الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو تحرير ولبرلة التفكير في المجتمع السوري واقامة ديمقراطية اجتماعية حقة

محمود محفوري

2004 / 12 / 4
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


من العدل أن نتفهم أن النظر الى الليبرالية في مجتمعات سادتها الشمولية ستتجاذبها وجهتي نظر الأولى وجهة نظر روج لها النظام الشمولي وفحواها أن بمقدوره تقديم حلول لكل شيء وأنه يمتلك ناصية الحقيقة ومعارفها بشكل دائم، وذلك ما يقوده بشكل تلقائي الى الخروج على مفاهيم العقل السليم، الذي يسلم بشكل بدهي أن كل الحقائق والمفاهيم متغيرة وتغيرها يحمل الغرابة أحيانا، بل يصعب تشريحه والولوج الى كوامنه دون بحث عميق وجهود مضنية وتضحيات بالجهد والمال والوقت واستخدام أساليب خلاقة جديدة خارجة على المألوف.
أما وجهة النظر الثانية فهي وجهة نظر من يرفضون أو يتطلعون الى الخروج على هذه الآلية اللاهوتية في التفكير التي افترضت أن كل مسألة نقيسها بمقاييس موضوعة سلفا ثابة تقريبا وكأنها غير قابلة للتغيير، وبالتالي نجد لها جوابا ضمن اطار ما هو معتمد. فوجهة النظر هذه ترى أن في كل خروج على النمطية القياسية في التفكير والمعايرة تلك هو تحرر من آليات التفكير والمعالجة الضارة وقفزة جديدة لفكر المجتمع وميكانزماته في بلاد سادها فكر شمولي باتجاه تطوير فكر متحرر خلاق يساهم بشكل فعال في ايجاد حلول لمشاكل مستعصية في السياسة والمجتمع والثقافة والاقتصاد. ان تحرير آليات التفكير الاجتماعي مقدمة ضرورية لأي انطلاقة حضارية تقود الشعوب نحو الانعتاق من الاضطهاد الفكري والساسي والظلم الاجتماعي والحرمان الاقتصادي، نحو تكريس ديمقراطية اجتماعية قائمة على العدالة وتكافؤ الفرص. ان ذلك يحاكي القفزة التي صنعها الفكر التقدمي الليبرالي في أوروبا عندما واجهت الاقطاع كفكر وطريقة حياة واسلوب انتاج وأخلاق و .......
حقا ان تحرير الفكر الاجتماعي لمجتمعات كاملة من طريقة قياسية ميكانيكية الى طريقة تسمح لكل فرد أن تتداعى أفكاره ومحاكماته كيفما يشاء بغض النظر عن مدى صحة وسلامة هذه المحاكمات والأفكار لهو قفزة عظيمة ستكون لاحقا نتنائجها الابداعية كبيرة وتعود على المجتمع بنتائج كبيرة أيضا. هذه الطريقة معتمدة في نطاق الابداع الفكري تحت اسم "العصف الدماغي" التي تستخدم لايجاد حلول نوعية لمسائل تواجه العلم والاقتصاد والتكنولوجيا، والأحرى بنا أن ندفع الجميع الى اعتمادها في مواجهة مشاكل الحياة اليومية. انه اسلوب التفكير الليبرالي الذي تولد في اوروبا بشكل طبيعي تراكمي نتيجة لتطور قوى ووسائل الانتاج والتي فرضت توسيع سوق تصريف البضائع وتأمين المواد الأولية والخبرات والأموال والذي لخصه شعار "دعه يعمل دعه يمر" و "الدين لله والوطن للجميع". بنتيجة هذه العملية الاجتماعية الاقتصادية وعوامل أخرى هامة نتجت أوروبا متعددة القوميات التي نراها اليوم.
