى جريدة يومية وباسمي، وكيف مرت بي أيام القلق وأنا في رعب من أن تنشر الصحيفة ما كتبت، وأخذت أتخيل نظرات الاستهجان ممن يعرفني وممن لا يعرفني، وأخذت أتخيل صراخهم وهم يتكالبون علي بفرضهم العقاب الذي استحق، وقد فاتني وقتها أن الجريدة ممكن أن تمضي بما فيها من أحداث مهمة وغير مهمة، دون أن تثير بالنفس شيء يذكر، وكم أسعدني حينما جاءني ما انتظرته خوفا، ردا جميلا على ما قلته وليس ما قلته، وكيف أخذت اختال بالرد بعد أن فهم من هم حولي بأنني تحدثت عن غربة الوطن وليس عن غربة الحبيب، فهل كان الحبيب وطنا ربما.
هلا استذكرنا معا سنوات الدراسة بخيرها وشرها، وهلا عبرنا إلى منابع الطفولة ببراءتها ونقائها، إنها دعوة لإنسانيتنا التي تآكلت بفعل عوامل كثيرة. دعوة لنغني معا يا مدارس يا مدارس ياما آكلنا ملبس خالص.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أهلاً وسهلاً
شامل عبد العزيز ( 2011 / 9 / 8 - 17:38 )
بداية موفقة لذكريات جميلة
ربما يكون الوطن هو الحبيب
نتمنى ان تستمري في مشواركِ
خالص تحياتي


2 - كاتبة جديدة متمكنة في إبداعها
الحكيم البابلي ( 2011 / 9 / 8 - 21:52 )
أهلاً وسهلاً بالكاتبة الجديدة السيدة عبلة
تمتعتُ جداً بقراءة مقالك ، والذي أعاد لي ذكريات كثيرة ماضية تختلط بالغصة حول تفاصيله بحلوها ومرها ، وأعتبر نفسي واحد من الذين يرتبطون بالماضي وبقوة سحرية قد لا أستطيع شرح مُسبباتها ، وقد سبق أن كتبتُ مواضيع كثيرة عن ذلك الماضي الذي أجده أكثر إمتاعاً ونظافة من الحاظر
الحق كان ممكن تجزئة مقالكِ الجميل لعدة مقالات ، والكتابة عن كل واحدة منها بصورة تفصيلة ، وخاصة أن إسلوبكَ الكتابي متمكن من نواحي كثيرة أثبتها المقال القصير ولكن الممسك بكل عدة الكاتب الجيد
أقترح عليكِ أن تكتبي أكثر وأكثر ، كونك لستِ كاتبة عابرة ، صدقيني
أجمل ما جاء في المقال - برأيي الشخصي - هو روائح الشنط المدرسية ، فلا زلتُ أحاول أن أمنع الدمعة عن عيني كلما أمسكتُ بواحدة من تلك الشنط في السوق وشممتُ الرائحة الجلدية التي تفتح أبواب الماضي الكبير ، كل الماضي
شكراً لكِ ، سأنتظر مقالك الثاني ، وإعتبريني من قرائك الدائميين
تحياتي وتمنياتي بالخير


3 - كاتبة جديدة متمكنة في إبداعها
الحكيم البابلي ( 2011 / 9 / 8 - 21:52 )
أهلاً وسهلاً بالكاتبة الجديدة السيدة عبلة
تمتعتُ جداً بقراءة مقالك ، والذي أعاد لي ذكريات كثيرة ماضية تختلط بالغصة حول تفاصيله بحلوها ومرها ، وأعتبر نفسي واحد من الذين يرتبطون بالماضي وبقوة سحرية قد لا أستطيع شرح مُسبباتها ، وقد سبق أن كتبتُ مواضيع كثيرة عن ذلك الماضي الذي أجده أكثر إمتاعاً ونظافة من الحاظر
الحق كان ممكن تجزئة مقالكِ الجميل لعدة مقالات ، والكتابة عن كل واحدة منها بصورة تفصيلة ، وخاصة أن إسلوبكَ الكتابي متمكن من نواحي كثيرة أثبتها المقال القصير ولكن الممسك بكل عدة الكاتب الجيد
أقترح عليكِ أن تكتبي أكثر وأكثر ، كونك لستِ كاتبة عابرة ، صدقيني
أجمل ما جاء في المقال - برأيي الشخصي - هو روائح الشنط المدرسية ، فلا زلتُ أحاول أن أمنع الدمعة عن عيني كلما أمسكتُ بواحدة من تلك الشنط في السوق وشممتُ الرائحة الجلدية التي تفتح أبواب الماضي الكبير ، كل الماضي
شكراً لكِ ، سأنتظر مقالك الثاني ، وإعتبريني من قرائك الدائميين
تحياتي وتمنياتي بالخير


