الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اسوار حول الجيتو في القاهرة

تميم منصور

2011 / 9 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


عندما كتب يوسف المعاطي قصة فيلم " السفارة في العمارة " ، اعتقدنا انها فنتازيا عابرة ، لكن تبين انها كوميديا سياسية سوداء كشفها بطل هذا الفيلم الممثل عادل امام، بواسطة هذه الكوميديا السياسية التي تجمع ما بين الهزل المسرحي ملحفاً بالجدل والجدية السياسية .. في الحالتين تمت تعرية نظام مبارك في مصر ، لأنه كالتمساح حواسه ماتت منذ زمن بعيد ، فقدها بعد أن فرط بكرامة وراحة كافة المواطنين في مصر ، وما العمارة التي تتناولها قصة الفيلم سوى صورة مصغرة لكل أحياء مصر الشعبية وغير الشعبية .
تناولت قصة يوسف المعاطي العمارة والحي الذي يحتضنها ، والذي تقع فيه السفارة الاسرائيلية، سفارة نتنياهو وليبرمان وبراك وموفاز و اولمرت الى آخر القائمة ، عندما وافق النظام السابق على اختيار اسرائيل لسفارتها في هذا الحي ، لم يهتم بالمعاناة التي سوف يعاني منها المواطنون في هذا الحي بسبب الاجراءات الأمنية التي لا يحتملها بشر ، لأن الاسرائيلي يولد ملفع بالخوف والشك وعدم الثقة بالآخرين وحب الحياة ، وهذا ينطبق على جميع القائمين على السفارة ، فتحولت الى بؤرة احتلال يجب أن تكون محاطة بالاسوار والاسلاك الشائكة ، ولا نستبعد ان تزرع حولها حقول من الألغام ، وقد نوه القرآن الكريم الى ذلك ، فورد في سورة البقرة الآية 95 ( و لتجدنهنّ أحرص الناس على حياة، يود احدهم لو يعمر الف سنة ) !!
كان هم النظام على ما يبدو وما يزال المحافظة على أمن وسلامة السفير وجواسيسه الداخلين والخارجين الى وكر التآمر هذا .
أما سكان الحي فقد حولهم النظام الى أسرى في وطنهم ومدينتهم وحيهم ، كما حوصرت بيوتهم بالحواجز الثابتة والطائرة ، عدا الزامهم على حمل بطاقات خاصة تحدد ساعات تحركهم داخل هذا الحي ، بفعل هذه الاجراءات وغيرها تحول هؤلاء المواطنين الى رهائن بأيدي السفارة الاسرائيلية .
بعد ثورة 25 يناير آمن الكثيرون بأن مجلس العسكر في القاهرة سوف يطالب باعادة النظر في الكثير من بنود اتفاقية السادات مع اسرائيل والتي تعرف باتفاقية كامب ديفيد، خاصة فيما يتعلق ببيع النفط باسعار مخفضة لاسرائيل ، أو الوقوف من جديد على السماح بالسفن الاسرائيلية المدنية منها والعسكرية المرور في قناة السويس وربط هذه الموافقة بالقضية الفلسطينية وحصار قطاع غزة .
كان الجميع ينتظر من مصر اتباع سياسة متشددة ووضع حد لجهاز الموساد الذي يقوم بزرع شبكات تجسس بصورة دائمة في مصر متجاهلاً ومستغلاً ما يسمى اتفاقية السلام ، لكن شيئاً من هذا لم يحدث ، فقد استمر مجلس العسكر في سياسة مبارك في تعامله مع اسرائيل والتنسيق الأمني الكامل معها ، فالاسرائيليون يعترفون كل يوم بأنهم يدخلون مصر آمنين ، ولولا قيام عناصر معارضة بتفجير محطة تصدير الغاز المصري لأسرائيل لبقي الغاز يتدفق حتى الآن ، ولما كشفت فضائح مبارك ونجليه في عقد هذه الصفقة ، ومن المتوقع استئناف الضخ في كل لحظة .
