الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكوميديا الرمضانية المخزنية بين البلاهة والابتذال

محمد فكاك

2011 / 9 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


الكوميديا الرمضانية المخزنية بين البلاهة والابتذال
تعبر أغلب الأعمال الكوميدية التلفزيونية عن فهم بدائي ورديء للفن والأداء الكوميدي، باعتبارهما نوعا من التهريج والاستظراف.
هكذا تكون الكوميديا المخزنية هي الكارثة التي لا تخرج عن الإثارة المصطنعة والادعاء الأجوف ،والتلميحات الجنسية الفجة والممجوجة ، والهراء الأفرغ.لقد لوثت أذواق المغاربة وسطحت عقولهم وخربت نفوسهم بهذا المسخ الفني المخزني الهابط الذي لا يقل خطورة عن الفكر الأصولي والسلفي المتطرف من خلال هذه المهازل الفنية ،وفتاوي الاستبداد الديني الدخيلة على تقاليدنا ،والآتية من جحور وكهوف الرجعية السلفوية السعودية والباكستانية والأفغانية.
لقد تعرض المغاربة طيلة شهر رمضان، إلى قصف ممنهج أكثر فتكا وبطشا من قاذفات الصواريخ ،بسبب هذه المسلسلات الاسهالية للأدمغة والمخ والذكاء
فإلى متى هذه المسلسلات البذيئة تبث بشكل متواصل على القنوات المخزنية ، تصيب المغاربة في مقتل وترتكب في حق الشعب ،أكبر الجرائم الثقافية والفنية ،لأن جرائم القتل لا تكون بالسكين ،فحسب ، ولا بالمسدس فحسب ، ولا بالخنجر فقط ، بل تبدأ بتحريف الوعي ، وتسطيح الفكر ،وتلويث العقل والقلب والفكر والوجدان.يمكن أن أقول . إن ما تقدمه القنوات من أعمال مخزية ومهازل فنية ممسوخة لا تراعي أبسط شروط الفن ، ولا ترى ضرورة اعتبار اعتبار التربية والتعليم والثقافة والبحث العلمي ودخول عصر المعرفة ، قاطرة التقدم الحضاري لكل بلد يريد أن يعيش الألفية الثالثة ، مع ما يرافق ذلك من حرص على صيانة حرية التعبير والإبداع الفني والأدبي.
إن المغاربة بهذه البرامج الوسخة والمزبلية ،ليسيرون إلى الأمام، لكن رقابهم ملوية إلى الخلف ،وأرجلهم إلى السماء.
إن أبهى تخلفهم ،أعني أصحاب القرار ، هو وقاحتهم في تزوير التاريخ ،ولي عنق التراث ،حين يقدمون على معالجته معالجة فجة ومقحمة ، والأمثلة على ذلك كثيرة ومتنوعة، منها المسلسل . حديدان للمخرجة فاطمة بوبكدي ،الذي شغل فئات شعبية لا بأس بها ، والذي يدخل في إطار" الجمهور عايز كدا" والكوميديا التهريجية مربحة ولو على حساب حاجة الجمهور إلى الفن الجميل واللقطة الهادفة والصورة ذات المعنى ، والتي تحمل قضية وموقف وفن.
إن المشكلة الكبرى والمعضلة البنيوية التي تواجه كل حركة جادة وبالأخص في المغرب ، هي غياب ذوي الاختصاص في ميدان السيناريو الذي يتوكأ عليه الفيلم كعمود فقري ،لا يستقيم الفن بدونه ،" أعطني سيناريو جيد ،أعطك ملحمة فنية رائعة"
هكذا تجد نفسك أمام أعمال ،لا ،سينمائية ، لا مسرحية ،لا كوميدية ،بل بناءات مفككة ،متهاوية ،آيلة للسقوط منذ البداية ،وعقد لم يحسن صياغتها.
هكذا تضيع الجهود والمحاولات للاشتغال على التراث في مسلسل "حديدان" حيث ظلت تعوزه الحياة الفنية الحقة ،فتاهت فيه الأحداث في سراديب وجحور الذيب ،جاء متهافتا مهلهلا رغم قدرات الفنانات والفنانين والتي هي جديرة بالاهتمام. ناهيك عن الحركات التهريجية الزائدة والتعبيرات الزائفة والمشاهد المزعجة. وإلا ما معنى الفن إذا لم يعبر عن ضمير الشعب وهمومه وقضاياه؟ ولمن تقرع الأجراس ؟ ومن يضيء المصابيح في الظلام ؟ ما معنى أن نكون علامات لكن بدون معنى ؟ وما معنى أن يعجز شعب على إبداع حركة فنية عظيمة لزرع أزهار الأمل والضحك كبلسم لجراحات البؤساء نتيجة تحكم نظام يعد من أعتي أنظمة الاستبداد والديكتاتورية والظلم والقبح والفساد.
إن هذه الكوميديات الجيفية التي يمطرها النظام على المغاربة ،لهي أشد عداوة ومضاضة من الاجتياحات القمعية والوحشية . لأنها هي الوجه الأقبح والصورة الإرهابية للنظام السياسي.
