الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شؤون وشجون شباك الدائرة..!!

كريم كطافة

2011 / 9 / 16
كتابات ساخرة


شباك الدائرة هذا، هو مصطلح عراقي قح، لا نجده في بلاد أخرى. أراد مخترعه أو مكتشفه الأول أن يكسر به قوانين الهندسة. هندسياً؛ أن الدائرة خط مغلق على نفسه لا متنفس له ومنه.. ولغوياً نعرف أن ثمة آصرة قوية بين الدال والمدلول.. لذا يكون شباك الدائرة خطأً لغوياً ماحقاً، لأن الدائرة مع الشباك تنتهي كونها دائرة وبالتالي يضيع المدلول. كل هذا كنت أعرفه. لكن ما عرفته لاحقاً أن مشكلة هذا الشباك لم تعد مشكلة هندسية ولا حتى لغوية، بل هي الآن مشكلة وجودية.
وعراقياً كذلك، أن كل مؤسسة خدمية حكومية يسمونها (دائرة..!!!). ربما لأن من يقصدها يظل يلف ويدور في كواليسها حتى يجد نفسه في آخر المطاف عند النقطة التي انطلق منها. ولكل غرفة في الدائرة ثمة شباك مفتوح للخارج مخصص للمراجعين. قيل أنه إجراء احترازي لحماية الموظف من غضب المواطن الكريم، على الأخص في أشهر الصيف اللافحة.
الوصول إلى هذا الشباك اللغز لا يكون إلا عبر وسيلة وحيدة هي قوة العضلات مدعومة بسلاطة اللسان. على المتنكب لهذه المهمة أن يجيد التدافع والتصارع بالمناكب والأقدام وذو خبرة لسانية وصوتية لا بأس بها، لأن عليه أثناء تدافعه مع أشباهه أن يكون صوته هو الأعلى باللازمة المعروفة والتي يرددها الجميع (اخوان رجاءً الزموا سره..!!) وهذه من نوع الجمل التي تكيل بمكيالين، مكيال لجاره المتصارع معه (ترى آني رجل محترم.. بس شسوي مجبور) والثانية للموظف القابع خلف الشباك (وداعتك أريد أساعدك حتى تتنفس.. والحليم تكفيه الإشارة)
بعد عدة جولات من التدافع بالأيدي وبالأرجل على منفذ الهواء الوحيد للموظف، وحسب ذكاء وشيطنة المواطن، سيصل إلى هذا الشباك العتيد ويتبرك بملامسة حديده ويحظى برؤية وجه الموظف. وجه الموظف في العادة ولمؤثرات شتى منها البيتي العائلي ومنها الوظيفي، يكون مطلسماً برسائل متناقضة، غضب، شفقة، برم، مرح، ملل، قنوط، لا إبالية..إلخ علامات ليست كلها تبشر بخير. هنا على المواطن أن يبدل تكتيكه من علو الكعب الصوتي إلى ليونة الصوت واتقان عبارات التذلل والرجاء والتوسل كأي شحاذ على قارعة الطريق. وهكذا من شباك إلى آخر وعلى عدد غرف الدائرة الواحدة، المواطن يفقد على كل شباك ومع نضيح العرق بضعة غرامات من الكرامة.
بهذه الخلفية اليائسة عن شباك الدائرة، قصدته ذات يوم أنا الناجي منه على مدى ثلاثين سنة قضيتها خارج البلد، وكان مقصدي معاملة سهلة لن تأخذ مني غير بضعة دقائق (بالطبع لغشاميتي). لكن ولحسن حظي كان معي صديق عركته السنين على شبابيك الدوائر. سحبني من يدي قبل أن أهم بدخول معترك الشباك، ناصحاً:
ـ لا تتعب نفسك وتحاول مهما كانت معاملتك بسيطة.. عليك بالجايجي..!!
بالطبع لم أفهم. أوضح:
ـ لكل دائرة جايجي وهذا بحكم عمله سيكون عليم حكيم ملم بكواليس وتضاريس الدائرة وهو يعرف من أين وكيف تؤكل الكتف.. تشرب عنده استكان جاي وتدخن جكارة وتسأله (كم وكيف)..!!
ـ يعني..!!؟
ـ بلا يعني بلا بطيخ.. هذا الشباك اللعين هو الخلية الأولى الفاعلة في جسد الفساد المستشري..
بعد هذا التشخيص المفحم لمرض الفساد، لم أملك غير الطاعة والتنفيذ، لكن بمعلومة جديدة أضفتها إلى معرفتي القديمة بالشباك؛ تقول؛ أن شباك الدائرة ليس مشكلة هندسية ولا لغوية.. بل هو مشكلة وجودية.. نكون أو لا نكون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??