الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لأديب الطيب طهوري للصقر :- تغيير جلد السياسة الثقافية في الجزائر ضرورة حتمية

الطيب طهوري

2011 / 9 / 8
مقابلات و حوارات


حوار أجرته معي الشاعرة والإعلامية الجزائرية كنزة مباركي



يدعو الأديب الجزائري الطيب طهوري - من خلال هذا الحوار - إلى النضال من أجل فتح الساحة الثقافية للمثقف النقدي المؤمن بحرية الرأي والتفكير وحق الاختلاف الفكري والمعتقدي والتصوري، ويرى " الطيب طهوري " أن المسيرين الثقافيين لا يتشاورون فيما بينهم لخلق تقاليد ثقافة حقيقية ، وأن معظمهم يتعامل مع الثقافة بمنطق الريع ، كما يرى أن معظم نشاطات التظاهرات الثقافية الكبرى في الجزائر هي نشاطات مهرجانية ترفيهية مخصصة لفئات اجتماعية محدودة هي الفئات المترفة غالبا، وأن الميزانية المخصصة للمهرجانات الفنية أكبر بكثير من الميزانية المخصصة للمهرجانات والملتقيات الثقافية الفكرية ، مضيفا أن أجرة المطربين هي أضعاف ما يعطى للأدباء والمثقفين الذين يداخلون في الملتقيات أو يشاركون في الأمسيات الأدبية، وأرجع طهوري ذلك كله إلى اهتمام المسؤولين على قطاع الثقافة بما هو ترفيهي على حساب ما هو فكري ، لغياب سياسة واضحة و جيدة لتسيير القطاع الثقافي في الجزائر .



.................................................................................................

برأيك ما هي الأسباب الحقيقة للركود الثقافي الذي تشهده الساحة الثقافية في الجزائر؟
الأمر معقد أكثر مما يمكن أن نتصور..هناك تداخلات عميقة بين السياسي والديني والثقافي .. وهي تداخلات تؤثر بشدة على البنية العقلية والنفسية للإنسان الجزائري ، بما يجعله إنسانا مشتت الذهن ، خاضعا بشكل كبير للخوف من عالميه معا : الدنيوي والأخروي..
ولأن عالمه السياسي مبني على ثقافة "الهف" والاحتيال وشراء الذمم اعتمادا على الريع البترولي ، كانت لغة الواسطة و"البني عميست" والغنيمة والرشوة ؛هي لغة التعامل اليومي بين المسؤولين في مختلف المناصب من أدناها إلى أعلاها من جهة ، والمواطنين بشتى فئاتهم من جهة أخرى، وحتى بين المسؤولين أنفسهم.. ولأن عالمه الديني مبني على الإفراط في التدين وكثرة الأدعية وانتظار السماء لإنقاذه مما هو فيه من بؤس مركب ؛ كانت الإتكالية التي تعني فقدانه الشعور بتحمل مسؤوليته تجاه ما يحدث في واقعه من ممارسات سلبية في كل مناحي حياته..ولأن ثقافته الأساسية يستقيها من المسجد والمؤسسة التعليمية التي لم تعد تعليمية فعلا بل تحولت إلى شبه دور حضانة ، من جهة ، وثقافة الاستهلاك المغرية والمغربة للإنسان عن واقعه ، من جهة ثانية..ولأن ثقافته الدينية تشده إلى العالم الآخر بعنف ( إن صح التعبير ) فيما تشده ثقافة الاستهلاك ( وبعنف أيضا ) إلى الانغماس أكثر في عالمه الدنيوي ، كان تمزقه النفسي الذي جعله مشتتا، ضائع القصد ، لا يدري كيف يتحرك ولا إلى أين يتحرك ..وهكذا تكونت في ذاته ما يسميه بعض المفكرين بفكرة أو سلوك الخلاص الذاتي : التدين بإفراط ، اعتقادا منه بأن ذلك هو طريق النجاة من جهنم التي يخيفه منها رجال الدين في كل وقت، وممارسة كل ما يمكن أن يخرجه من دائرة الفقر أو يحميه من الوقوع فيها : رشوة - محسوبية - استغلال نفوذ - التعامل مع منصب المسؤولية كغنيمة ...إلخ ..ولأن كل ما تقدم يعني بالنتيجة انقلابا مفزعا للقيم : التباهي بمختلف الممارسات التي تحقق لصاحبها الثروة في مقابل النظر إلى النزيه القنوع باحتقار - الوصول إلى مناصب المسؤولية بالرشوة والواسطة وأسماء النجوم ..إلخ بدل الكفاءة ، وهو ما أحط من قيمتي العلم والمعرفة...إلخ..وهكذا..
لا شك أن كل ما تقدم قد ارتبط - كنتيجة حتمية - باحتقار المقروئية وهو ما أدى إلى هذا الوضع الثقافي الكارثي بامتياز.. ولأنه لا إمكانية في هذا المناخ الثقافي للتطور والتحضر كانت الحالة التي نحن عليها/ حالة التكرار المتشابه في مختلف أزمنتنا وأماكننا..وكان من ثمة خروجنا من التاريخ كفاعلية ..وهو الخروج الذي عمق فينا الإحساس بوهننا وعجزنا فكان الارتداد أكثر إلى الماضي هروبا من هذا الحاضر/ حاضرنا وحاضر الآخر الفاعل..وكان من ثمة ما سماه البعض بالصحوة الإسلامية التي ما هي في الحقيقة إلا تفاخر بالماضي وأناسه يعكس عمق العجز الذي نعاني منه في هذا الحاضر..وهو العجز الذي جعلنا أكثر يأسا...ولعل هذا اليأس ذاته هو ما جعل فقهاءنا أميل إلى الحديث عن عذاب الآخرة..وكأنه جلد للذات / مازوشية مفزعة.. .ولا شك أيضا أنه في غياب المقروئية يصبح الخروج من هذه الحالة /المأزق صعبا جدا..خاصة في نار تحالف الأصولية المقيتة وأنظمة الاستبداد بشكل مباشر أو غير مباشر..ذلك أن آلية التفكير عند الاثنين لا تختلف في شيء..إنها الأحادية في الحالتين..ومن هنا كان التكرار المتواصل والإصرار المستمر على أن ما جاء به الأسلاف من حلول لمشاكلهم يكون حتما حلولا لمشاكل حاضرنا المختلف حتما عن ذلك الماضي.

