الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القذافي ظاهرة عربية،أكثرمنها ليبية:محاولة للمراجعة

محمد سيد رصاص

2011 / 9 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


لقي الانقلاب العسكري الليبي، الذي جرى يوم السبت في الفاتح من سبتمبر1969، ترحيباً كبيراً في الشارع العربي،كمااستقبلته بجزل وبهجة عواصم متخاصمة مثل قاهرة الرئيس جمال عبدالناصر والنظامان البعثيان المتخاصمين في دمشق وبغداد مع بعضهما ومع الرئيس المصري:كان هذا انعكاساً للتركيب الأيديولوجي السياسي للضباط الانقلابيين في طرابلس الغرب،الذي تراوح بين الفروع الثلاثة للتيار القومي العروبي،أي (الناصري) و(حركة القوميين العرب)و(البعثي)،قبل أن يقوم العقيد معمر القذافي،الذي تلقى تأثيرات هذه الفروع الثلاث شخصياً،بالإنفراد بالسلطة بدءاً من عام1973.هذا لايعني بأنه لم تكن هناك أسباب ليبية للإنقلاب ( مع تسجيل أن الترحيب اجتماعي به لم يكن بتلك القوة الكبيرة وخاصة في المنطقة الشرقية وفي العاصمة طرابلس) يمكن ادراجها في ضعف الحكم الملكي بمجالات الاقتصاد والإدارة،إلاأن الأسباب الجوهرية التي ساقها الانقلابيون ضد الحكم كانت تندرج في تبعيته للغرب،الأميركي والأوروبي،في ظرف مابعد الهزيمة العربية في حرب حزيرانيونيو1967،وضرورة التلاحم الليبي مع الرئيس عبدالناصر في تلك الظروف،وهو أمر لم يفت القاهرة عندما نظرت إلى الانقلاب الليبي،وأيضاً انقلاب جعفر النميري بالخرطوم في يوم25مايو1969،بوصفهما تعزيزاً لوضعها في مرحلة مابعد5حزيرانيونيو1967.
لم تهتز صورة القذافي كثيراً على الصعيد العربي عندما قام بدعم الرئيس السادات في يوم15مايو1971في انقلابه الأبيض ضد مجموعة(علي صبري- شعراوي جمعة) بالقاهرة وهي التي كانت أكثر قرباً من الرئيس عبدالناصر(توفي يوم28سبتمبر1970)،ثم عندما قام بإجبار طائرة الخطوط الجوية البريطانية على الهبوط في مطار طرابلس ليعتقل المقدم بابكر النور رئيس مجلس قيادة الثورة المعين إثر انقلاب19يوليو1971الشيوعي في الخرطوم ضد النميري ومعه عضو المجلس الرائد فاروق حمد الله قبيل ساعات من تحرك قوات موالية للنميري،بدعم من قوات مصرية ،في يوم22يوليولسحق الانقلاب الشيوعي وسط تردد سوفياتي وتأييد غربي وعربي(ماعدا بغداد)للرئيس السوداني.على العكس من المتوقع حيال هذه المواقف،فإن عروبيين كثيرين،ويساريين،وخاصة في المنظمات الفلسطينية التي تمركست وهي التي كانت في الأصل في بوتقة(حركة القوميين العرب)،قد ظلوا ينظرون للقذافي،طوال عقد السبعينيات وحتى االنصف الثاني من الثمانينيات،من منظاري مواقفه "العروبية"و"عدائه للغرب"،ربما بسبب احساسهم بتراجع العروبة و بخطورة التقدم الغربي في المنطقة،وضرورة الامساك بأي حبل ل"الإنقاذ" و"التصدي والصمود"في هذين المجالين.
هذا أدى إلى مكانة معنوية للقذافي على الصعيد العربي لم يتمتع بها أبداً ليوم واحد في ليبيا طوال فترة حكمه،حيث حكم بالحديد والنار واستخدم أموال النفط على هواه،وكان امتلاكه للريع النفطي،متحداً مع القمع،مؤدياً إلى فترة حكمه المديدة وإلى استعصاء التغيير في بلد استطاع حاكمه أن يمسح طاولة السياسة ليحتكرها في شخصه.
لم يقد وضع كهذا سوى إلى المفارقة بين قلوب الغالبية الكاسحة من الليبيين وبين ميول وأهواء وآراء جيوش من الساسة والمثقفين والصحافيين العرب،الذين دعمهم القذافي بأموال الشعب الليبي من أجل تسخير منظماتهم وأحزابهم أو لإنشاء جرائد ومجلات (بعض المجلات كان لها طابع فكري- ثقافي)سياسية،أولتمويلها،وحتى عندما نشر القذافي "الكتاب الأخضر" في عام1977،وهو نص بلاقيمة فكرية أوثقافية في كل المعايير،فقد وجد الكثير من المثقفين(وبعض المفكرين)الذين مارسوا عملية التبخير لذلك النص،ولم يوجد أحد من العرب من قال بضرورة وضع حد لهذه الحالة التي كانت أقرب للمهزلة الفكرية- الثقافية التي مارسها أحد الرؤساء العرب،الذي ظنَ نفسه من خلال ذلك النص بأنه قد وضع "النظرية العالمية الثالثة"،وهذا ماينطبق- بالمناسبة - على بعض المفكرين الذين ،وإن لم ينخرطوا في احدى تلك الحالتين،إلاأنهم قد شجعوه على غيِه من خلال الذهاب إلى خيمته الشهيرة ومن ثم القبول بالتمويل الليبي لمجلة فكرية - ثقافية تم انشائها في الثمانينيات.