4 - تعليق
سيمون خوري ( 2011 / 9 / 9 - 03:04 )
الأخت عبلة الكاتبة المحترمة تحية لك مقال جميل عن ذكريات الطفولة بحلوها ومرها أهلاً بك ونتمنى أن تستمري في الكتابة. مع التحية لك


5 - الأستاذة عبلة عبد الرحمن المحترمة
ليندا كبرييل ( 2011 / 9 / 9 - 09:01 )
يوم وضعتُ قدمي على أول درجة في الحياة العملية ، قدمت لي أمي صندوقاً فيه أول شيء استعملته في كل خطوة في حياتي المدرسية ، القلم الدفتر نتائج امتحانات مسودات حتى أول قميص لبسته في الروضة ، وضعتهم في أول حقيبة حملتُها وقدمتها لي والدموع في عينيها قائلة:( يعاودني إحساسي يوم دخلتِ الروضة ، والحق أنك ستدخلين روضة الحياة ، وكما تعثرتْ خطواتك في البداية ثم تمالكتِ نفسك مع تقدمك بالمراحل ، هكذا سيحصل معك بالحياة ، لكن دموعي هي هي دموع الأمس ، وسأظل أحمل نفس الشعور مع كل بداية لك ولأخوتك ) وبعد أن أصبحت أماً فهمت ما قصدته أمي . حقاً إنها أروع الذكريات ، أعدتِنا فيها عزيزتي الكاتبة إلى ماض يستحق أن نتذكره وأولادنا قد دخلوا معترك الحياة
أهنئك على مقالك الأول وأتمنى لك انطلاقة طيبة وموفقة وها قد توسعت مع دخولك اسرة الحوار فأهلاً بك ، لك وللمعلقين الكرام تحياتي المخلصة وشكراً


6 - شكرا استاذ سيمون خوري
عبله عبدالرحمن ( 2011 / 9 / 9 - 21:28 )
احيانا نصاب بأمل الغد وجمال الحاضر عندما نصادف اناس ابرياء من الدنس ومن كل ما يمكن ان يمس انسانية الانسان وأذا شعرت اليوم بأن الحياة قد لوحت لي بسعادة اليوم وجمال الغد ذلك لانني قابلت الانسان الاروع على هذه الارض الاستاذ سيمون خوري شكرا


7 - اهلا بك
عبله عبدالرحمن ( 2011 / 9 / 9 - 21:44 )
الاستاذ شامل عبد العزيز هل تعرف ربما لغاية الان انا في حيرة، من اين اتيت بهذه الكلمات النابضة بالحب وانا الصغيرة والتي ما فتئت تبحث عن شتى الوسائل لاخفاء انوثة بالكاد تتلمس براعمها على طفلة خجوله، ربما لم يكن الوطن ولكنه خيال الانثى وما ادراك ما يكون خيال الانثى


8 - شهادة اعتز فيها
عبله عبدالرحمن ( 2011 / 9 / 9 - 21:53 )
الاستاذ الحكيم البابلي دموعك نقلت لي وكم اتمنى لو انني انقل اليك بعض من ابتساماتي لفتني احساسك الرائع كما لفتتني سعادتي بأنك ستكون قارئا لي هل حقا ستكون قارئا لي شكرا على دعواتك الطيبة دمت مبدعا


9 - روضة الحياة
عبله عبدالرحمن ( 2011 / 9 / 9 - 22:01 )
استاذة ليندا كبرييل هكذا هن الامهات دائما رائعات انا على يقين بأنك اما رائعة لانك ابنة لام رائعة اسعدتني ذكرياتك واسعدتني روعة امك واسلوبها في الحياة شكرا على تشريفك لي بقراءة مقالتي دمت مبدعة

اخر الافلام

.. نجم الغناء الأمريكي كريس براون يعلق في الهواء على مسرح أثناء


.. طرد كوميدي شهير وصف نتنياهو بـ-النازي- في فرنسا.. ما القصة؟




.. أحمد فهمى و أوس أوس وأحمد فهيم يحتفلون بالعرض الخاص لفيلم -ع


.. أحمد عز الفيلم المصري اسمه الفيلم العربي يعني لكل العرب وا




.. انطلاق فيلم عصابة الماكس رسميًا الخميس في جميع دور العرض