الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اردوغان و الحلم العثماني في المنطقة العربية

محمد السينو

2011 / 9 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


نها خطوات جديدة في سيناريو الدور التركي وموقف الحكومة التركية من الوضع في سورية وآفاقه، وقد كانت البداية تقليداً للموقف الأمريكي الذي تعاقبت حلقاته عندما قامت الثورة المصرية، وقد حذا أردوغان حذو أوباما فأعلن أنه نصح الرئيس السوري مراراً بضرورة الإصلاح في سورية.
إن التصريحات التركية لا يمكن فصلها عن تصريحات وزير الخارجية الفرنسي وهي متناغمة مع تصريحات أوباما لكنها تضخ بقوة فكرة أن حكومة أردوغان لها دور خاص في الشأن السوري وقد خولت به من حكومة أوباما وحلف الأطلسي (الناتو). يتسم الدور التركي بالشمولية على حد تعبير رئيس الجمهورية التركية، وأخذت حكومة أردوغان على عاتقها القيام بهذا الدور تحت اعتبارات متعددة.
إن طيات ذلك الدور تتضمن أن تركيا لم تعد مكتفية بمستوى العلاقات الاقتصادية بين سورية وتركيا، إنها تندفع نحو دور سياسي مقرر في المنطقة العربية، وطبيعي أن الموقع السوري يشكل مفتاح المنطقة العربية لتحقيق ذلك الدور السياسي. عندما توضع العلاقات السياسية في الواجهة فذلك يرتبط بتأمين الوضع والقوى السياسية الأكثر استجابة مع ذلك الدور، والأشد انسجاماً مع السير بكل مكوناته. ووجدت حكومة أردوغان ضالتها في جناح «الشقفة» في الإخوان المسلمين، وجاء مؤتمر «أنطاليا» في هذا السياق، في حين أن جناح «البيانوني» قام بدور قيادي في مؤتمر بروكسل للمعارضة السورية.
ولم يعد خفياً أن أردوغان يلعب دوراً محورياً في انضاج علاقات وثيقة بين الولايات المتحدة ونماذج إسلامية عربية مماثلة للإسلام السياسي التركي الذي يقوده أردوغان. وقد تطور الدور التركي في الناتو تحت مفاعيل تلك التوجهات. وجاء إعلان الناتو عن إقامة قاعدة برية أطلسية في مدينة أزمير دلالة أخرى على دور متطور لتركيا في المنطقة العربية كافة وليس في سورية وحدها، ولكن سورية تشكل مفتاح ذلك الدور.
إن النقطة المركزية في السياسة التركية تعود إلى التطورات في وضع البرجوازية التركية الكبرى، وقد اصبح الوضع يفرض تحصين المصالح الاقتصادية بالأسيجة السياسية، وهو ما يشكل ملامح متصاعدة لنزعات طورانية قديمة وجديدة، ترتبط بها ضرورة التلطي وراء التاريخ والثقافة والدين والجغرافيا ويضاف إليها اللسان الذي أسس لمؤتمر ضم ست دول يتكلم معظم سكانها اللغة التركية وتحول يوم ذلك المؤتمر إلى يوم «اللسان التركي» في كل عام.
إن التساؤل الضروري والواضح هو: هل تريد حكومة أردوغان أن تكون أداة لأشكال استعمارية تتطلبها مصالح البورجوازية التركية الكبرى التي ترى في النسخ الاستعمارية الكولونيالية نماذج ضرورية لمصالح وتأمين فضاءات مصالحها؟ أليست جهوزية تركيا كما أعلن رئيس الجمهورية تتعدى البحث السياسي وتلوح بدور عسكري تركي بحجة ما يجري في سورية؟
إن المرء لا يقف عند قشور السياسة وعليه أن يغوص في أعماقها، فكيف والتاريخ يقدم الكثير من الأحداث الدالة على أن تركيا لا ترتاح لدور إيراني وعلاقات استراتيجية متينة بين النظامين السوري والإيراني؟ ألم تلتقط تركيا اللحظة الزمانية والمكانية خاصة وإيران تغوص في كثير من المشاكل الداخلية التي تكبل انطلاق النظام الإيراني في الفضاءات العربية؟