لم يبدل هذا المجلس شيئاً من حالة العجز والترهل والرهبة من اسرائيل ، رغم قيام الأخيرة بانتهاك حرمة الاراضي المصرية عشرات المرات ، آخر هذه الاعتداءات اسفرت عن قتل وجرح تسعة من قوى الأمن المصرية ، الملفت للنظر أن شرايين واوردة أعضاء هذا المجلس ترفض استيعاب دماء شباب الثورة رغم المحاولات المتكررة لهؤلاء الشباب .
ثبت أن لكل ثورة اجيالها ووقودها ودمائها ، وثبت أكثر بأن دماء أعضاء مجلس العسكر بحاجة الى شلال من كريات الدم المليئة بالحزم والتشديد واليقظة وتفهم معنى الحرية ، وبأن مصر اليوم أمام عهد جديد وأن ترابها يرفض إمتصاص الفساد والمراوغة والتردد ، وهواءها لا يقبل سوى نسائم الحرية ، هذا يذكرنا بما قاله زعيم الهند المعروف غاندي ( ان طريق الاستقلال لا تغسله سوى الدماء ) وقال فرانكلين ( حيث تكون الحرية يكون الوطن ) وقيل (السيادة في جهنم خير من العبودية في الجنة ) .
لو كان وحي الثورة الناصرية ودماء شباب الثورة الحديثة قد تدفقت داخل شرايين أعضاء مجلس العسكر لما تراجع هذا المجلس عن قراره بالطلب من حكومة نتنياهو الاعتذار عن الجريمة التي ارتكبتها ضد تسعة من رجال الأمن المصريين ، ولما تراجع هذا المجلس عن موقفه القاضي بطرد السفير الاسرائيلي من القاهرة ، ولما سمح للسفارة الاسرائيلية بتشيد جدار عازل حولها من الاسمنت المسلح رغم موقف سكان الحي الذي تقع فيه السفارة الرافض كلياً لوجود السفارة ومطالبة الشعب المصري بتمزيق اتفاقية " كامب ديفيد " .
لكن حالات الاذلال والخنوع المعهودة أثناء حكومة مبارك لا تزال على حالها ، وأن مصفاة الثورة لم تقم حتى الآن بغربلة حالات الفساد في مصر وازالة زوان الذل وشوائب النظام السابق ، كما أن حرارة وزخم الثورة لم تستطع حتى الآن من قطع الخطوط السرية الساخنة بين واشنطن والقاهرة ، وأن هذه الخطوط التي أجبرت مجلس العسكر على التراجع عن مواقفه المتشددة ضد اسرائيل وبفضل هذه الخطوط اقيم الجدار العازل حول السفارة .
ان عدم التماسك والتراجع غير المبرر من مجلس العسكر في القاهرة يؤكد معنى الفرق بين سلطة منتخبة من الشعب وسلطة متسلطة على الشعب ، مثلاً القيادة التركية المنتخبة لم تتردد من الثأر لكرامة مواطنيها الذين قتلوا على متن سفينة الحرية مرمرة عندما رفضت اسرائيل الأعتراف بجريمتها جاء الرد التركي حازماً وهو طرد سفير اسرائيل ونائبته من أنقرة ، ووقف كل التعاون الأمني والاقتصادي بين الدولتين ، هذا هو المؤشر الحقيقي الذي يقف فوقه الاستقلال الكامل لأية دولة ، فرغم أن تركيا عضو في الحلف الأطلسي الذي تقوده الولايات المتحدة لكن كرامة الشعب التركي فوق كل الأحلاف .
السؤال الذي يطرح نفسه متى تصبح كرامة الشعب المصري فوق كل الاتفاقيات وتتجاوز جميع الخطوط الساخنة السرية بين القاهرة وواشنطن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغم تحذيرات الحكومة من تلوث مياهها... شواطئ مغربية تعج بالمص


.. كأس أمم أوروبا: فرنسا تسعى لتأكيد تفوقها أمام بلجيكا في ثمن




.. بوليتيكو: ماكرون قد يدفع ثمن رهاناته على الانتخابات التشريعي


.. ردود الفعل على قرار الإفراج عن مدير مجمع الشفاء الدكتور محمد




.. موقع ناشونال إنترست: السيناريوهات المطروحة بين حزب الله وإسر