الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التقرير السياسي للجنة المركزية أعده وقدمه للمؤتمر الرفيق عمار بكداش والذي أقره المؤتمر الحادي عشر

الحزب الشيوعي السوري

2011 / 9 / 15
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية




مقدمة ...
الرفيقات والرفاق !
ينعقد المؤتمر الحادي عشر للحزب الشيوعي السوري تحت شعار «الدفاع عن الوطن والدفاع عن لقمة الشعب»، هذا الشعار الذي وضعه الرفيق خالد بكداش في أواسط الثمانينات من القرن الماضي والذي حدد مسار نضال الشيوعيين السوريين في الظروف المتجددة والمعقدة من أجل وطن حر وشعب سعيد، ذلك الهدف الذي كان وسيبقى نصب أعينهم، والذي قدمت في سبيله أجيال متعاقبة من الشيوعيين التضحيات الجسام مدركة أن تحقيقه يعني الحرية للوطن، والعيش الكريم للشعب، والبسمة للأطفال، والسلم للعالم.
وفي الفترة الواقعة بين مؤتمري الحزب، بقي الشيوعيون السوريون، ثابتين على مبدئهم، يناضلون بإقدام ٍ دفاعاً عن سيادة الوطن وحريته وعن مصالح ومطالب الجماهير الشعبية، عن مصالح الطبقة العاملة السورية المجيدة وجماهير الفلاحين الكادحين، عن مصالح صغار الكسبة في المدينة والريف، عن مصالح العاملين بأجر عموماً، طارحين هموم ومطالب الشباب، مدافعين عن حقوق المرأة، مطالبين بترسيخها وتوسيعها.
والشيوعيون السوريون بنضالهم العام يدركون بعمق الترابط الوثيق بين جانبيه الوطني والطبقي، ويبرزون هذا الترابط بوضوح أمام جماهير الشعب. إذ لا يمكن إجراء أي تحول جدي تقدمي لصالح الجماهير الشعبية، يصون ويطور الإنتاج الوطني ويحسّن عيش المنتجين إلا في ظل وطن حر سيد رافض الإملاءات الإمبريالية. كما أن تعزيز الإنتاج الوطني وتلبية مصالح المنتجين أي غالبية الشعب الساحقة يعزز الصمود الوطني ويقوي التوجه المعادي للاستعمار، وبالتالي يقوي الجبهة العالمية المناهضة للإمبريالية.
نعم، إن الشعار الأساسي الثاني الذي يعقد تحت لوائه مؤتمر حزبنا الحادي عشر هو:
«من أجل جبهة عالمية مناهضة للإمبريالية» من أجل تعزيز هذه الجبهة وتوسيعها. فالعدو الأساسي للشعب السوري كما لشعوب العالم بأسره هو الإمبريالية العالمية. وفي هزيمة هذه القوة الظلامية على النطاق العالمي ضمانة حياة سعيدة لشعبنا في وطن سيد. إن العمل الدؤوب من أجل ترسيخ وتوسيع الجبهة العالمية المناهضة للإمبريالية، هو تطبيق للشعار الماركسي ــ اللينيني الكبير:
«يا عمال العالم ويا أيتها الشعوب المضطهدة اتحدوا!».
إننا في المؤتمر الحادي عشر لحزبنا نؤكد على ما جاء في وثائق مؤتمرات الحزب السابقة، بأن ما يميز النهج التاريخي لحزبنا هو:
أولاً: التحليل الماركسي ــ اللينيني العميق للظواهر. وقد أثبت حزبنا مدى تمكنه من ذلك من خلال تحليله العلمي وتوقعه الدقيق للخطوط العامة لتطور الأحداث على الساحة العالمية والإقليمية والمحلية، حتى أن البعض حاول أن يطلق علينا تسمية «المنجمين»، فأجبناهم كلا .. نحن ماركسيون ــ لينينيون، ومنهجنا هو كلي القدرة لأنه صحيح.
ثانياً: النظرة إلى كل ظاهرة من المنظار الطبقي، أي من وجهة نظر مصلحة الانتصار النهائي للاشتراكية في بلدنا وفي العالم أجمع. وكنا ثابتين في ذلك، لم نحيد عن بوصلتنا الطبقية، ولن نحيد عنها لا بالترغيب ولا بالتهديد. فقوة الحزب الشيوعي وتماسك هيئاته وتراص صفوفه، أي وحدة الإرادة والعمل التي تميز نشاطه، تتحدد بوضوح الهدف الستراتيجي، وعدم وضع اعتبارات تكتيكية آنية مكان هذا الهدف.
ونؤكد في مؤتمر حزبنا الحادي عشر على ما بينه ويبينه المسار المجيد للحزب الشيوعي السوري منذ تأسيسه بأن حزبنا هو حزب الوطن قبل أي اعتبار. ويشرّفنا نحن الشيوعيين السوريين أن نرفع على راياتنا ونذكر في كلماتنا أن همنا الأساسي والأول ونبراس كل نشاطنا هو الدفاع عن الوطن والدفاع عن لقمة الشعب. وكما قال الرفيق خالد بكداش: «وهل أشرف من أن يكون الإنسان جندياً لحرية وطنه وخبز شعبه؟!».
أيها الرفاق ...
لقد سبقت انعقاد مؤتمرنا الحادي عشر مناقشات واسعة لسياسة الحزب العامة وآفاقها المستقبلية من خلال النقاش العام للموضوعات التي أقرتها اللجنة المركزية في آذار من هذا العام.
فقد نوقشت الموضوعات بشكل جدي ومفصل على مستويات كافة هيئات الحزب وانعكس السير العام للنقاش على صفحات «صوت الشعب» وفي خلاصة أعمال المؤتمرات الانتخابية للمنظمات الحزبية. ومن خلال النقاش العام تبين تأييد الرفاق لسياسة حزبهم، وكذلك للتوجهات العامة لهذه السياسة في المرحلة المستقبلية والتي عكستها الموضوعات. هذا الجو من الإجماع حول سياسة الحزب وتوجهاته يعكس بشكل واضح وحدة الإرادة والعمل السائدة في الحزب، كما أنه خلال النقاش تبين راهنية وصحة برنامج الحزب المقر في المؤتمر الثامن.
وقد قررت اللجنة المركزية وضع مشروع للتوجهات البرنامجية الجديدة عوضاً عن المقرة في المؤتمر السابع. فمن المعروف أنه إذا كان البرنامج يبحث في المهام العامة الواقفة أمام الحزب خلال مرحلة تاريخية معينة وبذلك يبقى آنياً لحد نهاية هذه المرحلة بتغيرها الجذري، فإن المهام البرنامجية تلخص المهام الراهنة والخاضعة بشكل أكبر للتغييرات. ولاشك أن تغيراً في الظروف بما فيه تحقيق بعض المهام، إلى جانب نشوء مهام جديدة، تملي إجراء تعديلات عليها وفق هذه المتغيرات مع الإبقاء على المهام والمطالب التي ما زالت راهنة. وسيكون المحور الأساسي لأعمال مؤتمرنا مناقشة وإقرار النص الجديد للمهام البرنامجية.
كما أن ظهور الإجماع الفعلي حول الأهداف العامة لسياسة الحزب التي عكستها الموضوعات، جعلت هذه الموضوعات ونقاشها المكون الأساسي للتقرير السياسي للجنة المركزية الذي هو بين أيديكم.
ومرشدنا في وضع هذا التقرير ما أشارت إليه الرفيقة وصال فرحة بكداش الأمين العام للجنة المركزية لحزبنا قائلة: «إن شعارنا «الدفاع عن الوطن والدفاع عن لقمة الشعب» هما قضيتان متلازمتان، ويجب أن لا تطغى نقطة على أخرى، فلا توجد لقمة للشعب إذا لم يكن هناك وطن حر سيد، وهي معادلة وإن كانت صعبة، إلا أنه يجب أن نحرص عليها. فهذا الوطن وطننا، ونحن لسنا ضيوفاً فيه، ونحن مسؤولون عن الدفاع عنه، لذلك فإننا في طرحنا لآرائنا في السياسة والاقتصاد، نساهم في الحفاظ على استقلال البلاد وبناء حاضرنا ومستقبل أبنائنا».

الفصل الأول
احتدام تناقضات الرأسمالية العالمية
تصاعد المواجهة بين العمل والرأسمال
انتعاش الحركة الثورية العالمية
لقد أكد الحزب الشيوعي السوري في وثائقه الأساسية بما فيها وثائق المؤتمر العاشر للحزب بأن مجمل التطورات التي شهدها ويشهدها العالم المعاصر تثبت صحة تعاليم الماركسية اللينينية، حول أن البشرية تعيش مرحلة الأزمة العامة للرأسمالية والتي سمتها الأساسية الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية. فخلال السنوات القليلة الماضية أثبتت الرأسمالية عجزها الكامل عن حل أي مسألة تقف أمام البشرية، بل على العكس فاقم تطور الرأسمالية في ظل غياب البديل الاجتماعي الاقتصادي والرادع الدولي القوي لها، والذي كان يشكله الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية في دول أوروبا الشرقية والوسطى، كل التناقضات التي تعيشها البشرية وزاد من بؤس حال أغلبيتها. بل أن ما جرى خلال السنوات الثلاث الأخيرة بيّن بوضوح أن الرأسمالية أصبحت عاجزة حتى عن إيجاد أطر مناسبة تصون القوى المنتجة فيها مما يزيد ويعمق من كافة تناقضاتها. هذه التناقضات المنبثقة من التناقضين التناحريين بين العمل والرأسمال وبين الطابع الاجتماعي للإنتاج والطابع الرأسمالي الخاص للتملك.
هذه التناقضات التي لا سبيل لحلها إلا من خلال إيجاد الإطار المناسب للقوى المنتجة المعاصرة، من خلال الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج. أي من خلال انتصار الثورة الاشتراكية التي تفتح أفق المجتمع الشيوعي، الذي ستنتقل فيه البشرية من مملكة الضرورة إلى مملكة الحرية.
إن نضال البشرية من أجل مجتمع العدالة الاجتماعية، المؤسس على الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج مستمر بالرغم من النكسات الكبرى التي تتخلل هذا النضال. فبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، أعلن جهابذة الإمبريالية حلول نهاية التاريخ والتي تصوروها بأنها الإحلال الدائم للسيطرة العالمية للرأسمال بترسيخ أركان مجتمع العبودية. ولقد اتصفت السنوات التسعين من القرن الماضي بزيادة مستوى التراكم في الدول الإمبريالية، نتيجة النهب الشامل الذي طبق على الدول الاشتراكية السابقة وخاصة الأكثر ثراءً، أي على دول الاتحاد السوفييتي السابق.
ولكن، وعند مستهل القرن الحالي فإن هذا المورد الاستثنائي، للأرباح بدأ بالنضوب. ونتيجة ذلك احتدمت التأزمات داخل الدول الإمبريالية، وكذلك بشكل خاص التأزمات بين الدول الإمبريالية الرئيسية. وشهدت تلك الفترات أزمات اقتصادية شديدة هزت بعض الأقاليم والدول (مثل: أزمة النمور الآسيوية، الإفلاس الروسي والانهيار في الأرجنتين وغيرها) ووصلت ظواهر الأزمة إلى المراكز الإمبريالية والتي حاولت إبعاد أثارها من خلال زيادة التوجهات العدوانية الإمبريالية وخاصة ما ارتكبته الإمبريالية الأمريكية من اعتداءات إجرامية على شكل حروب استعمارية ضد أفغانستان والعراق.
ولكن العدوانية الأمريكية فقط أبعدت شبح الأزمة ولم تلغيه، وأواسط العقد الأول من هذا القرن كانت شاهداً على تفاقم كل جوانب الأزمة العامة للرأسمالية، وخاصة بعد الزلزال الذي أحدثته الأزمة الدورية الاقتصادية المدمرة. فمجريات الأمور دحضت مقولة «نهاية التاريخ» الكاذبة. فنشوة النصر سرعان ما تبخرت لدى غلات الإمبريالية العالمية، عندما بيّنت الأحداث احتدام كل تناقضات الرأسمالية وعجز الطغم الحاكمة في المراكز الإمبريالية عن المعالجة الناجعة لهذه التناقضات.
ولكن تجربة العقد الأول من هذا القرن، كما تجارب البشرية خلال النصف الأول من القرن الماضي تبيّن بجلاء بأن البرجوازية الإمبريالية، في مراحل معينة تلجأ إلى أساليب عدوانية فاشية بصفتها وسيلة «للثورة المضادة الاستباقية». وهي تلجأ إلى ذلك خاصة في تلك الأوقات حين يظهر خطر حقيقي على السلطة المطلقة للرأسمال الاحتكاري.
إن «الحضارة» الرأسمالية المعاصرة تترك خلفها ركام المدن وآلاف بل مئات الآلاف من أشلاء الضحايا في يوغسلافيا والصومال ورواندا وبوروندي وأفغانستان وباكستان ولبنان وفلسطين والعراق.
وأصبحت مهمة النضال ضد الإمبريالية ومن أجل الاشتراكية ليست مهمة اجتماعية فقط من أجل الوصول إلى المستقبل الوضاء للبشرية، بل مهمة إنسانية حضارية من أجل الإبقاء على البشرية. فبرأي حزبنا أن المهمة الأساسية التي تقف أمام البشرية بأجمعها، أمام الأحرار في كل العالم هي التصدي للعدوانية الإمبريالية والنضال من أجل تحطيم النظام الرأسمالي. فهناك ثنائية تتوضح أكثر فأكثر: إما الاشتراكية، وإما الهمجية وفناء البشرية.
الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة
إثبات معاصر لصحة التحليل الماركسي
إن ما حدد مسار السياسة العالمية في الأعوام القليلة الماضية هو الأزمة الاقتصادية الدورية الكبيرة التي شهدها العالم والتي هزت قبل أي شيء المراكز الإمبريالية مخلفة توابع اقتصادية واجتماعية جدية. وقد تنبأ حزبنا بوقوع هذه الأزمة مبكراً وحللها بدقة. إذ جاء في بلاغ اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري الصادر عن اجتماعها المنعقد في 5/10/2007 (أي قبل الاعتراف العالمي ببدء الأزمة الشاملة والتي أطلق عليها الاقتصاديون البرجوازيون الكلمة الملطفة الانكماش) حرفياً ما يلي:
«ومع تنامي الأزمة الاقتصادية الدورية والتي باتت آثارها واضحة، ليس فقط في الولايات المتحدة الأمريكية، بل امتدت لأوروبا وشرق آسيا، وليس فقط في قطاع العقارات كما حاولت وسائل الإعلام اختزالها، بل امتدت إلى قطاع المصارف وتلاحقت أسماء معروفة منها بإعلان عجزها، مع تنامي هذه الأزمة تزداد وحشية وهمجية الرأسمالية وتتجه لإثارة المزيد من بؤر التوتر في العالم وإشعال الحروب الجديدة التي غالباً ما تكون الطريق الوحيد الذي تتخذه المراكز الإمبريالية لتعبر وتتجاوز به أزماتها الاقتصادية الحادة».
وأضاف البلاغ: «وأكدت اللجنة المركزية أن استمرار تعمق هذه الأزمة سيؤدي حتماً إلى استمرار وتعمق المواجهة بين الطبقة العاملة في الدول الإمبريالية وبين الاحتكارات فيها. وكذلك سيؤدي إلى مزيد من الأزمات الإقليمية ولعل أخطرها في منطقتنا، حيث تواجه أمريكا وحلفاؤها فشل حربهما على العراق واحتلاله».
(«صوت الشعب» ــ العدد /171/ ــ /13/ تشرين الأول /2007/)
وقد أثبتت تطورات الأحداث صحة تنبؤ حزبنا المستند والمنطلق من التحليل الماركسي ــ اللينيني للواقع الاقتصاد الاجتماعي الذي يعيشه العالم. ولسنا هنا في استعراض كل التفاصيل التي خلفتها الأزمة الدورية الرأسمالية العالمية بالأرقام، (وقد قمنا بذلك في حينه وتابعت «صوت الشعب» كل تفاصيل الأزمة بشكل شامل ومفصل) ولكن سنتوقف عند الخطوط العامة الاقتصادية والاجتماعية للأزمة. فقد حاول الإعلام البرجوازي في البداية تصوير هذه الأزمة كونها حالة طارئة تخص حصراً مجال التسليف العقاري والمنشآت المالية المتصلة به وأن الأضرار التي تلقتها القطاعات الأخرى سببها الحصري هو سوء الأوضاع في قطاع الرهن العقاري. فقد فند حزبنا هذا الإدعاء بشكل مبكر أيضاً، إذ جاء في البلاغ الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية في شباط /2008/ حرفياً ما يلي:
«ومهما حاول جهابذة الاقتصاد السياسي الرأسمالي تصوير الأزمة كونها نتيجة لعوامل طارئة، مثل أزمة القروض العقارية، فإن مجريات الأحداث تدل كلها على أن الأزمات الاقتصادية الدورية هي صفة ملازمة لأسلوب الإنتاج الرأسمالي، والنابعة عن التناقضات التناحرية لهذا الإنتاج، والتي يأتي في مقدمتها التناقض بين الطبيعة الاجتماعية للإنتاج وأسلوب التملك الرأسمالي الخاص».
(«صوت الشعب» ــ العدد /179/ ــ (1673) ــ /10 ــ 17/ شباط /2008/)
ومرة أخرى أثبت تطور الأحداث صحة تحليل حزبنا، إذ انتقلت معالم التأزم الشامل بشكل سريع من المصارف المختصة بالرهون العقارية إلى القطاع المصرفي بشكل عام حيث تصدعت كبريات المصارف الاحتكارية في الولايات المتحدة وأوروبا والعديد منها أعلن إفلاسه. ثم شملت الأزمة القطاع الإنتاجي حيث وقفت العديد من عمالقة الاحتكارات على شفى الإفلاس ومنها عمالقة الصناعة الأمريكية مثل «جنرال موتورز» و «كرايسلر» و «فورد» هذا إلى جانب إفلاس الآلاف من الشركات الأصغر منها حجماً ورمي الملايين من العاملين فيها إلى قارعة الطريق.
هذه الأزمة هي أشد أزمة دورية شهدها العالم الرأسمالي منذ الأزمة الكبرى التي حصلت في فترة /1929 ــ 1933/، والسبب الأساسي لمدى احتدامها كونها جرت في اقتصادات سادها النهج الليبرالي الاقتصادي منذ ثمانينات القرن الماضي بهذا الشكل أو ذاك. وقد بلغت الخسائر التي تكبدتها المؤسسات المالية الاحتكارية في أوروبا وأمريكا مئات المليارات من الدولارات.
ومن الأسباب الأساسية لشدة مفاعيل الأزمة على المراكز الإمبريالية، هو ما سمي بعملية إزالة الطابع الصناعي عنها. فكثير من الصناعات نقلت إلى دول «العالم الثالث» ــ (دول الأطراف) حيث الرواتب أقل وحقوق العمال غير محمية ... الخ ومع ذلك فالسلع المنتجة في تلك الدول كان يجري إنتاجها بقصد بيعها في الأسواق «القديمة» والتي بدأت تضيق بسبب عملية نقل الإنتاج منها. إلى جانب ذلك، بعد انهيار المنظومة الاشتراكية، بدأ هجوم الرأسمال على المكتسبات الاجتماعية للكادحين في الدول الرأسمالية المتطورة. ونتيجة ذلك تقلصت القدرة الشرائية لقسم هام من السكان في الدول الرأسمالية المتطورة، وازدادت مديونيتهم للمصارف، وكل هذه الأمور كان يجب أن تظهر عاجلاً أم آجلاً مفاقمة الأزمة الدورية. بالإضافة إلى ما ذكر، جرى تحويل لجزء أساسي من الأموال من القطاعات الفعلية للاقتصاد إلى مجال المضاربات المالية. وقد أصبحت المتاجرة بأسهم الشركات أكثر ريعية من المتاجرة بالسلع التي تنتجها تلك الشركات.
نتيجة ذلك كان وقع الأزمة متبايناً بالنسبة للدول الرأسمالية. فتلك الدول التي بقيت اقتصاداتها بشكل عام ذات طابع مهيمن للقطاعات الإنتاجية، اتجهت بشكل أسرع نحو استعادة قواها مثل ألمانيا و «الدول الصناعية الجديدة» في آسيا وأمريكا اللاتينية. بينما الدول التي ساد فيها قطاع المضاربات، بأشكاله المتنوعة، على القطاعات الإنتاجية فاقتصاداتها تتجه إلى التعافي ببطء شديد ومع نكسات متتالية مثل حال الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا ودول أوروبا الجنوبية والشرقية.
وتجدر الإشارة إلى أن الأزمة الاقتصادية الدورية منذ بدايتها ضربت بقسوة ليس فقط اقتصادات المراكز الرأسمالية التقليدية، ولكنها هزت بشدة أيضاً اقتصادات ما يسمى بالدول الصناعية الجديدة مثل البرازيل والصين والهند. فخلال عام /2008/ تقلصت الدورة التجارية للبرازيل بحدود /50%/. وكذلك أصاب الشلل جوانب كثيرة من فروع الاقتصاد في الصين، حيث بسبب الاستقطاب الطبقي الشديد الذي يجري فيها لا تعتمد المؤسسات الإنتاجية على تلبية متطلبات الاستهلاك الشعبي فيها، بل إن توجه الاقتصاد الصيني متعلق بالدرجة الأولى بإمكانيات التصدير.
ونتيجة هذه الأزمة انخفض المستوى المعيشي لكل العاملين بأجر، فلم تنحصر عملية الإفقار المطلق خلال الأزمة بالطبقة العاملة فقط وإن كانت هي المتضرر الأكبر، ولكنها شملت جمهوراً واسعاً من الموظفين في المصارف والشركات التأمينية وحتى الجهات العامة التي كانوا عادة في منأى عن التدهور الكبير في مستوى حياتهم (فحكومة ليتوانيا على سبيل المثال أجرت تخفيضاً كبيراً لمرتبات عناصر الشرطة وجرى تسريح جزء كبير منهم)، وفي الولايات المتحدة وجد العديد من الموظفين المتوسطين في الشركات الاحتكارية أنفسهم نواطيراً في الحدائق أو يغسلون الأواني في المطاعم هذا إذا كانوا قد توفقوا في إيجاد مثل هذا البديل لأماكن عملهم المريحة في الأمس القريب، وتورد الصحافة العالمية أمثلة كثيرة على مثل هذه الأحوال. ولاشك أن عملية الإفقار السريع شملت بالدرجة الأولى أكثرية السكان في الدول الاشتراكية السابقة وكذلك جمهوراً واسعاً من العمال المهاجرين في الدول الرأسمالية المتطورة. ولكنها إلى جانب ذلك شملت المواطنين الأصليين في هذه الدول. فعلى سبيل المثال تدل الإحصائيات على انخفاض دخل مجمل العاملين بأجر في جمهورية ألمانيا الاتحادية إلى الحد الأدنى الذي كانوا يتقاضونه قبل عشرين عاماً. أي وبكلام آخر إلى ذلك المستوى من الأجور قبل أن تفتح المجالات الرحبة أمام الدول الإمبريالية لنهب دول المعسكر الاشتراكي المنهار. هذا مع العلم أن الوضع الاقتصادي الاجتماعي في ألمانيا هو أفضل من غيره في الدول الإمبريالية الكبرى.
ومهما كانت مظاهر الأزمة والتسلسل الزمني لمجرياتها إلا أن جوهرها يكمن في كونها أزمة فائض إنتاج دورية والتي شخص معالمها الأساسية ماركس وأنغلس. ومن هنا تـُفهم ظاهرة الإقبال الشديد على كتب ماركس الذي شهدته بعض الدول الرأسمالية في عز اندلاع الأزمة. فمن أجل الفهم الدقيق للأزمة الاقتصادية وتحليلها لابد من الانطلاق من مواقع الشيوعية العلمية. فمن الواضح أن ما وضعه ماركس وأنغلس من التحاليل والاستنتاجات عن الأزمة والدورة الاقتصادية الرأسمالية، آنيّ اليوم بخطوطه العامة. وأن التطور الكبير للقوى المنتجة أكد صحة هذه التحاليل والاستنتاجات.
إن ما جرى أثناء الأزمة الاقتصادية الأخيرة ثبّت مرة أخرى تزايد التناقض بين تطور القوى المنتجة والحواجز والمعوقات التي تضعها علاقات الإنتاج الرأسمالية، والملكية الخاصة بشكل عام أمام هذا التطور. ففوضى الإنتاج الرأسمالي تبقى مرضاً غير خاضع للعلاج بالأساليب الرأسمالية. وحدوث الأزمة الاقتصادية سببه ليس هذه الأخطاء أو تلك أو نهج اقتصادي يسير بالاتجاه الضار، بل هو نتيجة حتمية لأسلوب الإنتاج الرأسمالي. أما النهج الاقتصادي الضار (وفي الواقع الملموس المعاصر ــ النهج الليبرالي الاقتصادي) فقط أدى إلى ازدياد وتنوع الآثار الكارثية للأزمة الاقتصادية.
إن مجريات تطور الاقتصاد الرأسمالي العالمي تدل مرة أخرى على صحة التحليل الماركسي اللينيني لواقع حال علاقات الإنتاج الرأسمالية، وعلى أن الحل الوحيد لجميع المآسي التي ترافق نظام الإنتاج الرأسمالي، يكمن في الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج، في الاقتصاد المخطط مركزياً الذي يضع نصب عينه مصلحة تطوير الإنتاج الاجتماعي لصالح المنتجين، لامصلحة حفنة قليلة من طغاة المال الاحتكاريين.
محاولات الإمبريالية العالمية
إزالة آثار الأزمة على حساب العاملين وشعوب العالم ..
العودة إلى أساليب رأسمالية الدولة الاحتكارية ــ إفلاس الليبرالية الاقتصادية ...
إن احتدام وتفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية، والتي هي بجوهرها أزمة فائض إنتاج نمطية، جعلت الاحتكارات ما فوق القومية تتخذ عدة إجراءات اقتصادية ــ اجتماعية من أجل تخفيف آثار الأزمة عليها، ويأتي في مقدمتها العودة إلى سياسة رأسمالية الدولة الاحتكارية من جهة، ومن جهة أخرى شن الهجوم الواسع على حقوق ومكتسبات الكادحين من أجل وضع العبء الأساسي لتوابع الأزمة على كاهلهم. إذ جرى ويجري تسريح واسع للعاملين في الفروع الاقتصادية كافة، إلى جانب تجميد أجورهم وتقليصها.
ومن نتائج هذه الأزمة التخلي الصريح في المراكز الرأسمالية الأساسية عن سياسة الليبرالية الاقتصادية. وقد أشار كبار المسؤولين في تلك المراكز إلى فشل الاعتماد على «اليد الخفية للسوق»، وسياسة «دعه يمر، دعه يعمل» والتي فاقمت وعمقت كل الآثار السلبية للأزمة. فقد صرح الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بما يلي: «إن فكرة السوق كلي القدرة والذي دوماً على حق هي فكرة جنونية. وإن التسيير الذاتي للأسواق قد انتهى. حقبة دعه يعمل (أي عدم تدخل الدولة في نشاط القطاع الخاص) انتهت». ويقول ستيغليتس الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد ونائب مدير البنك العالمي السابق، فاضحاً زيف المفهوم الليبرالي الاقتصادي، ما يلي: «لا يوجد أي قطاع يسوده اقتصاد السوق بالكامل. فتعبير السوق الحر كان دوماً يستعمل بشكل انتقائي عندما كان يخدم ذلك المصالح الخاصة (من خلال عمليات الاحتيال والكسب والجشع) وكان يلقى به جانباً عندما كان لا يخدم هذه الغاية».
عند تفاقم الأزمة رميت جانباً كل ترهات الليبرالية الاقتصادية وجرى الاستعمال الواسع من قبل الطغم الاحتكارية الحاكمة لأساليب رأسمالية الدولة من خلال زيادة دور الدولة التدخلي في المجال الاقتصادي وصولاً إلى التأميمات في الحالات القصوى. هذه التأميمات التي أخذت شكل توظيف المال العام من أجل إنقاذ الرأسمال الاحتكاري. وإن خففت هذه الأساليب من التأثيرات الحادة للأزمة، وخاصة تلك المؤدية إلى الانفجارات الاجتماعية الشديدة، إلا أنه لم يكن بمقدورها القضاء على الأزمة، كونها الصفة الملازمة للرأسمالية. فكما أشار يوسف ستالين في أواسط الثلاثينات من القرن الماضي: «من أجل القضاء على الأزمات يجب القضاء على الرأسمالية».
إن عمليات التأميم لمنشآت مهمة ولاحتكارات بكاملها التي جرت في المراكز الرأسمالية العالمية، منها ما جرى بشكل صريح ومباشر، وأغلبها جرى بشكل موارب غير معلن من خلال شراء الدولة بكافة تجلياتها، مع أخذ خصائص كل بلد بعينه، لجزء كبير من الأسهم في المؤسسات المتعثرة. وقد رصدت لهذه العملية مئات المليارات من الدولارات واليوروهات والإسترليني، لو وظفت في مجال التنمية ومحاربة الفقر لغيرت وجه العالم. ففي الولايات المتحدة الأمريكية جرى عملياً تأميم أكبر مصرفين أمريكيين «سيتي بانك» و «بانك أوف أمريكا» وكذلك أكبر مؤسستين عاملتين في مجال القروض والمضاربات العقارية «فريدي ماك» و «فاني ماي» إلى جانب التأميم المؤقت لأكبر احتكارين لصناعة السيارات «جنرال موتورز» و «كرايسلر». وجرت عمليات مشابهة في بريطانيا وايرلندا، الدول التي كانت من أكبر أنصار التوجه الليبرالي الجديد في الاقتصاد. في ألمانيا والمعروفة بعدم تخليها أصلاً عن الدور التدخلي للدولة لعبت حكومات المقاطعات دوراً كبيراً في إنقاذ الاحتكارات الكبرى أيضاً من خلال عمليات التأميم المواربة إلى جانب تدخل الحكومة المركزية في الحالات القصوى. وجرت العمليات نفسها في كل دول أوروبا الغربية بأشكال مختلفة. أما دول أوروبا الشرقية فلم يكن لدولها المنهوبة القدرة على القيام بتدخل ملحوظ لذلك جرى الاعتماد فيها على المعونة المالية الخارجية من أجل لجم أخطر تجليات الأزمة. وبالنتيجة، كما يشير إلى ذلك الاقتصاديون التقدميون، فإن دافع الضرائب العامل في مجال الاقتصاد الفعلي (أي في الفروع الإنتاجية) والذي تحمل في الماضي القريب تكاليف التحول إلى الاقتصاد الليبرالي، يقع على كاهله اليوم، تحمل النتائج الكارثية لهذا التحول. إن التطورات الاقتصادية التي جرت في المراكز الإمبريالية الأساسية إلى جانب دلالتها عن العودة إلى الأساليب التدخلية المباشرة للدولة في الفروع الاقتصادية الأساسية، تبين أيضاً التوجه الأساسي للحكومات البورجوازية بحل الأزمة على حساب الأموال العامة أي أموال الشعب. في وقت تحجم فيه هذه الحكومات عن تقديم الدعم الفعال للجماهير الشعبية الواسعة التي انخفض مستواها المعيشي بشكل كبير وواضح. بل على العكس، يكمن التوجه الصريح للحكومات الإمبريالية في حل الأزمة من خلال زيادة استغلال وتعمق بؤس الكادحين.
