الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دماؤنا ووثائقهم

هانى جرجس عياد

2011 / 9 / 10
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


أعرف أن اقتحام السفارة الإسرائيلية فى القاهرة هو عمل مخالف للقانون الدولى، باعتبار السفارة تقع تحت السيادة الإسرائيلية ويعتبرها القانون الدولى جزءا من «أرض إسرائيل»، مع التجاوز مؤقتا عن حكاية «أرض إسرائيل»، لكننى لا أعرف أين كان القانون الدولى عندما انتهكت إسرائيل، الأراضى المصرية وقتلت عددا من المجندين المصريين، تماما مثلما لا أعرف أين كان الأستاذ باراك أوباما حين «توغلت قوة إسرائيلية داخل الأراضى المصرية وأطلقت النار على المجندين المصريين» حسب التصريحات الرسمية الإسرائيلية؟ ولا أعرف أين كانت الأستاذة هيلارى كلينتون وزيرة خارجية الأستاذ أوباما عندما سالت دماء المصريين على الأراضى المصرية.
(ملاحظة بريئة: عثر ثوار ليبيا فى باب العزيزية على ألبوم صور خاصة يجمع العقيد الهارب بالآنسة كوندى التى سبقت الأستاذة كلينتون فى «حمل» حقيبة الخارجية الأمريكية).
وأعرف أن اقتحام سفارة العدو يمكن أن يخرج بالثورة المصرية عن مسارها السلمى الذى أشاد به العالم أجمع، لكننى أعرف أيضا أن كل هؤلاء الذين أشادوا بثورتنا السلمية، لم يتوقفوا لحظة منذ سقوط مبارك، عن التدخل فى الشأن المصرى، وممارسة كل أشكال الضغط على من يحكمون البلاد الآن (عفوا أقصد الذين يديرون البلاد حتى لا يغضب منا اللواء مختار الملا)، ويواصلون وضع العصى فى دواليب الثورة لإجهاضها وتحويلها إلى عملية إصلاحية، تأتى لنا بمبارك جديد لم يحترق بعد بالفساد والاستبداد، ثم أننى لا أعرف أين كان هذا «العالم أجمع» عندما رفضت إسرائيل الاعتذار عن جريمتى «التوغل» فى الأراضى المصرية، وقتل مجندين مصريين.
يتبول بنيامين نتانياهو ثلاث مرات يوميا على القانون الدولى، فيسكر الأستاذ أوباما (ومعه «العالم أجمع») بالرائحة، فلا نسمع لأحد منهم صوتا عندما تسيل دماء المصريين، لكنه يفيق فجأة (ويفيق معه «العالم أجمع») ليطالب الحكومة المصرية بضرورة حماية السفارة الإسرائيلية، كما تظهر فجأة الأستاذة كلينتون لتطالب مصر بضرورة الالتزام بمعاهداتها الدولية مع إسرائيل
(ملاحظة سخيفة: الأستاذة كلينتون كانت قد أعربت يوم 25 يناير عن ثقتها فى استقرار نظام مبارك، تماما مثلما كانت سابقتها، الآنسة كوندى، تثق فى استقرار نظام العقيد فى ليبيا).
هكذا يفيق «العالم أجمع» بقيادة أوباما ووزيرة خارجيته، ويخرجون من مخابئهم، وكأن السفارة أهم من سيناء، ووثائقهم التى تبعثرت من نوافذ السفارة أغلى من دمائنا التى سالت على تراب أرضنا.
وفق الراوية الإسرائيلية لجريمة قتل مجندينا على الحدود، فإن «قوة إسرائيلية توغلت داخل الأراضى المصرية عن طريق الخطأ، وقتلت عددا من الجنود المصرين بالخطأ، وجارى التحقيق فى ملابسات هذا الحادث الذى لا يستدعى اعتذارا»، انتهت الراوية الإسرائيلية، ومازال التحقيق مستمرا إلى ما لانهاية، وانتهى الأمر. وحيث أن الأعراف الدبلوماسية تقر مبدأ «المعاملة بالمثل»، فمن الطبيعى أن تكون الراوية (الشعبية) المصرية لحادث اقتحام السفارة أن عددا من المتظاهرين المصريين اقتحموا السفارة الإسرائيلية فى القاهرة عن طريق الخطأ، ولم يقتلوا أحدا لكنهم، لكنهم عبثوا فى محتويات المبنى وبعثروا وثائقه عن طريق الخطأ، وجارى التحقيق فى ملابسات هذا الحادث الذى لا يستدعى حتى الأسف، فنحن فى القاهرة مازالنا فى انتظار اعتذار إسرائيل عن جريمة قتل المجندين المصريين داخل أراضينا لأن الوثائق ليست أغلى من الدماء.
