الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ظروف تعيسة

خليل الشيخة
كاتب وقاص وناقد

(Kalil Chikha)

2011 / 9 / 16
سيرة ذاتية


في السنة الأولى من وجودي في الولايات المتحدة، سجّلت في مادة الإنشاء الانكليزية. كان ذلك في مدينة كنساس بولاية ميزورة. كان الصف خليطاً من الأسيويين والأفارقة والعرب. وكنا نحن العرب نأتي معاً ونمضي معاً إلى مقهى الجامعة. أما المدرِّسة (جولي) فكانت شقراء طويلة في الأربعين من عمرها وقد كثر النمش على وجهها، وبسبب إختصاصها في تعليم اللغة للأجانب، فقد تميزت شخصيتها باللطف ورواق المزاج. كان معنا شاب عربي اسمه (صادق)، متقاعس يكتب واجباته في اللحظة الأخيرة من الوقت المحدد. أذكر أنها طلبت منا أن نكتب موضوعاً عن خبراتنا الحياتية، وقبل الحصة بنصف ساعة كان زميلنا (صادق ) يكتب موضوعه في مقهى الجامعة. فكان يمط رقبته إلينا ملهوفاً: مامعنى كلمة (إحتقار) بالإنكليزية، فتعلو الأصوات بجانبي، كل يدلو بما يعرف، ثم يسأله أحدنا: لماذا كلمة (إحتقار) في موضوع كهذا؟ فيرد: لأن أبي دائماً كان يوبخني ويحتقرني. ثم يصرخ مرة أخرى: مامعنى كلمة راعي بالانكليزية؟ فيسأله الزملاء: لماذا كلمة راعي؟ فيجيب: أنا الراعي.. كان والدي يوقظني بعد صلاة الصبح حتى أرعى الغنمات، ثم يسأل عن كلمة (فاشل)، ثم يجيب: لستم بحاجة إلى السؤال عن هذه، لقد كان أبي ينعتني بأني فاشل على مدار النهار. دخلنا الحصة وسلم كل منا الموضوع الذي كتب. بعد فترة وجيزة، قالت الاستاذة (جولي) وعلى وجهها علامات الاستغراب: مستر سادك (صادق) أرجو أن تفسر لي مامعنى هذه العبارة ( (bad envelopes؟ .. هل سقطت سهواً. فوقف زميلنا (صادق) يتلفّت إلينا، يستفسر تلك العبارة. فقال : أعني بها حياة سيئة .. حوادث سيئة. فقالت مصححّة: تعني (circumstances)، ثم أخرجت من حقيبتها مظروف كبير وقالت: هذا هو المظروف سادك. وبدأ كل من كان في الصف من العرب بالضحك. ولم نعرف إذا كان قد ترجم كلمة مظروف (والعامية تقال ظروف) بنفسه أم لقنه أحد زملائنا الكلمة من أجل السخرية والضحك.
مرة، ذهبنا إلى بيت زميلنا صادق في زيارة عاجلة. فلمح أحدنا علباً كثيرة من أطعمة القطط، فسأل مندهشاً: هل لديك قطة هنا؟ فأجاب : لا أحب القطط. فسأل صديقنا بدهشة أكبر: إذاً .. ماذا تفعل عندك علب غذاء القطط؟ وهنا حصلت ضجة وجلبة من الأصوات، منها يستفسر وأخر يضحك. ركض صديقنا (صادق) إلى العلبة ثم نظر بها وقال بحدة وجدية: يافهمان، هذه علبة لحمة من ماركة القطة .. هذا لحم ضأن صافي. فضحك السائل وهو يقرأ ماكتب على العلبة: أطعمة خاصة بالقطط مع الصلصة. عبس زميلنا (صادق) ثم قال بعد أن أدرك أن المسألة اكتشفت: وماذا به طعام القطط؟ طًعم لذيذ وصحي، وسعره زهيد جداً.
وبسبب كسله وحبه للنوم، كان يتغيب عن دروسه بشكل دوري، وحدث مرة أنه قرع باب حصة درس الإنكليزي ومدّ رأسه من خلال فتحة الباب، وسأل الأستاذة جولي: هل استطيع الدخول؟ فسألته بحنق: هل تعرف أنك متأخر نصف ساعة مستر سادك؟ فأجاب بسرعة وقد ارتسمت على وجهه علامات الأسى واللوّعة: اليوم اتصل بي أهلي وقالوا لي بأن جدتي قد ماتت بارحة. فردت الاستاذة: لقد أخبرتني الاسبوع الماضي بهذا. فقال مرتبكاً: أعني ، أن أبي قد مات . فقالت وقد نفذ صبرها : قلت لي هذا منذ شهر. فأطرق في الأرض وقال ماطّاً كلماته: أنا مريــض هذا الصباح .. أرجو أن تعذريني.
بعد عشر سنوات، شاهدت صادق في إحدى البقاليات العربية يبتاع حاجياته، فسلمت عليه مذكراً أياه أيام الجامعة، ثم سألته ماذا يفعل الآن؟ فقال أن الجامعة طردته بسبب أنها اكتشفت غشه في أحد امتحانات المواد. سألته عن عمله فرد: أعمل في توصيل البتزا إلى المنازل .. وربك ساترها. بعد ذلك اللقاء، لم أشاهد زميلي صادق، فقد غابت أخباره عني كلياً.
----------------------------------------------------------------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد مصرع رئيسي.. هذه تحديات كبرى تواجه إيران ! | الأخبار


.. سر من أسرار محمود وبيسان.. كيف تطورت علاقتهم؟ ????




.. انتخابات مبكرة وإدارة انتقال مضطرب.. امتحان عسير ينتظر إيران


.. جنوب لبنان.. حزب الله ينعى 4 من عناصره ويهاجم مواقع إسرائيلي




.. إعصار الجنائية الدولية يعصف في إسرائيل | #التاسعة