تسعى الإمبريالية العالمية والإمبريالية الأمريكية بشكل خاص إلى توسيع جبهة القوى المعادية لحركة الشعوب التحررية والثورية والتي أصبح تصاعد نضالها المستمر واضحاً خاصة في ضوء الأزمة الدورية الاقتصادية العالمية الأخيرة. ولهذا الغرض أنشئت مجموعة العشرين إلى جانب مجموعة الثمانية. ولكن تطورات الأحداث بينت أن هذه المجموعة لم تأتِ بشيء جديد سوى التصريحات الفارغة ولم تتناقض أي من أفعالها، ولا يمكن أن تتناقض، مع المصالح الأساسية للإمبريالية العالمية.
لقد دلت مجريات الأمور على الساحة العالمية أن هناك مجموعة من الدول والتي أطلق عليها تسمية «الدول الصناعية الجديدة» تزداد قوة من حيث زيادة ناتجها الوطني الإجمالي. ولكن هذه الأرقام الكبيرة في زيادة الناتج الوطني الإجمالي ما زالت تخفي وراءها الفقر والمشاكل الاجتماعية الكبيرة التي تواجه جزء كبير من سكان هذه الدول وفي بعض الأحيان الغالبية الواضحة منهم. وأهم هذه الدول هي الصين والهند والبرازيل والتي كل واحدة منها تشكل شبه قارة إن كان من حيث المساحة أو عدد السكان أو القدرات الاقتصادية الفاعلة منها والكامنة. وتشكل الصين لوحدها عشرة بالمئة من الاقتصاد العالمي، ولكن هذا الرقم يخفي وراءه الحقيقة الأخرى أنه إذا قسمنا هذا الرقم على عدد سكان الصين، سيظهر أنها من الدول الفقيرة، حسب هذا المؤشر. هذا بغض النظر عن ازدياد عدم عدالة التوزيع في ذلك البلد أي ازدياد الاستقطاب الطبقي فيه. ويجب أن يكون واضحاً عند النظر إلى زيادة قوة هذه الدول مثل الصين أو الهند أو البرازيل وغيرها، بأنها لا تشكل بديلاً تقدمياً للولايات المتحدة الأمريكية، بل إنها تستند إلى نفس الأساس الاقتصادي الاجتماعي. أي أن الأوساط الحاكمة في تلك الدول تمثل مصالح البورجوازية بشتى تنوعاتها والهادفة للحصول على الأرباح القصوى من خلال استغلال العمل والثروات الباطنية والبيئة.
إن تضارب المصالح ما بين الإمبريالية أي بين المراكز الإمبريالية وداخل هذه المراكز موجود دائماً. ولكن إبّان الأزمة شهد العالم احتدام هذا التضارب وصولاً إلى المواجهات غير المباشرة من أجل النفوذ على بعض مناطق العالم المهمة فيما بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول الإمبريالية التقليدية الأخرى، وكذلك مع ما أطلق عليه تسمية «الدول الصناعية الجديدة» والتي عند البعض منها تطلعات إمبريالية واضحة.
ولاشك أن على القوى الثورية التحررية الاستفادة من هذه المواجهة، أي من الخلافات ما بين الإمبريالية. ولكن من الخطأ الجسيم التعويل على أطرافها كبديل أفضل من الإمبريالية الأمريكية. فلا يوجد هناك إمبريالية جيدة وإمبريالية سيئة فكل الإمبرياليات سيئة. كما أنه من الواضح أن المواجهات التي تأخذ أحياناً أشكالاً حادة بين المراكز الإمبريالية التقليدية، والولايات المتحدة الأمريكية خاصة، مع الدول الصناعية الجديدة، مثل الصراع على السودان الذي أوصل الحال فيه إلى أن التقسيم أصبح أمراً كثير الاحتمال ولو أنه سيقتصر على جنوب السودان فقط، فما تبقى سيكون بألف خير، وكذلك الصراع على مناطق أخرى في أفريقيا، إلى جانب احتدام الصراع من أجل إحكام الهيمنة على دول آسيا الوسطى، هذه المواجهات ليست صراعاً بين الإمبريالية والبديل الاشتراكي أو حتى التقدمي، بل هي صراع على أرضية الرأسمالية الاحتكارية وفي إطارها، مع الاتفاق الكامل بين الأطراف المتصارعة القديمة والجديدة منها، على مسألة أساسية بالنسبة لها، وهي استدامة الرأسمالية.
إن الأزمة الدورية الاقتصادية الأخيرة التي شهدها العالم، وبالرغم من شدتها وعمقها، لم تؤدِ إلى نشوء وضع ثوري في أي من الدول الرأسمالية الأساسية. ويعود السبب لذلك إلى التدخل السريع والواسع للدولة في المجال الاقتصادي، والذي بسببه جرى إنقاذ أهم الفروع الاقتصادية وأكبر الاحتكارات المالية. إذ ضخت الحكومة الأمريكية، على سبيل المثال، ما يفوق عن تريليون دولار (ألف مليار دولار) من أجل إنقاذ القطاع المصرفي الأمريكي من الانهيار.
وما كانت الدول الإمبريالية تستطيع أن تقوم بذلك لولا توافر احتياطي نقدي كبير عندها والآتي من نهب دول الأطراف وسيل من أموال البترو ــ دولار إلى مصارفها ومؤسساتها. وفي حال الولايات المتحدة الأمريكية لعب دوراً أساسياً في دعم اقتصادها ذلك المخزون الكبير الذي حصلت عليه من خلال استثمار الصين وروسيا في سندات الخزينة الأمريكية، والذي بمجموعه يتجاوز ألف مليار دولار. فهذه الأموال لعبت دوراً مهماً في إنقاذ القلعة الأساسية للرأسمالية العالمية من الانهيار. لقد أشار المحللون الاقتصاديون أثناء تفاقم الأزمة الاقتصادية الدورية، أنه كان بإمكان الصين أن تـُحدث دماراً كبيراً في الاقتصاد الأمريكي بمجرد تقليص المعاملات المالية معها، أو بسحب جزء من التوظيفات الصينية في سندات الخزانة الأمريكية. ولكن الصين عملت كل جهدها لإعادة الاستقرار للاقتصاد الأمريكي، بالرغم من الخسائر الكبيرة التي تكبدتها بسبب انخفاض قيمة ودائعها في الأوراق القيمة الأمريكية بسبب انخفاض سعر الدولار. ويشرح بعض المحللين الغربيين هذه الظاهرة بما يلي: الصين بحاجة إلى السوق الأمريكية من أجل تصريف بضائعها، بينما الولايات المتحدة بحاجة كبيرة للصين التي تشتري سندات الخزينة الأمريكية. وما يجمع الصين مع الولايات المتحدة هو التضامن المؤسس على تفاعل المصالح الاقتصادية.
نجحت بعض الدول الإمبريالية بشفط جزء كبير من أرباح الدول النفطية وخاصة الدول العربية النفطية، من خلال فرض صفقات هائلة عليها والتي هي ليست بحاجة إليها، كشراء الطائرات والعتاد الحربي، المتقادم في كثير من الأحيان، وإقامة مشاريع تعود بالربحية العالية على الاحتكارات الغربية. ومن أسطع الأمثلة الأخيرة على مثل هذه العمليات هو إبرام صفقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية بقيمة /60/ مليار دولار تشتري بموجبها السعودية أسلحة أمريكية بهذه القيمة. وحظيت هذه الصفقة بمباركة إسرائيلية إذ أن الصهاينة على يقين تام بأنه من المستحيل أن يقوم حكام آل سعود بأي شيء يهدد إسرائيل، بل حتى يزعجها.
كما جرى ضخ الأموال البترولية الخليجية مباشرة إلى الشركات الغربية المتعثرة من خلال شراء أسهمها، والتي يجري استعادتها من قبل تلك الشركات وبشكل شبه قسري، عند تعافيها وخروجها من المحنة. وبالتالي ساهمت الأنظمة البترولية العربية مرة أخرى في مساعدة المراكز الإمبريالية في تخفيف أثار الأزمة الشديدة التي عصفت بها، مثبته عمق إخلاصها للسيد الاستعماري حامي عروشها.
إن ما جرى ويجري من تقديم مساعدات هائلة للمراكز الإمبريالية من قبل الأوساط الحاكمة في عديد من دول الأطراف والآسيوية منها خاصة، ناتج عن مصلحة طبقية واضحة. فالأوساط الحاكمة في تلك الدول تريد الحفاظ على استقرار النظام الرأسمالي العالمي والذي يسمح لها بالوقت نفسه البقاء في السلطة والتحكم بموارد بلدانها الغنية من جهة، ومن جهة أخرى من خلال الدعم الحكومي لاقتصادات المراكز الإمبريالية، يجري الحفاظ أيضاً على التوظيفات الخاصة في الاحتكارات الغربية التي يقوم بها أفراد ينتمون للأوساط الحاكمة في تلك الدول. إنها عملية نهب واسعة تقوم بها الأوساط الحاكمة في دول الأطراف الغنية من أجل مصلحتها الخاصة ومصلحة الاحتكارات الأجنبية.
إن من النتائج الأساسية للأزمة الدورية الاقتصادية الأخيرة والتي ستمتد إلى مرحلة ما بعد الأزمة محددة ً الجوانب الأساسية للتطور العالمي، زيادة تمركز وتركز الرأسمال الاحتكاري، وزيادة مظاهر رأسمالية الدولة الاحتكارية في المراكز الإمبريالية العالمية، من خلال زيادة دور الدولة التدخلي الموجه لمساعدة الرأسمال الاحتكاري والطغم المالية الحاكمة. ومن خلال تعمق أزمة الرأسمالية العالمية يظهر توجهان متلازمان في نهج الطغم المالية والحكومات التي تمثلها. فمن جهة يزداد تضامنها في وجه حركة الكادحين في بلدانها والحركات التحررية في دول الأطراف. ومن جهة أخرى تزداد التناقضات فيما بين المراكز والدول الإمبريالية من أجل اقتسام الحصص من نهب شعوب العالم. هذا الواقع يحدد السياسة العدوانية التوسعية للمراكز الإمبريالية.
الركود الاقتصادي وتفاقم التأزمات السياسية والاجتماعية ...
إن ما حدد ملامح السياسة الدولية في الأعوام الثلاثة الماضية هو الأزمة الدورية الاقتصادية وآثارها والتي شملت كل بقاع العالم وبشدة متفاوتة. وحالياً ما يحدد أهم التطورات السياسية في العالم دخول الاقتصاد العالمي إلى مرحلة الركود ما بعد الأزمة، هذه المرحلة التي عادة ما تمتد سنوات عدة وتتميز بتفاقم التأزمات الاجتماعية بما يرافقها من تصاعد في المواجهات الطبقية من مختلف الأشكال. فكل الدلائل تثبت، ما أشار إليه حزبنا استناداً إلى التحليل الماركسي ــ اللينيني، بأن الاقتصاد الرأسمالي العالمي يدخل مرحلة الركود طويلة الأمد نسبياً ما بعد الأزمة الدورية الشديدة، وأن مرحلة الركود هذه ستتخللها أزمات محلية قد تكون شديدة، مثل ما شهدته دبي، وكما حدث ويحدث في اليونان. وأن هذه المرحلة ــ أي الركود الاقتصادي طويلة الأمد نسبياً تتشابك مع مظاهر التأزم الاجتماعي السياسي المعبرة عن احتدام الصراع الطبقي.
وفي هذا السياق يستمر الهجوم من قبل الرأسمال على مصالح الكادحين وعلى شعوب بأكملها. فطغاة المال يريدون تحميل الكادحين في شتى بلدان العالم بما فيها بلدانهم هم، أعباء وعواقب الأزمة الدورية الاقتصادية، والتي كانت ذات أشكال هدامة بشكل خاص بسبب النمط الليبرالي السائد في الاقتصاد العالمي ما قبل حصول الأزمة الدورية.
إن التناقضات التي بانت بوضوح أثناء الأزمة الدورية الأخيرة وتوابعها وكذلك الأوضاع المتباينة والمتفاوتة التي تعيشها فروع وقطاعات بل واقتصادات رأسمالية كاملة، تبين بوضوح أن الرأسماليين يستطيعون تجاوز الأزمات فقط من خلال زيادة الاستغلال لقوة العمل وبانتزاع «المكتسبات الاجتماعية» من العمال التي حصل عليها أولئك من خلال عشرات السنين من النضال. فمن أجل تغطية خسائرها والحفاظ على رساميلها لم تكتف الاحتكارات الكبرى والطغم المالية التي تديرها والحكومات الإمبريالية التي تمثلها من نهب شعوب ما يسمى بدول الأطراف، والنفطية منها بشكل خاص، بل تشن حملة مستمرة ومنظمة على مكتسبات الكادحين في ما يسمى بدول المركز. ويشمل هذا الهجوم ليس فقط الطبقة العاملة والفئات الأكثر فقراً في دول أوروبا الغربية واليابان والولايات المتحدة الأمريكية، بل أن هذا الهجوم يستهدف حالياً أيضاً جمهور الفئات الوسطى وكل العاملين بأجر بمن فيهم صغار الموظفين الحكوميين والعاملين في مجال المصارف والخدمات من صغار المستخدمين بل والمتوسطين منهم أيضاً. وفي ضوء ذلك يلحظ تدني واضح في مستوى معيشة الكادحين والعاملين بأجر نتيجة سياسة حكومية مدروسة ومتكاملة دفاعاً عن الرأسمال، إن كان في دول رأسمالية كانت توضع نموذجاً للرخاء و «للتشاركية الاجتماعية» كما إنكلترا وألمانيا، أو في دول أخرى ذات تراث غني في المواجهة الطبقية مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا واليونان.
أما في الولايات المتحدة الأمريكية وبالرغم من الأجواء العامة من الركود ما بعد الأزمة التي تسودها، إلا أن أرباح الاحتكارات الكبرى فيها ازدادت بشكل كبير، وليس فقط مقارنة مع مداخيلها أثناء الأزمة، بل أيضاً مقارنة مع أرباحها المحققة في المرحلة التي سبقت الأزمة مباشرة. ولكن الميل نحو زيادة أرباح الاحتكارات الأمريكية الكبرى جاء نتيجة مباشرة لتعمق أوضاع التأزم التي تسود حال الطبقة العاملة والعاملين بأجر الآخرين، سواء في القطاع الخاص أو في مؤسسات ودوائر الدولة والإدارة المحلية (الولايات والمقاطعات)، وكذلك نتيجة الأزمة الخانقة التي تعم وضع المنشآت الصغيرة والمتوسطة.
فمنذ بداية الأزمة اختصر الرأسمال الكبير ملايين من أماكن العمل (إذ لغاية أواسط عام /2010/ جرى تسريح كل رابع أمريكي يعمل) وكذلك حصل الرأسمال الاحتكاري على إعفاءات ضريبية كبيرة وواسعة، كما حصل على دعم وقروض عملياً بدون فائدة تذكر، من قبل الحكومة الاتحادية الأمريكية ومن حكومات الولايات. ومع انتهاء حالة الأزمة الشديدة، ضاعفت الاحتكارات الكبرى إنتاجها بدون أن تزيد من أماكن العمل، أي من خلال زيادة استغلال قوة العمل، كما خفضت سعر هذه القوة من خلال نقل جزء مهم من تسديدات التأمين الصحي والضمان التقاعدي على عاتق العاملين، الشيء الذي استطاعت الاحتكارات التوصل له من خلال تنازلات قدمتها القيادات النقابية الأمريكية. ويجب الإشارة إلى أن الانتعاش في الأرباح هذا لم يشمل كل قطاعات الرأسمالية، بل كان من نصيب الاحتكارات الكبرى فقط، في الوقت الذي أفلست فيه الكثير من المنشآت المتوسطة والصغيرة (بمقاييس تلك الدول)، أو تكبدت خسائر جدية مما جعلها فريسة رخيصة وهينة «للحيتان الكبار». وبالتالي فإن أزمة الرأسمال غير الاحتكاري سرعت عملية تمركز وتركـّز الرأسمال.
بالرغم من كل الانتعاش الذي شهدته مداخيل وأرباح الاحتكارات الكبرى، وخاصة في أمريكا، إلا أنه يمكن القول إن هذه العملية معرضة للانتكاس في أية لحظة، لأنها معتمدة ليس على زيادة القدرة الشرائية لعامة السكان وتوسع السوق، بل على استثمار الاحتياطي الإنتاجي وعلى الفوائد المتدنية جداً على القروض وعلى الاقتطاعات الكبرى من أجور وتعويضات العاملين بأجر. وأخذت هذه العملية حجماً هائلاً في ظل إدارة الرئيس أوباما، التي أهدت الرأسمال الاحتكاري مئات المليارات من الدولارات من خلال شراء ديونه وتغطيتها، وأيضاً من خلال منحه القروض مقابل فوائد تساوي الصفر عملياً وتخفيف الضرائب عليه. وكذلك من خلال ممارسة الضغوط الشديدة على العمال من أجل إجبارهم على القبول بأجر أدنى واقتطاع جزء كبير من مستحقاتهم التأمينية.
وتجب الإشارة إلى أنه على عكس الحال في دول أوروبا الغربية، فإن عملية الانتقاص من الحقوق الاجتماعية للعاملين وتخفيض رواتبهم، لم تلق عملياً مقاومة من قبل العمال في أمريكا، وذلك بسبب عدم وجود منظمات حقيقية للطبقة العاملة في الولايات المتحدة. وبذلك يعيش العاملون بأجر في الولايات المتحدة أوضاعاً متردية باضطراد حالياً. إذ تنخفض الرواتب والأجور وتتضاءل باستمرار الضمانات الاجتماعية والتأمينية، أما البطالة فتزداد وأيضاً بشكل مضطرد ومستمر، إذ بلغت نسبة العاطلين عن العمل مضافاً إليها العاطلين جزئياً الـ /22%/ من مجمل القوى العاملة الأمريكية في أواسط عام /2010/.
تعمل الأوساط الحاكمة في الدول الإمبريالية، من أجل إلهاء الكادحين وصرف نظرهم عن المسببات الأساسية لتدني مستوى وضعهم الحياتي، بمحاولات تأجيج الخلافات الإثنية والطائفية، كمحاولات اتهام العمال المهاجرين وتحميلهم مسؤولية عمق الأزمة الاقتصادية، أو تأجيج الخلافات بين الفلمنغ والفالون في بلجيكا على سبيل المثال. كما تعمل الأوساط الحاكمة والجهاز الحكومي ووسائل الإعلام المسيطر عليها من قبل الاحتكارات، لاختلاق مسائل ثانوية وتأجيجها لإلهاء الجماهير عن مسار الصراع الأساسي، كمسألة النقاب والحجاب في عدد من الدول الأوروبية التي ألحقت بها مسألة الصلبان في المدارس الإيطالية، إلى إبراز هموم المثليين كونها أهم ما يواجه «المجتمعات المتحضرة». وكان من آخر الحملات ذات الطابع العنصري الواضح تلك الحملة التي شنتها الحكومة الفرنسية ضد الغجر المهاجرين من دول أوروبا الشرقية. وجدير ذكره أن هذه الحملة والضجة الإعلامية التي رافقتها شنت في الفترة نفسها التي اتخذت تعديلات على قانون العمل الفرنسي وما رافقته من موجة الإضرابات الاحتجاجية للعمال. ومن الواضح أن هذه الحملات التآمرية تتطلب جهداً مضاداً من قبل القوى التقدمية والشيوعيين خاصة ً في إبراز الجوهر الطبقي للتناقض ومسار النضال القويم.
وتلحظ عملية التحول من الديمقراطية البرجوازية إلى الشمولية، وزيادة الميول القمعية بل حتى الميول الفاشية في أوساط الطغمة الإمبريالية. وما يحدث في أمريكا خير دليل على ذلك إذ يزداد وبشكل مضطرد الطابع البوليسي للحياة في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد دعم هذا التوجه باتخاذ التشريعات المؤاتية له من قبل الكونغرس الأمريكي. فحالياً بإمكان الحكومة الأمريكية اتهام أي من مواطنيها كونه «عميلاً للعدو» واتخاذ التدابير بحقه حسب هذا النعت. كما أنه شنت حملة إرهاب على رجال الفكر والأدب والفن والعلماء لإسكات أصواتهم المعارضة، هذه الحملة التي أشبه ما تكون بالحملات الما كارثية. ويهدد أي صوت معارض أو حتى متأفف بين هؤلاء بقطع سبل العيش فوراً. وهذا كله يترافق بإرسال آلاف من المخبرين للتغلغل إلى صفوف المنظمات ذات الطابع المعارض حالياً أو المحتمل مستقبلاً، على تنوعها، ويجري ترهيب نشطاء هذه المنظمات. إن هذه التدابير أتت مكملة للقوانين البوليسية التي اتخذت سابقاً بموجب قانون «العمل الوطني» وقانون «تشديد الأمن الداخلي»، والتي بموجبها جرى فرض حالة الأحكام العرفية في ميادين أساسية من حياة الأمريكان وأصبح مشرعناً التدخل البوليسي في جميع جوانب حياتهم واتخاذ تدابير زجرية بحقهم من التوقيف بدون تبرير إلى التجريد من الجنسية.
وتشن حملة إعلامية واسعة لتزييف الحقائق من قبل وسائل الإعلام الأساسية من أجل تضليل الرأي العام وجعله مطواعاً. وكما أشار أحد الباحثين السوسيولوجيين في أمريكا: «لا أقدر أن أستوعب كيف يسكت السكان وخاصة الطبقات الوسطى عن إهدار عشرات المليارات من الدولارات على حروب تـُشن في الخارج بدون أي فائدة مثل الحروب في العراق وأفغانستان، في ضوء التدني السريع لمستوى معيشة عامة الشعب وخاصة الفئات الوسطى» . نعم .. إنّ التأييد الذي تبديه عموماً فئات واسعة من السكان للسياسة التوسعية والعدوانية للإمبريالية الأمريكية تطفي في كثير من الأحيان الطابع الإمبريالي على الأمة الأمريكية حالياً وكذلك هو حال العديد من الأمم في عالمنا المعاصر ونخص بالذكر واقع إسرائيل الصهيونية.
على الثوريين معرفة الحلقة الأساسية لنضالهم. والحلقة الأساسية في المرحلة الراهنة التي تعيشها البشرية هي النضال ضد الإمبريالية الأمريكية. فالإمبريالية الأمريكية ليست فقط القوة الضاربة للإمبريالية العالمية، ولكنها أيضاً القوة الأكثر همجية وعدوانية واستعداداً لشن الحروب. وهي تجسيد لأبشع ما أنتجته الإمبريالية العالمية.
تصاعد النزعة العدوانية الإمبريالية ...
إن الوضع العالمي برمته يزداد توتراً وخطراً نتيجة السياسة العدوانية للولايات المتحدة الأمريكية، التي من أجل تحقيق مصالحها، تعتدي على حقوق شعوب العالم وتستهتر بسيادتهم الوطنية. إن الصفة المميزة للإمبريالية الأمريكية تكمن في نزعتها العسكرية، أي في استعدادها الدائم لاستخدام العدوان العسكري من أجل تحقيق مصالح احتكاراتها. وظنّ أساطين المال الأمريكي أن أيديهم أصبحت طلقة في استعمال العصا الغليظة ولكن سرعان ما لقنتهم الشعوب المقاومة دروساً بالنقيض.
لقد استهلـّت الإمبريالية الأمريكية القرن الواحد والعشرين بشن حربين عدوانيتين على دولتين معروف بأن شعب كليهما توّاق للحرية ومتفاني بالدفاع عنها، وهما أفغانستان والعراق.
ولقد جاء في التقرير السياسي الذي أقره المؤتمر العاشر لحزبنا (في تشرين الثاني /2005/) حرفياً ما يلي:
«إن الحرب التي شنتها الإمبريالية الأمريكية وحلفاؤها، على العراق هي جريمة ضد الإنسانية، دشنت بها الإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية استمرار تاريخهما الإجرامي الدموي في القرن الواحد والعشرين، ولكنها في الوقت نفسه من دلائل تصدع الإمبريالية العالمية. ويمكن أن تكون من بوادر الهزائم الكبرى التي ستمنى بها الإمبريالية في هذا القرن».
(وثائق المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي السوري، ص36)
وهذا ما حصل فعلاً، فالمقاومة الوطنية العراقية حمت بتضحياتها وبطولاتها، ليس فقط الدول المجاورة لها، بل وعرقلت المشاريع التوسعية الإمبريالية في بقاع بعيدة عنها من العالم. و يجب القول أن كل المعطيات تدل على أنه بالنسبة للستراتيجية العدوانية الأمريكية، كانت الحرب على العراق واحتلاله مرحلة تمهيدية انتقالية لتوسيع العدوان على إيران شرقاً من أجل إطباق السيطرة على محيط بحر قزوين. وعلى سورية غرباً من أجل إقامة الشرق الأوسط الجديد تحت الهيمنة الأمريكية والإدارة الإسرائيلية المباشرة. كما كان مخططاً أنه بعد الانتهاء من تنفيذ هذين المشروعين بخطوطهما العامة، سيجري الانتقال إلى تنفيذ خطة «كولومبيا» أي الإنزال الواسع للقوات العسكرية الأمريكية في أمريكا اللاتينية من أجل قمع حركات التحرر الوطني فيها وإسقاط الأنظمة الوطنية. ولكن هذه المخططات العدوانية تعرقلت وعدلت بفضل المقاومة العراقية الباسلة. بل إن الانسحاب الذي أجرته الإدارة الأمريكية الحالية لجزء كبير من قواتها العسكرية من العراق, تحت يافطة كاذبة بإنهاء الاحتلال له، هو دليل على انتصارات جدية متتالية أحرزتها المقاومة الوطنية العراقية، أجبرت مكينة الاحتلال الأمريكي بالقيام بمثل هذه التظاهرة بعد هروب أكثر حلفائها إخلاصاً من المستنقع العراقي.
إن تطورات الأحداث العالمية أثبتت ما نبه له حزبنا من أهداف العدوان الإمبريالي الأمريكي بشكل خاص والذي أخذ طابع أطلسي عموماً في ضوء مشاركة الحلفاء الأطلسيين الأساسيين لأمريكا في معظم العمليات العدوانية. وانعكس ذلك أيضاً في مذكرات وتصريحات بعض القادة الأطلسيين وخاصة العسكريين منهم عن الأهداف البعيدة للحرب على العراق وعلى أفغانستان.
وبرأي حزبنا لا يمكن فهم السياسة الدولية بشكل صحيح بدون التركيز في التحليل على الدور الأساسي التي تلعبه الدولة الإمبريالية الأكبر مستندة إلى الحروب الإمبريالية والنزعة التوسعية الاستعمارية. أي أن أحد السمات الأساسية، بل السمة الرئيسية للمرحلة الحالية من الأزمة العامة للرأسمالية هي التوجه نحو العسكرة والحرب. إن الطابع العدواني التوسعي الهمجي، والتوجه الحربي هو من الصفات المكونة للإمبريالية الأمريكية المعاصرة بغض النظر عن الإدارات الأمريكية المتعاقبة. فمهما كان لون وخصوصية الإدارة في أي دولة إمبريالية تكون مهمتها محصورة في تنفيذ مصالح الطغم المالية.
وانطلاقاً من نظرته وموقفه الطبقيين لم يقع حزبنا في الأوهام حول الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة الأمريكية والتي أتت بدلاً من إدارة المحافظين الجدد. هذه الأوهام التي روجت لها الدوائر الليبرالية والاشتراكية الديمقراطية في الغرب، ورددها في بلدنا مقلدوهم الفاشلون المتبجحون بمدى حداثتهم المتجلية بمدى ابتعادهم عن الفكر والفعل الثوري، والذين كتبوا افتتاحيات ومقالات أخرى كادوا أن يوصلوا فيها أوباما وإدارته الجديدة إلى مرتبة انبعاث المسيح.
فقد جاء في بلاغ عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري المنعقد في 19/1/2009: (أي فور مباشرة الإدارة الأمريكية الجديدة) حرفياً ما يلي:
«وتكرر اللجنة المركزية تحذيرها من الوقوع في أية أوهام حول إمكانية حدوث أي تغيير جدي في السياسة الأميركية في ظل الإدارة الجديدة. فالذي يحكم هذا البلد هو الاحتكارات العملاقة والطغمة المالية النابعة عنها مع التغيير الدوري في وجوه منفذي إرادة هذه الطغمة».
وقد أشرنا في البلاغ نفسه إلى أن: «يظهر بشكل جلي إصرار الإدارة الأمريكية الجديدة على إبقاء القوات العسكرية الأمريكية في أفغانستان، والاستمرار بممارسة الضغط على إيران، والدعم الشامل للعدوانية الصهيونية الإرهابية ضد الشعوب العربية عموماً وضد الشعب العربي الفلسطيني بشكل خاص». وأضاف البلاغ نفسه: « أما التعديل الذي طرأ على لهجة الإمبرياليين الأمريكان باتجاه العراق فيعود الفضل في ذلك إلى المقاومة الوطنية العراقية البطلة، التي مرغت وجه المعتدين الأمريكان وعملائهم في الوحل بفضل صمودها وتضحياتها الأسطورية».