في هذا الإطار،ربما لم تحصل ترجمة لهذه المفارقة بعد،وإن كان أي ملاحظ دقيق لمشاعر الليبيين،منذ ثورتهم على القذافي في يوم17فبراير2011،يلمس احساس بالمرارة من العرب الآخرين،تراكمت ذراتها،ذرة فذرة،طوال واحد وأربعين عاماً ونصف كانوا فيها مكتوين من حاكمهم فيما كان الكثير من العرب،ساسة ومثقفين وكثير من الشارع،يمدحوه ويحملون المباخر له ويدعموه،وإن كانت الوثيقة التي أصدرها(المجلس الوطني الليبي الانتقالي)،في أوائل آب2011،تحوي ارهاصاً أولياً بذلك عندما خلت من أية إشارة إلى عروبة ليبيا.
على كل حال،ورغم المرحلة التي انطفأ فيها نجم القذافي المالي عندما دخل تحت الحصار الدولي منذ عام1992 بسبب قضية لوكربي ،فإن خروجه من هذا الحصار في الشهر الأخير من عام2003قد كان عبر تسليم كل أوراقه لمحاصريه الغربيين مقابل أن يبقى في كرسي السلطة،وقد كان اتجاهه نحو "النزعة الافريقية"،وتخليه ونبذه للعروبة،أحد الأثمان المطلوبة في تلك الصفقة. رغم هذه الإستدارة الكبيرة عند القذافي التي هي أقرب إلى السقوط المعنوي،الذي يقال أن أحد أسبابه المباشرة كانت الصورة التلفزيونية لصدام حسين عندما ألقي القبض عليه بالعراق المحتل من قبل الجنود الأميركان قبيل أسبوع من ذلك القرار الليبي،فإن أحداً من العرب لم يقم بأية محاولة جدية لمراجعة المسار السياسي لقائد عربي كان في الواقع واسع التأثير عربياً لفترة طويلة من الزمن وصلت إلى ثلث قرن،وكان أحد التجسدات الكبيرة للتيار القومي العروبي بفروعه الثلاث.هذه المراجعة أيضاً لم تحصل خلال الستة أشهر التي تفصلنا عن يوم17فبراير2011.
هنا ، يبدو أن العرب لايميلون إلى المكاشفة القاسية للنفس،ولاإلى النظر لأنفسهم في المرآة،وخاصة عندما تكون الوقائع،المكوِنة للحقيقة،قاسية ومؤلمة،ممايتطلب الوصول إلى استنتاجات مؤلمة فكرياً،ومن ثم ثقافياً،وبعده سياسياً:هذالاينطبق فقط على التيار القومي العروبي،بفروعه الثلاث:الناصرية والبعثية وحركة القوميين العرب،وإنما يشمل التيارات السياسية الأخرى عند العرب:الاسلامية والليبرالية والماركسية،التي أفرزت ظاهرات كانت أقرب للكوارث السياسية،وهو شيء ربما نجده على الصعيد العالمي،فكماأفرزت الحركة الماركسية العالمية قامة فكرية- سياسية عالية مثل أنطونيو غرامشي فإنها أيضاً أفرزت ظواهر ،مثل (بول بوت) في كمبوديا ،كانوا وبالاً على بلدانهم وشعوبهم وكانوا أقرب إلى ظاهرة النفايات السياسية وهي ظاهرة يمكن تلمس شيء منها عند كل تيار فكري- سياسي.
في عام1952،نشر الفيلسوف المجري جورج لوكاتش،الذي عاش طويلاً في ألمانية،كتاباً بعنوان:"تحطيم العقل"،حاول فيه،عبر آلاف الصفحات،تلمس الجذور الفكرية - الثقافية الألمانية لظاهرة سياسية بربرية متوحشة ،مثل هتلر والنازية، أفرزها بلد غوته وبيتهوفن:لماذا لايفعل العرب ذلك تجاه ظاهرات مثل القذافي وغيره؟..............








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حلم الدولة الكردية.. بين واقعٍ معقّد ووعود لم تتحقق


.. ا?لعاب ا?ولمبية باريس 2024: سباح فلسطيني يمثل ب?ده ويأمل في




.. منيرة الصلح تمثل لبنان في بينالي البندقية مع -رقصة من حكايته


.. البحث عن الجذور بأي ثمن.. برازيليون يبحثون عن أصولهم الأفريق




.. إجلاء اثنين من الحيتان البيضاء من منطقة حرب في أوكرانيا إلى