أن يحتشد كل تلك الجموع القطعانية من محترفي التسول الرخيص ، من مغيين ومسرحيين وممثلين ليقدموا أنفسهم كبراحين في جوطيات وسوويقيات المخزن ،فيهللون ويطبلون ل"مجموعة الضحى الاستعمارية الإمبريالية" ويصبغون عليها صباغة مغربية ،وما هي بمغربية ، ولكن شهود الزور كثيرون في " اليومين دول"
أهكذا يكون الفنان؟ كلا ، وألف كلا ،فما هكذا تورد الإبل ،أنت ،يا سعدة ، وأنت يا سعد. وكيف يسمح فنان لنفسه أن يبيع نفسه بثمن بخس . دراهم معدودات ،فيتطاول على الثورة المغربية ، ويطلب جهارا من المواطنين باسم الحكمة"أن يعطوا لأنفسهم السعة ويبتعدوا عن الحركة ،حتى يتفرغوا لتسمين دجاجهم ،وإراحة مزاجهم ، وتبدين زوجاتهم" ليأتي فنان كنا نعده من الأخيار المقربين ،ليخدش حرمة الفن ،ويتمخزن أكثر من رئيس المخزن ،حين يقول دون أن ترتعش لحيته الرثة ،" ما مفاكينش ،واش غيراللي سخن راسو ،يقول ’ما مفكينش" وتانا نوض أو نقول وا باراكا"
هكذا جعلوا من الفن الكوميدي الجميل أداة مسخرة لخدمة المافيا المخزنية ،وسماسرة وقوادي الاستعمار ، وبالتالي تحولوا إلى موميات ، وقردة خاسئة ، رهائن لدى نساء ورجالات المخزن وفهموا عوجا أن الفن ’صراخ ورقص ماجن وتهريج رخيص ،وضجيج وفوضى ودرامات مفتعلة. وفي أي زمان ؟ فعلوها في ظل مرحلة الانتقال من الزمان الديكتاتوري الميت ،إلى زمان انتصار إرادة الشعب العربي. في ضوء لحظة عربية ثورية ،بامتياز، حيث تتوق الشعوب العربية التي طال زمن الاستهانة بكرامتها إلى حياة العزة والكبرياء والمساواة والحرية ،والعيش في ظل دول ديمقراطية حديثة تواكب العصر ، وتتطلع إلى لحطة تحرر جديدة مستعدة لبذل الأرواح والأموال والدماء المدرارة على دروب الحرية والديمقراطية والكرامة.
ألا تخجلون يا فناني ،وأنتيكات أخر زمن في العوامات المخزنية؟ ألا تستحيون من تمجيد وتملق نظام ديكتاتوري دموي ،وقف ،ويقف على قمة هرم وعرش من جماجم ألاف الشهداء والضحايا؟
إن الفنان الشعبي يتخذ من بيت شعري لأبي الطيب المتنبي’"
إذا غامرت في شرف مروم....... فلا تقنع بما دون النجوم
فكن شريفا وامسك الشمس بيديك. فإنه " من لا يحب صعود الجبال ... يعش أبد الدهر بين الحفر.
ومن لا يعانقه شوق الحياة.....تبخر في جوها واندثر
أستحضر أخر مسرحيات صلاح عبد الصبور ،حيث ملك يستبد بكل شيء
(ما دمت أنا صاحب هذي الدولة.. فأنا الدولة ..أنا ما فيها. أنا من فيها.أنا بيت العدل .أنا بيت المال .أنا بيت الحكمة.. بل إني المعبد .. والمستشفى. والجبانة.. والحبس..بل إني أنتم.. ما أنتم الا أعراض زائلة ،تبدو في صور منبهة.. وأنا جوهرها الأقدس..
وينتفض الشاعر ليصرع الجلاد..ذراع الملك.. الديكتاتور ،والية بطشه. ، فتخاطبه الملكة .أنت صرعت الجلاد .. وصرعت الخوف . عزف المزمار نشيد الأم.بينما أصبح سيف الجلاد الغاشم. أعمى لا يجد طريقه .. أقدم .. خذ منه السيف ... فيضرب الشاعر الجلاد... أداة السلطة الباطشة كان بالمزمار.. الفن ... الثقافة ... والذي به سحق السيف.. القوة ... الباطشة...
فكيف خلا الجو لكل لبلابي متسلق وبدون أية مؤهلات أو موهبات أو ملكات إبداعية .هذا المحسوب على الفن"يشبه البئر الذي حفرت للحصول على الماء ، غير أنها لم تجد على حافريها سوى أحجار عطشى ، أو ربما هو كشجرة سقطت عنها أوراقها في الخريف ،فلم تعرف كيف تسترجع أوراقها عندما أقبل الربيع..
كلمة أخيرة أقتبسها من المتنبئ.
من يهن ،يسهل الهوان عليه ..... ما لجرح بميت إيلام
ومن البلية عذل من لا يرعوي عن غيه ،وخطاب من لا يفهم
خريبكة في 11.09..2011
محمد فكاك
ابن الزهراء
أحمر المبادئ واللون والعلم والشفق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما أبرز رهانات الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية الفرنسي


.. كلمة رئيس حزب -فرنسا الأبية- جان لوك ميلنشون عقب صدور نتائج




.. بسبب التنقيب عن الآثار.. مقتل طفل بجريمة مروعة في مصر


.. بالمسيرات الانقضاضية.. حزب الله يستهدف إسرائيل.. والغرب يحذر




.. حزب الله.. القدرات العسكرية | #التاسعة