وبينت مجريات الأحداث على الساحة الدولية خلال العامين السابقين صحة تحليلات واستنتاجات حزبنا حول التوجهات الأساسية لسياسة الإمبريالية الأمريكية. إن سياسة إدارة أوباما حافظت على نفس التوجه العدواني للإدارة السابقة، مع إطلاق بعض الخطب والتصريحات المنافقة عديمة القيمة, بل وفي بعض المناطق مثل آسيا ازدادت الملامح العدوانية للنهج التوسعي الإمبريالي. ففي أفغانستان وباكستان، أدت ستراتيجية أوباما وإدارته إلى تزايد التواجد العسكري الأمريكي في أفغانستان، وإلى تفاقم كل المشاكل التي تواجهها باكستان وبشكل خاص تلك المتعلقة بمسألة النازحين. وذلك يجري في ظل الستراتيجية العامة من أجل تحقيق السيطرة الإمبريالية الأمريكية على مكامن ومنابع الثروات الباطنية وعلى المواقع الستراتيجية. ولكبح موجة الاستياء التي بدأت تتوسع بسبب زيادة الخسائر التي تتكبدها جيوش حلف الشمال الأطلسي بقيادة أمريكا في أفغانستان، سربت وزارة الدفاع الأمريكية معلومات من خلال الصحافة أكدت فيها أن أفغانستان تحتضن ما يزيد قيمته عن تريليون دولار من الخامات المعدنية غير المستثمرة ومنها كميات ضخمة من الحديد والنحاس والكوبالت والذهب وأهم من كل هذا معادن صناعية نادرة ولا غنى عنها، مثل الليثيوم. وبذلك يريد التجمع الصناعي العسكري كسب عواطف المواطنين الأمريكان المعتادين أن يقيسوا أي خطوة بمدى مردوديتها الدولارية.
ويستمر عملياُ الاحتلال العسكري الأمريكي للعراق مع تغيير يافطة هذا الاحتلال. وتحاك المؤامرات وتتوالى التهديدات ضد الأنظمة الوطنية الرافضة للإملاءات الإمبريالية في شتى بقاع العالم، وخاصة في أمريكا اللاتينية. ويجب القول أن الضغط على الأنظمة الوطنية والحركات الثورية في أمريكا اللاتينية، ازداد بشكل ملحوظ وتنوعت أشكاله مع مجيء إدارة أوباما. فهذه الإدارة إلى جانب استمرارها بإتباع الأساليب العسكرية المباشرة، تركز على استعمال ــ بشكل أوسع مما سبق ــ أسلوب التخريب الداخلي ضد الدولة المستهدفة إمبريالياً، من خلال الأعمال المنهجية التخريبية التي تمارسها الدوائر الاستخباراتية الإمبريالية ودعمها للعناصر والتيارات التي تخدم أفعالها المصالح الإمبريالية. وفي إطار هذه المنهجية، تستمر الإمبريالية الأمريكية مستعينة بالصهيونية العالمية، بحبك المؤامرات وممارسة شتى الضغوطات من أجل إسقاط النظم المعادية للإمبريالية والطامحة للسير على طريق التقدم الاجتماعي بعيداً عن الهيمنة الإمبريالية، وتأتي في مقدمتها حالياً فنزويلا وبوليفيا والإكوادور ونيكاراغوا. كما تستمر المؤامرات الأمريكية بالتعاون مع الأوساط النافذة في الإمبريالية الأوروبية ضد كوبا ــ جزيرة الحرية.
ومن الملاحظ أن الإدارة الأمريكية الحالية، في مساعيها التخريبية تحاول إحياء آلية «الثورات الملونة» والتي جرى استعمالها بشكل واسع من قبل إدارة كلينتون لإسقاط الأنظمة غير المرضي عنها إمبريالياً. فـ «الثورات الملونة» آلية ابتكرت وطـُبخت في أروقة المخابرات وغيرها من الدوائر المختصة الأمريكية والصهيونية من أجل إسقاط الأنظمة غير المرغوب بها، ومن خلال التمويل الغربي الكامل لها والتدريب اللازم لعناصرها الضاربة من قبل الأجهزة المختصة الأمريكية والإسرائيلية وغيرها من الدول التابعة.
وبعد اتخاذ مجلس الأمن، وبضغط واضح من الإدارة الأمريكية الحالية، قرارات جائرة بحق إيران، تدخل الحملة على هذا البلد الرافض للإملاءات الأمريكية والمجاهر بعدائه للصهيونية، مرحلة جديدة من الضغوطات والتهديد المباشر بحجة استمرار البرنامج النووي الإيراني، والذي يجري التهجم عليه مع التغاضي الكامل عن ترسانة الرؤوس النووية الإسرائيلية. وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن المواقف المتناقضة مع الحق التي يتخذها مجلس الأمن بما فيها القرارات الجائرة بحق إيران، وتغاضيه المستمر عن الترسانة النووية الإسرائيلية الموجودة فعلاً والمهددة باستمرار أمن شعوب المنطقة، بالإضافة إلى مواقفه المنحازة إلى المعتدي الصهيوني في الصراع العربي الإسرائيلي، وتغطيته وشرعنته لتقسيم الدول مثل مسألة دارفور ويوغوسلافيا سابقاً, كلها دلائل تشير إلى كون مجلس الأمن في وضعه الحالي أداة طيعة بيد الإمبريالية. إذ لا يحرك أعضاؤه الخمسة الدائمون إلا مصالح الطغم المالية في دولهم، وإن تناقضت هذه المصالح ليس فقط مع مفاهيم العدل والمساواة، بل ومع بديهيات القانون الدولي. إن الوضع الحالي لمجلس الأمن الدولي والذي يسير عملياً في الركب الإمبريالي الأمريكي ويعطي الشرعية لأعمالها العدوانية، مقابل جزء من المكاسب للأعضاء الدائمين الآخرين، هو وضع غير مقبول يجب السعي لتغييره، وإلا النفي المطلق لما يسمى بالشرعية الدولية الحالية. فتوجهات مجلس الأمن بوضعه الحالي تخرق مبدأ القانون الدولي المتعلقة بحقوق الشعوب وسيادتها. إنها شرعية دولية زائفة. فبعد غياب الاتحاد السوفييتي تحول مجلس الأمن إلى «كاتب العدل» للمصالح الإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية.
ويترافق الخطاب الكاذب للإدارة الإمبريالية الأمريكية «حول السلم في العالم» مع التزايد باضطراد للنفقات العسكرية للولايات المتحدة الأمريكية. فحسب موازنة عام /2010/ جرى رصد /680/ مليار دولار بهذا الاتجاه، أي ما يفوق بـ /26/ مليار دولار النفقات العسكرية في موازنة عام /2009/. وتنقسم هذه النفقات إلى قسمين: النفقات الأساس وتبلغ /550/ مليار دولار، وفوق ذلك رصد مبلغ /130/ مليار دولار من أجل العمليات العسكرية في أفغانستان والعراق. فالأرقام والوقائع تنفي بشكل قطعي الخطاب المنافق للإدارة الديمقراطية الحالية في الولايات المتحدة الأمريكية.
إن مجمل ما تقوم به إدارة أوباما له جذور عميقة في السياسة الاستعمارية الأمريكية. فمثل هذا النهج أطلق عليه تسمية «الإمبريالية الليبرالية». أي عندما تغطي الطغمة الحاكمة الأمريكية أفعالها العدوانية الاستعمارية التوسعية بكلام منافق عن الأهداف «الإنسانية» لهذه الأفعال، وعن «نشر القيم الديمقراطية». وجرى بعد /11/ أيلول /2001/ وضع اليافطة الرسمية الثانية للعدوانية الأمريكية، يستعملها الليبراليون والمحافظون على حد سواء، هذه اليافطة حملت عنوان: «مكافحة الإرهاب العالمي». أي ذلك الشبح الذي لا يمكن تشخصيه بدقة وبمعايير ثابتة، وبالتالي يمكن استغلال خطره لأطول فترة زمنية ممكنة، وقد أكد حزبنا في وثائقه مراراً على أن الولايات المتحدة الأمريكية ليس لها أي حق بتنصيب نفسها حكماً في موضوع الإرهاب لأنها الإرهابي الأول في العالم.
إن المجريات التي جرت على الساحة الدولية، والتوجهات العامة التي استعرضناها آنفاً تؤكد ما أشار إليه التقرير السياسي المقر في المؤتمر العاشر لحزبنا «بأن الصفة المميزة للإمبريالية الأمريكية تكمن في نزعتها العسكرية، أي في استعدادها الدائم لاستخدام العدوان العسكري من أجل مصالح احتكاراتها، فالمهمة الأساسية للدولة الأمريكية تتجلى في خدمة هذه الاحتكارات بكل السبل، بما فيها استخدام العمليات المخابراتية التخريبية وصولاً إلى التدخل العسكري المباشر».
والذي زاد ويزيد من عدوانية الإمبريالية الأمريكية وبالتالي من خطرها على الشعوب، بل وعلى مصير العالم، هو النفوذ الكبير الذي تحظى به الصهيونية في الطغمة الحاكمة في أمريكا، بغض النظر عن الإدارات المتبدلة، والصهيونية هي الحركة المغرقة في الرجعية والعنصرية ذات التوجه الفاشي الواضح، والتي تمثل مصالح الرأسمال المالي اليهودي. فالصهيونية هي النازية المعاصرة. وأصبح النضال ضد الصهيونية مهمة نضالية من الدرجة الأولى متضافرة عضوياً مع مهمة النضال ضد الإمبريالية. فالرأسمال المالي اليهودي هو جزء مكون أساسي من الرأسمال المالي العالمي عموماً والرأسمال المالي الأمريكي خصوصاً. والنضال ضد الطغمة المالية الإمبريالية العالمية يجب أن يكون شاملاً متكاملاً.
انتعاش الحركة الثورية العالمية ...
تتكون الحركة الثورية العالمية في وقتنا الراهن من الحركة العمالية العالمية وحركة التحرر الوطني العالمية إلى جانب ما تبقى من الحصون الاشتراكية الصامدة، ومن الهام إيضاح الملامح الأساسية للنضال الثوري العالمي وتحليل مكوناته والسعي الدائم لرص صفوف فصائله، فالاستعمار قوة عالمية ولا يمكن مقارعته بنجاعة وقهره إلا من خلال الجبهة العالمية لكل قوى التحرر.
إن مجريات الأمور التي شهدها العالم أثبتت ما أشار إليه المؤتمر التاسع لحزبنا في عام /2000/ بـ «أن الأهداف الستراتيجية للإمبريالية حالياً ترمي إلى تصفية كل نتائج النضال التحرري للكادحين من أجل الديمقراطية والتحرر الوطني والتقدم الاجتماعي، وإلى الهيمنة الكاملة «للنظام العالمي الجديد» والذي يعني إعادة النهب الإمبريالي الشامل للعالم». ولكن سير الحياة أثبت أيضاً أن التصدي لهذه الهجمة الإمبريالية ليس فقط واجب بل وممكن إذا اعتمد على الحركة الثورية للجماهير.
إن مجريات الأمور خلال الأعوام الأخيرة، أثبتت ما أكد عليه حزبنا في وثائقه بما فيها وثائق المؤتمر العاشر للحزب بأن لا بديل من أجل مقاومة الإمبريالية والانتصار عليها من الحركة الثورية الجماهيرية الواسعة. نعم، أثبت ذلك في العراق وأثبتته المقاومة الوطنية اللبنانية وسيثبته الشعب الإيراني إذا لزم الأمر.
إن الضربات الأساسية المؤلمة التي تلقتها الإمبريالية وسياستها العدوانية كانت على يد حركة التحرر الوطني وأبرزها النكسة الكبيرة في العراق. ولم تقتصر الخسائر التي تكبدتها الإمبريالية الأمريكية في العراق على الجانب العسكري والتي هي بحد ذاتها جسيمة، مهما حاولت وسائل الإعلام الغربية التقليل من حجمها. ولكن إلى جانب ذلك فإن العواقب اليومية للحرب العراقية أدت إلى التصدعات الجدية في المجتمع الأمريكي، وقد أثرت النفقات الباهظة للحرب في العراق أيضاً على مسار الأزمة الدورية الاقتصادية في أمريكا، وعمقت الخلل الهيكلي في الاقتصاد الأمريكي. فالحملة العسكرية السريعة والظافرة تنعش الاقتصاد، ولكن الحرب المديدة والشاقة تنهكه، والآن يمكن القول أن الحرب على العراق ونتائجها كانت أكبر هزيمة عسكرية وسياسية ومعنوية للإمبريالية ومن أهم نتائجها أنه جرى الإثبات عملياً بأنه بالرغم من غياب الاتحاد السوفييتي فالإمبريالية ليست كلية القدرة. وتحقق ما أشرنا إليه فور بدء العدوان الغاشم على العراق, في افتتاحية «صوت الشعب»: «إن هذه الحرب ستضر المصالح الإمبريالية الأمريكية وستهز أركان أكبر إمبراطورية للشر عرفها التاريخ».
(«صوت الشعب» ــ العدد /57/ ــ /5/ نيسان /2003/)
كما تتلقى آلة العدوان الإمبريالية الأمريكية وحلفاؤها الأطلسيون ضربات مؤلمة في أفغانستان، فقد تبيّن أنه في العام الحالي تكبدت قوى الاحتلال الخسائر البشرية الأكبر من قبل قوى المقاومة الأفغانية، إلى جانب خسائر جسيمة تكبدها أزلام الحكم العميل هناك.
ومن أبرز ظواهر النهوض الثوري في العالم استيقاظ أمريكا اللاتينية ــ قارة الثورات الوطنية التحررية، حيث وصلت القوى الوطنية المناهضة للإمبريالية إلى السلطة في العديد من الدول هناك وبأسلوب ديمقراطي، وفي جو دعم شعبي عارم. إن هذه الظاهرة لها أهمية كبيرة في العلاقات الدولية، كونها تلّقن المواقع الاستعمارية الأمريكية ضربات متلاحقة في أمريكا اللاتينية، أي تلك المنطقة التي كانت تشكل حسب منظور الإمبرياليين الأمريكان الحديقة الخلفية المضمونة للولايات المتحدة الأمريكية، والتي يجب التعامل معها بواسطة العصا الغليظة حسب مقولة أحد الرؤساء الأمريكان, وإلى جانب ذلك في بعض بلدان أمريكا اللاتينية يغتني النضال الوطني التحرري أكثر وأكثر بالمضمون الاجتماعي المعادي للاحتكارات. ونحن الشيوعيين السوريين، أشرنا منذ أواسط التسعينات من القرن الماضي، بأن بؤرة الحركة الثورية العالمية، تنتقل إلى أمريكا اللاتينية، وبرأينا أن هذه العملية ستبقى مستمرة وإن تخللتها النكسات في هذا البلد أو ذاك إلا أن الوضع العام يؤهل ظروف ملائمة إلى تصاعد الحركة الثورية في أمريكا اللاتينية عموماً.
وتحتدم مظاهر الصراع الطبقي خاصة في العديد من دول أوروبا. إذ يلقى الهجوم المستمر للطغم الاحتكارية مقاومة متصاعدة من قبل الطبقة العاملة خصوصاً ومن قبل العاملين بأجر والكادحين عموماً. وقد اجتاحت موجة من الإضرابات فرنسا وإيطاليا وإسبانيا واليونان شملت فروع اقتصادية بكاملها وصولاً إلى الإضراب العام في بعض الأحيان. وترافقت هذه الإضرابات في حالات عديدة بمظاهرات جماهيرية ضخمة ذات شعارات سياسية واضحة موجهة ضد سلطة الرأسمال، وتجلى ذلك بشكل واضح جداً في اليونان حيث كان للشيوعيين دور كبير في قيادة الحركة الاحتجاجية. ولم تقتصر أعمال المواجهة المباشرة بين الجماهير الكادحة وحكومات الرأسمال على دول أوروبا، بل وامتدت إلى دول آسيا.
يرى حزبنا أن الفترة القادمة ستشهد ارتفاعاً في وتيرة الصراع الطبقي في العالم، مما يوجب على الشيوعيين في كل بقاع العالم، أن يزيدوا من تعبئتهم النضالية بما يتماشى مع الحركة الجماهيرية المتصاعدة.
إذ يتوقف نجاح النضال المطلبي وخاصة الأشكال العليا منه مثل الإضرابات، لدرجة كبيرة على وجود أحزاب طليعية ماركسية ــ لينينية ذات توجه طبقي واضح، وقد أسقطت الموجة المتصاعدة من الصراع الطبقي القناع عن وجوه المرتدين من التحريفيين والانتهازيين وكشفت حقيقة حالهم كونهم المدافعين عن مصالح الرأسمالية وممرري نفوذها ضمن صفوف الكادحين، بل هم قاموا بدور قذر ككاسري الإضراب مع بعض زعامات النقابات الصفراء.
لقد بيّن حزبنا أن التجربة التاريخية تدل على أن فترة الركود الاقتصادي التي تلي الأزمة الاقتصادية الدورية، خاصة إذا كانت بشدة الأزمة الأخيرة، تكون فترة التحولات الاجتماعية والسياسية الكبيرة، وأن نتائج هذه التحولات تتحدد لدرجة كبيرة بمحصلة ميزان القوى الطبقية في البلد المعني وعلى الساحة العالمية، وبمدى الاستعداد النضالي للقوى التقدمية والثورية و قدرتها للتعبير عن مصالح ومطالب الجماهير والنضال في سبيلها. وفي مثل هذه الأوضاع خاصة تقف أمام الأحزاب الشيوعية مهمة تمايزها الواضح عن القوى الانتهازية والإصلاحية كمهمة أساسية. فأثناء التحولات الاجتماعية والسياسية العميقة تتبيّن بوضوح أهمية تضافر النضال الناجع ضد الإمبريالية مع النضال المستمر ضد الانتهازية والتحريفية وتأثيراتهما على الحركة الثورية والتحررية العالمية. وكلما كان الحزب الشيوعي واضح المعالم إيديولوجياً وسياسياً، كلما استطاع أن يبني تحالفات قوية وواضحة مع الطيف الواسع للقوى الوطنية المعادية للإمبريالية.
ومن المهم توطيد العلاقات التحالفية مع حلفائنا في النضال العام ضد الإمبريالية، فهناك جبهة عالمية معادية للإمبريالية. صحيح أنها غير متبلورة بشكل كامل ولكن معالمها تتضح يوماً بعد يوم وفصائلها تحقق الانتصارات ويزداد الوعي التحرري لدى الشعوب .وبما يخصّ حركات التحرر الوطني في العالم وبغض النظر عن الإيديولوجيات المتنوعة لفصائل النضال الوطني التحرري، فموضوعياً هذا النضال يحمل الطابع الديمقراطي العام. لأنه في نهاية المطاف موجـّه نحو تحقيق الديمقراطية في العلاقات الدولية. كان أحد الاكتشافات الكبرى للينينية إدراك دور حركات التحرر الوطني كونها أحد العوامل المحركة للعملية الثورية العالمية. وحسب رأينا فإن أحد المهام الراهنة التي تقف أمام الشيوعيين هي العمل من أجل تمتين العلاقة المتبادلة بين الحركة العمالية وحركة التحرر الوطني العالميتين، هاتين القوتين الأساسيتين للعملية الثورية العالمية. إنه العامل الأساسي لتكوين الجبهة العالمية المناهضة للإمبريالية، القادرة على دحر الإمبريالية.
نحن في المؤتمر الحادي عشر لحزبنا نؤكد على شعار: «تعزيز الجبهة العالمية المناهضة للإمبريالية»، هذا الشعار الذي رفعه الحزب الشيوعي السوري في ظروف صعبة وما زال يرفعه بكل إيمان وإصرار، إدراكاً منه بأن ظروف الهجمة الإمبريالية الشرسة تتطلب تعزيز وتوسيع الجبهة العالمية المعادية للإمبريالية. ففي ذلك تكمن الضمانة ليس فقط لانتصار مبادئ ومُثلْ العدالة الاجتماعية لاحقاً، بل الوسيلة الأساسية لإنقاذ البشرية من الفناء الذي يهددها، لذلك علينا أن نمد يد العون إلى كل القوى المعادية للإمبريالية على مختلف مشاربها وتوجهاتها الإيديولوجية. وفي الوقت نفسه، لا يمكن أن تكون هذه الجبهة العالمية المناهضة للإمبريالية قوية وفعالة، إذا لم يدخل إليها الشيوعيون متراصي الصفوف كفصائل حركة عالمية موحدة، تسترشد بمُثلْ وأهداف واحدة وضعها المفكرون الكبار ماركس وأنجلس ولينين، وطبقها وحماها ستالين. ونحن واثقون بأن النصر سيكون حليفنا، حليف حركة الشعوب من أجل الحرية والتقدم الاجتماعي.
الفصل الثاني
حركة التحرر الوطني العربية
في مواجهة المؤامرات الإمبريالية والصهيونية
أكدت مجريات الأمور خلال الخمس سنوات الأخيرة ما جاء في التقرير السياسي المقدم للمؤتمر العاشر لحزبنا في تشرين الثاني /2005/:
بأنه «لا يمكن فهم ما يجري في منطقتنا، بدون تشخيص الحلقة الأساسية والمتجلية بأن العدو الرئيسي للشعوب العربية، أي الإمبريالية الأمريكية، تسعى لتطبيق سيطرتها الكاملة من خلال مشروع الشرق الأوسط الكبير، وأن إسرائيل الصهيونية المدججة بالسلاح الأمريكي والمأذون لها أمريكياً بتملك المئات من الرؤوس النووية هي ركن أساسي من إستراتيجية السيطرة الأمريكية هذه. وأن اجتياح العراق وإشعال الفتنة في لبنان، وضرب المقاومة في فلسطين، وشن حرب إعلامية مسعورة ضد سورية، إن كل ذلك يدخل ضمن المخطط المذكور».
(وثائق المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي السوري ــ ص /88/)
إن السيطرة التامة على الشرق الأوسط هي جزء أساسي في المخطط الإمبريالي للسيطرة والهيمنة على العالم. ومنطقتنا منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط ــ هي من أكثر المناطق التي تتجلى بها بوضوح السياسة العدوانية التوسعية للإمبريالية العالمية، ولهذا السبب هي تشكل أكثر مناطق العالم توتراً، إضافة إلى وجود كيان عدواني عنصري توسعي فيها، هو الحليف الأقرب للإمبريالية الأمريكية ألا وهو إسرائيل الصهيونية. يجري في منطقتنا أكبر تأجيج للأزمات فمن أحد الأهداف الأساسية بالنسبة للإمبريالية العالمية هو إحكام سيطرتها على الثروات الهائلة التي تذخر بها المنطقة الممتدة من شرقي البحر المتوسط إلى شرقي بحر قزوين. والبلدان العربية تشكل جزءاً أساسياً من هذه المنطقة، لذلك فهي تقع تحت الابتزاز والعدوان الاستعماري المستمر.
إن حركة التحرر الوطني في منطقتنا هي اليوم في خط المواجهة الأول مع الإمبريالية والصهيونية، وهي بذلك تساهم بشكل فعال مع قوى التحرر العالمية في التصدي الشجاع لسياسة العدوان والعربدة الأمريكية.
وضمن تعمق الأزمة العامة للرأسمالية وخاصة في ضوء الأزمة الاقتصادية الدورية الأخيرة التي شهدها العالم وعواقبها المستمرة تأخذ منطقتنا أهمية متزايدة في الستراتيجية التوسعية للمراكز الإمبريالية العالمية. فالاحتكارات الإمبريالية في سياستها العامة لنهب دول الأطراف (العالم الثالث)، تعطي أهمية خاصة لنهب البلدان العربية مركزة بالدرجة الأولى على استغلال ثروتها النفطية وكذلك الأموال المتراكمة لدى دول الخليج. وفي ظروف تفاقم الأزمة الاقتصادية الدورية فرضت الاحتكارات الرأسمالية الخوة على معظم الدول العربية البترولية وخاصة على دول الخليج. وتجلى ذلك بفرض صفقات بعشرات المليارات من الدولارات على هذه الدول لأغراض لا تفيد تطورها الاقتصادي ولا قدرتها الدفاعية الخاضعة أصلاً لوصاية الدول الإمبريالية وأمريكا بشكل خاص.
وفي الفترة المنصرمة بلغت صفقات شراء السلاح الأمريكي من قبل بعض الأنظمة العربية مبلغاً يقترب إلى مئتي مليار دولار، إذ بلغت الصفقة الأخيرة فقط التي عقدتها السعودية في منتصف هذا العام مع الولايات المتحدة الأمريكية مبلغ ستين مليار دولار. وقد أطلق بعض المعلقين على هذه الصفقات نعت «جنون التسلح العربي». والمستفيد الرئيسي من هذه الصفقات هو المجمع الصناعي العسكري الأمريكي. ولم تبدِ إسرائيل أي انزعاج من هذه الصفقات، إدراكاً منها، بأن السلاح الذي يتم شراؤه لن يوجه ضدها ولن يشكل أي خطر أو ضغط على مشاريعها التوسعية. بل إلى جانب ذلك هي أيضاً ستكون من المستفيدين بسبب انتعاش المجمع الصناعي العسكري الأمريكي وثيق الصلة مع الكيان الصهيوني.
كما تمول دول الخليج بهذا الشكل أو ذاك نفقات الحملات العسكرية العدوانية الإمبريالية إن كان في العراق أو أفغانستان أو باكستان. ودول الخليج هي الممول الأساسي للحركات الرجعية الموالية للإمبريالية. وبدأ يظهر بشكل واضح التغلغل الكبير للرأسمال الصهيوني بما فيه الرأسمال الإسرائيلي في منطقة الخليج. وإلى جانب كل ذلك تقوم الطغم الخليجية: بتوظيفات هائلة في بعض الفروع والشركات المتعثرة في المراكز الإمبريالية بغية إنقاذها وإحيائها. وبعد أداء هذه الأوساط لدورها المرسوم ستطرد وتنبذ من الفروع الاقتصادية الأساسية كما حدث ذلك سابقاً.
تتحدد الاتجاهات الأساسية للعدوانية الأمريكية في منطقتنا من خلال زيادة الضغط والتهديدات ضد الدول الصامدة في وجه الإملاءات الإمبريالية وهي سورية وإيران وعلى القوى الوطنية والمقاومة في العراق ولبنان وفلسطين.
لقد نبه حزبنا منذ بداية التسعينات من القرن الماضي إلى مخاطر مشروع الشرق الأوسطي الأمريكي ــ الصهيوني والذي يرمي إلى بسط السيطرة الكاملة الاستعمارية للإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية على منطقتنا. وشرح الحزب أبعاد هذا المشروع في العديد من الوثائق مبيناً بأنه في جوهره مشروع «صهيون كبرى». وإن كل أوجه العدوان المتتالي في منطقتنا مثل الحرب على العراق والعدوان على لبنان والإرهاب الدائم بحق الشعب الفلسطيني والتهديدات والمؤامرات ضد سورية وإيران هي خطوات في اتجاه تطبيق هذا المشروع الاستعبادي، والذي تعثر وتلقى ضربات متتالية من قبل قوى حركة التحرر الوطني في منطقتنا. ومع ذلك تستمر الأوساط الإمبريالية والصهيونية بمساعيها لتمرير وتطبيق مشروع الشرق الأوسط الكبير الجديد، دون ذكره حالياً، لما يلاقيه ذلك المشروع من ردّة فعل لدى الشعوب. بل حتى أن الحكام الرجعيين يخشون تأييده جهاراً خوفاً من العواقب، لما يقتضيه هذا المشروع الاستعبادي من تقسيم الدول القائمة وإنشاء عوضاً عنها سلسلة من الدويلات عديمة اللون، في ظل هيمنة الكيان الصهيوني على المنطقة بشكل كامل.
ومن الخطوات السياسية، إلى جانب الاستمرار بالضغوطات والاعتداءات العسكرية، في اتجاه تطبيق هذا المشروع الاستعبادي كانت الدعوة لمؤتمر أنابوليس. وكان الهدف الأساسي من هذا المؤتمر تصفية القضية الفلسطينية كقضية شعب له حق في التواجد الحر المستقل في إطار دولته الوطنية ذات السيادة الكاملة، وفي عودة أبنائه المهجرين من قبل النظام الصهيوني العنصري، إلى أرض وطنهم. وجرى التركيز في هذا المؤتمر على مفهوم «يهودية» إسرائيل، هذا المفهوم العنصري المناقض لأبسط أعراف القانون الدولي والمواثيق العالمية. إن هذا المفهوم حول «يهودية» دولة إسرائيل يضع قاعدة للقيام بجريمة كبرى في المستقبل ألا وهي مشروع «الترانسفير» أي الترحيل الجماعي لعرب فلسطين القاطنين في حدود عام /1948/. كما أن مجريات مؤتمر أنابوليس دلت بوضوح أن من أحد أهدافه الأساسية الاستمرار في تثبيت مفهوم أن الحد الأقصى الممكن للكيان الفلسطيني هو كونفدرالية المقاطعات منعزلة (بانتوستانات) ذات حدود هلامية وبدون أي معلم جدي من معالم السيادة الوطنية، تقع كلياً تحت الوصاية الإمبريالية ــ الصهيونية وبمعونة الأنظمة العربية العميلة.
إن ما تحاول طمسه وسائل الإعلام العالمية، المسيطر عليها صهيونياً، أمام الرأي العام العالمي هو أن إسرائيل ليست فقط دولة عدوانية بطبيعتها المكونة، بل هي دولة معتدية فعلاً. فإسرائيل الصهيونية تحتل أراضي الغير. وهذا الاحتلال بدأ منذ نشوءها. وتحاول أن تظهر وسائل الإعلام الخاضعة للصهيونية أن إسرائيل مضطرة للقيام بالأعمال الحربية والقمعية من أجل بقاء مكان للشعب اليهودي تحت الشمس. ولكن الواقع يدل أن الذي مكانه مهدّد تحت الشمس هو الشعب الفلسطيني بالذات. هو المهدد بالفناء. والمهدد حالياً ليس وجود إسرائيل، بل سيادة الدول العربية وخاصة المجاورة للكيان الصهيوني التي يُرسم لها ولشعوبها مصير المستعمرات البائسة ضمن مشروع الشرق الأوسط الكبير.
لاشك أن القوى الضاربة لتطبيق هذا المشروع هي إسرائيل الصهيونية والجيش الأمريكي المتواجد بكثافة في منطقتنا من خلال استمرار احتلال العراق والقواعد المنتشرة في العديد من دول المنطقة. ولكن هناك أيضاً عوامل مساعدة للغزو الإمبريالي والتي تأتي في مقدمتها الأنظمة العربية العميلة للإمبريالية. فلولا تواطؤ الأنظمة العربية، والتي تتصف بالرجعية والخضوع الكامل للإمبريالية، على مختلف أشكالها من الملكية المطلقة إلى الديكتاتورية المتسترة بهذا القدر أو ذاك من السواتر الليبرالية، لما استطاعت قوى الغزو المباشر أن تشن الحروب الوحشية على العراق وعلى لبنان وعلى غزة.
