الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإصلاح الاقتصادي في العراق ودور صندوق النقد الدولي IMF

جميل محمد جميل

2011 / 9 / 13
الادارة و الاقتصاد




الإصلاح الاقتصادي في العراق ودور صندوق النقد الدولي IMF
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



تناقلت مؤخراً بعض وسائل الاعلام الدولية خبراً مثيراً يشير الى ان من اسباب سقوط النظام الدكتاتوري لزين العابدين بن علي في تونس هو الوصفات التقشفية لصندوق النقد الدولي IMF التي بات ذلك النظام ينفذها منذ عقدين من الزمن مما ادت في النتيجة الى زيادة اعداد العاطلين عن العمل وارتفاع اسعار السلع والخدمات وزيادة الفقر والحرمان وتفشي الفساد المالي والاداري وهذه الظاهرة تتناسب طردياً مع زيادة ابتعاد الدول عن التدخل في الحياة الاقتصادية لصالح جموع البشر 0
ويبدو ان مشكلة تونس بدات بالتحرك يوماً بعد اخر في بلدان عربية اخرى سياساتها الاقتصادية ترتبط ببرامج صندوق النقد الدولي IMF 0
وتاتي هذه المقالة لتسليط الضوء على مدى علاقة هذا الصرح الراسمالي IMF بالاصلاحات الاقتصادية التي تطبقها العديد من البلدان النامية اخرها الحكومة العراقية منذ ما بعد عام 2003 0
صندوق النقد الدولي احد الاذرع الرئيسية الثلاث لهيكلية النظام الاقتصادي الدولي الذي تاسس قبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية بقليل (1944) ، وتاسس هذا الصندوق جنباً الى جنب مع البنك الدولي للانشاء و التعمير والمنظمة العالمية للتجارة ضمن اتفاقيات معاهدة برتن دودز التي انعقدت انذاك في ولاية نيوهمبشاير في الولايات المتحدة الأمريكية بحضور نحو ثلاثين دولة 0
وقد استهل صندوق النقد الدولي نشاطه تحديداً في 22 اذار / 1947 وحيث تشكل حصة الولايات المتحدة في رأسماله عند التاسيس بحدود 21% وبريطانيا بحدود 5% واقل من هذه النسبة للبلدان الاخرى0

هذا وان الحصة "المساهمة" الكبيرة للولايات المتحدة في رأسمال هذا الصندوق جعلها الحاكمة فيه وصاحبه القرار الاول في نشاطاته وكثير من الناس يخلطون بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي فالصندوق مؤسسة مالية "نقدية" ذات موارد معينة هدفها الرئيس تصحيح الاختلال في موازين مدفوعات الدول التي تعاني من هذا الاختلال ، ومع ذلك فالصندوق ليس منظمة او جمعية خيرية لمساعدة البلدان النامية كما هو الحال بالنسبة للبنك الدولي ، فليس من انشطته اعطاء قروض تنموية بل نشاطه في جوهره يعتمد على مبدأ القرض القابل للتجديد لامكانية تدوير راسماله 00 بمعنى اخر ان نشاطه يقتصر على اعطاء القروض القصيرة الاجل والمتوسطة "لغاية 5 سنوات" لمساعدة البلدان في التغلب على العجز في موازين المدفوعات 00 وهذه الشرطية في اعطاء القروض تتيح له فرض "تدابير" معينة مصاغة من قبله لتصحيح الاختلال في موازين مدفوعات البلدان الطالبة لهذه القروض ولهذا الغرض حصراً 0 على ان حقيقة الامر تكمن في اهدافه لتقليص دور الدولة في الاقتصاد والاتجاه نحو اليات السوق ومن خلال اصلاحات اقتصادية تتضمن اعادة هيكلة القطاع العام للبلد المعني اهمها خصخصة المنشات والمشاريع العامة و ابتعادها عن النفع العام0
وهذه التدابير التي يطالب صندوق النقد الدولي باجرائها للبلدان المحتاجة هي مثار الجدل منذ ان ابتدأ بنشاطاته فلا يمر مؤتمراً مالياً او اقتصادياً دولياً و اقليمياً الا وتثار مسالة هذه التدابير " شروط الصندوق" باعتبارها شروطاً قاسية يفرضها الصندوق على البلدان المحتاجة لقروضه و التي لا يعرف مداها السلبي