إن أمانة الوعي الحقيقي تطرح بوضوح عمق الاختلاف بين ما تريده إيران من دورها في المنطقة وما تريده تركيا التي باتت مساعيها مكوناً أطلسياً في حين أن إيران ما زالت تدق بقوة أبواب المصالح العربية في إقامة الدولة الفلسطينية الوطنية المستقلة ولجم العدوانية الإسرائيلية وتحرير الأراضي العربية. أنضيف أن الطروحات والشعارات الإيرانية تذهب نحو ضرورة نوعية لأفاق وجود دولة إسرائيل في المنطقة؟ وهكذا فأمر أردوغان وسياسته انتهت إلى تطابق كامل مع الاستراتيجيات الأطلسية، كما أنه أصبح أكثر توافقاً مع جنرالات تركيا.
وخلال آتون الصراع المستمر، تعود المهزلة من جديد "تركيا الجديدة" تنبش الماضي وتستحضر عهد الامبراطوية العثمانية، والهدف هذه المرة سوريا المقاومة والممانعة في هذه الأمة، وبداية أطلق رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان النصائح المبطنة وصولاً الى التصريحات الواضحة دون مقدمات، وتركيا مازالت تتحين الفرص للتدخل في قضايا المنطقة تحت ذرائع واهية، وهي تعطي نفسها صفة المدافع عن قضايا الشعوب في الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وما الى هناك من شعارات مضللة، وهذا يدلل على حجم الدور الذي أوكل الى هذا البلد، ولم يمض وقت طويل حتى بدت الحقيقة واضحة، الأدوار تتكامل وتتناسق في لعبة واحدة هدفها إرضاء سيدهم الأميركي الذي أرهقته حروبه في أفغانستان والعراق وهو غارق في أزماته.
واليوم ما أشبه الحاضر الماثل بالماضي القريب، "تركيا العلمانية" بزعامة أردوغان تلبس لبوس "الإسلام" وتعقد الصفقات وتقوم بتنفيذ الأدوار المرسومة لها، وهي تتحالف مع "الإخوان المسلمين" في كل مكان، وتقوم بالمساعدة في إنجاز مصالحة فلسطينية شكلية، وتركيا تم اختيارها لزعزعة الاستقرار في سوريا لإضعافها في محاولة لفرض الشروط الأميركية – والصهيونية عليها، وهي تستعين بالأدوات المحلية مستفيدة من الدعم الأميركي والغربي وتحلم بالعودة الى أمجاد الامبراطورية العثمانية وهي تستفيد الى أقصى حدود من غبار أو تواطئ ما يسمى بدول الاعتدال العربي، وهذا هو الدور التركي الجديد في المنطقة.
تركيا لم تعط حتى الآن موقفاً واضحاً وصريحاً في رأيها في مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يعاد النظر فيه وتفعيله بعد "الاحداث" والانتفاضات في العالم العربي، وكل الدلائل والمؤشرات تؤكد أن أنقرة تطمح الى دور قيادي فيه، وبدا هذا يتجلى في العمل الحثيث لتسويق نموذجها على أنه النموذج الأفضل في مجتمع إسلامي شرقي، وبالانخراط الفاعل في رعاية الحركات الاسلامية المعتدلة والقريبة منها مثل "الإخوان المسلمين" في مصر وتونس وسوريا وتقديمها للغرب وخصوصاً واشنطن على أنها المؤسسة القادرة على التعبير عن نبض الشارع العربي والإسلامي.
غير أن هذه الأدوار الطموحة لأنقرة، قد تضعها في تصادم مع قوى إقليمية لها حساباتها ودورها ومكانتها في المنطقة مثل الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي تعمل بكل قوتها لملء الفراغ الناشئ في المنطقة، وتعديل موازين القوى الفعلية لصالح مشروع المقاومة وهناك سوريا المتمسكة بجميع ثوابتها الوطنية والقومية والمتحالفة مع إيران والمقاومة الإسلامية والوطنية في لبنان.
وليس مستغرباً أن تتحول علاقات تركيا مع جوارها الى علاقات تضارب مصالح وحسابات معقدة وخطيرة، ومن المحتمل أيضاً أن تكون ورقة الأمن والأكراد ورقتي ضغط متضادتين في مقابل الضغط التركي على سوريا، علماً بأن لسوريا أوراقاً كثيرة لم تستخدم بعد وهي التي استطاعت الصمود والمقاومة وتحقيق الانتصارات في أكثر من منعطف تاريخي وهي لها حساباتها واولوياتها.
من المؤكد أن سياسة تركيا الخارجية لا تحتاج الى تعديل دستوري كي تبقى وتستمر، لكن سقوط نظرية "صفر مشاكل" عبر الانغماس الى حد العدوانية في شؤون الجيران، تعني أن الفصل الثالث من حكم اردوغان لن يكون عادياً، والتوكيل الأميركي الجديد وإعطاء الدور لتركيا للتدخل في شؤون المنطقة ستكون نتائجه كاراثية على السياسة التركية، وإذا كان صاحب المشروع الشرق أوسطي فاشلاً اصلاً في تحقيق غاياته فماذا ستتوقع من الوكيل سوى الندم والخسارة، في وقت لا ينفع فيه الندم.