إن الوضع في دنيا العرب يتميز بثنائية تناحرية. فمن جهة هناك نهوض واضح في حركة التحرر الوطني العربية، ومن جهة أخرى هناك هرولة وانبطاح مخز من قبل الأنظمة العربية. فسورية وحدها من بين هذه الأنظمة تقول لا لشروط وإملاءات الاستعباد الاستعماري. فغالبية الأنظمة القائمة في المنطقة لا تتجرأ على رفض أي مطلب استعماري، وأكثر من ذلك هناك العديد من الأنظمة تتسابق لإثبات كونها الخادم المميز لدى الاستعمار، ممّا يخلق حالة من تراكم الاستياء الشعبي القابل للتفجر في أي وقت. وتحولت هذه الأنظمة إلى مخافر لقمع شعوبها ومنعها من التضامن ومساندة الشعب الفلسطيني في محنته القائمة، ومنها من شارك في الحصار الإجرامي المضروب على غزة الصامدة، ومنها من حول بلده إلى محمية إسرائيلية ولمركز تنطلق منه الأعمال التخريبية للمخابرات الإسرائيلية والأمريكية. ويجري التهويل بالخطر الإيراني المزعوم من قبل الحكام الرجعيين العرب، من أجل التمويه والتستر على الخطر الصهيوني.
ويعود السلوك المزري للحكام الرجعيين وخضوعهم الكامل للإملاءات الإمبريالية والصهيونية إلى تضافر مصالحهم مع مصالح طغاة المال في الدول الإمبريالية من جهة، ومن جهة أخرى إلى تخوفهم من الشعوب العربية، فالعدو الأول بالنسبة للحكام الرجعيين هي الشعوب العربية وحركاتها التحررية. لذلك من منظور واقع حال الأنظمة، فالمنطقة بأسوأ حالاتها.
لذلك فنحن نرى أن مهمة مواجهة هذه الأنظمة الرجعية والعميلة وفضحها هي جزء مكون من نضال حركة التحرر الوطني العربية ضد المشاريع والمخططات الإمبريالية والصهيونية أما محاولة كسبها أو على الأقل تحييدها، فضمن الظروف الحالية هي قبض الريح، أي من الأوهام الضارة بالمسير العام لحركة التحرر الوطني العربية. بل أن أحد الشروط الأساسية للتصدي الناجع لمشاريع الهيمنة الإمبريالية والصهيونية على دنيا العرب يكمن في تصعيد النضال ضد الأنظمة الرجعية والعميلة وفضحها.
ومن آخر الخطوات التآمرية للأنظمة الرجعية العربية كانت محاولاتها لإعطاء الغطاء العربي وشيء من الشرعية للمسار التخاذلي في حل القضية الفلسطينية. وتصدت سورية بصرامة مبدئية لهذه المحاولات. فالإمبريالية الأمريكية والصهيونية، وبالتعاون الوثيق مع الأنظمة العميلة العربية، تسعى إلى القضاء على القضية الفلسطينية، وخاصة على أحد مكوناتها الأساسية ــ حق العودة. فمن أخطر المؤامرات التي تشهدها منطقتنا حالياً، تصاعد الضغوط من أجل تصفية القضية الفلسطينية، وذلك من خلال فرض مقولة «يهودية» دولة إسرائيل وشرعنتها، وبالتالي الإلغاء الكامل لمفهوم الحق المشروع في العودة للاجئين الفلسطينيين .
إن التصدي لهذا المشروع التصفوي الخطير يتطلب تركيز الجهود لفضحه في دنيا العرب وفي العالم بأسره، كما أنه يتطلب وحدة الصف الوطني الفلسطيني، وبرأي حزبنا إن محور النضال من أجل الحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني لا يتحدّد فقط بالسعي من أجل تنفيذ القرارات /242/ و /338/ لمجلس الأمن الدولي والتي بموجبها يقتضي الانسحاب الكامل لقوات الاحتلال الإسرائيلية من الأراضي العربية المحتلة نتيجة عدوان حزيران عام /1967/ وما بعده، فعلى الرغم من أهمية ومشروعية هذين القرارين، إنما بالنسبة لحل قضية الشعب الفلسطيني بشكل عادل ومتكامل يجب النضال من أجل تحقيق القرارات /181/ و /194/ الأول منهم يقونن مشروعية وجود الدولة الفلسطينية، بل وأكثر من ذلك فهو عملياً يربط مشروعية وجود إسرائيل بوجود الدولة الفلسطينية، أما الثاني فينص بصراحة على حق عودة كافة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وأراضيهم. وبرأينا أن النضال بهذا الاتجاه هو ما يحدّد وطنية أي قوة سياسية أو فرد فلسطيني، ومطلوب تمتين أواصر الوحدة الوطنية بين هؤلاء الوطنيين بالذات.
ومن أحد المشاريع الاستعمارية الخطرة التي طرحت في الفترة الأخيرة هو مشروع «الاتحاد من أجل المتوسط» الذي طرحته وتنفذه الإدارة الفرنسية. هذا المشروع أتى في ظل احتدام الصراع بين المراكز الإمبريالية من أجل إعادة تقاسم مناطق النفوذ والاستغلال. إن هدف هذا المشروع إحكام السيطرة الإمبريالية على دول جنوب المتوسط، وزيادة نفوذ الاحتكارات الأوروبية فيها. ولكن إلى جانب كل ذلك فهو خدمة كبيرة للصهيونية العالمية إذ يُدخل إسرائيل الصهيونية كعضو طبيعي في اتحاد، وإن كان هلامي تماماً، يضم دولاً عربية، ولم يخف معدو هذا المشروع ذلك. إذ كما صرح أحد معديه أنه هدية لإسرائيل. ويرى حزبنا أن مشروع «الاتحاد من أجل المتوسط» هو مشروع استعماري خطير أتى مكملاً لمشروع «الشرق الأوسط الكبير الجديد» وهولا يقل خطورة عنه. فكلا المشروعين، هما مشروعان مشتركان للطغم المالية الغربية والصهيونية العالمية من أجل فرض الهيمنة على الدول العربية. لذا على الأحرار في دنيا العرب أن يرفضوا هذين المشروعين الاستعباديين المتكاملين ويكثفوا نضالهم ضدهما.
انتعاش حركة التحرر الوطني العربية ...
إن أهم معالم انتعاش حركة التحرر الوطني العربية تتجسد بتلك الضربات الموجعة التي تلقتها القوى الإمبريالية والصهيونية في منطقتنا، والتي تجلت في التصاعد المستمر للمقاومة الوطنية العراقية البطلة المناضلة بتصميم وإصرار من أجل الإنهاء الكامل للاحتلال الإمبريالي الأمريكي لأرض العراق الأبيّ، وكذلك في الهزيمة النكراء التي مُني بها العدوان الإمبريالي الصهيونية على لبنان في صيف عام /2006/، هذه الهزيمة التي تحققت على أيدي المقاومة الوطنية اللبنانية الباسلة وقوتها الضاربة حزب الله. وصمود غزة البطولي في وجه الهجوم الهمجي الصهيوني في بداية عام /2009/ الذي سبقه وتلاه التصدي اليومي للحصار الإسرائيلي. كما أن للصمود الوطني السوري المشرف دور أساسي في إحباط المخططات الإمبريالية والصهيونية التوسعية.
مع بداية بوادر الحرب التحريرية الوطنية العراقية، أكد الشيوعيون السوريون أن حركة التحرر الوطني العراقية تشكل موضوعياً فصيلاً ضارباً ومؤثراً ومقداماً في حركة التحرر الوطني العربية والعالمية. وتثبت مجريات الأحداث أكثر فأكثر ذلك.
إن الشعب العراقي البطل بمقاومته الباسلة للاحتلال الإمبريالي الغاشم، سدد ضربة قوية لمجمل المخططات التوسعية للإمبريالية الأمريكية، وبيّن بشكل جلي أن طريق المغامرات العسكرية الإمبريالية هو طريق محفوف بالخطر الجسيم على الدول التي تخوضه ويجلب لها بالنهاية الهزيمة المصحوبة بالخسائر الفادحة. فبالرغم من كل البطش الوحشي للمحتلين وعملائهم، وبالرغم من الدسائس الكبرى التي قامت وتقوم بها مخابرات المستعمر وأجرائه من أعمال قتل عشوائي وتفجيرات إرهابية ضد الحشود الآمنة من أجل تأجيج الفتن العرقية والطائفية، بقي خط المقاومة العراقية في تصاعد مستمر، أجبر المستعمرين أن يعلنوا زوراً وبهتاناً إنهاء الاحتلال للعراق وهو بحد ذاته انتصار كبير للمقاومة الوطنية العراقية. فالشعب العراقي يسطر ببطولاته الأسطورية وتضحياته الجمة صفحة وضاءة جديدة في تاريخ حركة التحرر الوطني العربية والعالمية. كما أن المقاومة الوطنية العراقية الباسلة أثبتت المقولة التي كانت تبدو طوباوية بالنسبة للمتخاذلين والمرتدين، ألا وهي إمكانية التصدي الناجع للمخططات الإمبريالية والعدوان العسكري الاستعماري، بالرغم من اختلال ميزان القوى العالمي في ضوء غياب الاتحاد السوفييتي. فالمقاومة الوطنية العراقية بينت وتبين بأنها تتفوق على المستعمر ليس فقط بشجاعتها واستعدادها لكافة أشكال التضحية، بل وأيضاً فإنها تبدي أداءً حربياً عالي الإتقان والاحترافية.
في الوقت الراهن ترمي مخططات الإمبريالية الأمريكية لإبقاء الاحتلال والسيطرة الاستعمارية مع محاولة نقل العبء الأساسي في مواجهة القوى الوطنية العراقية، إلى كاهل العملاء. نعم، إن الانسحاب الجزئي للجيش الأمريكي من العراق جاء نتيجة المقاومة الوطنية العراقية الباسلة، ورفض أوسع الأوساط من الشعب العراقي لاستمرار الاحتلال الغاشم. وحزبنا نبه وينبه من مخاطر مؤامرات الاستعمار الأمريكي وعملائه الموجهة إلى تكريس تواجد الجيش الأمريكي على شكل قواعد عسكرية دائمة، أي إقامة سلسلة من القواعد تنتهك صراحة السيادة الوطنية العراقية، وتشكل تهديداً دائماً لكل شعوب المنطقة. ونعيد تأكيد موقف حزبنا المبدئي حول أهمية توحيد الصف الوطني العراقي بكافة أطيافه من أجل الجلاء الكامل لقوات الاحتلال الإمبريالية وتكنيس عملائه من كافة الأنواع والأشكال، وقيام العراق الديمقراطي الموحد السيد الذي يتمتع فيه كل مواطنيه بكامل حقوقهم السياسية والاجتماعية والقومية.
ووجهت الملحمة البطولية اللبنانية في صيف عام /2006/ ضربة مؤلمة للمخططات التوسعية العدوانية للإمبريالية الأمريكية وإسرائيل الصهيونية. فالمقاومة الوطنية اللبنانية بنضالها الباسل وتضحياتها العظيمة حولت أسطورة الجيش الإسرائيلي «الذي لا يقهر» إلى هباءً منثوراً. لقد بيّن حزبنا في بيان صدر عنه أثناء العدوان الصهيوني على لبنان، تحت عنوان: «المجد للمقاومة الوطنية اللبنانية الباسلة» الأبعاد والأهداف الحقيقية لهذا العدوان إذ جاء في بيان الحزب هذا: «ما تهدف إليه الحكومة الصهيونية، هو القضاء على المقاومة الوطنية، وتطبيق القرار الأمريكي ــ الفرنسي الصهيوني، والذي صدر عن مجلس الأمن تحت رقم /1559/ والمتضمن نزع سلاح المقاومة، وبالتالي تجريد لبنان من أي قدرة على صد العدوان الصهيوني المستمر، وصولاً إلى إخضاع لبنان للهيمنة الأمريكية ــ الصهيونية عبر «اتفاقية سلام» مع إسرائيل .... وبالتالي الاستفراد بسورية الصامدة التي تشكل عقبة كأداء في وجه «مشروع الشرق الأوسط الكبير الجديد» والمشاريع الاستعمارية الأخرى».
كما أنه منذ اليوم الأول من العدوان الإسرائيلي أكد حزبنا على ثقته بانتصار المقاومة الوطنية إذ جاء في بيان صادر عن أحزاب شيوعية وعمالية في البلدان العربية بادر إليه حزبنا مع الحزب الشيوعي الفلسطيني الشقيق حرفياً ما يلي: «المقاومة الوطنية اللبنانية تثبت اليوم أنها قادرة على إلحاق هزيمة جديدة بالمخططات العدوانية الإمبريالية كما فعلت سابقاً». وهذا ما حدث فعلاً. ويجب القول أن تأكيدنا هذا أتى ليس فقط انطلاقاً من مشاعرنا وأمنياتنا، كما كانت عليه أمنيات ومشاعر، كل الوطنيين، بل أيضاً من معرفتنا الجيدة بماهية هذه المقاومة الباسلة والطاهرة.
إن انتصار المقاومة الوطنية اللبنانية الذي تجسد في تصديها الناجع للعدوان الوحشي الذي أخذ شكل الحرب التدميرية وإلحاقها خسائر جسيمة في صفوف المعتدين وضربها لمواقع انطلاق القوى المعتدية ودحرها للجيش الإسرائيلي، هذا الانتصار شكل نقلة نوعية في مسار حركة التحرر الوطني العربية. فبعد استبسال المقاومة الوطنية العراقية، والإصرار الراسخ على الصمود الذي أبدته القوى الوطنية والمقاومة الفلسطينية، أتت الملحمة البطولية اللبنانية، لتؤكد وتثبت ملامح نهوض حركة التحرر الوطني العربية في وجه مخططات الهيمنة الاستعمارية الإمبريالية والصهيونية. وهذا ما أكد عليه الحزب الشيوعي السوري في أصعب الأوقات، مؤكداً أن النضال واجب والنصر ممكن في حال الاعتماد على الجماهير الشعبية بدون تردد، وبدون التفكير بالمساومات اللا مبدئية. إن المقاومتين الوطنيتين الشعبيتين العراقية واللبنانية قامتا بدور نوعي مهم جداً، ألا وهو تبديد الوهم بأن الجبروت الإمبريالي كلي القدرة لا يمكن مقاومته ضمن الموازين العالمية الحالية. هذا الطرح الذي تبنته قوى عديدة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي بمن فيها أولئك المرتدون الذين كانوا سابقاً في صفوف الحركة الشيوعية وانتقلوا إلى مواقع شتى من الاشتراكية الديمقراطية والتبعية للمال السياسي. وقد شاهدنا نماذج بشعة منهم في العراق ولبنان. ومهما كانت تسميتهم، فإن فعلهم كان واضحاً، وهو الدعوة إلى التخاذل والتبعية للإمبريالية وممثليها المحليين المترافقة بهذا الشكل أو ذاك من النفاق المغلف ببقايا الجمل اليسارية. وعلى كل الأحوال فإن حركة التحرر الوطني قد تجاوزت هؤلاء المرتدين. ومكانهم معروف ــ في مزبلة التاريخ، والتي سيرمون إليها ليس فقط من قبل الشعوب، بل ومن قبل أسيادهم الإمبرياليين بعد استنزاف دورهم نهائياً.
إن لانتصار المقاومة الوطنية اللبنانية تأثير كبير على النضال العالمي، على المعركة الكبرى التي تخوضها شعوب العالم ضد الهيمنة الإمبريالية. فالمقاومة الوطنية اللبنانية بتوجيهها الضربة القاسية لإسرائيل الصهيونية، وجهت ضربة مؤلمة للصهيونية العالمية، تلك القوة الظلامية العنصرية الفاشية المعاصرة، والتي تقف وراء أكثر المخططات الإمبريالية وحشية ومكراً وفظاعة.
وقدر حزبنا أعلى التقدير الدعم المشرف الذي قدمته سورية إلى لبنان المقاوم والمساعدة الإنسانية الكبيرة التي قدمت لجماهير الشعب اللبناني الشقيق.
وأتى العدوان الهمجي الإسرائيلي على غزة في بداية عام /2009/ أيضاً في سياق محاولات تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير الجديد هذا من جهة، ومن جهة ثانية كان هذا العدوان محاولة من قبل إسرائيل الصهيونية لغسل عار الهزيمة التي لحقت بها في لبنان ولرفع معنويات قطاع الطرق الصهاينة المضعضعة نتيجة هذه الهزيمة.
وقد جرى التخطيط لهذا العدوان الإجرامي لكي يتم تنفيذه في الفترة الانتقالية بين الإدارتين الأمريكيتين، باتجاه إبادة المقاومة الوطنية الفلسطينية وضرب البنى التحتية في غزة، وتمكين الإدارة الجديدة من جني ثمار هذا العمل الإجرامي، دون أن تتحمل وزره بشكل مباشر. ولكن المقاومة البطولية والصمود الرائع الذي أبداه الشعب الفلسطيني في غزة، والحملة الشعبية التي شهدتها العواصم العربية، بما فيها العواصم التي يحكمها المتواطئون مع القوى المعتدية، وكذلك الحملة العالمية التي شهدتها الكثير من بلاد العالم وفي جميع القارات، أفشلت هذا المخطط الذي شارك في وضعه وتقاسم الأدوار في تنفيذه الصهاينة والإمبرياليون الأمريكان والحكام العملاء.
فالمقاومة بقيت صامدة مرفوعة الرأس. وأضطر الحكام العرب المتواطئون أن يسرعوا إلى إيجاد صيغ تبريرية لمواقفهم الانهزامية، بل والمتواطئة مع العدو. وظهرت إسرائيل الصهيونية أمام الرأي العام العالمي بصورتها الحقيقية كونها النازية المعاصرة، لا تتوانى عن ارتكاب أي جريمة بما فيها جرائم الإبادة الجماعية التي يذهب ضحيتها الأطفال والنساء بغية تحقيق أهدافها الاستعمارية.
وأثناء العدوان على غزة كان الموقف السوري مقداماً وشجاعاً. فقد تميز الموقف السوري بثباته وحزمه في دعم المقاومة، ونصرتها على المستويات كافة. كما أن الموقف السوري كان واضحاً في ربط العدوان الصهيوني الإرهابي على غزة مع الدعم والمساندة الذي تلقاه هذا العدوان من قبل الإمبريالية الأمريكية. كما أثبتت جماهير الشعب السوري مرة أخرى ثباتها على مواقفها الصامدة في وجه الإمبريالية والصهيونية وإخلاصها للتراث الوطني العريق، إن كان من خلال المشاركة الواسعة في المظاهرات الحاشدة التي نزلت إلى شوارع دمشق والمدن السورية كافة، منددة بالعدوان ومعبرة عن التضامن مع نضال الشعب الفلسطيني الشقيق، أو من خلال الإسهام الجدي في حملة التبرعات لأهلنا في غزة. وشارك رفاقنا الشيوعيون بنشاط بكل هذه الحملات الوطنية.
ومن منبر المؤتمر الحادي عشر يؤكد الحزب الشيوعي السوري تضامنه المطلق مع النضال من أجل رفع الحصار الصهيوني المجرم عن غزة البطلة، مديناً كل القوى المشاركة في هذا الحصار الغاشم بما فيها النظام المصري الذي أقام جدار العار على الحدود المصرية ــ الفلسطينية.
نعم .. إن حركة التحرر الوطني العربية في صعود وعماد هذه الحركة وصانع انتصاراتها هي الجماهير الشعبية. وإن الخطأ الكبير في حسابات القوى الإمبريالية والصهيونية يكمن في عدم أخذها إرادة الشعوب في الحسبان. وقد شكل هذا ويشكل الأساس في الإخفاقات والانتكاسات بل والهزائم التي منيت بها المخططات العدوانية الإمبريالية والصهيونية في العراق ولبنان وفلسطين.
وإلى جانب النهوض في حركة التحرر الوطنية في معاركها المباشرة ضد الاستعمار، فقد شهدت الفترة الماضية احتدام المعارك الطبقية في العديد من الدول العربية. وذلك ناتج عن أن أغلبية الدول العربية عاشت تدنياً سريعاً وكبيراً في مستوى حياة الجماهير الشعبية بسبب السياسات الليبرالية المطبقة فيها والتي عمقت أثارها السلبية الأزمة الاقتصادية الدورية العالمية، مما أجج الحركة المطلبية فيها التي وصلت في بعض البلدان إلى حملة إضرابات واسعة، والتي حقق العمال من خلالها بعض المكاسب المشروعة. ولكن بالرغم من ذلك تستمر حملة التضييقات على حقوق العمال والكادحين. وعموماً فإن هناك مؤشرات جدية تشير إلى أن المرحلة القادمة في تطور حركة التحرر الوطني العربية ستشهد زيادة تضافر النضال الوطني مع الصراع الطبقي المباشر.
يؤكد الحزب الشيوعي السوري على ما جاء في برنامجه من مهام عامة تواجه جميع فصائل حركة التحرر الوطني العربية وهي:
1 ــ الحفاظ على الاستقلال السياسي وترسيخه.
2 ــ الدفاع عن الإنتاج الوطني وتطويره.
3 ــ النضال ضد القوى الرجعية الداخلية.
4 ــ مكافحة الصهيونية في كافة تجلياتها.
وإلى جانب القواسم المشتركة والأهداف الكبرى التي تجمع فصائل حركة التحرر الوطني العربية هناك مهام متنوعة ومتشعبة تمليها الخصوصيات في كل بلد بذاته والواقع الموضوعي المعاش فيه. ولكن مع كل هذا التنوع فإن المحور الأساسي في نضال حركة التحرر الوطني العربية هو معركتها الضارية ضد مشاريع الهيمنة الأمريكية والصهيونية العالمية. وفي هذا السياق نحن ندعو الأحرار في دنيا العرب إلى تصعيد حملاتهم ضد المخططات الإمبريالية والصهيونية العدوانية وتوسيع حملة المقاطعة الكاملة للبضائع والمصالح الأمريكية.
وتبقى مسألة النضال من أجل الحريات الديمقراطية أحد المهام المشتركة أمام فصائل حركة التحرر الوطني العربية. فكلما كانت الحريات الديمقراطية المتاحة للقوى الوطنية والتقدمية وللجماهير الشعبية أوسع، كلما كان النضال ضد الاستعمار والرجعية أنجع وذو قاعدة اجتماعية وبالتالي سياسية أوسع وأمتن.
يؤكد حزبنا على موقفه الثابت بضرورة الحفاظ على التحالف بين قوى التحرر الوطني الأساسية في منطقتنا: سورية والقوى الوطنية اللبنانية وإيران والمقاومة الوطنية الفلسطينية وحركة التحرر الوطني العراقية، وترسيخ هذا التحالف الوطني التحرري.
كما يؤكد حزبنا على أهمية التضامن بين كل القوى الوطنية والتقدمية في دنيا العرب من أجل النضال الناجع ضد مشاريع الهيمنة والنهب الإمبريالية والصهيونية.
يرى الحزب الشيوعي السوري أن إسهامه الرئيسي في نهوض حركة التحرر الوطني العربية يكمن في دعمه للموقف الوطني السوري الصامد وفي نضاله لتعزيز كافة عوامل هذا الصمود المشرّف. هذا الصمود هو تعبير عن الكرامة والعزة الوطنية في وجه المشروع الاستعبادي الإمبريالي والصهيوني. فسورية حالياً هي نبراس النضال الوطني في دنيا العرب.
الفصل الثالث
الاتجاهات الأساسية للنضال الوطني والصراع الطبقي في سورية
إن الواجب المقدس للشيوعيين السوريين كما لكل الوطنيين المخلصين الشرفاء هو دعم وتوطيد الصمود الوطني السوري. هذا الصمود الذي يشكل العقبة الأساسية أمام تمرير المشاريع الاستعمارية والصهيونية العدوانية والتي يأتي في مقدمتها مشروع «الشرق الأوسط الكبير» الاستعبادي. ويرى الشيوعيون السوريون في دعم صمود سورية الوطني، واجبهم الوطني والطبقي والأممي.
وكما أشارت الرفيقة وصال فرحة بكداش في الكلمة الختامية للمؤتمر العاشر لحزبنا: من يريد التهجم على سورية، يجب أن يراجع حساباته، لأن سورية عصية على المستعمرين.
الصمود المشرف في وجه تصاعد الهجمة الإمبريالية ــ الصهيونية ..
نحن الشيوعيين السوريين في مؤتمر حزبنا الحادي عشر نعيد التأكيد بأن الحلقة الأساسية في وضع بلدنا سورية والتي ستحدد آفاق تطوره هي الصمود الوطني. فلا يمكن تحقيق أي تطور اقتصادي ــ حقيقي، وأية خطوة باتجاه التقدم الاجتماعي بدون الحفاظ على جميع مقومات الصمود الوطني. كما أنه لا يجوز التغاضي عن المهمة الوطنية الكبرى الماثلة أمام شعبنا بتحرير أرضه المحتلة من قبل إسرائيل الصهيونية، وإننا في مؤتمر حزبنا الحادي عشر نعيد التأكيد على ضرورة تركيز الجهود لتحقيق هذا الهدف الوطني الكبير بتحرير الجولان السوري من رجس الاحتلال الإسرائيلي، دون تنازل عن أي شبر من ترابنا الوطني ودون قبول أي شرط يمسّ سيادتنا الوطنية.
إن الإطار العام للنضال الوطني التحرري الذي يخوضه الشعب السوري يتجلى في الدفاع عن السيادة الوطنية وتعزيزها. فالتحرر الوطني الكامل (وبكلام آخر السيادة الوطنية الكاملة) يعني:
1 ــ التحرر من كل نفوذ استعماري أجنبي ومن كل اعتبار دولي يسمح لدولة أخرى بالتدخل في شؤوننا أو فرض إرادتها علينا بالقوة والعنف.
2 ــ حريتنا التامة في تقرير مصيرنا وعلاقاتنا الاقتصادية والسياسية بشكل يتفق مع مبادئ السلم والمساواة.
3 ــ بسط سيادتنا الوطنية على كل المرافق الحيوية في بلادنا.
إن النضال التحرري الوطني للشعب السوري دفاعاً عن الأسس هذه يصطدم مع مخططات ومؤامرات الإمبريالية والصهيونية وقوى الرجعية الإقليمية والداخلية. وعندما تعبر سورية عن مواقفها الوطنية المنبثقة من التراث الوطني العريق للشعب السوري والمستندة إلى إرادته ومُثله، فهي لا تعبر فقط عن المبادئ والعواطف ولكنها في موقفها هذا تساير أيضاً مسيرة التاريخ فمسيرة التاريخ هي لصالح الشعوب ضد الطغيان الاستعماري. ونحن نركز على تراث شعبنا النضالي من أجل استنهاض الهمم في المعارك الوطنية الكبرى التي يخوضها شعبنا. فمن يتناسى تاريخه لا مستقبل له.
إن النضال ضد المخططات التوسعية لإسرائيل الصهيونية هو ما يجمع عليه كافة أبناء شعبنا، وهم مصممون على تحرير كامل تراب جولاننا المحتل من رجس الاحتلال الصهيوني، وفي الوقت ذاته يدرك شعبنا أن ما يجعل إسرائيل الصهيونية في هذه الحالة من العدوانية المستمرة، كونها القوة الضاربة في منطقتنا للإمبريالية الأمريكية، ذلك الخطر الأكبر الذي يهدد استقلال وحرية كل شعوب العالم، بما فيها شعوبنا العربية. فالنضال ضد الصهيونية هو نضال ضد الإمبريالية في الوقت نفسه، ولا يمكن أن يكون النضال ضد الصهيونية ناجحاً دون النضال ضد الإمبريالية العالمية ورأس حربتها الإمبريالية الأمريكية. هذه الحلقة الأساسية التي بقي الشيوعيون السوريون متمسكين بها على مدى مسيرتهم النضالية، والتي اتضحت لكافة الوطنيين في دنيا العرب خاصة بعد الاحتلال الأمريكي الغاشم للعراق.
شهدت السنوات الماضية اشتداد الضغوطات المتنوعة على سورية في إطار الهجوم الإمبريالي الصهيوني الشامل الساعي إلى إحلال الهيمنة الاستعمارية الكاملة والمباشرة على منطقة شرق البحر المتوسط من خلال مخططات عدوانية عديدة يأتي في مقدمتها مشروع الشرق الأوسط الكبير. فالصمود الوطني السوري هو عقبة كأداء أمام المخططات التوسعية الإمبريالية والصهيونية، وكما يصرح المستعمرون أنفسهم لا يمكن اعتبار مشروعهم الاستعماري محققاً دون إخضاع سورية.
فسورية هي البلد المتميز في دنيا العرب بصموده الوطني، ورفضه للإملاءات الاستعمارية. ومن هنا يأتي تكالب القوى الاستعمارية على الصمود الوطني السوري. واستعمالها لكل الوسائل المتاحة من أجل إركاع سورية فهناك الضغط الأمريكي والاستفزازات الإسرائيلية، وابتزاز حلفاء أمريكا من الحكام العرب، والنشاطات المشبوهة للرجعية الداخلية. وتـُشن على سورية الحملات من كل الجبهات: السياسية والإعلامية والاقتصادية. ويتضح أكثر وأكثر أن هذه الهجمة على سورية والتي تأخذ الأوجه المتعددة من الضغوطات السياسية والتهديدات العسكرية إلى التخريب الاقتصادي وحبك المؤامرات تهدف إلى إحداث تحولات جذرية تغيّر الوجه الوطني لسورية بما فيها إسقاط نظام الحكم القائم والمستند إلى تحالف وطني واسع هدفه الأساسي حماية وتعزيز السيادة الوطنية. وما الضغوطات من أجل تحقيق تراجع في الموقف السياسي الوطني السوري إلا خطوات مرحلية من أجل تحقيق هذا الهدف النهائي لأعداء وطننا.
