الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يقبل حزب العدالة والتنمية الاحتكام للقواعد الديمقراطية؟

سامر أبوالقاسم

2011 / 9 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


في الوقت الذي تعمل الدولة والأحزاب ومختلف الفاعلين على التحضير السياسي لأول انتخابات تشريعية بعد التصويت على الدستور الجديد، يجتهد حزب العدالة والتنمية ويشحد كل طاقاته لإنماء شروط التخوف والقلق على حاضر ومستقبل التطور الديمقراطي في المغرب، إذ في الوقت الذي كان ينبغي لهذا الحزب أن يكون مساهما في هذا التحضير كي يتم العمل على تسريع وتيرة التقدم ببلادنا على النحو الذي يجنبها مطبات السقوط في متاهات التعثر الذي تعرفه العديد من بلدان المنطقة، يدفع هذا الحزب الديني إلى وضع بلادنا في مأزق سياسي، قد يؤدي على الدخول في متاهة عدم اتضاح أفق الإصلاحات الهيكلية التي باشرها المغرب طيلة أزيد من عقد من الزمن.

من الواضح أن الرهانات المباشرة لما يلاحظ من حملة سياسية وإعلامية لحزب العدالة والتنمية منسقة ضد تيار واسع وحديث للتحديث والدمقرطة والتنمية، تكشف عن قصر نظر لا يضع المصلحة الوطنية كأولوية، وما تقتضيه من تجاوز للحسابات الضيقة لجماعات التيار السياسي الديني، بل وتُسقط هذا الحزب الديني في شحن المناخ السياسي بتوترات مفتعلة هدفها الرئيسي إطلاق مشروع تحريضي إقصائي ضد كل الأحزاب والفاعلين السياسيين، يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى فرض مشروع أسلمة الدولة والمجتمع بشكل متسلط قد لا يعهد له نظير في تجارب الأنظمة الدينية المستبدة في العالم.

إن هذا المنحى لحزب العدالة والتنمية الذي كشر عن أنيابه فيما تبقى من الوقت الفاصل بيننا وبين إجراء الانتخابات التشريعية المقبلة، ضدا على ما جاء به الدستور الجديد من تعزيز لمكانة ووضع الأحزاب المغربية في قلب عمليات الانتقال الديمقراطي العميق الذي نعيشه اليوم كمغاربة، وهذا السعي الحثيث نحو إجهاض هذه التجربة الانتقالية الفتية، وهذه المقاومة للنزوع نحو تنزيل روح ومضامين المراجعة الدستورية وما فتحته من آفاق واعدة لتطور ديموقراطي إصلاحي عميق، كل هذا يفيد بأن هناك حاجة للنقاش السياسي حول موقع هذا الحزب في الخريطة السياسية المغربية، خاصة وأنه يعبر بالملموس عن فقدانه بوصلة قراءة المرحلة الراهنة، وهو ما يقتضي التدخل من طرف كل الأحزاب والفاعلين السياسيين لتصحيح ووضع هذا الحزب الديني في حجمه وإطاره الصحيح، من أجل احتواء أية أزمة ممكنة ومحتملة قبل فوات الأوان.

فمنذ ما يزيد عن عشر سنوات من انطلاق الحراك الديمقراطي المغربي، اخترنا مسارا يروم الإصلاح الهادف والمعقلن، باعتباره الطريق السالك لمستقبل جديد، وقد كانت منذ ذلك الوقت إلى الآن مسؤولية القوى الوطنية تكمن في تجنب أية مساهمة واعية أو غير واعية في إرباك مسار الإصلاح أو المس بمبدأ الاستقرار، وهو ما وفر لنا إمكانيات وعناصر النجاح في التعاطي مع مجريات الأحداث والوقائع الجارية اليوم على الصعيد الدولي، بشهادة الخصوم قبل الحلفاء.

لكن المؤسف، هو فشل حزب العدالة والتنمية في مواكبة الانخراط في هذا المسار، بل والدخول في مسلسل من التحركات التي قد يكون مؤداها الدخول في متاهات ماسة بمبدأ الاستقرار، نظرا لعدم تمكنه من إعادة النظر في موقعه ومواقفه تجاه التحضيرات الجارية اليوم للانتخابات القادمة، وعدم تمكنه من الاندماج السلس في المشهد السياسي والحزبي المغربي، بما يمكن أن يجعله في موقع دعم الاستقرار والمساهمة في إنجاح الإصلاح.