لاحقاً على الاقتصادات و الاوضاع المعيشية للشعوب 0
ومن هذه التدابير ما يمكن ايجازها بالاتي :
- تخفيض الانفاق الحكومي 0
- الحد من تدخل الحكومات في الية الاسعار وحركة الاسواق 0
- رفع الدعم السعري عن السلع و الخدمات العامة للقطاع العام 0
- زيادة الضرائب والرسوم على المؤسسات الخدمية العامة 0
- التحكم في السوق النقدية من خلال تحديد الائتمان ورفع أسعار الفائدة وتسوية أسعار الصرف وحتى تخفيض قيمة العملة متى يتطلب الأمر بذلك بإشارات من هذا الصندوق 0
هذه إذن التدابير التي يطلبها صندوق النقد الدولي من الحكومات المحتاجه للاقتراض لتدعيم موازين مدفوعاتها وتقليل العجوزات المالية ، وحيث يعتبر خبراء الصندوق تطبيق هذه التدابير ضرورية جداً لتصحيح الموازين والمضي قدماً في الإصلاحات الاقتصادية ومن الطبيعي جداً أن تثار تساؤلات عديدة من قبل البلدان النامية حول هذه الإجراءات الصارمة والتي تجعل الانتقال من حالة الاقتصاد المخطط إلى الاقتصاد المفتوح صعبة للغاية ، جدير بالذكر أن مثل هذه التدابير هي في الحقيقة مستوحاة من "النظرية الكنزية" ابان الثلاثينات والاربعينات من القرن المنصرم عندما تم التغلب على الازمة الراسمالية الكبرى التي سميت بالكساد العظيم انذاك 00 على ان الامر قد اختلف لاحقاً عند مطلع الثمانينات من القرن نفسه حيث باتت الاوضاع الاقتصادية والمالية الدولية معاكسه لما كانت عليه انذاك 00 من جانب اخر ما يصلح للاقتصادات المتطورة من معالجات لاتصلح للاقتصادات النامية من حيث ان مسببات الازمة الاقتصادية في البلدان المتطورة هي ليست نفسها في البلدان النامية 0 ومن هذه المنطلقات فالوصفات العلاجية للازمات تختلف في دول المجموعة المتطورة عن دول المجموعة

الثانية وما نود ربطه في هذا الصدد هو موضوعة الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد
العراقي الحالي مع الوصفات العلاجية التي تتيحها المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي و الاليات المالية لنادي باريس ، فلقد ربط النادي موضوعة شطب الديون العراقية المتراكمة عليه ، وهي غير شرعية نتيجة الممارسات العسكرية للنظام السابق ومن ثم تنفيذها على اقساط ثلاثة طبقاً لموافقة صندوق النقد الدولي على ما يجري من إصلاحات اقتصادية في البلاد 00 بمعنى أخر بقدر ما تستجيب الحكومة العراقية لتصحيح هيكلية النشاط الاقتصادي طبقاً لتدابير الصندوق بقدر ما يستجيب نادي باريس لإتمام عملية شطب الديون 0
أضف إلى ذلك إن الاتفاقيات الطارئة للحكومة العراقية مع ادارة الصندوق و كذلك مع منظمة التجارة العالمية تقتضي الالغاء التدريجي للدعم السعري في الاقتصاد العراقي ابتدات بسلع الوقود "المشتقات النفطية عام 2006 وقد تستمر لسلع اخرى 0
ويبدو ان حشر العراق في هذه الزاوية يجعل الحكومة العراقية في وضع لا تحسد عليه في الوقت الذي يطالب فيه المجتمع العراقي الجريح بمزيد من الدعم الحكومي في شتى مفاصل الاقتصاد ، فرجال الاعمال و الصناعيون يطلبون دعم الدولة لمشاريعهم الصغيرة والكبيرة ، والمزارعون والفلاحون يطالبون باستمرار دعم مدخلات و مخرجات الانتاج الزراعي بل و زيادة هذا الدعم 0 جموع الناس من المستهلكين يطالبون بدعم البطاقة التموينية "المتعثرة اصلاً" وزيادة مفرداتها وهكذا بقية فئات و طبقات المجتمع العراقي 00 وهؤلاء على حق في مطالبتهم نتيجة لتردي الاقتصاد ومستويات المعيشة والزيادة المطردة في البطالة وفي مستويات اسعار السلع و الخدمات 0