ونحن نبهنا وننبه جميع الوطنيين الشرفاء في بلادنا بأنه إلى جانب الضغوطات السياسية الخارجية المستمرة على بلادنا، هنالك محاولات للابتزاز الاقتصادي، وفرض وصفات المراكز الإمبريالية وأدواتها كصندوق النقد الدولي والبنك العالمي ومنظمة التجارة العالمية، والتي يمكن تلخصيها بكلمة واحدة هي الليبرالية الاقتصادية، وهي تعبير عن فرض ديكتاتورية الاحتكارات الأجنبية على الاقتصاد الوطني. فهذا الأسلوب يؤدي إلى إنهاك البلاد اقتصادياً من أجل تسهيل النيل منها سياسياً. وفي هذا السياق نؤكد مرة أخرى معارضة الحزب الشيوعي السوري بشكل مطلق انضمام بلدنا إلى الشراكة الأوروبية. ومعارضتنا أيضاً واضحة وقطعية بما يخص التوجه للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية. وموقف حزبنا هذا ينطلق بالدرجة الأولى من الاعتبارات الوطنية، تليها اعتبارات اقتصادية واجتماعية متعلقة بحماية الإنتاج وحال المنتجين.
يرى حزبنا أنه من الواجب تقوية كل عوامل الصمود الوطني السوري المشرّف, سياسياً وعسكرياً واقتصادياً واجتماعياً. ومن الناحية الاقتصادية لابد من تقوية وتطوير الإنتاج الوطني، والعمل على إعادة مكانة ركيزته الأساسية قطاع الدولة ــ القطاع العام، وتوفير عوامل المنعة له وتعزيزها وتطوير مقدراته بشكل مخطط ومدروس.
وبرأينا أن مسألة منع تغلغل الرأسمال الأجنبي، خاصة في ظروف المعركة المحتدمة له نفس أهمية زيادة القدرة العسكرية الدفاعية. إن ظروف الهجمة المستمرة والضغوطات المتصاعدة على بلدنا والمهام الوطنية الكبرى الماثلة أمام شعبنا تتنافى عضوياً مع وصفات الليبرالية الجديدة، بل تتطلب اقتصاداً ممركزاً تسيطر الدولة على مفاصله الأساسية. وعلى هذا تدلنا تجربة المراكز والدول الإمبريالية ذاتها حين وقوعها في حالة حرب.
وتدل مجريات الأمور أن القدرة القاهرة للعدوان موجودة بالدرجة الأولى لدى الجماهير الشعبية. لذلك فإن تلبية مطالب الجماهير الاقتصادية والاجتماعية هو أمر أساسي في معركتنا الوطنية. نعم نحن الشيوعيين كنا وما زلنا وسنبقى نركز على هذا العامل الأساسي، على الجماهير الشعبية. وهذا ليس كلاماً طوباوياً ورومانسياً كما يحلو وصفه لأولئك البراغماتيين عديمي الجذور في تربتهم الأم. بل هو كلام مستنبط من صميم الواقع ومن معرفة مسيرة التاريخ وقوانينه وشواهده. ففي المرحلة الراهنة للتاريخ العالمي الجماهير الشعبية هي القوة التي لا تهزم، والذي يعتمد على هذه الجماهير ويعكس طموحاتها الوطنية والاجتماعية يمكن أن يحقق الكثير والكثير.
والشرط الأساسي لتحريك قوة الجماهير هو السير لملاقاة مطالبها. نعم، إن الجماهير الشعبية يمكن أن تتحمل الكثير من العناء وأن تقدم التضحيات الجسام، إذا رأت بأن الكل يقع عليه هذا الواجب. أما أن يُطلب من الجماهير التضحية في ظل الإثراء الفاحش للطفيليين ونهب المتسلطين، ففي ذلك باطل الأباطيل وقبض الريح. وخاصة أن الجماهير ومن خلال تجربتها ترى أنه من الوهم الاعتماد على وطنية الطفيليين شركاء الاحتكارات الإمبريالية في نهب وطنهم وشعبهم. ويعيد حزبنا تأكيده بأن إمكانية الصمود الوطني ستزداد بشكل هائل إذا جرى التخلص من التوجهات الليبرالية الاقتصادية، تلك التوجهات التي تعمل على إضعاف عزم وقوة وصلابة الجماهير الشعبية، هذا العماد الأساسي للصمود الوطني.
ويرى حزبنا أنه في وجه التهديدات الإمبريالية والصهيونية المتتالية يجب العمل الدؤوب على التعزيز الدائم لوحدة الصف الوطني، وهو حجر الأساس للصمود الوطني السوري، وضمانة سيادة البلاد وتطورها المستقل عن إرادة المستعمرين، وهذا يعني الاعتماد الأساسي على جماهير الشعب، وتلبية حاجات هذه الجماهير المعيشية والاجتماعية.
ويرى الحزب الشيوعي السوري أنه في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها بلدنا يجب تعبئة كل مقومات الصمود الوطني. فالصمود الوطني ليس واجباً فقط، بل هو ممكن، كما تدل على ذلك تجربة شعوب العالم وخاصة تجربة الأشقاء والتاريخ السوري ذاته. وهذا الصمود الوطني يتطلب عدم التراجع أمام الابتزازات الاستعمارية. وشرطه الأساسي يكمن في الإرادة الوطنية الصلبة. وحزبنا كله قناعة بالمقولة المعروفة للقائد التاريخي للشيوعيين السوريين خالد بكداش: بأن إغضاب الاستعمار أسهل من إرضائه.
حول بعض الملامح الأساسية للوضع الاقتصادي الاجتماعي ..
يؤكد حزبنا أن المهمة الاقتصادية الاجتماعية الأساسية في الظروف الراهنة تتجسد في الدفاع عن الإنتاج الوطني بكافة أشكاله على أن يكون إنتاجاً وطنياً حقيقياً وبذلك يجري صون مصالح المنتجين وتأمين الأرضية المتينة لتلبية مطالب الجماهير الشعبية الكادحة بوقف تدهور مستواها المعيشي ومن ثم رفعه بما يتناسب مع متطلبات حياة كريمة.
ويرى حزبنا أن المجال الاقتصادي يأخذ أهمية متزايدة في الصراع الوطني، وهذا ما تبينه بوضوح وقائع مجريات الأمور في السنوات الأخيرة. وطبعاً إلى جانب ذلك فإن التحولات في المجال الاقتصادي هي العامل الأساسي المكون لواقع الحال المعيشي للشعب. كما يرى حزبنا أن التطور الاقتصادي الاجتماعي إلى جانب كونه المجال الأساسي للصراع الطبقي في البلاد، أي الصراع حول توجه هذا التطور وكيفية توزيع وإعادة توزيع الدخل الوطني، فإنه أيضاً سيلعب دوراً أساسياً في تحديد مصير المعركة الوطنية في البلاد.
لقد جرت التحولات الاقتصادية في سورية خلال السنوات الخمس الماضية تحت يافطة تطبيق «اقتصاد السوق الاجتماعي» وتنفيذ توجهات الخطة الخمسية العاشرة. ومهما حملت هذه التحولات الاقتصادية من التسميات فإن سمتها المميزة كانت الليبرالية الاقتصادية.
وقد نبه حزبنا مبكراً من آثار هذه السياسية الاقتصادية على وضع الإنتاج الوطني والوضع المعيشي للشعب إذ جاء في وثائق المؤتمر العاشر للحزب في تشرين الثاني عام /2005/ حرفياً ما يلي: «وستؤدي سياسة الليبرالية الاقتصادية، ومهما كان اسمها الراهن، إلى زيادة الاستقطاب الطبقي في البلاد، من خلال إعادة توزيع الدخل الوطني بشكل أكبر لصالح الفئات الاستغلالية، وخاصة تلك ــ الطفيلية الكومبرادورية المرتبطة مباشرة ً مع الاحتكارات الأجنبية، وفي الوقت نفسه إلى التدني الكبير للمستوى المعاشي لغالبية الشعب، بما فيها الفئات الوسطى التقليدية المضمحلة أصلاً». وأوضح المؤتمر العاشر في حينه: «إن السياسة الليبرالية الاقتصادية ما زالت في مرحلة التوجهات العامة والإجراءات التمهيدية الأولية، ولم تتحول بعد إلى سياسة شاملة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية كافة، بالرغم من بعض الخطوات الجدية المتخذة بهذا الاتجاه. وفي حال تحولها إلى سياسة شاملة فستحمل معها نتائج كارثية على الإنتاج الوطني وعلى وضع المنتجين.».
(وثائق المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي السوري، تشرين الثاني /2005/، ص /67/)
كما نبه الحزب من التوجهات العامة للخطة الخمسية العاشرة وإلى ما تحمله من إجراءات عملية في طياتها، فقد جاء في دراسة أعدها المكتب الاقتصادي المركزي للحزب حول الخطة العاشرة حرفياً ما يلي:
«من الواضح بأن جوهر الخطة الخمسية العاشرة، من حيث التوجه إنما يكمن في مواصلة تقليص دور الدولة الاقتصادي المباشر، وخاصة في القطاع الإنتاجي، مع المزيد من الانفتاح أمام الاستثمارات والتوظيفات المباشرة الخارجية، ونرى بأن مثل هذا التوجه لا يتلاقى ومتطلبات مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تتعرض لها سورية».
وحول الخطوات العملية التي تتضمنها الخطة الخمسية العاشرة أوضحت دراسة المكتب الاقتصادي المركزي: «نرى ضرورة النضال ضد الأهداف الواردة في الخطة المقترحة والمصفوفة التنفيذية المرفقة بها حول إلغاء دعم المشتقات النفطية وحوامل الطاقة والمواد التموينية. ونشير إلى المحاذير الكبيرة والانعكاسات السلبية لمثل هذا الاتجاه على المنتج الوطني السوري، وحياة الجماهير الشعبية».
كما جاء في هذه الدراسة: «يُفهم من الخطة الخمسية العاشرة أن مراجعة قوانين العمل ستتم من أجل جعل بيئة الاستثمار أكثر ملائمة. ونحن ضد تعديل قوانين العمل من بوابة الليبرالية الاقتصادية. أي أنه لا يجوز تحت يافطة تشجيع الاستثمار الأجنبي، المزيد من التدهور في وضع الطبقة العاملة والتعدي على حقوقها المكتسبة. فالتغني باليد العاملة الرخيصة هو نوع من النخاسة المعاصرة».
(«صوت الشعب» العدد /135/، /3 ــ 12/ أيار /2006/، الخطة الاقتصادية العاشرة الانفتاحية والبديل الوطني)
وحذر حزبنا من التوجه لمواصلة تقليص دور الدولة الاقتصادي، وخاصة في القطاع الإنتاجي، مع المزيد من الانفتاح أمام الاستثمارات والتوظيفات المباشرة الخارجية. وبيّن حزبنا بأن هذا التوجه يضعف عوامل الصمود الوطني وأهمها الإنتاج الوطني وعموده الفقري قطاع الدولة. كما يهدد هذا التوجه الأمن الغذائي للبلاد، ويقلل في نهاية المطاف من إمكانية المحافظة على المكتسبات الاجتماعية التي تحققت للشعب في مجالات عدة، ومنها الطبابة والتعليم المجانيين، الأمر الذي ينعكس سلباً على مستوى الحياة للسواد الأعظم للشعب. وبيّن حزبنا أن الخطة الخمسية العاشرة قد عبرت عن السياسة الاقتصادية الانفتاحية الليبرالية. وأكد أنه من الواضح أن هذا التوجه الاقتصادي لن يخدم الصمود الوطني في وجه التحديات والضغوطات الإمبريالية التي تجابه البلاد.
(بلاغ عن اجتماع الجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري المنعقد في 26/5/2006)
ومن المعروف لكم جميعاً، أيها الرفاق، أن أعضاء مجلس الشعب الشيوعيين هم الوحيدون الذين صوتوا ضد مشروع الخطة الخمسية العاشرة.
إن النتائج الوخيمة للتوجهات الاقتصادية الليبرالية على الإنتاج الوطني وعلى حياة عامة الشعب، هذه العواقب التي أشار إليها حزبنا مبكراً محذراً منها ومعارضاً للسياسات التي تؤدي إليها، أصبحت واضحة للعيان. إذ تعيش عامة الشعب، من خلال الانخفاض الملحوظ لمستواها المعيشي، حالة من القلق المتزايد على وضعها وعلى مستقبل أطفالها، مستقبل الأجيال القادمة. كما أن هذه السياسات الاقتصادية أضرت كثيراً بواقع حال الفروع الإنتاجية الأساسية في الصناعة والزراعة، مما خلق استياءً حتى عند ممثلي البورجوازية الوطنية.
نعم، إن مجريات الصراع الطبقي في المجال الاقتصادي والاجتماعي تخلق اصطفافاً بين المدافعين عن الإنتاج الوطني وحقوق المنتجين وبين أنصار وممري الليبرالية الاقتصادية الانفتاحية، وهذا الاصطفاف تزيد ملامحه وضوحاً. فالتدابير الاقتصادية والاجتماعية تؤثر مباشرة بحياة الشعب ومعيشة المواطنين. وبسبب المتغيرات الكبيرة والسريعة في هذا المجال فهي تحظى باهتمام متزايد من قبل مختلف طبقات وفئات المجتمع. فالمرحلة الماضية اتسمت بتغيرات جدية صبت عموماً لصالح تقوية نفوذ ومواقع الفئات غير المنتجة من البورجوازية المحلية. وجرت هذه العملية على حساب الرأسمال المنتج ابتداءً من القطاع العام، الذي هو بالرغم من كل الضربات التي وجهت له، ما زال أكبر رأسمالي وطني في بلادنا، مروراً بالرأسمال الوطني الخاص والصناعي منه خصوصاً، وصولاً إلى فئات واسعة من البورجوازية الصغيرة، إن كان من الحرفيين في المدن ولكن بشكل خاص الفلاحين الذين تعثر إنتاجهم بشكل واضح.
وإلى جانب ذلك انتزعت من فئة واسعة من العاملين بأجر، وهم العاملون في القطاع الخاص ضمانة مهمة جداً ألا وهي الحماية من التسريح التعسفي. مما جعل جزء كبير منهم يقبل بظروف عمل أسوأ وبمداخيل أقل، بالرغم من كل الحقوق التي سجلت لهم في قانون العمل الجديد والتي أفرغت من محتواها بشكل كبير من خلال شرعنة التسريح التعسفي والذي أطلقت عليه أبواق الموجة الليبرالية الجديدة التسمية الملطفة «التسريح غير المبرر».
إن السياسة الاقتصادية المطبقة، أدت وتؤدي إلى تعثر ملحوظ في الصناعة، وليس في منشآت قطاع الدولة فقط، بل في القطاع الخاص الصناعي أيضاً، الذي تضاءلت قدراته التنافسية نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج المتعلقة بالدرجة الأولى بالطاقة وحواملها. وقد أغلق العديد من الرأسماليين الصناعيين منشآتهم الصناعية في سورية محولين رساميلهم إما لدول فيها ظروف مؤاتية أكثر للنشاط الصناعي أو إلى مجالات أخرى مثل التجارة والعقارات والخدمات، ممّ شكل ضرراً كبيراً للإنتاج السوري المتميز.
ويستمر تحويل منشآت قطاع الدولة الرابحة إلى الاستثمار الخاص، كما أن التوجه واضح في تصفية عدد من منشآت القطاع العام، وإقامة منشآت ذات طابع غير إنتاجي، أغلبه خاص، على أرضها. كما أن هناك قوانين منها ما أقر ومنها قيد الإقرار تفتح المجال أمام كسر احتكار الدولة لقطاعات حيوية اقتصادياً واجتماعياً بل وطنياً أيضاً مثل الاتصالات والكهرباء.
وشهدت الفترة الماضية ارتفاعاً كبيراً في سعر الطاقة وحواملها، فقد جرى في البداية رفع سعر الكهرباء تلاه ارتفاع سعر الفيول والقفزة الكبرى في سعر المازوت، مما أثر بشكل سلبي بفروع إنتاجية أساسية ــ الزراعة والصناعة التحويلية وفي وضع المنتجين. كما أن هذه الإجراءات أدت إلى زيادة العملية التضخمية من خلال ارتفاع الأسعار، بما فيها أسعار مواد الاستهلاك الأساسي مما أدى إلى خفض المستوى المعيشي للجماهير الكادحة وخاصة العاملين بأجر. فالارتفاع الملحوظ في أسعار المواد الاستهلاكية والخدمات الذي تشهده البلاد لا يمكن فصله عن الإجراءات الحكومية المتخذة برفع أسعار الطاقة وحواملها والتي أسهمت في زيادة ارتفاع الأسعار والتضخم.
وقد قدمت تسهيلات متتالية لنشاط الرأسمال الأجنبي من تشريعات متعلقة بالاستثمار وبنشاط الشركات القابضة وغيرها. إذ جرى السماح بعمل الشركات القابضة غير السورية ذات الرأسمال الضخم. ورفعت نسبة الرأسمال الأجنبي في المصارف العاملة في البلاد. واستمرت ممارسة إعطاء الامتيازات للشركات الأجنبية في مجال استثمار البترول والغاز تحت تسمية «شركات عقود الخدمة» وبشروط مجحفة.
وبقي التوجه «التشاركي» مستمراً بالنسبة لمنشآت القطاع العام، وتحت هذه اليافطة أعطيت منشآت مهمة لاستثمار الرأسمال الخاص كقسم الحاويات في مرفأي طرطوس واللاذقية ومعمل اسمنت طرطوس وهي كلها كانت تدرّ أرباحاً ملحوظة للدولة. وهناك قائمة من المنشآت المعرّضة للمصير نفسه. كما جرى الكسر نهائياً للاحتكار الحكومي لمجال الاتصالات، والمصير نفسه ينتظر قطاع الكهرباء.
واستمرت عملية تعمق الخلل الهيكلي في الاقتصاد الوطني من خلال التضخم السرطاني لقطاع المضاربات العقارية وقطاع الخدمات غير المتعلق بمتطلبات أكثرية الشعب. وهذا التضخم يجري على حساب الفروع الإنتاجية الأساسية. إن هذا الحال يزيد من التشوه الهيكلي للاقتصاد الوطني، ويزيد من الاستقطاب الطبقي في المجتمع من خلال زيادة التضخم. كما أن ما يروّج له من الاستثمار الأجنبي لم يصب عموماً في القطاعات الإنتاجية (ما عدا قطاع النفط والغاز والذي له وضع خاص)، بل توجه إلى القطاعات غير الإنتاجية بالذات، لذلك لم يحقق الفائدة التي كان يروّج لها، بل زاد من عملية التضخم. كما أن العزوف عن توجيه الاستثمارات الحكومية إلى مجال الإنتاج المادي زاد من العملية التضخمية ومن تشوه هيكلية الاقتصاد الوطني.
من خلال مجمل هذه التحولات ثبتت الشرائح الطفيلية غير الناشطة في مجال الإنتاج المادي، من البورجوازية المحلية مكان الصدارة في المجال الاقتصادي، مقلصة إلى درجة كبيرة مواقع البورجوازية الوطنية.
إن السياسات الاقتصادية ــ الاجتماعية الليبرالية التي طبقت كان لها أيضاً منعكسات اجتماعية سلبية خطيرة من خلال الازدياد الفعلي للبطالة، وظاهرة الهجرة الكبيرة التي شهدتها المناطق الشرقية والشمالية الشرقية من البلاد، وتفشي مخاطر الموبقات الاجتماعية المرتبطة عضوياً مع التدني الكبير في المستوى المعيشي لغالبية الشعب في ضوء الإثراء الفاحش للبورجوازية الكومبرادورية وتوابعها.
إن السلسلة غير المتناهية من تقديم التسهيلات للرأسمال الطفيلي بكافة يافطاته ــ الأجنبي، المغترب، العربي، المحلي، متعلقة بشكل كبير بالهزات التي شهدتها الأسواق العالمية والعربية نتيجة الأزمة الدورية الاقتصادية الأخيرة. فالرأسمال الناتج عن نهب الدولة والشعب معاً في العقود الماضية، والموظف بأغلبه في تلك الأسواق، شعر بعدم الأمان هناك، بل وتكبد خسائر جسيمة، ويسعى هذا الرأسمال الذي تشكل حامله الأبرز البورجوازية الكومبرادورية الجديدة لخلق مناخ ملائم له في السوق المحلية من أجل إعادة نهبها، بانتظار الانفراج في الأسواق الخارجية ليعود بغنائمه إلى هناك.
لا يهم البورجوازية الكومبرادورية الخراب الذي سيخلفه نشاطها في بلد المنشأ. إذ أن مصالحها متضافرة بشكل وثيق مع مصالح الاحتكارات الأجنبية، بل وإن العديد من ممثليها يحملون الجنسية الأجنبية إلى جانب جنسيتهم الأصلية حصلوا عليها مكافأة لخدماتهم المتميزة للرأسمال الأجنبي، ولهم ممتلكات وملاذات آمنة في الخارج، كما أن أولادهم يتكونون ويتأهلون خارج البلاد. فمهما كانت أصول هؤلاء الكومبرادور، فواقعهم المُعاش يجعلهم غرباء عن مصالح أوطانهم. أما ما يجمعهم بها هو سعيهم لنهبها بأكبر قدر دون تقديم شيء ملموس مقابل ذلك، على مبدأ أضرب واهرب. إن التصدي للبورجوازية الكومبرادورية هو معركة ذات طابع اقتصادي واجتماعي واضح ومقنع بالنسبة للجماهير الكادحة. ولكنها أيضاً معركة ذات طابع وطني صميمي يجب أن تصبح واضحة بالنسبة لكل القوى الوطنية.
إن أهم ما يميز الوضع الاقتصادي ــ الاجتماعي حالياً هو الانخفاض الكبير للمستوى المعيشي لأغلبية الشعب، والناتج عن القفزة التضخمية الكبيرة في أسعار أهم السلع والخدمات، بما فيها السلع الأساسية للاستهلاك الشعبي. وشملت المعاناة المعيشية ليس فقط العمال والفلاحين وسواد الموظفين والعاملين بأجر، بل هي شملت أيضاً الفئات الوسطى التقليدية من صغار الكسبة في المدينة والريف. وتزداد وتيرة الاستقطاب الطبقي في البلاد بين عامة الشعب من جهة، والبورجوازية الكبرى والفئات المستفيدة من تخديمها من جهة أخرى. فالفقير يزداد فقراً والغني يزداد غنىً.
إن غالبية الشعب عانت وتعاني من موجات الغلاء المتتالية، وقد أصاب ارتفاع الأسعار مواداً أساسية ً في الاستهلاك الشعبي. وأتى هذا الغلاء من خلال سياسة تحرير الأسعار ومن إجراءات وتوجهات ذات طابع ليبرالي متراكمة أدت بمحصلتها إلى هذا الوضع. ومن ثم تبعتها موجة الغلاء التي شهدتها سوق الغذاء العالمية مما زاد الوضع المعيشي سوءاً. أي أن الوضع المعيشي للجماهير الشعبية تأثر سلباً نتيجة السياسات الليبرالية المطبقة محلياً وعالمياً.
ويجب القول أنه بالرغم من التخلي الواضح للأوساط الحاكمة في المراكز الإمبريالية عن تطبيق السياسة الليبرالية الاقتصادية في بلدانها، إلا أن هذه الأوساط مصرة على تطبيق النهج الليبرالي الاقتصادي في البلدان الأخرى( دول الأطراف) من أجل زيادة استغلالها، خاصة في الظروف التي خلقتها الأزمة الدورية الاقتصادية العالمية. إن التوجهات الليبرالية الجديدة التي تجري محاولات فرضها على دول الأطراف من خلال وصفات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والتي يكون عادة أحد وسائل تمريرها ممثلو البرجوازية الكومبرادورية الذين لهم مصلحة مباشرة في تطبيق هذه الوصفات والإملاءات والتي يمكن تلخيصها في المرحلة الحالية بما يلي:
1 ــ زيادة دور الرأسمال الخاص المحلي وخاصة الأجنبي في اقتصاد الدول النامية.
2 ــ تخفيض الدعم عن السلع، وخاصة الطاقة والمنتجات الزراعية وصولاً إلى إزالته.
3 ــ تحرير سعر الصرف للعملات المحلية.
4 ــ خصخصة قطاع الدولة.
5 ــ فتح أبواب الاقتصاد لحركة الرساميل، من وإلى خارج البلاد.
6 ــ التوقف عن أية توظيفات حكومية في الاستثمارات الإنتاجية.
7 ــ تجميد الأجور وعدم ربطها بالأسعار، وخفض النفقات الاجتماعية وتسريح عدد كبير من العاملين.
ومن الواضح أن تطبيق هذه الوصفات يعني فتح أبواب السوق المحلية على مصراعيها لدخول الرأسمال الاحتكاري الأجنبي وبالتالي القضاء على الإنتاج الوطني في دول الأطراف.
إن كل دول الأطراف التي جرى فيها تطبيق التوجهات الليبرالية الجديدة في «شكلها الصافي» شهدت صورة متطابقة تقريباً لحال البلاد، تجلت في استقطاب لا سابق له بين السكان، تكون هوة سحيقة بين الأغنياء والفقراء، تحطم القسم الأكبر للبنى الاجتماعية التقليدية، التبعية للخارج، وفي نهاية المطاف انحطاط اقتصادي واجتماعي حتمي.
إن الكلام الذي ورد على لسان بعض المسؤولين في بلادنا، بإعادة النظر ببعض السياسات الليبرالية الاقتصادية، بعد إثبات إفلاسها في معاقلها الأساسية في الدول الرأسمالية المتطورة اقتصادياً، لم يترجم إلى فعل عملي. وما زالت كل الحلول والاقتراحات التي تأتي من المسؤولين الاقتصاديين تتجنب المساس بالأرباح التي تحققها البورجوازية الكومبرادورية على حساب الاقتصاد الوطني والشعب.
عندما ينفي الليبراليون عندنا الدور الإنتاجي للدولة (والخطة الخمسية العاشرة مثال على ذلك) فهم يقصدون الخصخصة في نهاية المطاف، مدركين أن طرح هذا الشعار بشكل علني في الوقت الحالي لن يلقى صدىً ايجابياً لدى الأوساط الواسعة من الرأي العام. ولكن من الواضح أن أحد الأهداف الرئيسية لأي توجه ليبرالي مهما اتخذ من التسميات هو الخصخصة. استخدم كهنة الليبرالية في بلدنا عدة أساليب لتمرير وصفات الإمبريالية، كان في مقدمتها التهويل بنضوب النفط، وقد قلنا في حينه أنه كلام غير صحيح يراد من خلاله الوصول إلى مآرب معينة، وأثبت الواقع فعلاً أن هناك مكامن جديدة للنفط والغاز, وأن المآرب المخفية فعلاً موجودة وهي تحولت إلى العلن، وتحت حجة التعويض عن النضوب القريب للنفط طرح التحول من الاقتصاد المنتج إلى اقتصاد مضاربات، أو حسب مقولتهم الغامضة التحول من الإنتاج إلى الاستثمار، ولنجعل هذا الكلام مفهوم بتحويل الورشة الصناعية إلى كازينو أو إلى مجمع تجاري في أحسن الأحوال، والحقل الزراعي إلى ملعب غولف. يتضح أكثر وأكثر صحة ما أشرنا إليه بأن السياسة الليبرالية الجديدة هي شكل من أشكال الإرهاب الاقتصادي الذي يؤدي إلى ضرب الإنتاج الوطني وإلى إلغاء التشريعات التي تحمي الكادحين، وإلى إفقار عامة الشعب وإلى تغليب الرأسمال الطفيلي المضارب على الرأسمال الوطني المنتج.
ومن أكثر القطاعات التي ألحق بها الضرر نتيجة الإجراءات الليبرالية الاقتصادية هي الزراعة السورية وما أدى إلى زعزعة الأمن الغذائي المتعلق بها، والذي يعتبر من المنجزات الفريدة التي تحققت في دول الأطراف. فهناك صعوبات جمة واجهتها الزراعة السورية والناتجة ليس فقط عن الأحوال المناخية، بل تسببت بها أيضاً الإجراءات المتخذة باتجاه رفع أسعار مستلزمات الإنتاج الزراعي ويأتي في مقدمتها رفع أسعار المحروقات والأسمدة.
وقد شهدت الفترة الماضية تحولات ذات طابع اجتماعي خطير في الريف السوري، كتصفية منشآت عديدة لقطاع الدولة في الزراعة، وكذلك إقرار نصوص ومواد في قانون العلاقات الزراعية تخدم الملاكين على حساب الفلاحين الكادحين. وقد عارض الحزب الشيوعي السوري وعلى كافة المستويات وأماكن تواجده هذه الإجراءات والتحولات الضارة. وللأسف بدأنا نشاهد ما نبه إليه حزبنا بأنه إلى جانب الاستيراد الجزئي للمازوت سيجري أيضاً استيراد للقمح.
لقد بيّنت وثائق ودراسات الحزب الشيوعي السوري وكذلك أبحاث المختصين أن علاقات الإنتاج الرأسمالية هي السائدة في الزراعة السورية من خلال الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وزيادة تمركزها وتنامي دور كبار المستثمرين الرأسماليين المعتمدين على رؤوس أموالهم في الاستثمار في الإنتاج الزراعي بشقيه الحيواني والنباتي، وبتزايد عدد المشاريع القائمة على استغلال قوة العمل المأجور. كما أنه يتزايد دور التجار والوسطاء في مجال التجارة بالمحاصيل وبمستلزمات الإنتاج الزراعي. إن تشوه البنى الهيكلية الاقتصادية يؤثر أيضاً على تطور الإنتاج الزراعي معرقلاً نموه. وما يميز تطور العلاقات الرأسمالية في الريف السوري، بأنه يجري بتأثير كبير من قبل الرأسماليين غير العاملين في الإنتاج، والذين يقتطعون جزءاً كبيراً من ريعه خلال توريد مستلزمات الإنتاج من الأسمدة والمبيدات ولجزء معين من البذار.. الخ، وكذلك من خلال تسويق المنتج الزراعي في أسواق الهال، بل وفي أحيان عديدة يقومون بدور الوسيط بين المنتجين ومؤسسات الدولة التي تشتري إنتاجهم.
كما أن تطور علاقات الإنتاج الرأسمالية يجري في محيط واسع جداً من الإنتاج البضاعي الصغير، الذي تتزايد صعوباته باضطراد جراء النهج الليبرالي الاقتصادي والعديد من الإجراءات التي طبقت في إطار هذا النهج ذات انعكاس سلبي جداً على الإنتاج الزراعي، والتي يأتي في مقدمتها رفع الأسعار على مستلزمات الإنتاج وبالدرجة الأولى على الوقود والأسمدة، وتقلص دور الدولة في شراء المحاصيل الهامة مثل الشعير، بل التشجيع في بعض الحالات من قبل الطاقم الاقتصادي لاستيراد مواد تنافس محاصيلنا الزراعية الستراتيجية.