ويبدو أن كل الخطوات التي أقدم عليها حزب العدالة والتنمية، والمواقف التي عبر عنها لحد الساعة، بل والممارسات والسلوكات الصادرة عنه تجاه كافة الفرقاء السياسيين، كل ذلك يصب في منحى التراجع الذي ـ إن لم يحسب له حساب ـ سنؤدي نحن المغاربة ثمنه غاليا، لأننا مضطرين ـ اليوم أكثر من أي وقت مضى ـ إلى تعزيز موقعنا في المحور الحداثي الديمقراطي إقليميا وجهويا.

إن الحملة السياسية التي يشنها حزب العدالة والتنمية على كل الأحزاب والفاعلين السياسيين، والتهديد بـ"إخراج" الشعب المغربي للاحتجاج في الشارع الذي ما فتئ عبد الإله بنكيران يلوح به في كافة خرجاته الإعلامية، وتبشير الأمين العام لهذا الحزب الديني أنصاره بأن "حزبهم سيحتل المرتبة الأولى في هذه الانتخابات، وأن حدوث خلاف ذلك معناه أن أول تجربة ديمقراطية في العهد الجديد تتعرض للإجهاض"، كل هذا يؤشر على أن حزب العدالة والتنمية يلعب اليوم بالنار، في الوقت الذي كان ينبغي أن يساهم إلى جانب باقي الأحزاب والفاعلين في تحمل مسؤوليته في تجسيد مقتضيات الدستور الجديد.

إذا كانت الانتخابات القادمة هي مجال للتباري بين كل الأحزاب وفق قواعد وضوابط التنافس الديمقراطي الشريف، وإذا كانت تشكل بوابة أجرأة فلسفة وتفاصيل الدستور الديمقراطي، فإن حزب العدالة والتنمية يتحلل من كل هذا ويسارع بخطوات حثيثة في اتجاه رهن مصداقية الانتخابات التشريعية المقبلة ونجاحها ونزاهتها وشفافيتها باحتلاله المرتبة الأولى، التي ستمكنه من فرصة تشكيل الحكومة القادمة، وإلا فإن البلاد بأكملها حسب منطق هذا الحزب الديني ستستعد للمآلات الدموية كما وقع في بعض بلدان الجوار، وهو ما يؤكد عدم قبول حزب العدالة والتنمية بالقواعد الديمقراطية.

إن الاستقرار والمضي في مسار الإصلاح يعتبران مصلحة وطنية عليا، وهما يدخلان في خانة مسؤولية جميع مكونات الحقل السياسي المغربي، ولن نكل من تحمل مسؤوليتنا في التنبيه إلى خطورة خطوات ومواقف وممارسات حزب العدالة والتنمية، خاصة وأن هذا الحزب لم ولن يتوانى في الضرب عرض الحائط بكل مقترحات ومذكرات الأحزاب والإطارات النقابية والجمعوية، واعتبار مقترحاته حول مشاريع القوانين المعروضة هي قاعدة الاتفاق الواحدة والوحيدة، دون أدنى احتكام للقواعد الديمقراطية.

والذي ينبغي التأكيد عليه، هو أن ما وقع من سيناريو المزايدات السياسوية اللحظية أثناء المراجعة الدستورية من طرف هذا الحزب الديني، واقتناص فرصة مراعاة كل الأحزاب للمصلحة الوطنية العامة في ظرف سياسي دقيق، لا يمكن القبول بتكرارها اليوم، وقناعتنا أن تلك الروح الوطنية التي تحلت بها الأحزاب والتي ساهمت في الخروج من تلك المحطة بسلام، هي نفس الروح التي لن تسمح اليوم بإعادة إنتاج نفس سيناريو الأخطاء التي يقوم بها حزب العدالة والتنمية اليوم في حق كل مكونات المجتمع المغربي إبان تدبير المحطة الانتخابية الحالية، وهو ما يفرض على الجميع وقفة لتصحيح قراءة موقع ومواقف وممارسات ومسار تجاوزات حزب العدالة والتنمية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -محاولة لاغتيال زيلينسكي-.. الأمن الأوكراني يتهم روسيا بتجني


.. تامر أبو موسى.. طالب بجامعة الأزهر بغزة يناقش رسالة ماجستير




.. مشهد تمثيلي في المغرب يحاكي معاناة أهالي غزة خلال العدوان


.. البرازيل قبل الفيضانات وبعدها.. لقطات تظهر حجم الكارثة




.. ستورمي دانييلز تدلي بشهادتها في محاكمة ترمب