الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نريد رئيساً من صراط مستقيم ولا نريد دولة من عصف رجيم

فايز صلاح أبو شمالة

2004 / 12 / 3
القضية الفلسطينية


نريد رئيساً من صراطٍ مستقيمٍ
ولا نريد دولةً من عصفٍ رجيمٍ

بقلم: د. فايـز صلاح أبو شمالة
عضو المجلس الوطني الفلسطيني

عدة عقود مضت من عمر قضية فلسطين لم تخل فيها تصريحات المسئولين من جملة: نحن نمر في مرحلة تاريخية حرجة، أو؛ نحن في مرحلة من أدق مراحل النضال، أو القضية الفلسطينية عند منعطف خطير، إلخ.... من شعارات صام عليها شعبنا سنوات النضال، ليفطر فيما بعد على ممارسات للبعض لا تشي إلا عن سلوك سقيم، وانعدام القانون، وغياب المصداقية!!
عدة عقود مضت وشعبنا يتطلع إلى تحقيق الحلم الذي أغمض عينيه وشد وتر قلبه عليه، وما انفك ينتظر الخلاص، ذبل ورد العمر لعشرات ألآلاف من الشباب، وانكسر تحت الأمنية ظهر جيل دون أن يتوجع خلف الأسوار، ووسدت نساء فلسطين تراب القبر تحت رأس أولادهن وهن يحبسن دمعة الفراق، وأقام الأب خيمة على أنقاض بيت العمر وهو يكظم غيظه، وما انفكت الأمنية أن يجد هذا العطاء المخلص لشعب صابر من يقدره، ومن ينظمه في عقد من الصراحة والموضوعية، والرؤية الحكيمة للواقع، وما انفكت الأمنية تنتظر من يأخذ بيد الفضيلة ويحارب رذيلة الفساد والخداع والكذب والنفاق التي وجدت بيئتها، بعدما وفر لها بعض المسئولين الدفيئة في الفترة الأخيرة، وما انفكت الأمنية تنتظر من يأخذ بيد الجماعة ومصالحها العليا، بعيداً عن العائلية التي كبرت حتى غدت تحمل السلاح الذي لا يعرف لمحاربة من؟، وبعيداً عن انفلات الشللية التي صار لها مركز ثقل القرار، وما تبع ذلك من تفشي السلبية الحزبية.
عدة عقود وما انفكت الأمنية تنتظر من يعمل على البناء والتطوير وتأسيس قواعد عمل وعلم بعيداً عن انهيار القيم المنظم والمدروس، الذي تطورت أدواته في الفترة الأخيرة، بل وجدت من يمولها، لقد عبر شعبنا كل التجارب السياسية التي هرست عظم التشكك في حقوقه التاريخية، وأذنت لقامة الانتماء بالتطاول فوق رؤوس الأشهاد، والفضل لا يرجع في ذلك إلى أحد مهما كان، الفضل يرجع إلى صدق الولاء للوطن، وخالص العطاء، ومنطلق الإيمان بأن هذه الأرض المقدسة خيار وحيد.
في هذه المرحلة التي لن تكون أخطر مما سبق من مراحل تجاوزها عطاء شعب بأكمله، نقف أمام عدد من المرشحين لمنصب رئيس السلطة الفلسطينية، ولكل مرشح طموحه، وغايته، وأهدافه، وتطلعاته، وأحلامه التي لا تمثل شخصاً، بل تمثل شعباً من اللحظة الأولى لانتخابه، ولكل مرشح أولوية عمل، وأحقية رؤية واستماع، ولكل مرشح سريرته التي لا يعلمها إلا الله، وصاحبها، ويعلم بعضها من تقرب منه، ولا مفاضلة للناخب بين هذا وذلك إلا بالتجربة التي ستنصاع لخطأ الممارسة والصواب، وستأخذ بيد هذا الشعب المتهم من أصدقائه قبل أعدائه بعدم ديمقراطيته، ولذلك نتمنى لو قطع الرئيس المرشح على نفسه عهداً، والتزم علناً أمام ناخبيه بشرطين:
الشرط الأول: أن يكون الناخب الفلسطيني هو المرجعية لمحاسبة رئيس السلطة بعد أربع سنوات، وهذا مربط الفرس الذي سيعطي للشعب كيانه وكرامته، وحضوره الفاعل في الساحة السياسية، وهذا الذي سيحفظ للرئيس المنتخب قوته، وسلطانه السوي، ولا يتحقق ذلك دون نص قانوني لا يجيز التلاعب بالمواعيد.
الثاني: مدى جدارة برنامج العمل المطروح، ومدى مواءمته للواقع، بعيداً عن الشعارات السياسية البراقة غير الفاعلة، والتي يختفي تحت بريقها كل معتدٍ أثيم، وكل سارق تاريخ شعب وتراث أجيال، وحضارة أمة.