إن ما أنجزته سورية من خطوات هامة في العقود السابقة من تحقيق الاكتفاء الذاتي بل الفائض في المحاصيل الستراتيجية، وبالتالي تحقيق الأمن الغذائي لبلادنا له أهمية استثنائية في تقوية الصمود الوطني السوري. لذلك يرى الحزب الشيوعي السوري أهمية إيلاء الاهتمام الكبير للإنتاج الزراعي من أجل استعادة عوامل الأمن الغذائي مهما كانت تكاليف ذلك. فمسألة الأمن الغذائي هي ذات أهمية كبرى لا تقاس بالحساب الاقتصادي البسيط.
وبالرغم من إقرار الأسعار المجزية نسبياً، لبعض المحاصيل الستراتيجية، وخاصة القمح، هذا الشيء الذي كان حزبنا من أول المطالبين به، إلا أن ارتفاع أسعار المازوت والذي تلته القفزة الكبيرة في أسعار الأسمدة، خفف من التأثير الإيجابي لهذا الإجراء ومن ريعية الإنتاج الزراعي. ويرى حزبنا أنه من أجل العودة للمستوى السابق في الاكتفاء الذاتي بالمواد الزراعية الستراتيجية، وبالتالي إلى الاستقرار في أمن البلاد الغذائي، لابد من تخفيض سعر المحروقات وخاصة المازوت، وكذلك السعي لإعادة أسعار المستلزمات الزراعية وخاصة الأسمدة إلى وضع يشجع على تطوير الإنتاج الزراعي. فالأمن الغذائي ليس مسألة تقاس فقط بمقاييس الريعية بل تدخل في تحديدها اعتبارات الأمن الوطني والاستقرار الاجتماعي.
ويحذر الحزب الشيوعي السوري من التوجهات التي تحاول فرضها بعض الدوائر الدولية حول تنمية بعض الزراعات الثانوية على حساب الزراعات الستراتيجية. إن الهدف من هذه التوجهات والنصائح يكمن في ضرب الزراعة السورية كونها أحد الدعائم الأساسية للصمود الوطني، من خلال تأمينها أساسيات الأمن الغذائي. ومن أبرز المشاريع المطروحة في هذا المجال حالياً هو مشروع «الأغروبوليس» في سهل الغاب. ويرى الحزب الشيوعي السوري أنه يجب الاستفادة من تجارب الدول التي قبلت نصائح المراكز العالمية الرأسمالية وبالنهاية حصلت على قطاع زراعي مشوه تابع تماماً للعلاقات مع الأسواق الخارجية، وانعدام الأمن الغذائي في تلك الدول والاعتماد على مستوردات الغذاء من الخارج، مما أدى إلى ضعضعة القرار السياسي في تلك الدول، هذا في أحسن الأحوال، وصولاً إلى إنقاص وإضعاف السيادة الوطنية والتبعية الكاملة إلى «مصادر العيش» في أسوئها.
ويؤكد حزبنا على موقفه الثابت في تحقيق الشعار الكبير «الأرض لمن يعمل بها», ويرى ضرورة تعديل بعض مواد قانون العلاقات الزراعية بهذا الاتجاه وخاصة المادتين /106 و 110/.
ويرى الحزب الشيوعي السوري ضرورة وضع برامج وسياسات متكاملة بهدف تطوير الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني وتأمين مستلزماته بأسعار مناسبة ودعم الفلاح المنتج وحماية إنتاجه وتنويع وزيادة الخدمات في الريف واعتماد سياسة تسويق وتسعير ملائمة. كما يؤكد حزبنا على ضرورة تفعيل دور المنظمات الفلاحية وتشجيع الإنتاج الزراعي التعاوني وإنشاء الجمعيات التعاونية لتسويق المنتجات الزراعية.
ويصر حزبنا على موقفه بضرورة تكوين تنظيمات نقابية خاصة بالعمال الزراعيين، فوضع العامل المأجور يختلف جذرياً عن واقع المالك لأدوات الإنتاج حتى الصغير، وإن كان كلاهما يعمل في النشاط الاقتصادي نفسه.
وفي المجال الاجتماعي شهدت الفترة الماضية تراجعات جدية، فإلى جانب النصوص الضارة بمصالح العمال (خاصة في القطاع الخاص) والفلاحين، جرى تراجع جدي عن مبدأ ديمقراطية التعليم والذي يعني أن يكون التعليم بشكل عام حكومياً ومجانياً، وأن تؤخذ بعين الاعتبار كفاءات الطالب وليس سماكة محفظة والده، ومن الواضح أن التراجع الذي حصل في هذا المجال خاصة في مرحلة التعليم الجامعي، كاد أن يفرغ هذا الإنجاز من محتواه. ونحن نرى أن التضييق في القبول الذي يشهده التعليم الجامعي الحكومي المجاني، عاماً بعد عام، تقف وراءه المصالح الخاصة لأولئك الأثرياء الجدد الذي وظفوا أموالهم بالجامعات الخاصة، ويرون فيها امتداداً منطقياً للأساليب الطفيلية التي جمعوا بها أموالهم.
ويجب القول أن مبدأ الخدمات الطبية الحكومية المجانية أيضاً شهد التراجع الجدي عنه، فبسلسلة القوانين التي جرى إقرارها حول المنشآت الطبية الحكومية قلصت بشكل جدي نسبة الخدمات المجانية فيها.
خلال الفترة التي تلت المؤتمر العاشر للحزب كانت مواقفه واضحة ومتميزة بما يخص الدفاع عن الإنتاج الوطني، وعن حقوق المنتجين وخاصة حقوق العمال والفلاحين وصغار الكسبة وكل العاملين بأجر. وعارض الحزب بحزم كل التوجهات الليبرالية الاقتصادية منبهاً بمخاطرها في مجالات الحياة كافة. ويرى حزبنا ضرورة العودة عن السياسات الاقتصادية الليبرالية، وإعطاء الأولية إلى الفروع الإنتاجية وتعزيز مواقع القطاع العامِ (قطاع الدولة) وتشجيع الرأسمال الوطني الخاص المنتج، وحماية الإنتاج البضاعي الصغير في المدينة والريف. ومن الضروري كبح تلك الإجراءات التي تؤدي إلى فلتان الأسعار.
يتضمن الاقتصاد السوري ومن حيث المؤشرات العامة نقاطاً ايجابية ومحاور ارتكاز هامة تعزز استقلالية القرار السياسي الوطني من الناحية الاقتصادية وتشكل دعامة هامة له. هذه الدعائم والنقاط ، ورغم ادعاءات قوى الليبرالية المحلية وممثليها والمنظرين المدافعين عنها والمعبرين عن مصالحها، قد تحققت في ظل وجود دور فاعل للدولة في الحياة الاقتصادية وبفضل وجود وعمل قطاع عام (قطاع الدولة) قوي. وتشكل هذه العوامل رصيداً هاماً يجب الحفاظ عليه واستخدامه من أجل التطور المتوازن والمستقل وتعزيزه وزيادته. وعدم السماح لقوى البورجوازية الكومبرادورية الانتقاص منه. ومن هذه العوامل الإيجابية:
1 ــ وجود قطاع عام (قطاع دولة) ما زال قوياً وإن كانت تجري محاولات حثيثة لتصفيته.
2 ــ عدم وجود مديونية خارجية كبيرة.
3 ــ عدم الاعتماد حتى الآن على القروض الخارجية الكبيرة.
4 ــ وجود احتياطي كبير نسبياًَ من القطع الأجنبي.
5 ــ وجود ثروة باطنية يجب عدم استنزافها.
6 ــ تأمين نسبة هامة من الاحتياجات الغذائية من الإنتاج المحلي.
7 ــ وجود تقاليد صناعية وزراعية عريقة وكذلك قطاع كبير من المنتجين الصغار الموصوفين بقدراتهم .
ويرى الحزب الشيوعي السوري أنه يمكن تطوير الاقتصاد الوطني استناداً إلى هذه المرتكزات وحماية المصالح الوطنية وتلبية مصالح الجماهير الشعبية.
ولتطوير الاقتصاد الوطني استناداً لهذه المقومات الجدية، يرى الحزب الشيوعي السوري أهمية اعتماد سياسات اقتصادية تحمي وتطور الإنتاج الوطني بالترابط الوثيق مع تحسن المستوى المعيشي للمنتجين من العمال والفلاحين والحرفيين وصغار الكسبة في المدينة والريف، وكذلك المستوى المعيشي لسائر محدودي الدخل كجمهور الموظفين. ويرى حزبنا أن مهام المرحلة الراهنة من التطور الاقتصادي الاجتماعي تكمن في:
1 ــ حماية الإنتاج الوطني الحقيقي وتطويره وتشجيعه في كافة قطاعاته: الدولة ــ الرأسمالي الخاص ــ السلعي الصغير.
2 ــ الدفاع عن الحصن الأساسي للإنتاج الوطني والمتمثل بالقطاع العام (قطاع الدولة)، وتخليص منشآته من النهب المطبق عليه من قبل البورجوازية البيروقراطية والبورجوازية الطفيلية. وتلبية مطالب العاملين فيه المعاشية والاجتماعية. والتأكيد على البعد الستراتيجي للقطاع العام المتعلق بالقضية الوطنية والاستقرار السياسي والاجتماعي.
3 ــ العودة عن ما جرى من وضع منشآت الدولة المهمة للاستثمار الخاص، أي العودة عن عملية الخصخصة المواربة بكافة أشكالها. تطبيق احتكار الدولة لمجالات حيوية في حياة البلاد كقطاع الاتصالات والكهرباء.
4 ــ الارتكاز في تطوير الإنتاج الوطني على الاستثمارات الفعالة للدولة من خلال تطوير منشآت قطاع الدولة وتحديث تجهيزاتها، وخلق قدرات إنتاجية جديدة في الفروع التقليدية التي لنا خبرة طويلة فيها أو في التكنولوجيا الحديثة الواعدة، وهذا هو الاتجاه الصحيح لمكافحة الكساد والبطالة.
5 ــ توجيه التوظيفات المشتركة للدولة مع الرأسمال الخاص حصراً في مجال الصناعات المستحدثة، والمتعلقة بالتكنولوجيا المتطورة.
6 ـ إنصاف المنتجين من خلال تأمين دخول لائقة لهم وتطبيق آلية ربط الأجور بالأسعار وتغطية نفقاتها من خلال إيجاد وتطبيق مطارح ضريبية على ذوي الأرباح العالية وإغلاق منافذ الربح الطفيلي. ويأتي في مقدمة هذه الإجراءات فرض ضرائب على الدخول الفعلية للبرجوازية الكومبرادورية السورية والتي تقع حالياً أجزاء كبيرة من أرباحها خارج النطاق الضريبي العادل وذلك باستعمالها في أغلب الأحيان الأساليب غير القانونية، كما تتستر بالإعفاءات الممنوحة للرأسمال الأجنبي والعربي والتي تصدر عادة بتشريعات خاصة.
7 ــ السعي إلى تطبيق سياسة ضريبية تحمل العبء الضريبي الأساسي على المستفيد الأكبر من الثروة الوطنية وتخفيض الأعباء الضريبية على الجماهير الكادحة ومحدودة الدخل. والتراجع عن ممارسة زيادة نطاق وحجم الضرائب غير المباشرة التي يتحمل عبئها الأساسي الجمهور الواسع من المواطنين والتي لا تشكل شيئاً يذكر بالنسبة لذوي الأرباح الكبيرة. وقد أعلن حزبنا معارضته لمشروع إدخال الضريبة على القيمة المضافة وخاصة على مواد الاستهلاك الشعبي الواسع. ونؤكد اليوم موقفنا المعارض لهذا المشروع لما يحمله من مخاطر تدني أكبر لمستوى معيشة الشعب إلى جانب مخاطر زيادة مظاهر الكساد في الفروع الإنتاجية الأساسية.
8 ــ استثمار النفط والغاز وطنياً بشكل كامل، مما سيحول دون استثمارها الاستنزافي، وسيؤمن دخلاً إضافياً ضخماً للدولة يمكن من خلاله تطوير الإنتاج الوطني وتلبية حاجات المنتجين.
9 ــ حماية الإنتاج الزراعي واستعادة الأمن الغذائي والعمل من أجل الارتقاء في الزراعة السورية مع التركيز على الزراعات الستراتيجية والتقليدية (الحبوب، الزيتون، القطن) وكذلك على الإنتاج الحيواني المتميز(غنم العواس)، وتلبية مطالب الكادحين في الريف، وخاصة في تخفيض أسعار مستلزمات الإنتاج التي قفزت بشكل كبير نتيجة الإجراءات الحكومية الانفتاحية، وكذلك تأمين أسعار مجزية لمحاصيلهم بما يتناسب مع ارتفاع هذه الأسعار في السوق العالمية ومع زيادة تكلفة الإنتاج التي حدثت محلياً وغير المبررة اقتصادياً واجتماعياً. تشجيع التعاون خاصة في مجال تسويق المواد الزراعية.
10 ــ إقامة صناعات تعتمد على الإنتاج الزراعي المحلي بنوعية وجودة تناسب السوق العالمية وشروطها التنافسية.
11 ــ إعطاء الأولوية للرأسمال المنتج على حساب الوسيط والسمسار.
12 ــ ضرب مواقع البورجوازية الكومبرادورية المرتبطة مصالحها عضوياً مع مصالح الاحتكارات الإمبريالية العالمية والساعية إلى زيادة نهبها للشعب.
13 ــ تطهير جهاز الدولة من العناصر البورجوازية البيروقراطية التي تنهب الدولة والشعب معاً، وهذا هو حسب رأينا جوهر مفهوم مكافحة الفساد، ولكي تكون عملية مكافحة الفساد ناجعة يجب أن تكون شاملة. ويجب أن يترافق ذلك مع التخلص النهائي من مفهوم الخوة والأتاوة والذي هو عبارة عن آلية تعرقل حتى تطور علاقات الإنتاج الرأسمالية بشكلها الطبيعي.
14ــ عودة دور الدولة التدخلي الكبير في مجال التجارة الداخلية، بما فيها إمداد القطاعات الإنتاجية الأساسية وخاصة الزراعة بمستلزمات الإنتاج، بشكل يطورها ويزيد قدراتها التنافسية. والحفاظ على شبكة المتاجر الحكومية على كافة أشكالها والتي أثبتت نجاعتها عموماً أثناء فترات الأزمات وضرورة عملها بالنسبة لمستهلك محدود الدخل.
15 ــ إيجاد أساليب حمائية للصناعة السورية التحويلية المتأزمة نتيجة الإجراءات الحكومية.
وكذلك تأمين كل السبل من أجل تخفيض تكلفة المنتوج الصناعي وتحسين نوعيته مما سيزيد الإقبال عليه ويؤمن قدرته التنافسية.
16 ــ العمل على إعادة الحقوق المكتسبة سابقاً للعمال وسائر العاملين بأجر في القطاع الخاص، والتي حرموا منها نتيجة قانون العمل الجديد، وخاصة حمايتهم من التسريح التعسفي.
17 ــ وفي مواجهة حرية الرأسمال المعلنة والمطبقة يطالب الحزب الشيوعي السوري بحق الإضراب للعمال وسائر العاملين بأجر.
18 ــ استعادة المنجزات في المجالات الاجتماعية وخاصة المجانية الكاملة للتعليم العالي وكذلك المجانية الكاملة للخدمات الطبية الحكومية. وحماية هذه المجالات مما يسمى بقوانين السوق فصحة المواطن وتعليمه ليسا سلعاً ليضارب بهما من قبل الأثرياء الجدد.
19 ــ السعي لتحقيق مطالب الشباب والشابات، وخاصة في المجال الاجتماعي، وإزالة العقبات الجدية التي تقف أمامهم في تحقيق حياة أسرية كريمة والتي تأتي في مقدمتها مسألة السكن.
إن السير لتطبيق هذه الخطوات يعني السعي لذلك النوع من الإصلاح الاقتصادي الذي يؤمن حماية الإنتاج الوطني وتطويره المستمر المترافق مع رفع المستوى المعاشي لغالية جماهير الشعب من العمال والفلاحين وصغار الكسبة وسواد الموظفين.
كما أن مثل هذا النهج يتوافق موضوعياً بجوانب كثيرة مع مصالح البورجوازية الوطنية السورية. وهنا يؤكد حزبنا على موقفه الثابت والمعلن بصراحة، فهو يقف إلى جانب البورجوازي الوطني في المواجهة مع الاحتكارات العالمية والبورجوازية الكومبرادورية اللا وطنية، وحزبنا يقف مع الطبقة العاملة وسائر الكادحين ضد الاستغلال الرأسمالي وفي مواجهة تطلعات البورجوازية بكافة فئاتها في زيادة استغلال جماهير الشعب الكادحة.
نحن نؤكد أن الأهداف الاجتماعية الاقتصادية التي يتبناها حزبنا في المرحلة الراهنة، هي أهداف صحيحة وواضحة وممكنة التحقيق، تلقى تفهماً وتجاوباً لدى أوسع الجماهير الشعبية. إن التدابير المذكورة آنفاً في حال تطبيقها تعني استئناف السير في طريق التقدم الاجتماعي، أي ذلك الطريق الذي يؤمن تطور الإنتاج الوطني والوضع المعاشي لعامة المنتجين ولسائر جماهير الشعب، من خلال تحول جدي في توزيع وإعادة توزيع الدخل الوطني. ومن الواضح أن هذه التدابير ليست تدابير اشتراكية والتي تبقى هدفنا النهائي، بل إنها تأتي في إطار رأسمالية الدولة ذات الطابع الاجتماعي، وهي تقع في تناقض جوهري مع وصفات الليبرالية الجديدة كونها تعطي الأولية لحماية الإنتاج الوطني وتطويره.
النضال الثابت دفاعاً عن مصالح الجماهير ومن أجل تحقيق مطالبها ..
لقد كان الدفاع عن مصالح الجماهير الشعبية وطرح مطالبها في شتى مجالات الحياة على رأس اهتمام حزبنا. بل وأن زيادة المصاعب الحياتية التي واجهتها الجماهير الشعبية والمتجلية في التدّني السريع والكبير لمستواها المعيشي تطلبت زيادة الاهتمام بهذا المجال الحيوي. فالدفاع الدائم عن مصالح الجماهير هو جزء مكون في التراث العريق للحزب الشيوعي السوري الذي استطاع دائماً وببراعة ربط النضال الوطني بالنضال الطبقي، الشيء الذي تجلى أيضاً بالصيغة النضالية الحكيمة والمفهومة للجميع التي وضعها الرفيق خالد بكداش: « الدفاع عن الوطن و الدفاع عن لقمة الشعب».
ولقد أوضحنا منذ بداية الموجة الانفتاحية الجديدة بأن «الوضع الصعب الذي يمر به بلدنا يتطلب تلبية مطالب جماهير الشعب وكمرحلة أولى الوقف الحازم لتدهور وضعه المعيشي الآتي من الارتفاع الحاد في الأسعار الناتج عن السياسة الليبرالية الاقتصادية والتي يطلق عليها من أجل تجميلها تسمية «اقتصاد السوق» مع باقي الصفات ذات الدلالة الدعائية وليس الاجتماعية». وأكدنا أن «تحسين الوضع المعيشي للشعب ممكن من خلال الحفاظ على المكتسبات الاجتماعية وصون الإنتاج الوطني وركنه الأساسي قطاع الدولة وتطهيره الحازم من الناهبين، وبزيادة الاستثمارات الإنتاجية في مجالات ذات جدوى اقتصادية.
(« صوت الشعب، العدد /127/، /21/ كانون ثاني /2006/، الافتتاحية)
وأكد حزبنا، ويعيد تأكيد ذلك اليوم، أن الهجوم الذي تتعرض له مكتسبات الجماهير الشعبية في المجال الاجتماعي (مثل الحفاظ على مواقع العمل وديمقراطية التعليم ومجانية شبكة الطبابة الحكومية وغيرها)، والمصاعب المعيشية المتزايدة «تفاقم ظواهر الفقر والبطالة وأزمة السكن ... الخ) جراء التدابير الاقتصادية الانفتاحية وانعكاساتها، تتطلب تصعيد النضال المطلبي بكافة أشكاله، دفاعاً عن مصالح الكادحين وحقوقهم، والاستمرار بنهج الشيوعيين السوريين الثابت في الدفاع عن هذه المصالح وتطوير أشكال النضال المطلبي حسب الظروف الموضوعية.
ويضع الشيوعيون السوريون نصب أعينهم مسألة النضال من أجل المطالب الحياتية للجماهير الشعبية والتي يزداد وضعها المعيشي صعوبة نتيجة ازدياد الفجوة بين أجور ومداخيل الكادحين وأسعار مستلزمات الحياة الأساسية والتي هي في تزايد مستمر. وقد ساهم في ازدياد هذه الفجوة رفع أسعار المازوت المخصص للاستعمال المنزلي بأكثر من ضعف والذي سبقته ارتفاعات في أسعار الطاقة الكهربائية. هذه الإجراءات التي عارضها حزبنا في كافة المحافل وعلى كافة المستويات. كما أنه نتيجة السياسات المطبقة من قبل الحكومة شهدت البلاد ارتفاعاً كبيراً في أسعار المواد الغذائية، والتي سبقت الارتفاعات المماثلة في السوق العالمية والتي تراكمت على بعضها بعضاً محدثة هبوطاً واضحاً في المستوى المعيشي لأكثرية الشعب، والذي يبدو فاقعاً، أكثر مقارنة مع نمط الحياة الباذخة التي يعيشها الأثرياء الجدد من الأوساط البورجوازية الطفيلية والتي لا يمكن وصفها إلا بالاستهلاك الاستفزازي.
نبه حزبنا مبكراً إلى الآثار السلبية التي سيؤدي إليها رفع سعر المحروقات عموماً والمازوت بشكل خاص. فقد جاء في التقرير السياسي المقدم للمؤتمر العاشر للحزب الشيوعي السوري في تشرين الثاني عام /2005/ حرفياً ما يلي: «إننا ننبه من مخاطر ما تروج له بعض الأوساط المتنفذة باتجاه زيادة أسعار المحروقات بحجة الحد من تهريبها إلى الخارج، إن مثل هذا التدبير سيزيد من المشاكل الاقتصادية ــ الاجتماعية في البلاد. فهو سيؤدي إلى قفزة تضخمية، وإلى تعميق الركود الاقتصادي، وإلى تدني مستوى المعيشة، فلا يجوز معاقبة الشعب جراء عجز الجهات المعنية في مكافحة التهريب وكبار المهربين». وأكد الشيوعيون السوريون موقفهم الثابت هذا في كل الهيئات التي هم ممثلون فيها.
وعندما أصبح ارتفاع سعر المازوت يتحول إلى واقع فنـّد حزبنا الحجج المالية والاقتصادية التي طرحت من أجل تبرير هذا الإجراء، إذ جاء في مداخلة رفاقنا أعضاء مجلس الشعب في /1/ تشرين الأول عام /2006/ أثناء مناقشة مشروع الموازنة العامة للدولة لعام /2007/، ما يلي:
«إن الكلام حول «توجيه الدعم لمستحقيه» ليس من اكتشافات الاقتصاديين المحليين، بمن فيهم نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية. إن هذا التوجه «حول توجيه الدعم لمستحقيه» هو من التوجيهات الأساسية لصندوق النقد الدولي. وهذا البند تنبته قمة G7 (السبعة الكبار) في عام /1998/، بأنه سيجري النصح به لكل البلدان. وقد يكون بعض المسؤولين الاقتصاديين قد قبلوا بهذه النصيحة (وواضح من تطوّر الأحداث اللاحق أن المسؤولين عندنا قد قبلوا بها تماماً) فهذه المقولة «توجيه الدعم لمستحقيه» تعني تحويل الدعم من وظيفة اجتماعية للدولة إلى صدقة على المعدمين.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى جزء كبير مما يوصف كدعم، هو فعلياً ليس دعماً، بل صور كذلك من خلال منظومة الحسابات الاقتصادية المتبعة، ونخص بذلك ما يسمى بدعم المشتقات النفطية، فسعر النفط عندنا يقاس بالسعر العالمي، بينما النفط هذا من إنتاجنا». وأضافت المداخلة مبينة السبب الأساسي فيما يسمى بخلل سعر المحروقات: «عندما تكون الدولة مجبورة أن تحصل على حصة الجانب الأجنبي (في شركات عقود الخدمة) بالأسعار العالمية، فهذا يسهم في العملية التضخمية في البلاد».
إن التبريرات التي أتت في سياق رفع أسعار المازوت كانت متركزة بالدرجة الأولى على العجوزات في الموازنة وعلى مسألة التهريب. ولكن باعتقادنا أن هناك عاملاً مهماً لعب دوره في اتخاذ هذا الإجراء، ألا وهو التماشي مع برنامج التكييف الهيكلي الذي تطرحه التيارات الليبرالية الاقتصادية بالنسبة للدول النامية، وكما يسميه بعض المسؤولين الاقتصاديين: «مهمة بناء منظومة اقتصادية جديدة في سورية».
ومن الواضح أن الإجراءات التي رافقت هذه الخطوة من أجل تخفيف وقعِها على المواطنين كقسائم على المازوت في المرحلة الأولى ودفعة مالية في المرحلة الثانية، تتبخر حالياً، فالمسكـّن لعب دوره برأي جهابذة الاقتصاد الليبرالي والآن يمكن الاستغناء عنه.
طالب حزبنا ويطالب بتخفيض سعر المازوت، مما سيساعد على انتعاش الإنتاج الصناعي والزراعي، وسيساعد على تخفيف الأعباء المعيشية لدى أوساط واسعة من شعبنا وخاصة لدى العمال والفلاحين وصغار الكسبة وسواد الموظفين.
نعم، أيها الرفاق، خلال الفترة الواقعة بين المؤتمرين طرح ممثلو حزبنا هموم ومطالب الناس في كافة الهيئات السياسية والتمثلية والجماهيرية التي يتواجدون فيها: في الجبهة الوطنية التقدمية وفي مجلس الشعب وفي الإدارة المحلية والتنظيمات النقابية. كما نظمت العديد من الندوات الجماهيرية شارك فيها الرفاق أعضاء مجلس الشعب وممثلونا في الإدارة المحلية إلى جانب قيادات منظماتنا الحزبية جرى الاستماع بها إلى هموم ومطالب الناس.
كما خاض رفاقنا معارك على الأرض، دعماً لنضال الفلاحين وكادحي الريف في وجه تطاولات بقايا الإقطاع والملاكين الكبار والمستثمرين الزراعيين الكبار ومن غبن بعض أجهزة الدولة، وتميزت في هذا المجال منظماتنا الحزبية في حلب والجزيرة.
وتابعت صحيفة حزبنا المركزية «صوت الشعب» أهم المسائل الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه شعبنا، وخصصت صفحات كاملة لعكس مطالب الكادحين وهموم الناس.
وعبر أعضاء مجلس الشعب الشيوعيون بوضوح عن معارضة حزبهم للنصوص التشريعية الضارة بالإنتاج الوطني وحال الكادحين، كما ساهموا بنشاط بإيصال العرائض المطلبية إلى المسؤولين وكذلك في تنظيم اللقاءات بين الوفود الشعبية وبعض المسؤولين المتجاوبين.
وكانت قيادة الحزب توجه المنظمات الحزبية باستمرار لإيلاء الاهتمام الأكبر للنضال من أجل مطالب ومصالح الجماهير الشعبية. وبحثت مسائل النضال المطلبي في عديد من اجتماعات اللجنة المركزية والمكتب السياسي. وبتوجيه من قيادة الحزب خاضت المنظمات الحزبية نضالات مطلبية متعددة الأوجه نذكر منها:
ــ الحملة الواسعة من التواقيع على العريضة الجماهيرية المطالبة بصون منجزات قانون الإصلاح الزراعي (هذا أكبر إنجاز تقدمي الذي تحقق في بلادنا بعد الجلاء) والداعية للتصدي للدعوات إلى رفع سقف الملكية الزراعية. وقد حملت هذه العريضة عشرات الآلاف من التواقيع.
ــ تنظيم حملة عرائض على نطاق المحافظات تدعو إلى تخفيض سعر المازوت.
ــ نشاطات متنوعة في المجال الاجتماعي المتعلق بقانون الأحوال الشخصية وحقوق المرأة ومساواة كل المواطنين أمام القانون.
ــ ساهم الرفاق الشيوعيون في حملة التواقيع على العريضة المطلبية من أجل تخفيض سعر حليب ودواء الأطفال، والتي بادرت إليها رابطة النساء السوريات لحماية الأمومة والطفولة والتي ذيلت أيضاً بعشرات الآلاف من التواقيع.
ــ الدفاع بثبات عن حقوق الفلاحين الكادحين بوجه تمادي الملاكين والمدعومين في العديد من الأحيان من قبل أوساط معينة في أجهزة الدولة.
إلى جانب ذلك نظمت منظمات الحزب وشاركت في حملات العرائض المحلية حول مسائل مطلبية معينة تهم هذه الدائرة من المواطنين أو تلك. ويجب القول أيها الرفاق أن النضال المطلبي لم يكن على السوية نفسها في منظمات الحزب. فكان هناك من قام بهذه المهمة بإقدام وكان من تقاعس. ويجب السعي في المرحلة القادمة إلى رفع سوية النضال المطلبي خاصة الميداني منه، والمحاسبة الجدية للرفاق والهيئات المقصرين في هذا المجال. ويرى حزبنا أن تصعيد النضال المطلبي يقوي عوامل الصمود الوطني في نهاية المطاف. إذ أن تعزيز الجبهة الداخلية يأتي من خلال تلبية مطالب الشعب .
وكلما كان ميزان القوى الطبقي لصالح الكادحين وقواهم التقدمية كلما أمكن تلبية مطالبهم بشكل أكثر. وهذا الشيء يتطلب عملاً يومياً مضنياً شاقاً ونبيلاً في الوقت نفسه، والموجه إلى تقوية نفوذ الحزب في صفوف الكادحين. وهناك ترابط عملي بين هذه العملية والنضال المطلبي. فكلما كان الحزب أقوى كلما استطاع أن يدافع عن مطالب الجماهير الشعبية بشكل أقوى. وأن دفاعه عن هذه المطالب العادلة يجلب إليه عطف وتفاهم الجماهير وبالتالي يقوي نفوذه بينها ويخلق الأرضية لتوسعه التنظيمي.
