الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كل الأشياء - قصة قصيرة

هديل عبد الرزاق أحمد

2011 / 9 / 11
الادب والفن


كل الأشياء
هديل عبد الرزاق أحمد
تتعالى صيحاتٌ بعيدة تتقاطع مع بعضها لصبية يتقافزون بخفة، ويركلون كرة، أو يركل بعضهم بعضاً. وتهبّ الذكريات المتزاحمة، فتتداخل مع الهواء المثقل ببعض حبات الغبار، فتبدو سماء العصر من أيار مائلة إلى لون رمادي فاتح محيلة الأشجار المتراقصة إلى لون غامق. وهي لازالت تجلس وحيدة في غرفتها تردد مع الأغنية: "شيصير لو تطلع شمس فرحة وعرس، شيصير لو رديت يا طيف الأمس" ... فتحضر أمامها مشاهد كثيرة، وجوه ضاحكة وأخرى حزينة وغيرها تبدو حائرة. أما الأشجار المتراقصة خلف نافذة غرفتها فتبدو كأنها تشترك معها بخبث في شيء ما يبدو خفياً لا تدري ما هو، ربما هو الحزن أو لعله الحنين إلى الماضي، فالمنزل المقابل لنافذة غرفتها لا يزال كما هو ولم يتغير منه شيء سوى أن الغائب الذي كان فيه يوماً لم يعد.
تشتد الريح وتتعالى صيحات الأطفال وتتداخل مع "غريبة الروح لا طيفك يمر بيها ولا ديرة التلفيها..." تحاول أن تنشغل عنها بطائر راح يحلق في السماء وبالناس التي تروح وتجيء، ولا يزال هناك من يناغي أحزانها بغنائه:
"تحن مثل العطش للماي تحن ويلفها المكابر ويطويها"
فتتذكر أنه قال لها هذه العبارة يوماً، فترددها مع نفسها "تحن مثل العطش للماي ...." يصبح الطائر في السماء طائرين، ويبدو أن العدد في ازدياد، فالسماء ملاذ العاشقين ومأواهم، وأحد أسباب نهاياتهم وسقوطهم الأخير، والطيور لا تستغني عن الحب أبداً. الحب..... تذكر أنه قال لها يوماً عنه "إنه الما قبل والما بعد معاً... إنه كل الأشياء... لكنه ليس شيئاً" فتتساءل مع نفسها، هل كان مفهوم الحب لديه مجرد نظريات فلسفية يرددها عن بعد مع وقف التنفيذ؟
تذكر أنه قال لها في إحدى المرات "إذا اختفى الحب يوماً فما الداعي للوجود... وما الذي تنتظره الحبيبة من النوافذ" فتتساءل مع نفسها هل ذهب كل شيء ولم يبق لها غير نافذة غرفتها، تنظر من خلالها فتستعيد ذكريات حب لم يعد صالحاً للاستعمال، ذلك الحب الذي جعلها تنظر إلى الأشياء من خلال الثقوب والنوافذ المطلة على أسطورة الماضي بكل ما فيه من جنون.. وذل.. وطيش... وكبرياء...... ومعاصٍ لا حصر لها ارتكبت في حضرة الإله ورغماً عن وصاياه المقدّسة...
تستذكر اللقاء الأخير بينهما حين طلب منها أن تنسى كل شيء.. كل لحظات الحب التي كانت بينهما، أن تنسى ارتعاشة أول قبلة، وارتجافة أصابعه وهو يمررها فوق شفتيها.. ارتباكهما.. تلعثمهما... ولكن القبل رغم كل ذلك كانت تولد بينهما سليمة... معافاة.. تغري بخطايا كثيرة.. واشتهاءات لا نهاية لها... لم تشعر يوماً بأنها ترتكب خطيئة أو أنها تخالف قانوناً إلهياً مشرّعاً، كانت تدع نفسها تستمتع بكل ما تقترفه من حب....
أما اليوم فهي تنظر كما طلب منها من ثقوب الأشياء... لكنها لم تولد من جديد كما طلب منها آخر مرة وهو يتحذلق أمامها بفلسفته، مؤكداً لها أنه إله ومن حقه سن القوانين على رعيته، وليس للرعية حق في شيء سوى الطاعة العمياء.. وإبداء الإعجاب الأبله بفصاحته وحسن بيانه، حين قال لها:
- يجب أن تلقي ما كان بيننا في خزانة الماضي.. أو في سلة النسيان.. ينبغي أن تولدي من جديد كأي فجر... فالفجر يولد فجرٌ من جديد كل يوم.. إنه لا يعيد نفسه.. يرفض التكرار.. وهذا هو شأن الطبيعة، تولد كل يوم من جديد.. ولا تعيد تكرار نفسها وهكذا يجب أن نكون.. كأي شمس تولد كل صباح وتنضج حتى تصل إلى الانطفاء الأخير.. لكي تولد ثانية..... أتعلمين؟ إن زوربا وحده من كان يعلم السر الحقيقي للوجود، وحده من كان يرى الأشياء كما هي، في كامل هيأتها وحقيقتها، ذلك الأسطورة.. الإله العاشق للطبيعة، كان يعلم أنها ليست تكراراً لما سبق.. لذا كان يقف ذاهلاً أمام جمال الطبيعة، حين يشاهد زهرة أو فجراً أو نهرا،ً فهو حقاً يراها للمرة الأولى، فهي ليست ثابتة كما تتصورين، بل إنها تولد كل يوم....... وما ترينه حولك الآن هو وليد الآن لا الأمس.. ولا ما قبله ولا ما بعده... وإياكِ أن تظني أنك سترينه ثانيةً.. اعتادي دوماً أن تتكيفي مع الطبيعة لأنك جزء منها.. جددي ذاتك كل لحظة لأن ما حولك يجدد ذاته باستمرار.. واعلمي أن ركودك وتوقفك عند نقطة ما لن يصيب أي شيء من حولك بالجمود، لأن كل ما حولك قائم على التحول.. فاحذري أن تكوني الثابت فيه.
تشتد الريح، ويزداد الغبار الذي يبدو أنه الآن فقط نزل بهذه الأعداد الهائلة ... يزداد الغبار وتشتد الريح.. تشتد وتشتد.. وذرات التراب تتزايد لتحجب عنها رؤية المنزل المقابل، وحسين نعمه كأنه يوجه الكلام لها:
يالمامش إلك جية ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكويت.. فيلم -شهر زي العسل- يتسبب بجدل واسع • فرانس 24


.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً




.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05