إلى ماذا تُرجع تنظيم العديد من المهرجانات والنشاطات والمواعيد الثقافية عبر مختلف الولايات وحتى في الولاية الواحدة في وقت واحد ؟ وهل يمكن اعتبار ذلك سببا في حدوث قطيعة بين الفعاليات المبرمجة و الجمهور؟
يمكن القول بأن تنظيم المهرجانات والملقيات والنشاطات الثقافية بتلك الطريقة الفوضوية ، هو انعكاس حتمي لما أشرت إليه في الإجابة عن السؤال الأول، ذلك أن فقدان الشعور بروح المسؤولية يؤدي حتما إلى ذلك..أضف إليه أن معظم المسيرين الثقافيين يتعاملون مع الثقافة بمنطق الريع ، وهو ما يعني تسابقهم على إقامة تلك النشاطات لتحقيق بعض الأرباح المادية أو المعنوية كالتقرب من المسؤولين الأعلى ...إلخ ، ويمكن القول أيضا إنه ومن منطلق فكرة الخلاص الذاتي التي أشرت إليها سابقا نراهم يعيشون في شبه علاقة قطيعة فيما بينهم ، الأمر الذي يفقدهم إمكانية التشاور فيما بينهم والتخطيط مع بعضهم لخلق تقاليد ثقافة حقيقية تساهم في تشكيل الوعي المسؤول لدى المواطن فعلا..ولا نتعجب بعد ذلك إن رأينا كمًّا كبيرا من النشاطات في بعض الأحيان ، وتصحرا يدوم طويلا في بعض الأحيان الأخرى..
هل هناك صدى لتظاهرة " تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية " في مختلف الولايات ؟ و ماذا أضافت التظاهرة برأيك للساحة الثقافية الجزائرية إلى حد الآن ؟
على مستوى الولاية التي أقيم فيها لا أجد أي صدى لتظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية..وربما لا يسمع الناس هنا أصلا بتلك التظاهرة..أتمنى أن أكون مخطئا..أما ماذا أضافت تلك التظاهرة ؟ فإنه سؤال يحتم سؤالين آخرين: ماذا أضافت الجزائر عاصمة الثقافة العربية؟ وماذا أضافت أيضا سنة الجزائر الثقافية في فرنسا؟..لقد تم طبع أكثر من ألف عنوان في إطار الجزائر عاصمة الثقافة العربية ، فأين هي تلك الكتب؟..هي لا توجد في مكتبات شوارع مدننا ..إنها في رفوف مكتبات مؤسساتنا التعليمية التي يعرف القاصي والداني أن تلامذتنا لا يعيرونها أدنى اهتمام ، لا لسبب سوى كونهم مشغولين حتى النخاع بالدروس الخصوصية التي صارت ممارسة كارثية بمعنى الكلمة ، حيث جعلت من تلميذنا وتلميذتنا جهاز استقبال منذ الصباح الباكر حتى المساء : لا وقت للراحة -لا وقت للتأمل - لا وقت لقراءة ما هو خارج المقرر ...الخ ،وحتى في المقرر القرائي ( برنامج المطالعة والبحوث ) صار التلميذ يشتري البحث جاهزا من مقاهي الانترنت..غني عن البيان القول أيضا ، إن معظم نشاطات تلك التظاهرات الكبرى هي نشاطات مهرجانية ترفيهية مخصصة لفئات اجتماعية محدودة هي الفئات المترفة غالبا ، وهي مهرجانات توظف لها السلطة مبالغ مالية خيالية ، بينما يعاني شعبنا من مختلف المشاكل المعيشية اليومية باستمرار.
مؤخّرا حصلت ضجّة إعلامية في الفايس بوك ومختلف المواقع الاجتماعية الإلكترونية ضد هذه المهرجانات ، بدعوى تبذير المال العام تارة ، والمس ب (الأخلاق) تارة أخرى ..
شخصيا لا يمكنني وبالمطلق الوقوف ضد هذه المهرجانات ، ذلك أننا بشر ونحتاج بالضرورة الحياتية إلى الترفيه ، إلى جانب أن تلك المهرجانات تساهم وإن بشكل طفيف في إبعادنا عن حالة التشاؤم التي تملأ نفوسنا ، ومن هنا أجدني أقف ضد أولئك الذين يرفضون تلك المهرجانات لأهداف إيديولوجية أصولية في الأساس لكنني - في مقابل ذلك - أرفض تبذير المال العام بشكل مبالغ فيه كما هو حاصل الآن ، حيث الميزانية المخصصة للمهرجانات الفنية أكبر بكثير كثير كثير من تلك المخصصة للمهرجانات والملتقيات الثقافية الفكرية، وأجرة المطربين أضعاف أضعاف أضعاف ما يعطى للأدباء والمثقفين الذين يداخلون في الملتقيات أو يشاركون في الأمسيات الأدبية ، بل الملاحظ أن معظم الملتقيات والأمسيات لا تعطي للمشارك فيها محاضرا أو شاعرا أو قاصا أي مبلغ مالي بالمرة..