نعم، أيها الرفاق، نعيد التأكيد في مؤتمر حزبنا الحادي عشر بأن الشيوعيين السوريين يسترشدون بمقولة قائدهم التاريخي وملهم نضالهم الرفيق خالد بكداش: «أن النضال في سبيل مطالب ومصالح الشعب هو جوهر الجوهر في كيان كل حزب شيوعي ولا يمكن التخلي عن هذا النضال في أي ظرف من الظروف».
إن الشيوعيين السوريين مع طرحهم للحلول المرحلية التي من شأنها أن تصون الإنتاج الوطني وتلبي جزء مهم من مطالب المنتجين الحالية. وخوضهم للنضالات المطلبية من أجل ذلك، يؤكدون في الوقت نفسه على يقينهم الثابت بأن الاشتراكية على الصعيد الستراتيجي، هي الحل الجذري الشامل لمسائل التطور الاقتصادي الاجتماعي لصالح الكادحين، لذلك ومع ايلاءهم الاهتمام الواجب لكافة أوجه النضال إلا أن تركيزهم الأساسي يبقى على الحلقة الرئيسية لنضال الحزب الشيوعي السوري ألا وهي النضال السياسي.
حول مسائل تعزيز وحدة الصف الوطني والنضال في سبيل توسيع الحريات الديمقراطية ..
يرى الحزب الشيوعي السوري بأن حجر الأساس للصمود الوطني في وجه التهديدات العدوانية الإمبريالية والصهيونية ومؤامرات الرجعية إنما يكمن في وحدة صف القوى الوطنية في مواجهة هذه الأخطار دفاعاً عن حرية الوطن وسيادته. وكما أكد الحزب في وثائق مؤتمره العاشر فإلى جانب المقومات الاجتماعية والاقتصادية للصمود الوطني يجب التركيز على دعم الدعائم السياسية الأساسية لهذا الصمود. ويرى الشيوعيون السوريون ضرورة توسيع الحريات الديمقراطية للجماهير الشعبية وقواها الوطنية والتقدمية من خلال إجراءات مستمرة ومتتالية بهذا الاتجاه، وتوثيق عرى التحالف بين أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، مما يقوي وحدة الصف الوطني في مواجهة المهام الكبرى التي تواجه وطننا وشعبنا.
إن حزبنا يؤكد على أهمية تعزيز اللحمة والتعاون بين كافة القوى الوطنية والتقدمية في البلاد، مركزاً على مهمة تقوية التحالف المجرب في إطار الجبهة الوطنية التقدمية، والذي يقترب إلى إكمال عامه الأربعين، وتحسين الأداء الجبهوي. فالجبهة الوطنية التقدمية بالرغم من الثغرات والنواقص التي تخللت نشاطها على مدى عقود عدة منذ نشوئها، أثبتت أنها الأداة الفعالة في دعم أسس الصمود الوطني السوري وخاصة في المراحل الانعطافية في حياة البلاد.
وينظر الشيوعيون السوريون لمبدأ التحالف الجبهوي كونه ركن إستراتيجي مكون للسياسة العامة للحزب الشيوعي السوري في الدفاع عن الوطن والدفاع عن لقمة الشعب. وهم يسترشدون في ذلك بتوجيهات قائد حزبهم التاريخي خالد بكداش: «إن الجبهة الوطنية التقدمية ليست في رأي حزبنا مرحلة تكتيكية عابرة، بل يجب في رأينا أن تكون مرحلة ستراتيجية طويلة المدى، موجهة خصوصاً ضد مكائد الإمبريالية ومخططاتها وفي سبيل إنجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية».
ويرى حزبنا أن التعاون بين القوى الوطنية والتقدمية في البلاد يكتسب الأهمية القصوى في تعزيز الصمود الوطني السوري. وأيد حزبنا الخطوات المتتابعة التي جرت في السنوات العشر الأخيرة باتجاه تطوير نشاط الجبهة الوطنية التقدمية، والتي جرت بمبادرة من رئيس الجبهة الوطنية التقدمية، الرئيس بشار الأسد. ومن أهم هذه الخطوات الصحافة العلنية لأحزاب الجبهة، وإقرار الصيغة المعدلة لميثاقها توسع مجال عمل ونشاط أحزاب الجبهة والسماح بفتح المكاتب العلنية لأحزاب الجبهة في المحافظات، وعقد اجتماعات جبهوية موسعة على مستويات متعددة وغيرها. ويجب القول إن هذا التوجه الحميد إلى جانب أبعاده الوطنية حمل أيضاً أبعاداً في تطوير الحريات الديمقراطية في البلاد.
ويرى حزبنا أن الطريق القويم في صون وتعزيز الجبهة الوطنية التقدمية يكمن في تفعيل هيئاتها ومدّ نشاطها الفعلي إلى كل قرية وحي ومعمل. وأهم شيء التصاق ومعايشة أحزاب الجبهة لجماهير الشعب في حياتها اليومية وعكس مطالبها بإخلاص وإقدام. كما أن المكاشفة والمصارحة في العمل الجبهوي ضمانة لاستمرار ونجاح التحالف الوطني بين أحزابها.
كما أن الحزب الشيوعي السوري يرى أن تنوع الخطاب الإيديولوجي والسياسي والاقتصادي ــ الاجتماعي لأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية عامل قوة للجبهة وليس عامل ضعف. فالجبهة هي عبارة عن إطار عام يجمع أحزاب وقوى وطنية على مختلف مشاربها، تجمعها الأهداف الوطنية العامة الكبرى في الدفاع عن حرية الوطن وسيادته في مواجهة مخططات ومؤامرات القوى المعادية للحرية وللاستقلال الحقيقي إن كانت عالمية أو إقليمية أو محلية. لذلك ما يسعى إليه البعض «في توحيد الخطاب السياسي لأحزاب الجبهة» سوف يضر بتأثير وفعالية الجبهة الوطنية التقدمية التي تكمن قوتها في تنوع خطاب وفكر الأحزاب العضوة فيها.
وإلى جانب حرصنا، نحن الشيوعيين السوريين، الصادق والمجرب في أشد الظروف على العلاقات التحالفية، نعيد التأكيد على موقفنا، المعلن منذ عشرات السنين، بأننا لم نعتقد يوماً أن مجموع نشاط حزبنا ونضاله في سبيل مطالب الجماهير يجب أن يمر عبر الجبهة الوطنية التقدمية. بل أننا أعلنا ونعلن للمسؤولين وللشعب صراحة، أن تعاوننا ضمن إطار الجبهة الوطنية التقدمية، وحرصنا العميق على هذا التعاون، لا يعني أبداً موافقة حزبنا على كل ما يجري في البلاد, وخاصة في الميادين الاقتصادية وفيما يتعلق بمطالب الجماهير.
عمل الشيوعيون السوريون وسيعملون من أجل توثيق عرى التحالف بين أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية وخاصة بين الحزب الشيوعي السوري وحزب البعث العربي الاشتراكي، ولمجابهة هجوم القوى اليمينية الرجعية على الجبهة الوطنية التقدمية كجزء من المخطط الاستعماري الهادف لإضعاف عوامل الصمود الوطني السوري. فالقوى المعادية للوطن تسعى جميعها لقطع عرى التعاون بين القوى الوطنية في البلاد, وقلب الوضع القائم وجعله مؤاتياً لمتطلبات المخططات الاستعمارية.
ولمواجهة مؤامرات الرجعية من الضروري تفعيل نشاط الجماهير الشعبية وقواها الوطنية والتقدمية، ويأتي في هذا السياق استمرار توسيع الحريات الديمقراطية لهذه الجماهير والقوى. لقد تحققت في البلاد تطورات إيجابية في مجال توسيع الحريات الديمقراطية وخاصة فيما يتعلق بنشاط أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، ولكن بقي الكثير والكثير.
ونحن في المؤتمر الحادي عشر لحزبنا الشيوعي السوري نؤكد على المطالب الأساسية التي يناضل حزبنا من أجلها، في المر حلة الراهنة، في مجال توسيع الحريات الديمقراطية وهي:
1 ــ رفع حالة الأحكام العرفية واحترام سيادة القانون.
2 ــ إصدار قانون للأحزاب ينظم عملها تحت السقف الوطني، بحيث يكون قانوناً ديمقراطياً، يحترم خصوصية الحياة الداخلية للأحزاب، ويحقق أجواءًً مناسبة للنشاط السياسي والاجتماعي والمطلبي للأحزاب والقوى الوطنية.
3 ــ تعديل قانون المطبوعات بجعله أكثر ديمقراطية من حيث المضمون.
4 ــ العمل على استقلال القضاء وإكسابه الحصانة التي ينص عليها الدستور، ويجب أن تكون النزاهة من المعايير الأساسية (الشرط الضروري ــ اللازم) لانتقاء القضاة.
5 ــ زيادة دور المؤسسات التمثيلية كمجلس الشعب ومجالس الإدارة المحلية، وتطوير العمل المؤسساتي في حياة البلاد.
6 ــ تفعيل دور المنظمات الشعبية وخاصة دورها الرقابي والمطلبي، مثل الاتحاد العام لنقابات العمال، وكذلك التنظيم الفلاحي والنقابات المهنية وغيرها.
7 ــ الاعتراف بالحقوق الثقافية للأكراد وللأقليات القومية من تعلم لغتها وإصدار مطبوعاتها بلغتها الأم.
8 ــ تعزيز التآخي والوحدة الوطنية بين أبناء الشعب السوري كافة، وتكريس حقوق المواطنة لجميع سكان البلاد، والعمل لإلغاء النتائج السلبية للإحصاء الاستثنائي في محافظة الحسكة، الذي أجرته الدوائر الإقطاعية الرجعية في ظل حكومة الانفصال في عام /1962/، وإعادة الجنسية السورية للمواطنين الأكراد الذين حرموا منها نتيجة هذا الإحصاء.
9 ــ تحقيق المساواة الفعلية بين الرجل والمرأة في جميع الميادين، وإلغاء النصوص التمييزية في قانون الأحوال الشخصية وفي بعض القوانين الأخرى، والوقوف بحزم في وجه محاولات الدوائر الرجعية تكريس مفاهيم بالية ومضرة بسلامة المجتمع السوري وكذلك بالوحدة الوطنية، والهادفة إلى عدم إعطاء إطار قانوني لمتطلبات تطور المجتمع والحياة الاجتماعية.
يؤكد المؤتمر الحادي عشر للحزب الشيوعي السوري الرؤية الواضحة للشيوعيين السوريين بأن مصير المعركة الوطنية متوقف إلى حد كبير على سير المعركة الطبقية في البلاد. وكلما كان أقوى تأثير الطبقات والفئات ذات المصلحة المباشرة في النهج الوطني المعادي للاستعمار ــ وهي بالدرجة الأولى الطبقة العاملة وجماهير الفلاحين الكادحين وصغار الكسبة وسواد الموظفين، في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، كلما كان تأثير الفئات اللا وطنية وقوتها الضاربة البرجوازية الطفيلية الكومبرادورية أضعف في هذه المجالات. وهذا سيؤدي إلى تقوية الصمود الوطني وإفشال جميع المحاولات الرامية إلى ضربه.
وفي الوقت نفسه تدل التجربة الحية أنه كلما احتدم النضال ضد الاستعمار، كلما اتسعت الإمكانيات للنضال في سبيل المطالب الشعبية، وتوفرت الموجبات للانعطاف نحو الاعتماد على جماهير العمال والفلاحين والمثقفين الثوريين. فهناك امتزاج واندماج بين النضال الوطني والنضال الطبقي بشكل واضح.
إن الشيوعيين السوريين يدعمون بكل السبل المتاحة الصمود الوطني السوري والقائم على الثوابت الوطنية في وجه التهديدات الكبيرة والضغوطات المتتالية. ويرون في تعزيز كل عوامل هذا الصمود مهمتهم النضالية الأولى.
والشيوعيون السوريون كانوا دائماً وكما عرفهم وخبرهم شعبهم السوري في طليعة المدافعين عن الوطن، وإن شعارهم كان وسيبقى: سورية لن تركع!

الفصل الرابع
بعض جوانب النضال الفكري
إن ما يشهده العالم اليوم من احتداد مظاهر الصراع الطبقي لم يقتصر فقط على المجالين السياسي والاقتصادي ــ الاجتماعي، بل وشمل تصعيد المواجهة المجال الفكري أيضاً. ومن الواضح أن الأزمة الاقتصادية الأخيرة التي شهدها العالم وتوابعها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتفاقمة، أحدثت تغييراً جذرياً في التفكير العام في العالم. فقد دحض ما كان يجري تعميمه من قبل وسائل الدعاية والإعلام الإمبريالي، بعد انهيار المنظومة الاشتراكية، بأن الرأسمالية القدر المحتوم على البشر وإنها نهاية تاريخ البشرية. فالساحة العالمية تشهد صحوة ونهوضاً في الفكر التقدمي والاشتراكي.
وفي هذه الظروف المستجدة تزداد أكثر فأكثر أهمية النضال الفكري لحزبنا، ومع تعدد جبهاته وأشكاله فإنه موجه بصميمه ضد الإيديولوجيا البرجوازية بكل تجلياتها. فالهدف الأساسي للإيديولوجيا البرجوازية بجميع تجلياتها وأنواعها وأشكالها من المحافظة المتشددة إلى الليبرالية وصولاً إلى الاشتراكية الديمقراطية المتحولة، كان وما زال تبرير سلطة الرأسمال واستغلال الكادحين وتخليد النظام الرأسمالي. وبكلام آخر إن الإيديولوجيا البرجوازية هي عبارة عن نظام تكوين بسيكولوجيا اجتماعية خاصة ترضى بالممارسات الرجعية، والعدوانية الإمبريالية والاستبداد البوليسي. وإلى جانب ذلك إنها عبارة عن نمط تأثير في العقول باتجاه تحويلها إلى الكراهية للأفكار الاشتراكية.
وتستمر الدوائر الإمبريالية والأوساط المرتبطة معها في حربها ضد الفكر التقدمي التحرري عموماً والفكر الاشتراكي خصوصاً باستعمال مفاهيم ومقولات هدفها طمس التناقضات التناحرية للمجتمع الرأسمالي الراهن وصرف نضال الكادحين في العالم عن الطريق القويم. وقد كان حزبنا الشيوعي السوري في طليعة القوى وعلى النطاق العالمي التي وقفت بحزم ضد الهجوم الدعائي الإمبريالي والسموم التي تبثها وسائل الإعلام العالمية والمسيطر على أغلبها من قبل الرأسمال المالي اليهودي. وفنـّد حزبنا ودحض المقولات والمفاهيم التي حاولت وسائل الإعلام الإمبريالية وتحاول فرضها على الوعي البشري.
ومتمسكاً بنظريته الماركسية اللينينية فنـّد حزبنا بتحليله النقدي مقولة العولمة منذ بدء استعمالها الواسع من قبل الدعاية البرجوازية، مبيناً أنه إذا جاز استعمال هذا المصطلح، فهو ليس إلا تعبير عن الإمبريالية المعاصرة أي عن النهب الشامل للاحتكارات والدول الإمبريالية لباقي الدول ولشعوب العالم في ظل غياب الرادع الدولي لهذه العربدة الذي كان يشكله الاتحاد السوفييتي ومنظومة الدول الاشتراكية. فإذن العولمة المعاصرة تساوي الإمبريالية في الظروف الجديدة ولا شيء آخر.
كما بيّن حزبنا بوضوح ماذا يقف وراء مقولة المجتمع المدني. فقد وضّحت وثائق المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي السوري أن الدوائر الإمبريالية تستعمل «مقولة المجتمع المدني والدعوة إليه، كبديل عن دولة المؤسسات، والنضال من أجل الديمقراطية للجماهير الشعبية، وذلك بهدف تغييب الحلقات الأساسية في الصراع الطبقي المحتدم، بما يخدم مصالح الإمبريالية في نهاية المطاف». كما جاء في وثائق المؤتمر العاشر: «فالغاية الأساسية من استعمال هذه المقولة تكمن في محاولة التستر على التناقض الطبقي داخل المجتمعات المعاصرة، طارحة كبديل توفيقي مفهوم «المجتمع المدني»... ومن الواضح أن مثل هذا الطرح يعني ضمنياً إخضاع الكادحين لسيطرة الرأسمال وفي الوقت نفسه يراد التستر على القبضة الفولاذية للرأسمال بقفازات مخملية».
(وثائق المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي السوري، عام /2005/، ص /99 و 101/)
في محاولاتها للجم الشعور المتصاعد المناهض للإمبريالية، تعتمد الدوائر الإمبريالية على ما يسمى بمنظمات «المجتمع المدني» أو المنظمات «غير الحكومية» والهدف الأساسي للشبكة الواسعة من هذه المنظمات والتي تتوسع برعاية واضحة من دوائر إمبريالية معينة، تحجيم وتقليص ممارسة النشاط السياسي العام للكادحين، وإلهائهم وكذلك جمهور واسع من الفئات الوسطى، وتحويل جهدهم الأساسي واهتمامهم الأكبر إلى المسائل الثانوية، كما يراد إيجاد بديل للأحزاب السياسية التقدمية وتقليص دورها إلى أقصى حد ممكن وصولاً إلى تصفية هذه الأحزاب. كما أن نشاط ما يسمى بالمنظمات «غير الحكومية» الدولية سيئة الصيت مثل «يو. أس. ايد» الأمريكية، والمعروف للجميع أنها ذراع المخابرات المركزية الأمريكية، و «فريدريخ أيبرت» الألمانية ومثيلاتها يهدف إلى إيجاد صيغة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة تحت واجهة التعاون بين مؤسسات المجتمع المدني، المحلية والعالمية. وتجري محاولات، تكون موفقة في كثير من الأحيان، لتجنيد ناشطين يعملون بهذا الركب من خلال المنح والمعونات السخية.
إن شبكة المنظمات غير الحكومية أحاطت بالعالم كخيط العنكبوت. ومع كل تنوعها تتصف «المنظمات غير الحكومية» بصفتين أساسيتين:
أولاً: تأتي مصادر تمويلها من الدوائر الإمبريالية.
ثانياً: الاتجاه العام لنشاط هذه المنظمات موجه نحو لجم الروح المناهضة للإمبريالية لدى الشعوب المضطـَهدة واستمالتها للتعاون مع الإمبريالية، وبالتالي للخضوع «الطوعي» لديكتاتورية الإمبريالية، التي أطلقت عليها هذه المنظمات وممولوها زوراً نعت «الديمقراطية». وتكمن المهام الأساسية «للمنظمات غير الحكومية» في:
1 ــ توجيه فكر الناس إلى البحث عن أسباب الوضع المزري الذي يعيشونه اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً ليس في النظام الاجتماعي القائم، بل في نفسهم .. هم.
2 ــ جمع المعلومات وفي كل اتجاهات النشاط الإنساني لصالح ممولي هذه المنظمات.
3 ــ يستعمل جزء كبير من نشطاء «المنظمات غير الحكومية» في ما يسمى بالثورات والانتفاضات الملونة التي تدبرها الدوائر الإمبريالية لإسقاط نظام حكم في بلد معين أو لإجراء تغيير جذري لصالحها، على ساحة معينة.
إن نشاط مثل هذه المنظمات وإن كان غالباً ما يظهر تحت يافطة تطبيق «الديمقراطية الصرفة»، إلا أنه في نهاية المطاف يهدف إلى ضرب نضال جماهير الشعب من أجل توسيع الحريات الديمقراطية والتي تأتي في مقدمتها الحريات السياسية والديمقراطية الاجتماعية (أي تحسين الوضع المعيشي للكادحين). كما أنها تهدف إلى ضرب الوسيلة الأساسية لهذا النضال والمتجسدة بالأحزاب السياسية التقدمية. إضافة لكون نشاط هذه المنظمات غير الحكومية هو مناهض للديمقراطية في العلاقات الدولية، إذ يفسح المجال للدوائر الإمبريالية للتدخل في الشؤون الداخلية لدول الأطراف.
وقد نبه حزبنا مبكراً لمخاطر هذه الظاهرة وأبعادها. وأكد على الدور السلبي الذي تلعبه هذه المنظمات بشكل مطلق، في منطقتنا. وكنا الأوائل بذلك، لأنه حتى الناقدين لبعض جوانب نشاط هذه المنظمات، كانوا يرون في الجوانب الأخرى شيء من الإيجابيات. بينما أشار حزبنا وبكامل الوضوح إلى أن مقولة «المجتمع المدني» وممارسات مؤسساته وأنصاره تتعارض بشكل تناحري مع السيادة الوطنية للدول، ومع مفهوم الديمقراطية الحقة، التي تعني في صميمها الاختيار الحر من قبل الشعوب لطريق تطورها الخاص، بعيداً عن مراكز الطغيان الإمبريالي العالمي. وأشار حزبنا أيضاً إلى أن الصهاينة هم بالدرجة الأولى المؤسسون والموجهون والممولون لما يسمى بمؤسسات المجتمع المدني تلك.
وأثبتت التجربة العملية التي عاشتها بعض البلدان الشقيقة الجارة، مرة أخرى، ما أشار إليه ونبه منه حزبنا. فمن المعروف الدور القذر الذي لعبته بعض هذه المؤسسات والمنظمات في ما سمّي بـ «ثورة الأرز» في لبنان، والتي صممت على شاكلة «الثورات الملونة» في بعض دول أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى وما وراء القوقاز. إذ كان يجري توزيع الأموال الآتية من المصادر الإقليمية والأجنبية، بواسطة زعامات هذه المنظمات والتي جيء بها بشكل مباشر من الصفوف القيادية لبعض التنظيمات اليسارية. فعندما يوزع «اليساري» (وإن كان يساري سابق) الأموال على الغوغاء الهائجة، هذا الشيء يعطي انطباعاً أكثر موثوقية من الناحية السياسية، من لو قام بتوزيعها سليل الإقطاع الطائفي أو الابن المدلل للمال السياسي. فهؤلاء تبؤوا مكان الصدارة في هذه الحركة «النباتية الملونة»، تاركين الأدوار القذرة، للأذناب من المرتدين عن المنظمات اليسارية، أولئك الخونة الذين اختاروا خدمة سلطة الرأسمال والعمالة لها بثمن يزيد كثيراً عن ثلاثين درهم أو ريال.
لقد حارب حزبنا منذ البداية تلك الدعوات المشبوهة للحصول على الديمقراطية كمنحة من الدول الإمبريالية. وأوضح حزبنا أنه لا يمكن للقوى التي تفرض هيمنتها على الشعوب بالعصا الغليظة من أجل نهبها أن تحقق أي خطوة ديمقراطية جدية وأي رفاه اقتصادي للشعوب المنهوبة، والدلائل على ذلك كثيرة في التاريخ البشري القريب.
(راجع وثائق المؤتمر التاسع للحزب، عام /2000/، ص /67 ــ 68/)
وما حدث للعراق الشقيق ثبّت ما نبّه منه حزبنا. فبدلاً من الديمقراطية والازدهار التي تشدق بالوعود في قدومهما على دبابات المحتل، عملاء الاستعمار من كل الألوان والمشارب، شهد العراق قتلاً ودماراً وانتهاكاً لأبسط حقوق الإنسان، ومحاولات متكررة لزرع التفرقة الطائفية التي تتنافى عضوياً مع بديهيات الديمقراطية. وكذلك شهد العراق تدميراً للطاقات الإنتاجية واصطياداً وقنصاً للعلماء والمثقفين الوطنيين.
فمنذ احتلال العراق جرى تطبيق المخطط الإجرامي للتصفية الجسدية للعلماء العراقيين من كافة الاختصاصات، وذلك من أجل إضعاف قدراته لأمد بعيد، وطالت عملية التصفية مئات العلماء والباحثين. إلى جانب ذلك جرى السعي لتهجير أكبر عدد ممكن من ذوي الشهادات العليا (الجامعية وما فوق) إلى خارج العراق أو من مناطق معروفة بواقعها المتنوع تاريخياً. وجرت هذه العملية التي شملت عشرات الآلاف من الأشخاص بهدف ضعضعة عوامل الوحدة الوطنية العراقية، فمن المعروف عموماً أن ذوي الشهادات العليا يسعون إلى تجاوز الحواجز القومية والطائفية.
إن هذه العمليات الإجرامية طبقتها قوى الاحتلال عبر عملائها، بأغلب الأحيان، وبتخطيط وتوجيه من الدوائر الصهيونية التي كانت وما زالت ترى في العراق خطراً كامناً لمخططات صهيون الكبرى لذلك تسعى الدوائر الصهيونية إلى إضعاف العراق وتفتيته وعملياً إزالته من الوجود بصفته دولة متماسكة موحدة ذات قدرات هائلة.
وتستعمل الدوائر الإمبريالية والصهيونية في سبيل ذلك إلى جانب الأساليب التقليدية الاستعمارية أساليب مبتكرة في مجال حرب العقول والقيم والمقولات أي كل ترسانة الحرب النفسية الاستعمارية المترافقة مع التصفية الجسدية للعناصر المقاومة لهذه الحرب أو ذات مناعة عضوية ضدها بسبب تكوينها الثقافي والعلمي.
إن ذلك هو رمز حضارة المحتل، كما أن رمز ديمقراطية المحتل تجسد في سجن أبو غريب والفظاعات التي مورست به، أما ملامح «الازدهار» الذي جلبه معه الاحتلال الاستعماري فأفضل ما جسدها دمار الفلوجة.
كان الحزب الشيوعي السوري سباقاً في فضح مخاطر الصهيونية. إذ أشار مبكراً إلى خطر هذه الحركة الرجعية العنصرية ذات الطابع الفاشي، ليس على حركة التحرر الوطني العربية فحسب، بل على مجمل حركات التحرر في العالم وعلى الحركة الثورية العالمية بشكل خاص. وتبقى مهمة النضال ضد الصهيونية من المهام الوطنية بل الطبقية والأممية الأولى.
في وقتنا الراهن تستمر مساعي الصهيونية العالمية بشكل يزيد استشراساً إلى السيطرة المطلقة على المنظومات الأساسية المؤثرة في العالم. وبدأت تتضح تجليات هذه العملية أمام الرأي العام في كثير من الدول، مما أدى إلى ردات فعل شملت أوساط متنوعة. فهناك نقمة على الصهيونية تتفاقم عالمياً.
أكد حزبنا ويؤكد في وثائقه ومن على منابر الاجتماعات الدولية خطر الصهيونية على الحركة التحررية العالمية بأسرها. إن الصهيونية هي الحركة الرجعية العنصرية ذات الطابع الفاشي التي تمثل مصالح الرأسمال المالي اليهودي. وفي المرحلة الراهنة يمكن التأكيد أن الصهيونية هي الفاشية اليهودية، كما كانت النازية هي الفاشية الألمانية في القرن العشرين. فإذن على أحرار العالم، وعلى الشيوعيين بشكل خاص أن يناضلوا بثبات ضد الصهيونية، هذا الطاعون الذي يهدد البشرية بشكل مباشر. كما يجب علينا أن لا ننسى ذلك الدور الخطير الذي قامت به العناصر الصهيونية المموهة في تخريب الاتحاد السوفييتي ومنظومة الدول الاشتراكية. والدور السرطاني الذي قامت وتقوم به من أجل تخريب الأحزاب الشيوعية وتحويلها إلى مسوخ اشتراكية ديمقراطية خاضعة تماماً لإرادة الرأسمال.
وتسعى الصهيونية العالمية ووسائل الإعلام الأساسية الواقعة في قبضتها أو تحت إشرافها أن تصور تصاعد الاستياء من أفعالها التسلطية والجرائم التي ترتكبها أداتها في شرقي المتوسط إسرائيل الصهيونية، ومن الممارسات الاستفزازية والوقحة التي يرتكبها الصهاينة في بلدان مختلفة، كون هذا الاستياء هو تعبير عن روح معاداة السامية، هذه الفزاعة التي ترهب الكثيرين.
حزبنا يعيد تأكيد موقفه الثابت بأن مناهضة الصهيونية هو تعبير عن يقظة الحركة الثورية والتقدمية من مخاطر هذه الحركة الفاشية على مستقبل الشعوب. وبالنسبة للأحزاب الشيوعية، يؤكد حزبنا، أن العداء للصهيونية هو من العوامل الأساسية لتقوية مقومات الأممية البروليتارية لديها والمُثل الأممية لدى أعضائها.
يسألنا بعض المثقفين ذوي الصبغة اليسارية، كيف أنتم الشيوعيين، متحالفون مع حركات ذات صبغة دينية؟ ونجيبهم، نعم إن هذه الحركات مثل حزب الله لها شكل ديني، ولكن مضمونها في المرحلة الراهنة هو وطني تحرري معادي للإمبريالية. لذلك فهي حليف طبيعي لنا في نضالنا ضد عدونا الرئيسي ــ الإمبريالية. وهذا هو المفهوم الصحيح لسياسة التحالفات الماركسية اللينينية.
إن السيد حسن نصر الله يمكن تشبيهه بغاريبالدي، نعم إنه كذلك من خلال ثوريته المعادية للإمبريالية والصهيونية بثبات وإنه كذلك من خلال نقائه الثوري. فما كان يمكن لحزب الله أن يعبئ هذه الجماهير الشعبية الواسعة ويقود النضال مستنداً لدعمها لولا نقاء قادته وعيشهم الزاهد واستعدادهم للتضحية بأبنائهم قبل أن يطلبوا ذلك من غيرهم.
وعندما نحن نؤكد على أهمية التحالف مع مثل هذه القوى، ذات الشكل الديني والمضمون الوطني التحرري المعادي للإمبريالية، لا يغيب عن بالنا وجود قوى أخرى ذات الشكل الديني والمضمون الرجعي الحليف للإمبريالية، والتي يجب النضال ضدها بحزم، انطلاقاً من مضمونها بالدرجة الأولى. وهذه الحركات الرجعية تحمل أشكالاً عديدة من القاعدة إلى الإخوان المسلمين إلى الصهيونية العالمية.
ومن جهة أخرى إن تحالف حزبنا مع قوى تحررية ذات طابع ديني أو ذات عقيدة قومية هو تحالف سياسي وطني وليس تحالف إيديولوجي فكري، فكما أشار لينين لا تحالفات في مجال الفكر. ويرى حزبنا أن تمسكه بمُثله ونظريته يعطيه قوة في بناء تحالفاته السياسية. كما أن التحالفات مع قوى تحررية ذات الإيديولوجية الدينية لا تتنافى أبداً مع النضال الذي يخوضه حزبنا كتفاً لكتف مع كافة القوى التقدمية والمتنورة في البلاد من أجل الحفاظ على الطابع العلماني لبلادنا بل ولتطويره وتعزيزه خاصة في مجال قوانين الأحوال الشخصية، والتي حسب رأي حزبنا يجب أن ترتكز على أساس مدني وعلماني تماماً تنص على المساواة بين المرأة والرجل وتوحد حال جميع المواطنين بدون أي تمييز وتفضيل.