والسؤال الكبير هو اذا كان الامر كذلك حالياً فكيف سيكون عليه الحال عند تنفيذ البرنامج الاصلاحي الذي يرعاه صندوق النقد الدولي خاصة في مجالات رفع الدعم السعري عن السلع الغذائية والخدمات وعن الطاقة ، لا نستطيع بطبيعة الحال الاجابة عن هذا السؤال ضمن هذة المقالة المقتضبة ، كل ما نستطيعه الان هو تقديم جملة من المقترحات نامل من الحكومة الحالية القيام بها وكما يلي :
اولاً : لا بد لصندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الاخرى من مراعاة الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الحالية عن طريق وضع العراق في "خانة استثنائية" لإجراءاتهم الصارمة لا سيما في مجالات دعم الأسعار و الأنفاق على الخدمات العامة 0
ثانياً : الضغط السياسي على الدول المانحة للمساعدات للاسراع في تنفيذ التزاماتها في مؤتمر مدريد وفي الوقت نفسه العمل على تعديل شروط وانسيابية الاموال لتصل بالكامل الى الهيئات المنفذة لاعادة الاعمار من دون واجهات اضافية او سمسرة خدمية من مؤسسات اضافية او اعادة خدمات مصرفية غير مبررة تستقطع من مبلغ المنحة 0
ثالثاً : ينبغي على الحكومة واجهزتها الرسمية تحديد الفلسفة الاقتصادية للدولة على وجه الدقة ليعرف المنتجون والمستهلكون وارباب العمل والمؤسسات المصرفية ما يفعلونه و الى اين هم سائرون ، فمنذ سنين عديدة لم نجد شخصاً رسمياً واحداً يتعرض لهذه الفلسفة وكان الاقتصاد معزول تماماً عن السياسة 00 موضوعات غاية في الاهمية لا تبحث ولا تدرس وتحلل مثل الخصخصة ، الدعم السعري ، الاستثمار الاجنبي ، استراتيجيات التنمية الزراعية والصناعية والخدمية والتجارية وغير ذلك من الموضوعات والاليات التي يجب ان يطلع عليها الانسان العراقي 0



اخيراً وليس اخراً نؤكد ما يكتبه ويقوله العديد من خبراء الاقتصاد والمال بصدد الاصلاح الاقتصادي التدريجي المرغوب ، وان الظروف الحرجة والدقيقة التي تمر بها البلاد تقتضي الحكمة والتعقل والفكر الواضح وبذل الجهود الصادقة للخروج من غمامة الاقتصاد الرمادي او الفوضوي الحالي ان صح التعبير لان الاستقرار الاقتصادي اساس الاستقرار السياسي ولنا درس حديث جداً مما يجري حالياً في تونس والجزائر واليمن ومصر وغيرها مما قد تنتقل عدوى الانتفاضات الى شعبنا العراقي الجريح اصلاً 0
وهنا تاتي اهمية الحنكة الاقتصادية لدى السياسيين 0
أ0د جميل محمد جميل
خبير و أكاديمي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لأول مرة طارق الشناوي يتخلى عن النقد.. مش جاي عشان يجلد حد ب


.. بوتين يغير القيادات: استراتيجية جديدة لاقتصاد الحرب؟ | بتوق




.. رشا عبد العال رئيس مصلحة الضرائب: لا زيادة في شرائح الضرائب


.. مستقبل الطاقة | هل يمكن أن يشكل تحول الطاقة فرصة اقتصادية لم




.. ملفات اقتصادية على أجندة «قمة البحرين»