المؤسسات الثقافية الرسمية تتبنى خططا تنظيمية تقصم ظهر الثقافة الجزائرية . ماذا تقترح - أنت المثقف - على هذه المؤسسات كبدائل لما تقوم به ؟
لا أعتقد بالمرة أن اقتراحاتي أو اقتراحات زملائي ممن هم مهمومون بما صار عليه وضعنا الثقافي من ترهل سيستمع لها أو يؤخذ بها..ذلك أن مؤسساتنا الثقافية الرسمية هي الوجه الثقافي لمؤسساتنا السياسية ..ولأن تلك المؤسسات السياسية مبنية أصلا على إقصاء المختلف ، ونبذ المنتقد ، وإضعاف المعارض ، فإن المؤسسات الثقافية تلك لا تخرج عن هذا الإطار: احتكار الثقافة - العمل على تدجين المثقفين بما يجعلهم مثقفين ممجدين قابلين لغمس أيديهم وعقولهم في قصعة الريع لا مثقفين ماجدين ( حسب تعبير المثقف السوري عبد الرزاق عيد )، حيث إن المثقف الماجد يقتل بالصمت والاحتقار والإقصاء ..
رغم كل ذلك ، أرى أننا يجب أن نناضل من أجل فتح الساحة الثقافية للمثقف النقدي الذي يؤمن بحرية الرأي والتفكير وحق الاختلاف الفكري والمعتقدي والتصوري ، والذي يتحمل مسؤوليته تجاه مجتمعه ويبدي رأيه وموقفه في الواقع الذي يعيش فيه بكلّ صرامة وجدية ووضوح ، ويساهم من ثمة في تعرية حقيقة ما يحدث ...إلخ