كما تجب الإشارة إلى أنه بشكل عام في دول المشرق تظهر علاقة سببية تتجلى بأن القوى التي تعمل تحت الغطاء الديني يزيد نفوذها في تلك الدول التي ضعفت فيها الأحزاب الشيوعية، إما بسبب الأعمال التنكيلية من قبل الأنظمة الحاكمة أو بسبب تأثير الانتهازية والتحريفية أو بسبب فعل هذين العاملين مجتمعين. وما جرى في العراق هو مثال ساطع لهذه العملية.
من الواضح أن الأفق واعد أمام نمو واتساع وتصاعد الحركة الثورية العالمية، وخاصة نهضة الأحزاب الشيوعية الثورية بما يتلاءم مع الموجات الثورية التي بدأت تجتاح العالم. وخوفاً من ذلك تسعى الإمبريالية العالمية لضرب الأحزاب الشيوعية وتنظيماتها من خلال نشاط المتخاذلين والانتهازيين. واصطناع حركات بديلة تصالحية مع الرأسمالية متنكرة للهدف الاشتراكي الحقيقي، وذات صبغة يسارية مزيفة.
إن الهجمة الإمبريالية بهذا الاتجاه أخذت طابعاً عالمياً والمبادر لتحول الأحزاب الشيوعية واضحة المعالم بهذا الشكل أو ذاك طبقياً وفكرياً إلى أحزاب يسارية هلامية الشكل والفكر والتنظيم كان عدد من القيادات المرتدة في أوروبا التي بادرت إلى تأسيس ما سمّي «بحزب اليسار الأوروبي» في إطار الاتحاد الأوروبي أي ذلك الكيان الذي شكلته وتهيمن عليه البرجوازية الاحتكارية الأوروبية. وكانت الأحزاب الماركسية اللينينية الأوروبية بالمرصاد لهذه المحاولة التصفوية مؤكدة على الطابع الطبقي لأحزابها واسترشادها بمُثل الماركسية اللينينية والأممية البروليتارية.
وفي منطقتنا بدأت تتبلور طروحات حول البديل اليساري وتتخذ بعض الخطوات الأولية بهذا الاتجاه. وقد يكون أحد أسباب ذلك هو أن هذه الموضة آتية من باريس، ولكن الأسباب الأعمق أن الذي يتبنى هذا الطرح أوساط متخلية عن الماركسية اللينينية بشكل واضح أو خجول منذ عقدين من الزمن. والملفت للنظر أن بعض هذه القوى التي تتكلم عن ضرورة استنهاض البديل اليساري تطرح مقولة «أزمة اليسار العربي».
ومن الملاحظ أن معظم القوى التي تسير في منطقتنا على نهج «البديل اليساري»، والمقصود هنا أنه «بديل» بالدرجة الأولى للحركة الشيوعية واضحة المعالم، تتطرق بشكل مبسط إلى الماركسية عملياً فقط إلى المنهج الدياليكتيكي وهم على الغالب غير مستوعبين له. كما يجري التنكر الكامل للينينية إما من حيث عدم ذكرها أو التهجم عليها إن كان بشكل مبطن أو صريح. ويجب القول إن تشخيص المؤتمر التاسع لحزبنا كان دقيقاً لأمثال أولئك المحرفين إذ جاء في التقرير السياسي المقر في المؤتمر التاسع ما يلي:
«وبشكل عام إن جهابذة الاشتراكية الديمقراطية في بلادنا مبتذلون وضحلون وسطحيون بقدر ما هي رثة ومبتذلة وعديمة الأصالة تلك الفئات البرجوازية التي يحاولون أن يمرروا مصالحها داخل الطبقة العاملة والجماهير الكادحة».
(وثائق المؤتمر التاسع للحزب الشيوعي السوري، ص /71/)
يزعم المرتدون من كافة الأنواع بما فيها المتجلية بشكل مُقزم في منطقتنا أن اللينينية هي نظرية وضعت من أجل الدول المتخلفة. وحتى لو كانت هي كذلك، فتكون صالحة لأغلبية بلدان العالم بما فيها كل البلدان الواقعة في منطقتنا. ولكن هذه المقولة ابتدعت من أجل تبرير الارتداد عن طريق النضال الثوري الثابت والذي تعبر عنه اللينينية. فاللينينية هي ماركسية عصر الإمبريالية والثورة البروليتارية. وفي الظروف الراهنة التي يعيشها العالم لا يمكن تحليل الظواهر الأساسية للمسائل التي تواجهها البشرية وإيجاد الطريق القويم لحلها باتجاه التقدم الاجتماعي إلا انطلاقاً من الأساس النظري الراسخ والنظرية العلمية المتكاملة والتي هي الماركسية اللينينية.
إن المحرفين «الحداثويين» يسهمون شاؤوا أم أبوا في الهجوم الإيديولوجي على الشيوعية، والذي يشنه العدو الطبقي مستهدفاً مثلنا ورموزنا وصولاً إلى تشويه ذاكرتنا التاريخية. وفي هذا المجال يجري عمل ممنهج. ففي البداية يجري الهجوم على ستالين وينتهي الأمر بالهجوم على الماركسية اللينينية عموماً والتشكيك بجدوى النضال الثوري كله. والهدف من ذلك ضرب معنويات الشيوعيين وإبعاد الجماهير عنهم.
وعلينا، نحن الشيوعيين، أن نصون تاريخنا من حملات التشويه وأن نحافظ على رموز نضالنا البطولي والنبيل، ويمكن أن نقول بكل فخر واعتزاز إننا نحن، الشيوعيين السوريين قد بقينا محافظين على مُثلنا وعلى إيديولوجيتنا الماركسية اللينينية، أي على الهوية الطبقية الواضحة، لذلك بقينا نشكل جاذباً بالنسبة للكادحين في بلدنا، بمن فيهم فئات مهمة من جماهير الشباب الكادح.
ونحن نؤكد اليوم ما أكده حزبنا على مدى العقدين المنصرمين بأن حزبنا يدافع بثبات عن تجربة الاشتراكية الواقعية التي شهدها القرن العشرون. فالمنظومة الاشتراكية، وخاصة الاتحاد السوفييتي، حققت تحولات جذرية خلال وجودها، سواءً في المفاهيم الأساسية المتعلقة بحقوق الكادحين، أو في المفاهيم الأساسية المتعلقة بحقوق الأمم والشعوب، وأولها حق الاستقلال والسيادة الوطنية والسير بالطريق الذي تختاره بنفسها.
هناك حقيقة ساطعة لم تزعزعها كل الافتراءات، ألا وهي أن جميع الانتصارات التي حققتها الحركة الشيوعية في القرن العشرين من انتصار الثورات الاشتراكية والديمقراطية الشعبية، وبناء أنظمة تعتمد على مبادئ العدالة الاجتماعية، وكذلك قهر الفاشية العالمية، والمساعدة الفعالة للشعوب في نيل استقلالها الوطني والسعي لتثبيت سيادتها الوطنية، وإضفاء ملامح الديمقراطية على العلاقات الدولية، كل هذه الإنجازات الكبيرة والتي غيّرت وجه ووعي البشرية تحققت بالذات تحت راية اللينينية.
أما الثورات المضادة في دول المنظومة الاشتراكية والأعمال التخريبية ضد الحركة الشيوعية العالمية وضد الحركة التحررية الثورية بشكل عام، فقد جرت بهذا الشكل أو ذاك تحت لواء معاداة اللينينية.
إن تطور الحياة الاجتماعية على كوكبنا واحتدام الصراع الطبقي على النطاق العالمي يثبتان الأسس المكونة للماركسية اللينينية التي تؤكد أنه لا يمكن حل التناقض التناحري بين العمل والرأسمال لصالح الكادحين بدون الثورة الاجتماعية وإقامة ديكتاتورية البروليتاريا مكان ديكتاتورية البرجوازية، أي إقامة الديمقراطية الحقيقية لصالح الأكثرية مكان الديمقراطية الزائفة تماماً لصالح الأقلية البرجوازية القائمة الآن.
وتتبيّن أكثر من أي وقت مضى، راهنية المقولة الأساسية للماركسية بأنه لا يمكن بناء مجتمع العدالة الاجتماعية بدون الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج. إنها المقدمة السببية الاقتصادية الأساسية للاشتراكية، وبدون إدراج هذا العامل فإن أية نظرية حول الاشتراكية تصبح كلاماً طوباوياً وفارغاً.
إن الأحداث والوقائع التي يشهدها العالم المعاصر تثبت صحة النظرية اللينينية حول الإمبريالية، وبالتالي تثبت صحة النظرية اللينينية للثورة الاشتراكية، وضرورة تحالف القوتين الأساسيتين للعملية الثورية في مرحلة الإمبريالية، وهما الحركة العمالية العالمية وحركة التحرر الوطني في العالم.
الحزب الشيوعي السوري
يؤكد الحزب الشيوعي السوري في مؤتمره الحادي عشر تمسكه بالنهج الذي أرساه خالد بكداش، القائد التاريخي للشيوعيين السوريين، في الثبات على المبدأ والنزاهة في خدمة الشعب وفي الدفاع عن نقاوة الماركسية اللينينية وصونها. وفي تقديم تضحيات جُلـّى في سبيل قضية الوطن ومصالح الشعب. فهكذا نشأ وترعرع الحزب وهكذا واجه التحديات والحملات التي شُنـّت عليه والملاحقات، التي خرج منها رافعاً الرأس. واليوم يؤكد الشيوعيون السوريون استمرارهم بالسير في هذا النهج المجيد محافظين على تراث حزبهم في التفاني من أجل مصلحة الشعب والوطن.
يستند الحزب الشيوعي السوري في كل نشاطه العام إلى الأركان الثلاثة لسياسته التي صاغها قائد الشيوعيين السوريين ومعلمهم خالد بكداش وأكدت عليها مؤتمرات الحزب منذ المؤتمر الثالث وهي:
ــ التعاون مع كافة القوى الوطنية والتقدمية في البلاد.
ــ النضال الدائم في سبيل مصالح الجماهير الكادحة.
ــ الحفاظ على وجه الحزب المستقل في القضايا المبدئية والقضايا السياسية الكبرى.
ويؤكد الشيوعيون السوريون في المؤتمر الحادي عشر لحزبهم تمسكهم بهذه الأركان الأساسية، والعمل وفقها وتطبيقها الخلاق في ظروف تطور الصراع الطبقي في البلاد والمعركة الوطنية ضد المؤامرات والمخططات الاستعمارية.
إن الحزب الشيوعي السوري حزب الوطن فوق كل اعتبار. يشهد له بذلك تاريخه النضالي الناصع، ومواقفه المبدئية الراهنة المتميزة بصلابتها في مواجهة المخططات الاستعمارية التي تحيكها الإمبريالية والصهيونية من أجل إركاع وطننا. ويدعو الحزب الشيوعي السوري بثبات إلى عدم تقديم أي تنازل أمام الابتزازات الإمبريالية، فخط التنازل هو مستنقع له سطح وليس له قاع. ويرى حزبنا في تعبئة الجماهير الشعبية من أجل تعزيز الصمود الوطني مهمته الوطنية الأولى. ويجب القول إن الهيئات الحزبية والرفاق الشيوعيين يقومون بواجبهم بشكل جيد وبشعور عال من المسؤولية في الإسهام بالمعركة الوطنية الكبرى التي يخوضها الشعب السوري وبتوطيد الموقف الوطني السوري المشرّف.
ويؤكد الحزب الشيوعي السوري على موقفه المبدئي الثابت الذي صاغه قائد الشيوعيين السوريين خالد بكداش: «إن نقطة الانطلاق الرئيسية في تحديد موقفنا من الوضع العام في البلاد، في تحديد موقفنا من النظام القائم بمجمله، ومن كل حزب أو فئة سياسية: ما هو موقف هذا الوضع وهذا النظام وهذا الحزب، أو هذه الفئة من القضية الكبرى: قضية النضال ضد الاستعمار والإمبريالية ومخططاتها». إن هذا الموقف الوطني الثابت، هو ملائم تماماً للمرحلة الصعبة التي يعيشها بلدنا، وهو ما سيحدد مجريات أوجه نضال الحزب الشيوعي السوري.
الحزب الشيوعي السوري هو المناضل بثبات من أجل لقمة الشعب، أي من أجل مصالح ومطالب الجماهير الشعبية. ففي ذلك يكمن الواجب الطبقي للشيوعيين بصفتهم ممثلي مصالح الطبقة العاملة والجماهير الكادحة، وتمثيل المصالح يعني الدفاع عنها والنضال من أجل مطالب الكادحين من أكبرها إلى أصغرها، إن النضال الثابت والدائم في سبيل مطالب ومصالح جماهير الشعب هو جزء لا يتجزأ من القيم الشيوعية.
ويركز حزبنا على أهمية النضال المطلبي الذي يخوضه الشيوعيون مع جماهير الشعب، بما فيه تنظيم حملات العرائض حول مسائل ملحة تهم الجماهير. فمن الهام طرح الأمور المطلبية بالوسائل المتاحة. وقد أكدت الرفيقة وصال فرحة بكداش الأمين العام لحزبنا بأن واجب الشيوعي هو النضال الميداني بين الجماهير. فالمنظمات الحزبية لا تقوى إلا بالعمل الجماهيري ويجب أن يكون العمل الجماهيري في مركز اهتمام كل الهيئات الحزبية.
يعمل الحزب الشيوعي السوري بثبات من أجل تعزيز وحدة الصف الوطني. ويولي أهمية خاصة لصون وتوطيد الجبهة الوطنية التقدمية وتطوير نشاطها وتحسين أدائها.
ويرى الحزب الشيوعي السوري ضرورة الاهتمام الجدي بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للصمود الوطني وتعزيزها ويتابع نضاله من أجل استمرار توسيع الحريات الديمقراطية. والشيوعيون السوريون مع نضالهم الثابت من أجل الحريات الديمقراطية المتنوعة للجماهير الشعبية وتوسيعها وتعميقها يعلنون بصراحة أن هدفهم الأساسي هو الديمقراطية الاشتراكية أي المساواة الاجتماعية المستندة إلى الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج والتي تضمن للمواطنين الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والحياتية الأساسية.
يسترشد الحزب الشيوعي السوري بمبادئ الأممية البروليتارية، ويطبقها في نشاطه، يقيناً منه أنه لا يمكن أن تحل الهزيمة النهائية بالإمبريالية، هذه القوة العالمية الظالمة والباغية، إلا من خلال التضامن الكفاحي العالمي للكادحين. والحزب الشيوعي السوري فصيل من فصائل الحركة الشيوعية والعمالية العالمية. ويعمل الحزب أيضاً من أجل جبهة عالمية مناهضة للإمبريالية. إن أممية الحزب الشيوعي السوري نابعة من وطنيته الصادقة الرامية لأن يعيش شعبنا حراً بين شعوب حرة متخلصة من استغلال إنسان لإنسان، ومن اضطهاد أمة لأمة.
الحزب الشيوعي السوري هو حزب الاشتراكية العلمية المعاصرة، أي حزب الماركسية اللينينية، التي ترشد لإنهاء الإمبريالية عبر قيام الثورات الاشتراكية. هذا هو الهدف الصريح للشيوعيين، الهدف النهائي لنضالهم، وكل أشكال نضالهم مسّخرة لهذا الهدف الإنساني الكبير، بإقامة الاشتراكية في بلدانهم وفي العالم بأسره، إقامة مجتمع يحقق إنسانية الإنسان، هذا هو جوهر الموقف الطبقي الذي تتميز به كل نضالات الحزب الشيوعي السوري، وتحدّد أوجه نشاطه.
الحزب الشيوعي السوري فصيل من فصائل حركة التحرر الوطني العربية، يناضل بالتعاون مع الأحزاب الماركسية اللينينية والأحزاب والحركات التقدمية والوطنية المعادية للاستعمار والصهيونية في البلدان العربية، من أجل إنجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية، ومن أجل تحقيق التضامن بين كل الأحرار في دنيا العرب ضد الاستعمار والصهيونية والرجعية. ويناضل الحزب بثبات في سبيل تحرير الجولان السوري والأراضي العربية المحتلة، ودعم قوى المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق، ومن أجل تأمين حقوق الشعب العربي الفلسطيني في العودة إلى ترابه الوطني وتقرير مصيره عليه وإقامة دولته الوطنية المستقلة ذات السيادة الكاملة.
يناضل الحزب الشيوعي السوري في سبيل إحياء التراث العربي التقدمي الذي يزخر به تاريخنا، والحفاظ على التقاليد الوطنية والديمقراطية الثورية وتطويرها، ولنشر الثقافة الوطنية والتقدمية والإنسانية، وتشجيع الفنون بكافة أشكالها وأنواعها، ولإيجاد الأرضية اللازمة لتطوير الحياة الثقافية في المجتمع وتشجيع نشاط المبدعين في المجالات كافة، ومن أجل الحفاظ على التراث الوطني السوري باعتباره الهوية والذاكرة الوطنية الحية للشعب السوري.
يؤكد المؤتمر الحادي عشر للحزب الشيوعي السوري على ما أكدته أجيال متعاقبة من الشيوعيين المقدامين وصانوه بتضحياتهم وعملهم اليومي الدؤوب كون الحزب الشيوعي السوري هو اتحاد كفاحي طوعي بين الشيوعيين الذين يجمعهم هدف واحد هو إلغاء استثمار الإنسان للإنسان واضطهاد شعب لشعب والنضال من أجل الاشتراكية ومن ثم الشيوعية في وطنهم وفي العالم أجمع. وانطلاقاً من ذلك فالحزب الشيوعي السوري هو الطليعة الواعية المنظمة للطبقة العاملة السورية، وهو أعلى شكل من أشكال تنظيمها، والمدافع عن مصالحها الجذرية ومصالح حلفائها كادحي المدينة والريف، إن كانوا الكادحين بسواعدهم أو بأدمغتهم. ويبني الحزب سياسته وعمله على أسس الماركسية اللينينية ويسترشد بها، ويعمل لتطبيقها تطبيقاً خلاقاً على ظروف سورية وخصائصها التاريخية والقومية.
إن قوة الحزب تكمن في وحدته الفكرية والتنظيمية، وحدة الإرادة والعمل. وانطلاقاً من أهدافه الكبرى، يبني الحزب الشيوعي السوري حياته التنظيمية على أساس مبادئ المركزية الديمقراطية في التنظيم، التي تحقق له الجاهزية التعبوية الكفاحية في تحقيق هذه الأهداف. وتتجسد مبادئ المركزية الديمقراطية اللينينية التي يطبقها حزبنا في حياته الداخلية بـ: الانتخاب الديمقراطي الحرّ لجميع الهيئات الحزبية من القاعدة إلى القمة، وقيادة الحزب من مركز واحد، وخضوع الهيئات الدنيا للهيئات العليا، والتزام الأقلية برأي الأكثرية والممارسة الواسعة للنقد والنقد الذاتي الرفاقي البنـّاء. هذه الشروط ضرورية من أجل تحقيق وحدة الإرادة والعمل، لتنظيمٍ يطمح لإحلال تغيير جذري في المجتمع من خلال سيادة مبادئ العدالة الاجتماعية. ويرى الحزب الشيوعي السوري أن التخلي عن المبادئ اللينينية في التنظيم يؤدي إلى فقدان الحزب لسماته الثورية البروليتارية.
وتكتمل شروط وحدة الإرادة والعمل من خلال العمل الدؤوب في تثقيف الرفاق ماركسياً، وبسياسة حزبهم المبدئية. وتبيّن مجريات العمل الحزبي والمهام التي تقف أمام الحزب وكذلك الظروف التي تحيط بنشاط الرفاق والمنظمات، على ضرورة إيلاء الاهتمام الأكبر بمجالات التثقيف الحزبي، انطلاقاً من الأعمال المكونة لمؤسسي الماركسية اللينينية ومقررات الحزب وأعمال وتراث الرفيق خالد بكداش. وكذلك الاطلاع قدر الإمكان على أبحاث ودراسات ماركسية لينينية معاصرة وعلى وثائق الأحزاب الشيوعية الشقيقة. ويجب القول بكامل الصراحة أن ما جرى في هذا المجال بين المؤتمرين أقل من المطلوب بكثير. فما زلنا نواجه بعض حالات يكون فيها كوادر ورفاق يفتقدون لجوانب هامة من معرفة أساسيات سياسة الحزب. وكذلك بالرغم من أنه جرى جمع المحطات الأساسية في تاريخ الحزب في كتاب «خالد بكداش في مؤتمرات الحزب» إلا أن هناك حالات نواجهها ومتجسدة بضعف معرفة بعض الكوادر وبشكل خاص بعض الكوادر الشابة، لتاريخ حزبهم وإن مثل هذه الظواهر متعلقة بالدرجة الأولى بضعف الاهتمام بالثقافة الذاتية، ولكنه أيضاً يدل على خلل ما في آلية التثقيف الحزبي للكوادر. هذا بالرغم من أنه خلال الفترة الواقعة بين المؤتمرين جرت عدة ندوات وحلقات بحث عامة وحزبية قدمت فيها أبحاث جدية وتخللها نقاش مثمر ونشرت معظم أبحاثها في مجلة «الطليعة» إلا أن الاستفادة من مثل هذه النشاطات على نطاق الحزب ككل كان أقل من المستوى المطلوب. لذلك يجب وضع آلية أكثر نجاعة في نشر أساسيات الفكر الماركسي اللينيني وفي تحفيز الرفاق على التثقيف الذاتي إلى جانب تطوير أشكال متعددة من المدارس والدورات الحزبية.
لقد أقام الحزب في الفترة الواقعة بين المؤتمرين سلسلة من النشاطات الجماهيرية الواسعة إن كان على نطاق المركز أو المنظمات وكان من أبرزها تلك المكرسة للاحتفال بالذكرى الستين للجلاء والذكرى التسعين لثورة أكتوبر مع الذكرى الخامسة والتسعين لميلاد الرفيق خالد بكداش والذكرى الخامسة والثمانين لتأسيس الحزب، وكذلك المهرجانات السنوية للشبيبة الشيوعية السورية وخاصة المهرجان المكرس للذكرى الخامسة والستين للانتصار على الفاشية. إن كل هذه المهرجانات والنشاطات حضرتها حشود كبيرة من الجماهير وكان الحضور الشبابي فيها مميزاً، وهذا من أحد الدلائل على أن فكر حزبنا وطرحه السياسي ونشاطاته الميدانية تلقى قبولاً عند أوساط واسعة بين الشباب وخاصة الشباب الكادح.
وفي هذا الصدد يرى حزبنا أن مهمة توسيع صفوف الحزب بين الشباب ليست فقط مهمة اتحاد الشبيبة الشيوعية ــ شبيبة خالد بكداش، بل مهمة الحزب بأسره، ولا يمكن تصور استمرارية العمل الجماهيري الناجع بدون أساس متين بين الشباب فهم مستقبل الحزب. ويولي الحزب أهمية خاصة لمطالب الشباب في المجال الاجتماعي والدراسي ولإيجاد فرص عمل لهم، ويدافع بثبات عن مبدأ ديمقراطية التعليم.
خلال الفترة الواقعة بين مؤتمري الحزب جرى التأكيد من قبل اللجنة المركزية على أهمية العمل بين جماهير النساء، وخاصة العاملات منهن. وعقدت اجتماعات نوعية إن كان للجنة المركزية أو للمكتب السياسي حول هذا الموضوع. وتولي قيادة الحزب اهتماماً خاصاً لعمل ونشاط رابطة النساء السوريات لحماية الأمومة والطفولة، مع تأكيدها بأن مهمة العمل بين أوسع جماهير النساء غير محصورة فقط بهذه المنظمة الجماهيرية، بل هي مهمة تقف أمام كل المنظمات الحزبية. إن الحزب الشيوعي السوري إلى جانب كونه أول حزب سياسي في سورية عمل بين صفوف النساء كان وما يزال يؤكد على الأهمية الاستثنائية لنجاعة هذا العمل في المجالين السياسي والجماهيري.
ويجب بذل جهود أكبر لتكوين كوادر من الرفيقات متمكنات فكرياً وسياسياً وتنظيمياً. ومن الهام جداً أن تكون لمثل هذه الكوادر أرضية مناسبة من الثقافة العامة. ويجب الاستمرار بالتوضيح لجماهير النساء أن الحزب الشيوعي السوري منذ تأسيسه هو المناضل الثابت من أجل حقوقهن. وأن الحزب يناضل حالياً من أجل تعديل التشريعات القائمة باتجاه إيجاد إطار قانوني متكامل للمساواة بين المرأة والرجل في كافة المجالات.
وبشكل عام، إن تكوين صلات جماهيرية واسعة حول الحزب والارتقاء بالعمل التنظيمي لمستوى السمعة السياسية للحزب وعمله السياسي، وتقوية مواقع حزبنا في أوساط الجماهير الشعبية، مَهمّة من الدرجة الأولى تقف أمام كافة الرفاق، وفي هذا المجال يجب العمل الكثير والكثير.
إن حزبنا هو حزب النقاء الثوري وبناءً على ذلك يرى أهمية النضال ضد التحريفية والانتهازية بكل أشكالها وألوانها وتجلياتها في الفكر والممارسة، وفي المجالات النظرية والسياسية والتنظيمية. ويسترشد حزبنا في ذلك بالمقولة اللينينية بأن النضال الناجع ضد الإمبريالية متضافر عضوياً مع النضال الدائم ضد التحريفية والانتهازية.
يؤكد المؤتمر الحادي عشر للحزب الشيوعي السوري ما جاء في مقررات مؤتمرات الحزب السابقة بأن الدعوات حول «وحدة الفصائل الشيوعية» أو «وحدة الشيوعيين السوريين» ما هي إلا دعوات هدفها حرف الحركة الشيوعية في سورية عن المسار الصحيح للنضال الوطني والطبقي. فالتوحد مع الاشتراكيين الديمقراطيين، أو مع ممثلي المال السياسي، يحمل في طياته أخطاراً كبيرة على النهج الماركسي اللينيني، إذ يُفقد الحزب الشيوعي وحدة الإرادة والعمل، وهو العامل الأساسي في نجاح النضال الوطني والطبقي للحزب الشيوعي. ونحن نكرر دعوتنا إلى كل شيوعي مخلص، إلى كل مؤمن بالماركسية اللينينية أن ينضم إلى الحزب الشيوعي السوري، ليرفع عالياً مع رفاقه راية الماركسية اللينينية في سماء سورية.
إن مجريات الأمور تدل على أنه يجب رفع روح اليقظة الثورية لدى الرفاق والهيئات الحزبية، إذ أن الأعداء الطبقيين على مختلف مشاربهم ونوعياتهم يكنون حقداً متزايداً للحزب الشيوعي السوري ويعملون بدأب من أجل لجم نشاطه وتخريب تنظيمه. والمنبع الأساسي لحقد العدو الطبقي ينبع من الأمور التالية:
1 ــ إن الحزب الشيوعي السوري يرفع عالياً وبثبات راية الماركسية اللينينية في سماء سورية بل وفي سماء دنيا العرب.
2 ــ الحزب الشيوعي السوري يناضل بلا هوادة ضد الصهيونية ومؤامراتها فاضحاً إياها انطلاقاً من مواقع طبقية وأممية واضحة.
3 ــ يطبق الحزب الشيوعي السوري بمبدئية وإتقان سياسة التحالفات مع الحفاظ على جميع مبادئه وثوابته، مسهماً بدرجة كبيرة في صون المواقف الوطنية السورية وفي تكوين الروح المناهضة للإمبريالية التي يتميز بها الشعب السوري.
4 ــ الحزب الشيوعي السوري يقف بصرامة ضد السياسات الليبرالية الاقتصادية وضد مساعي البرجوازية الكومبرادورية ــ الظِفر المحلي للاحتكارات العالمية وضد كل الفئات الطفيلية من البرجوازية الساعية إلى تصعيد نهبها للدولة والشعب معاً.
إن هذه العوامل مجتمعة جعلت الحزب الشيوعي السوري في موضع كراهية خاصة من قبل العدو الطبقي والذي يشنّ مؤامرات متتالية من أجل ضرب الحزب. وجوابنا نحن الشيوعيين السوريين سيكون في رفع الروح الكفاحية، في التركيز على اليقظة الثورية في وجه عملاء العدو الطبقي وفي تطهير صفوف الحزب الحازم منهم. وأهم شيء في الحفاظ على وحدة الإرادة والعمل. وفي الوقت نفسه أن اليقظة الثورية يجب أن لا تكون معرقلاً، بل عاملاً في توسيع صفوف الحزب وفي الانتقاء الصحيح للكادر. فكما يعلمنا الرفيق خالد بكداش: «إن المواقع المفتاحية في المنظمة التي تطمح لأن تكون الطليعة الفعلية للطبقة العاملة، وبالتالي لأوسع الجماهير الشعبية، يجب أن تكون في أيدي أناس طليعيين، لا ينسون للحظة المصالح الجذرية للبروليتاريا، ولا يتآلفون مع المنافع المؤقتة ويكتفون بها ولا مع المغريات والمكاسب الممكنة، الشخصية أو الفئوية».
أيها الرفاق والرفيقات!
إن المهام التي تقف أمام حزبنا كثيرة ومتشعبة ولكنها تتلـّخص في شعار: الدفاع عن الوطن والدفاع عن لقمة الشعب. والشيوعيون السوريون يؤكدون في مؤتمرهم الحادي عشر أنهم على العهد باقون، مناضلين بثبات ونزاهة تحت راية حزبهم المجيدة التي لن تنكس، في سبيل وطن حر وشعب سعيد!
يا عمال العالم ويا أيتها الشعوب المضطهدة اتحدوا.
= = = = = = = = = =
أقر المؤتمر الحادي عشر التقرير السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري المقدم له.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتداء واعتقالات لطلاب متظاهرين في جامعة نيو مكسيكو


.. مواجهات بين الشرطة الأميركية وطلاب متظاهرين تضامناً مع غزة ب




.. Colonialist Myths - To Your Left: Palestine | أوهام الاستعما


.. تفريق متظاهرين في تل أبيب بالمياه واعتقال عدد منهم




.. حشد من المتظاهرين يسيرون في شوارع مدينة نيو هيفن بولاية كوني