وهنا، وفي هذه المرحلة الطبيعية والمألوفة من مسار شعبنا، لا أجدى لمرشح الرئاسة الصادق من جملة: نعم لسيادة القانون، ونعم لإطلاق يد العدالة، ونعم لإغلاق الأبواب على كل تدخل في شئون القضاء، لاسيما أن سيادة القانون قد مكنت السيد مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا السابق من العودة للعمل في الجامعة دون خوف من أحد، ومكنت جيمي كارتر رئيس الولايات المتحدة الأمريكية من العيش بسلام وأمن بعد انتهاء فترة حكمه، دون الخشية من منتقم، أو محاسب، وهذا ما حصل مع الرئيس بيل كلنتون، لقد مكنت سيادة القانون أريك شارون رئيس وزراء إسرائيل من المثول أمام مدير الشرطة دون احتماء بالمركز والتاريخ الطويل، وأفسحت ليهود براك، وبنيامين نتانياهو، وشمعون بيرس؛ وجميعهم شغلوا منصب رئيس وزراء إسرائيل، إنهم يتحركون بين الناس دون أن يشار إليهم كرؤساء وزراء في يوم من الأيام، ودون أن يوظفوا مراكزهم أو مناصبهم لأغراض شخصية، أو عائلية، أو حزبية.
فقط أيها المرشح للرئاسة؛ لا نريد منك أكثر من سيادة القانون الذي سيضمن لنا القدس، وتحرير التراب، وعودة اللاجئين، وكرامة الشعب، ولن تتحقق الأحلام السابقة دون سيادة للقانون، فقد دللت التجربة أن غياب القانون لم يحقق لنا شيئاً مما سبق، ونحن الشعب العربي الفلسطيني، نسود علي أنفسنا طائعين من يسود على نفسه القانون.
.
فقط أيها المرشح للرئاسة؛ لا نريد منك أكثر من سيادة القانون الذي سيضمن لنا العدل الذي لن يغدق الوظائف على الموالين، ولن يمنح الدرجات الوظيفية العالية للتابعين، ولن يعطي الامتياز والاستثناء ومصادر الرزق والصلاحية للمتكسبين، بل سيضمن القانون للناس تأسيس المؤسسة التي يحتكمون إليها، يثقون بها، يستسلمون لها طائعين.
فقط أسلمنا لسيادة القانون أيها الرئيس المرشح، نحتكم إليه بحقوقنا، ونطمئن إليه بأمننا في بيوتنا، نعطيك الطاعة والولاء والوفاء، ونلتف حولك، تفترش أنت انضباطنا ونلتحف نحن التزامك، فقد تجاوز شعبنا مرحلة الشعار، نحن أمام حقائق قائمة على الأرض، وأمام حياة يومية لها متطلباتها، ولها استحقاقاتها التي لو تمت لتحقق الشعار دون حاجة إلى رفعة وتكراره والتسلق على صاريته، فلن يوفر لنا شعار حتى القدس مثلاُ؛ العدالة في تطبيق قانون: من أين لك هذا؟، ولن يوفر لنا شعار عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم؛ المساواة والمنافسة الشريفة أمام فرصة العمل، ولن يوفر شعار حتى النصر؛ العدالة في ترقية الرتب العسكرية والمدنية التي باتت سبهللة، ولن يوفر شعار حتى تحرير فلسطين؛ محاسبة أولئك الذين غمسوا خبز الوطن مع حليب الصباح، إن تلك الشعارات التي كان يجب أن تبري شفرة الدولة التي يقطع سيفها رقاب الأعداء؛ وظفها بعض الساقطين المفسدين لقطع حلمة الثدي الذي أرضعنا الكرامة، ولقطع لحمة التماسك الفطري داخل المدن والقرى الفلسطينية من خلال اللهث والتسابق خلف وهم المكاسب والانتفاع بجرة قلم، فإذا بدم الشهداء المتقد وعذابات الجرحى الحارقة، تصير جمراً يشتعل على شيشة بعض الرتب في مكاتب غزة.
إن قيمة أي رئيس وجدواه لا تقاس بمدى ارتفاع سقف شعاراته، وإنما بمدى منفعته للناس، ومدى تحسسه لأوجاعهم، ومدى مواءمة شعاراته للواقع، وماذا أنجز لشعبه، وماذا سينجز من أمن واستقرار وعدالة، وسلامة مسار.؟


بريد إلكتروني: [email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات متواصلة في جامعات أوروبية للمطالبة بوقف إطلاق النار


.. هجوم رفح.. شحنة قنابل أميركية معلّقة | #الظهيرة




.. إطلاق صواريخ من جنوب لبنان باتجاه الجليل الغربي شمالي إسرائي


.. فصائل فلسطينية تؤكد أنها لن تقبل من أي جهة كانت فرض أي وصاية




.. المواطن الفلسطيني ممدوح يعيد ترميم منزله المدمر في الشجاعية