الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على هامش كارثة (8): من قانون الطوارئ لطائرة العودة

عبير ياسين

2011 / 9 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


مرة أخرى وبدون تخطيط أو نية مسبقة أعود لمشهد طائرة العودة لمصر من اليابان عقب زلزال مارس 2011 وما تبعه من تسونامى وأزمة نووية، أعود لأن ما يحدث فى مصر يرتبط بما شهدته الطائرة. أو لنقل بصورة أوضح، ما تشهده مصر فى جزء منه لم يختلف عما شهدته الطائرة أو واقع ما قبل 25 يناير.

وتقتضى الموضوعية التأكيد على نقطة أساسية وهى أن جزء من التغير المطلوب والمرجو لمصر لا يرتبط بقوانين وقرارات بقدر ما يرتبط بعقول ورؤى. أن جزء كبير من التغيير لا يتوقف على إلغاء مادة هنا أو إضافة مادة هناك، بقدر ما يرتبط بإدراك قيمة تلك المادة أو النص فى العلاقة بين المواطن والدولة، وفى تعريف جهاز الدولة ومؤسسات الدولة، وفى تحديد الحقوق والواجبات بين المواطن والسلطة من جانب وبين الأفراد أنفسهم من جانب أخر.

وبدوره يقع النقاش الدائم المتجدد حول دور وزارة الداخلية وإعادة العمل بقانون الطوارئ فى تلك الجزئية، ويرتبط بعدم تأسيس أطر جديدة حاكمة للعلاقة بين رجل الشرطة والمواطن. علاقة لا يمكن أنكار ما شهدته من إشكاليات تنعكس بدورها على الواقع والمستقبل. وهى إشكاليات تتجاوز بدورها تغيير شعار الداخلية من الشرطة والشعب فى خدمة سيادة القانون، إلى الشرطة فى خدمة الشعب كما حدث عقب الثورة فالشعارات والقوانين لم تحمى حرية ولم تضمن كرامة أو انسانية للمواطن المصرى عبر عقود.

وهنا فأن النقطة الأساسية ليست فى وضع قانون ولكن فى آليات التنفيذ المرتبطة به. الآليات التى تبدأ من عقلية ورؤية واضعيه وتمتد لعقلية ورؤية القائمين بتنفيذه. كما ترتبط برؤية المتلقى المتمثل فى المواطن ورؤيته لحقه وواجبه، وطرق التصرف عندما ينتهك حقه، أو ما يجب عمله حتى لا ينتهك هذا الحق.

فعلى الرغم من أن دور الشرطة المفترض هو توفير الأمن والأمان، وأن تكون وسيلة للاحتماء فى لحظات الخطر، شهدت مصر لفترات طويلة صورة معاكسة. صورة تحول فيها رجل الشرطة وكل ما يخص وزارة الداخلية لمصدر قلق أو خوف لدى البعض. ليس بالضرورة البعض المشاغب أو الخارج عن القانون، ولكن البعض الراغب فى الحياة بسلام وبدون مشاكل. شهدنا صور يسعى فيها أفرادها لتجنب رجال الشرطة أحيانا لعدم الوقوع فى مشاكل، أو يتحول فيها الشاهد لمذنب. تلك الصور التى لم تبتعد عن الذاكرة بعد من شأنها أن تثير التساؤلات حول قانون الطوارئ أن لم يكن لذاته، فللخوف من آليات تنفيذه والقائمين على تنفيذه. وأن كان بمعنى أقرب للخوف لعدم تغير الآليات القائمة فى عملية التنفيذ وفى رسم العلاقة وأدراتها.

وهنا فأن الجزء الأصعب للثورة يبدو واضحا، الجزء الذى نعرف أنه لا يحل بقرار أو تغيير قانون. فعملية تغيير العقلية والسلوك تحتاج لوقت وتدريب وتعليم مختلف. عقلية تحتاج أن تتغير لدى المواطن نفسه، كما تحتاج تتغير لدى القائم بالعمل العام فى كل موقع. فكل شخص فى موقعه موظف عام له دور فى حدود الوظيفة، وله مسئوليات فى حدود الوظيفة. كما أن المواطن له حقوقه وعليه واجباته. والجميع يتحرك فى إطار أوسع قائم على القانون وسيادته والمساواة أمامه.

ولكن كما هو الوضع بالنسبة لرجل الشرطة الممثل للدولة فى أحد صورها السلبية، هناك صور وظيفية كثيرة مرتبطة فى الرؤية المصرية بدرجة من السلطة الفوقية والطبقية. تلك الصور تتواجد فى مجالات متعددة لا يعترف أصحابها بدورهم الوظيفى فقط، ولكن يعتبرون أن لهم مكانة فوق وظيفية، مكانة تجعلهم فى حالة من المن والتفضل على المواطن بسبب قيامهم بعملهم بما يؤدى بهم إلى القيام به كنصف أو ربع عمل، أو القيام به بفوقية واضحة هى بالضرورة جزء من مسببات حالة الفجوة والجفاء المترسب بين المواطن وبينهم.