الليبرالية في التفكير (أي تحريره) مقدمة ضرورية للتسامح تجاه الآخر الذي يفكر بشكل مختلف عني وتدريب لنفوس الناس لقبول هذا الآخر بعيدا التخوين والتكفير والاقصاء. انها شرط للمارسة الديمقراطية الحقة وممارسة التعددية الفكرية والفهم والممارسة. أليس السياسة "فن الممكن" فذلك يعني محصلة قوى متصارعة عديدة موجودة تتقاطع مصالحها وأهدافها أو تتعارض وهذا ضمنا يعني تقبل الآخر منذ عمق التاريخ فلما لا نكرس ذلك أسلوب حياة وتفكير؟
لكن الليبرالية في التفكير كآلية أساسية ديكارتية ترفض أية قيود على تفكير الانسان وآلياته مهما كانت امكاناته الفكرية والعقلية صغرت أم كبرت لا تعني أبدا اسقاطها على الاقتصاد واطلاق حرية النوازع الجشعة لحب التملك عند أصحاب الأموال ليستولوا على خيرات الشعوب، بل تعني اقتصادا حرا يخضع لقوانين ديمقراطية اجتماعية تحمي كرامة الانسان وحقة في حياة حرة كريمة توفر الكفاية للجميع وتضمن عدالة اجتماعية متطورة دائما ومتغيرة مع تغير الظروف المحيطة بالمجتمع.
لا يمكن لعاقل أن يفهم من الليبرالية في التفكير وما تعنيه من ديمقراطية الممارسة السياسية أن تعني اعادة انتاج ظروف وشروط اقتصادية واجتماعية مر عليها قرون من الزمن وولدت وطورت أنماطا من الادارة والاقتصاد طابعها الاساسي ديمقراطي اجتماعي يقوم على أساس بناء منظومة اقتصادية اجتماعية ثقافية أساسها العدالة الاجتماعية ومساعدة الطبقات الأقل حظوة أو الأكثر غبنا محققة تكافؤا في الفرص. فهذه تجربة العديد من الدول التي شهدت تطورا اجتماعيا واقتصاديا وعلميا وثقافيا ملحوظا بفضل تطبيق هكذا منظومة من الديمقراطية السياسية التي تحمي وتكرس التفكير الليبرالي الحر المنفتح الذي دفع بثقافة مجتمعاتها الى مواقع ريادية وتكرس نظام اقتصادي اداري يقوم على حرية اقتصادية تخدم منحى تعميق الديمقراطية الاجتماعية والعدالة التي تعني اشتراك جميع المواطنين في المنفعة من هذه الحرية الاقتصادية وتضمن حق الانسان في الحياة الحرة الكريمة.
بلا شك أنه لا يجوز أن يكون الاصلاح السياسي والاقتصادي في سوريا وسيلة لامساك أصحاب الأموال غير المشروعة بمفاصل الاقتصاد والسياسة والادارة والا لكانت هذه العملية مجرد عملية غسل الاموال. فاذا تكررت تجربة أوروبا الشرقية حيث من أثروا في الظل أو الظلام على حساب مصلحة الأوطان والشعوب قد استخدموا التغيرات التي رافقت اشاعة الديمقراطية في النظام السياسي ليستولوا على مقاليد الأمور بشكل أو آخر في هذه البلاد.
لمواجهة هذه المخاطر لا بد من تعاون شامل عريض يضم كل الوطنين الديمقراطيين لمواجهة هذه المخاطر ووضع عملية الدمقرطة في خدمة الشعب والوطن عامة وليس في خدمة فيئة قليلة.

د . محمود محفوري : رئيس المكتب السياسي في حزب النهضة الوطني الديمقراطي
www.alnahdaparty.com








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين مؤيد ومعارض.. مشرعون أمريكيون يعلقون على قرار بايدن بتجم


.. السويد.. مسيرة حاشدة رفضا لمشاركة إسرائيل في مهرجان غنائي في




.. نائبة بريطانية تدعو حكومة بلادها إلى الضغط على إسرائيل لوقف


.. أخبار الساعة | عمالقة النفط يدعمون حملة ترمب بمليار دولار




.. أخبار الساعة | -بوينغ- تسجل 3 حوادث جديدة خلال 48 ساعة