في المقابل هناك بعض التوجهات التركية توحي بالتهدئة بدلاً من انزلاق الموقف التركي أكثر، حيث أظهر تخبطاً في قيادة الأزمة، فأردوغان اكشتف فجأة أن لا صداقة بين السياسيين وأن المصلحة وحدها تجمع أهل السياسة وتفرقهم، بينما الرئيس التركي عبد الله غل حرص على القول إن الحوار بين دمشق وأنقرة لا يأتي في إطار الوصاية أو حتى إعطاء النصيحة بل هو مشاطرة أفكار بين جارين شقيقتين.
يبدو أن المشكلات قد شرعت أبوابها في وجه تركيا والنوم التركي "على حرير" قد يتحمل مسؤوليته داوود أوغلو وسياسته "العثمانية الجديدة" التي اعتقد أنها ستصل الى أبعد من المنطقة التي تحيط بتركيا القائمة سياستها الخارجية على "صفر مشكلات"، وليس معروفاً ما إذا كانت العلاقة بين اردوغان واوغلو ستتوتر في المرحلة المقبلة، لأن الأحداث في العالم العربي نسفت سياسة أوغلو التي بناها على أن الحدود العربية مفتوحة أمام الاستثمارات التركية.
العراق بدوره سيشكل عبئاً على تركيا عندما ينسحب الأميركيون من العراق، والرؤية الإيرانية تتحقق وتتقدم وجاهزة لملء الفراغ في المنطقة وهي التي أعدت كافة الاحتمالات، المعادلة تتغير في غير صالح الأتراك كما يبدو، ومن هناك فإن تركيا تفضل سوريا جاراً ضعيفاً، تستطيع أن تفرض هيمنتها عليه، قبل أن تبرز مشكلات المياه والاستحقاقات القادمة، وقبل أن يصبح التحالف الإيراني السوري في أفضل قوته واستعداده، وهذا يعني أن تركيا دخلت في المجهول وباتت أبواب الفوضى مشرعة لديها وستعكس أحداث العالم العربي وتطوراته سلباً عليها، بينما ستكون أميركا مشغولة بانتخاباتها وأوروبا غارقة في أزمة مالية مخيفة.
إنها عوارض "الامبراطورية" في زمن الأزمات المالية، فهل يتعظ أصحاب الأمر بدلاً من خوض حروب الآخرين؟
أهم ملامح الحكومة الجديدة النواب الأربعة لرئيس الحكومة وهم: بولنت ارينش وهو أحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية، علماً بأنه ممثل التيار الإسلامي المتشدد نسبياً في الحزب الحاكم وأعطى صلاحيات موسعة.
وعلي باباجان، وهو مسؤول الملف الاقتصادي ووزير خارجية سابق.
وبكير بوزداغ الذي ظل رئيساً للكتلة البرلمانية للحزب الحاكم، وهو محام اختاره اردوغان للمهمة الأصعب، التوصل الى تسويات مع الأحزاب المعارضة حول دستور جديد، وهو من الجيل الجديد للحزب الحاكم.
بشير اتالاي وهو وزير الداخلية السابق بطل المبادرة الكردية، التي أطلقتها الحكومة عام 2009، وتمكن من التفاوض جيداً مع الأكراد ويكن له العلمانيون الكماليون كرهاً عميقاً.
وأبرز المفاوضات في الحكومة التركية الجديدة، دفع وزير الدفاع السابق وجدي غونول ثمن ما كشفته وثائق ويكيليكس عن أنه كان يكن الكره لوزير الخارجية أحمد داوود أوغلو، فأتى مكانه عصمت يلماز، وهو ما حصل مع النائب السابق لرئيس الحكومة كميل جيجيك الذي اظهرت ويكيليكس أنه كان يعد للإطاحة بأردوغان في عام 2004 فطار منصبه في الحكومة ليصبح رئيساً للبرلمان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أنس الشايب يكشف عن أفضل صانع محتوى في الوطن العربي.. وهدية ب


.. أساتذة ينتظرون اعتقالهم.. الشرطة الأميركية تقتحم جامعة كاليف




.. سقوط 28 قتيلاً في قطاع غزة خلال 24 ساعة | #رادار


.. -لن أغير سياستي-.. بايدن يعلق على احتجاجات طلاب الجامعات | #




.. هل يمكن إبرام اتفاق أمني سعودي أميركي بعيدا عن مسار التطبيع