***
لست من الداعين إلى اقتحام السفارات كأسلوب نضالى، لكننى فى ذات الوقت لست مع كرباج «القانون الدولى» الذى حمله بعض مثقفينا «العقلاء»، وراحوا يمارسون هواية جلد الذات، لأن وثائق السفارة الإسرائيلية تبعثرت فى الهواء، بينما دماء شهدائنا، لم تزل ساخنة على رمال سيناء، دون أن يعيد لنا السيد «القانون الدولى» حقوقا أو حتى يضمن لنا اعتذارا.
***
ليس عندى أى شك فى وطنية الشباب الذين اقتحموا السفارة الصهيونية فى القاهرة، وإن كنت أتحفظ على اندفاعهم، لكن عندى الكثير من الريبة فى السهولة التى وصلوا بها إلى أبواب السفارة الطابق التاسع عشر، أو العشرين فى بعض الروايات، ويؤرقنى السؤال: لماذا تركت القوات المكلفة بحماية السفارة هؤلاء الشباب يصعدون إلى السفارة دون أن تحاول منعهم بأى شكل؟
***
بعد دقائق من بعثرة وثائق سفارة العدو الصهيونى فى الهواء، استدعت الحكومة الإسرائيلية كل أعضاء سفارتها فى القاهرة وعائلاتهم (باستثناء واحد فقط لرعاية المصالح)، وبدأت وزارتا الخارجية والدفاع الإسرائيليتين سلسلة طويلة من الاتصالات مع واشنطن والقاهرة وبعض العواصم الأوربية، كما أن وقوع الحادث فى الساعات الأولى ليوم السبت (المقدس عند اليهود)، لم يمنع اليهودى-الصهيونى المتعصب افيجدور ليبرمان من التوجه إلى وزارته ليرأس بنفسه مجموعة إدارة الأزمات، وأعلن رئيس وزراء إسرائيل أن حادث اقتحام السفارة خطير جدا ولا يجب أم يمر«مرور الكرام»، بينما الذى حدث بعد أن سالت دماء المصريين على رمال سيناء، هو تخبط حكومة شرف، وانزواء السادة الجنرالات الذين يحكموننا، الذين اكتفوا بإظهار البسالة فى تحرير «الصينية»، ومطاردة شباب الثورة. ولأن السؤال لم يزل يؤرقنى «لماذا تركت القوات المكلفة بحماية السفارة هؤلاء الشباب يصعدون إلى السفارة دون أن تحاول منعهم بأى شكل؟»، فلا أستبعد أن يعود السادة الجنرالات إلى «شجاعتهم» ويظهروا بسالة فى مواجهة الشعب المصرى، وربما لا يقتصر الأمر على عودة «أصبع اللواء الفنجرى»، فكل الجنرالات سيلوحون لنا بأصابعهم، حتى لا يغضب منا الأستاذ أوباما، وترضى عنا وزيرة خارجيته، ويسامحنا السيد رئيس وزراء إسرائيل، ويغفر لنا جناب «القانون الدولى». وأرجو أن أكون مخطئا.
نعم أتمنى أن أكون مخطئا ويجيد السادة الجنرالات –هذه المرة- قراءة رسالة 9 سبتمبر، المرسلة من ميدانى التحرير ونهضة مصر (حيث مقر السفارة الإسرائيلية)، بتوقيع الشعب المصرى، ولا تحمل سوى جملة واحدة فقط: عندما يريد الشعب، لا أحد يمكنه أن يقف أمامه.
ولعل سيادة المشير يتذكر رجلا اسمه (الفريق عبد الرحمن سوار الذهب).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حسين بن محفوظ.. يصف المشاهير بكلمة ويصرح عن من الأنجح بنظره


.. ديربي: سوليفان يزور السعودية اليوم لإجراء مباحثات مع ولي الع




.. اعتداءات جديدة على قوافل المساعدات الإنسانية المتجهة لغزة عب


.. كتائب القسام تعلن قتل عشرين جنديا إسرائيليا في عمليتين شرقي




.. شهداء ومفقودون بقصف منزل في مخيم بربرة وسط مدينة رفح