تغيب بشكل كبير صالونات الثقافة و الفكر ، و قاعات السينما التي تهتم بما تنتجه السينما من انتاجات ذات قيمة ، و كذا المسارح الخاصة . أما آن الأوان لتغيير جلد السياسة الثقافية في الجزائر؟
تغيير جلد السياسة الثقافية في الجزائر ، بل عمقها ، ضرورة حتمية يفرضها ما يحدث في العالم من تغيرات وتطورات مذهلة تطال مختلف مناحي الحياة سياسةً واقتصادا واجتماعا وثقافة، نجد أنفسنا نقف مشدوهين أمامها ، هاربين إلى كهوف ماضينا متعلقين بملابس أسلافنا التي صنعوها وفق برد أو حر زمانهم ، من جهة ، وما نواجهه من تحديات داخلية وخارجية تحتم علينا التفكير في كيفية مواجهتها ، من جهة أخرى..المؤكد أن ثقافة الإقصاء التي تتحكم في ذهنياتنا ، والتي هي نتاج بنية عقلية قائمة على الأحادية في كل شيء دين واحد..رأي واحد..نظام واحد...إلخ..وادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة ، يستحيل أن تجعلنا فاعلين في حاضر البشرية بما يؤدي إلى احترام الآخرين لنا والتعامل معنا كوجود بشري مؤثر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لماذا؟
عبد القادر أنيس ( 2011 / 9 / 8 - 19:16 )
تحياتي أخي الطيب
في الحقيقة لو انتظرنا الحكومات حتى تنهض بالثقافة وتهتم بالمثقفين مثلما تهتم بالمطربين فسوف يطول انتظارنا. رأيي أن المستهلك هنا هو الفيصل. مستهلكو الثقافة الراقية مثل الكتاب وحضور المحاضرات قليلون، وهم أصلا غير مستعدين لتضييع وقتهم لها بله دفع ثمن ذلك. نعم في الغرب يدفع الناس ثمن حضور المحاضرات، مثلما يدفع الناس عندنا ثمن حضورهم حفلات الطرب أو على الأقل يقبلون عليها عندما تكون مجانا، بينما لا يقبلون على القراءة حتى ولو علقنا الكتاب في أعناقهم.
الحكومة إذن تستجيب لما يريده الناس، ولا يعنيها ما لا يريدونه شأن كل حكومات العالم.
وأنا مستعد هنا للذهاب بعيدا لأقول إن الناس يرفضون أية ثقافة خارج الثقافة الترفيهية أو المسجدية، ولعلك سمعت بآخر محاضرة ألقاها جامعي تعرفه أيضا وكاد يهرب بجلده لأنه صدم الناس في قناعاتهم الدينية الراسخة.
مشكلتنا في النخب وليس في الحكومات. جامعاتنا وما أدراك ورغم توفر كل الإمكانيات، تخلو من أية حياة فنية أو ثقافية، وخاصة علمية، كما يجب أن يكون دورها.
المعول عليه: نخب تتبنى مشاريع تنوير حقيقية تساهم في تغيير هذا الواقع الثقافي المتردي.
خالص مودتي

اخر الافلام

.. ريبورتاج: مزارعون في الهند مصممون على إلحاق الهزيمة بالحزب ا


.. السباق إلى البيت الأبيض: حظوظ ترامب | #الظهيرة




.. ماهو التوسع الذي تتطلع إليه إسرائيل حالياً؟ وهل يتخطى حدود ا


.. ترامب: لم يتعرض أي مرشح للرئاسة لما أواجهه الآن | #الظهيرة




.. -كهرباء أوكرانيا- في مرمى روسيا.. هجوم ضخم بالصواريخ | #الظه