الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوم من حياة أم معتقل...

نادية حسن عبدالله

2011 / 9 / 14
سيرة ذاتية


لن أنسى في حياتي هذا اليوم.. استيقظت صباحا مكتئبة جدا وكنت قد فقدت الأمل برجوعه للمنزل.. بعد خمسة عشر يوما من الانتظار... والوعود الكاذبة يوميا... والانتظار...والوعود... والوعود.. كانوا يقولون.. ..بعد ساعة سيخرج... اليوم مساءً... وبكرا صباحاً.... واستمرينا في الانتظار خمسة عشر يوما.. ونحن ننظر للساعة .. ونسمع بلهفة باب الدرج يفتح ويغلق وقلوبنا معلقة.... وننتظر بلهفة لنسمع صوته ينادي ماما.....

في هذا اليوم استيقظت مكتئبة جدا... وكنت قد فقدت الأمل بعودته قريبا... وشعرت بأنني سأموت في هذا اليوم.... اتصلت بالأصدقاء.. وكنت قد دعوتهم للإفطار لاعتذر... هو يحب فتة المكدوس... قلت لهم سنلغي الإفطار فهو لن يأتي اليوم... وأنا فقدت الأمل ... نؤجلها ليوم آخر... أردت أن أبقى لوحدي بالبيت .. لا أستطيع أن أرى أحد.. لن أتمكن من الكلام اليوم...سأأخذ المهدأ وأنام ... سأنام طوال اليوم ... تعبت من الانتظار... ولن أتمكن من أن أبقى انتظر... كتبت مسج على الفيس بوك لأحد الأصدقاء ... قلت له أربعة كلمات: أشعر أنني سأموت اليوم.

شربت الدواء المهدأ ونمت... وإذ بالباب يقرع بشده، انه صديقي.. يمكن اعتقد فعلا إنني أموت فجاء بسرعة ببيجامة الرياضة.. عمل لي القهوة.. وصار يمزح معي ويكلمني عن الثورة... وعن الأمل وعن الانتصار... سمعته وأنا مدووخة من الدواء..... استلقيت على الكنبة لأنام ... فإذ بالهاتف يرن... الأستاذ المحامي.. يقول لي ان خالد في المحكمة الآن.. لم أفهم ما كان يقول... عدت للنوم... عاد بالاتصال مرة ثانية وقال لي: حضري الحمام واشتري شامبو سنان فابنك مقمل... لقد خرج ولقد شاهدته بنفسي في قصر العدل.... صرخت بصوت عالي ... خرج خالد... صرت أركض في المنزل مثل المجنونه وقلت لصديقي لبتني لم أأخذ حبة المهدأ.... فأنا أريد أن أشعر بالسعادة لتحرير خالد... اتصلت بوالده.. اتصلت بابن خالته وطلبت منه الذهاب إلى قصر العدل للقاء خالد فهو سيشعر بالأمان إذ رأى وجه يعرفه...اتصلت بكل الأصدقاء الذين وقفوا معي بإخلاص... طلبت منهم الحضور فورا... لقد انتظروا معي كثيرا.. وعانوا معي ...وبكوا معي... يجب أن يكونوا معي لاستقبال خالد...... صرت وصديقي نرتب المنزل.. سيحضر الكثير من الناس... سنحتفل وكنت أصرخ طوال الوقت... لماذا أخذت حبة المهدأ .. يا ربي أريد أن أشعر بالسعادة ... أريد أن أصرخ... أريد أن أجن من الفرحة.............. وهنا أريد أن أتوقف للحظة وأقول أنه لولا وجود هذا الصديق في حياتي الذي تحملني كثيرا... لكنت انهرت فعلا....ولا يمكن أن أنسى الأخوات التوأم وابن خالة خالد وخطيبته.... لولاهم لما تمكنت من التحمل... لما تمكنت من الاستمرار...

بدأ الأصدقاء يحضرون وأنا أعيد نفس القصة للجميع.... يريدني أن أحضر الحمام وأشتري شامبو سنان... يمكن خالد مقمل.... ونضحك وأعود للصراخ وأقول لماذا أخذت الحبة المهدأة... كنت أريد أن أفرح أكثر....... كنت أشكر ربي طوال الوقت ... وأقول تأخر... وراودتني الشكوك مرة أخرى.. ممكن ما يطلعوه.. ممكن يخترعوا له تهمه ليبقى معتقل... وعادت المخاوف والشكوك إلى قلبي... يتصل بي المحامي عدة مرات ليطمني... ويعود المحامي للاتصال ويقول لي ... دخل لعند القاضية ورفضت الدعوة... هو حر حر حر.... كدت أن أفقد عقلي من الفرح...... هذا المحامي الرائع... كان يشعر بإحساسي.. ويعرف خوفي وحزني وألمي.....لهذا كان يتصل كل شوي ليطمنني... طال الانتظار حتى اتصل المحامي وقال انه في طريقه إلى المنزل.... وصرت أقفز وأركض وافتح الباب وأغلقه ....حالة من الهستريا... قال الأصدقاء منيح يلي آخده حبة مهدأ لو ما أخذتها شو كانت عملت......... اتصل خالد بالتلفون وقال: إنا حر حر حر... أنا في طريقي إلى المنزل... لم يكن هناك رد من عندي ... صرت أبكي وأبكي وأبكي.... سمعت صوته من رأس الحارة يصرخ أنا خالد ... أنا رجعت.... لم يتركوني الأصدقاء لأركض لاحتضانه في الحارة... مسكوني وانتظرنا حتى دخل البيت... ..... أتوقف هنا... وتخيلوا انتم البقية.....

حتى اليوم أنا في حالة صدمة... لم أتمكن من العودة إلى حياتي القديمة... لم أتمكن من أن أعود كما كنت بالسابق... شيء كسر داخلي... شيء جرحني للأبد... ولا أعتقد أن الجرح سيلتأم بسرعة.... ما زلت أعاني حتى اليوم... أتخيل كل معتقل ابني.. وأتخيل كيف يعذبون المعتقلين... وكيف يستشهدون تحت التعذيب... أتخيل كيف يتألمون... وكيف يصرخون.. وكيف يضربون ويرفسون ويهانون...

كانت دموعي تنهمر باستمرار... وشعرت إنني في حالة نفسية صعبة... وكان الأصدقاء يصرخون ويقولون لي أنتي قوية ماذا حصل لك...قلت في نفسي صارت عندي عقدة نفسية واحتاج للمعالجة..... ذهبت إلى الطبيب النفسي... وعندما سألني لماذا أحتاج إلى العلاج وشرحت له قصتي.... قال لي انك لا تحتاجين إلى علاج نفسي... انك تحتاجين لأن تنجح الثورة.... وقتها ستشفين وتعودين إلى طبيعتك..
الدكتورة شذى ظافر الجندي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صنّاع الشهرة - تعرف إلى أدوات الذكاء الاصطناعي المفيدة والمج


.. ماذا وراء المطالب بإلغاء نحر الأضاحي في المغرب؟




.. ما سرّ التحركات الأمريكية المكثفة في ليبيا؟ • فرانس 24


.. تونس: ما الذي تـُـعدّ له جبهة الخلاص المعارضة للرئاسيات؟




.. إيطاليا: لماذا تـُـلاحقُ حكومة ميلوني قضائيا بسبب تونس؟