وتلك النقطة هى بدورها التى أعادتنى إلى طائرة العودة. فرغم أنى أعتبرت تعليقاتى السابقة طويلة وأردت إلا أزيدها بالحديث عن كل ما شهدته أو ما استوقفنى من نقاط، إلا أن الحدث لم ولن ينتهى بكلمات تكتب، فأن ما يحدث من جدل حالى فى مصر استحضرت مشاهد الطائرة مرة أخرى.

فعلى الرغم من تفضيلى للسفر على متن مصر للطيران أن أتيحت الفرصة بالخلاف لرأى البعض. فأن ما شهدته تلك الرحلة يؤكد ما يكرر من انتقادات حول الخدمات المقدمة والكسل فى تقديم الخدمة وتقديمها بلا رغبة وغيرها من السلبيات التى ندركها ونتعامل معها للآسف كجزء من الصفقة. فانت زبون نعم، ولكنك لست زبون على حق.

على متن الطائرة لم يختلف الوضع، على العكس كان الجو السائد أقرب لفكرة الخدمة المدعومة. وبالتالى أن كان مستوى الخدمة الطبيعى محل للنقد، فأن الخدمة فى سياق رحلة "مجانية" لا يحتاج لنقاش. مستوى يجعل الإجابة على جرس الاستدعاء حلم صعب تحقيقه. أما الطالب الذى جلس أمامى وشاء حظه أن ينام قبل تقديم وجبة الأفطار، فلم ينل الوجبة بعد استيقاظه وطلب منه أن ينتظر للوجبة التالية، ساعات فضل أن يقضيها فى النوم لأنه لم يرى أن هناك حق عليه أن يتمسك به، فالرحلة مجانية وموقف صاحب الوظيفة (المضيف/ المضيفة فى تلك الحالة) يؤكد أنه ليس لديه الحق فى الوجبة التى لم يحصل عليها بسبب نومه.

أما الطالبة الجامعية التى شعرت بالرعب من فكرة عدم حضور الطائرة كما ردد أحد أعضاء السفارة المصرية، فلم يكن لديها فى ظل عدم أمتلاكها لأموال أخرى كافية كما قالت، وبعدما أنفقت جزء من أموال منحتها الشهرية على المواصلات اللازمة للوصول لمطار كنساى، لم يكن لديها إلا دموعها والقلق من احتمال الا تأتى الطائرة الموعودة وأن نطالب بالعودة مرة أخرى كما جئنا.

فى تلك الحالات لم يشعر الطالب أو الطالبة بأن لديهم حقوق، أو أن هناك مسئولية من قبل مضيف/ مضيفة الطائرة أو موظف السفارة. لم يرتب عليهم تلقى السلوك أى حديث عن مسئولية الموظف فى القيام بعمله، أو مسئوليته فى تبليغ الرسالة بطريقة سليمة وتحمل تبعاتها، أو الإشارة لوجود تقصير فى القيام بالوظيفة مثلا. ما جال بخاطرهم هو ما يجول بخاطر المواطن المصرى دوما فى تلك الحالات التى يقف فيها فى مواجهة السلطة، أن المواطن فى مصر ليس على حق عندما يتعلق الأمر بالسلطة.

السلطة تملك آلياتها، وتملك بحكم التاريخ والجغرافيا سطوتها. والمواطن رغم أن لديه آلياته المفترضة فأن التاريخ والجغرافيا قد ساعدت على تقزيم تلك الآليات وصولا لحالة توحش السلطة فى مواجهة المواطن. توحش اكتسب أحيانا صور سيئة واستمر فى أحيان أخرى محافظا على صورته الخارجية البراقة وأن كانت المحصلة النهائية واحدة وهى تأسيس علاقة غير متوازنة بين السلطة والمواطن.

القضية مرة أخرى تعود للحقوق والواجبات لدى المواطن والسلطة، الكل يعمل فى إطار منظومة الوطن ولا أحد يعلو على أحد فى ظل القانون. ومن يرى أن عمله هو نوع من المن عليه أن يبحث عن ساحة أخرى لتقديم هذا العمل، وعلى الشعب أن يرفض هذا النوع من الأداء حتى يستعيد مكانته كصاحب السيادة.

القضية ليست فى القوانين البراقة، ولا فى وجود مجالس لحقوق الانسان فقط، المهم الآليات والعقلية التى تعمل فى سياقها تلك القوانين والمجالس. الآليات التى تحدد دور كل فرد حسب موقعه ومكانه فى دولة يحكمها القانون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تساهم ألمانيا في دعم اتفاقية أبراهام؟| الأخبار


.. مروان حامد يكشف لـCNN بالعربية سر نجاح شراكته مع كريم عبد ال




.. حكم غزة بعد نهاية الحرب.. خطة إسرائيلية لمشاركة دول عربية في


.. واشنطن تنقل طائرات ومُسيَّرات إلى قاعدة -العديد- في قطر، فما




.. شجار على الهواء.. والسبب قطع تركيا العلاقات التجارية مع إسرا